موجز رأس المال


فريدريك انجلز
2023 / 8 / 8 - 15:12     

ملاحظة الناشرين
تتطابق محتويات هذا الكتاب مع الطبعة الروسية المنشورة عام 1940.
وقد ترجمت المواد عن الألمانية، باستثناء المقال المنشور في فورتنايتلي ريفيو حيث أن كتب، أصلا، بالانكليزية.
أما الاستشهادات المأخوذة من رأس المال فقد استقاها انجلز من لطبعة الألمانية الأولى.
وتشير الأرقام الواردة بين قويسات « » إلى أرقام صفحات الطبعة الإنكليزية من المجلد الأول من رأس المال (موسكو 1963).

--------------------------------------------------------------------------------
القسم الأول: ثلاث مقالات عن الجزء الأول


(أولا) رأس المال لكارل ماركس [44]

1-

طالما كان هناك رأسماليون وعمال على وجه الأرض. لم يظهر كتاب بالغ الأهمية للعمال مثل الذي بين أيدينا. إن العلاقة بين رأس المال والعمال، وهي المحور الذي يرتكز عليه كامل نظامنا الاجتماعي الراهن، وتُعالج هنا ولأول مرة بصورة علمية وبشمول ودقة لا يمكن أن تحقق إلا على يد ألماني. ثمينة هي كتابات أوين وسان سيمون وفورييه وستبقى كذلك إلا أن مهمة تسلق الذرى كانت محفوظة لألماني، تلك الذرى التي نطل منها على حقل العلاقات الاجتماعية الحديثة لرؤيته بجلاء وبمنظور شامل تماما مثلما يشخص المراقب الذي يقف في الأعالي بنظره إلى مشهد جبل واطئ.
لقد علمنا الاقتصاد السياسي، حتى الآن، أن العمل هو مصدر كل أنواع الثروات ومقياس كل القيم بحيث أن شيئين تتطلب إنتاجهما نفس زمن العمل يمتلكان نفس القيمة، ويمكن بالتالي مبادلتهما ببعضهما ما دامت القيم المتساوية بشكل عام، قابلة للتبادل. ويعلمنا في ذات الوقت بأن هناك نوعا من العمل المتراكم يطلق عليه، رأس المال، وأن رأس المال هذا يرفع القدرة الإنتاجية للعمل الحي، لما يحتويه من مصادر المعونة مائة أو ألف مرة، ويطالب بدوره بتعويض معين يصطلح عليه بالربح أو الكسب. إن هذا كما نعرف جميعا، يحدث في الواقع بطريقة من الطرق تجعل أرباح العمل الميت (المتراكم) تتضخم أكثر فأكثر، ورأس المال يتنامى، في حين أن أجور العمل الحي تتناقص على الدوام وجماهير العمال التي تعيش على الأجور وحدها تتزايد عددا وادقاعا. كيف نحل هذا التناقض؟ كيف تبقى للرأسماليين أرباح إذا كان العامل يسترجع كامل قيمة العمل الذي يضيق إلى المنتوج؟ وهذا ما يجب أن يكون عليه الحال ما دامت القيم المتساوية وحدها قابلة للتبادل. ومن جهة أخرى، كيف يمكن تبادل القيم المتساوية، كيف يتلقى العامل القيمة الكاملة لمنتوجه إذا كان هذا المنتوج، كما يعترف العديد من علماء الاقتصاد، مقسما بينه وبين الرأسمالي؟ لقد وقف علم الاقتصاد عاجزا بوجه التناقض عارضا أو متمتما بعبارات خالية من المعنى.حتى الاشتراكيين السابقين الذين انتقدوا علم الاقتصاد لم يكونوا قادرين على تحقيق شيء أكثر من التوكيد على التناقض، ولم يقم أحد بحله إلى أن أتى ماركس متعقبا عملية نشوء الربح منذ ولادته، وبذلك جعل كل شيء في غاية الوضوح. يبدأ ماركس، في تتبعه لمجرى تطور رأس المال، من الحقيقة البسيطة، الجلية، السيئة الصيت، والقائلة بأن الرأسماليين يحولون رأسمالهم إلى وسيلة ربح عبر التبادل: فهم يشترون بأموالهم سلعا يبيعونها فيما بعد لقاء مال أكثر من كلفتها. وعلى سبيل المثال، يشتري الرأسمالي قطنا بمبلغ (1000) تالر ويبيعه من ثم لقاء (1100) تالر، رابحا بذلك (100) تالر. إن المائة تالر الزائدة عن رأس المال الأصلي هي التي يسميها ماركس: القيمة الزائدة. من أين تنبع هذه القيمة الزائدة؟ استنادا إلى فرضية الاقتصاديين، القيم المتساوية وحدها قابلة للتبادل. وهذا صحيح في حقل النظرية المجردة. من هنا، فإن شراء القطن وبيعه من جديد لا ينتج قيمة زائدة إلا بقدر ما ينتج عن إبدال تالر فضي بثلاثين غروشن فضي، وإعادة استبدال الغروشنات الفضية، من جديد، ب تالر فضي، وهي عملية لا يصبح المرء معها ثريا ولا فقيرا. كما أن القيمة الزائدة لا تأتي من بائعين يبيعون سلعا أعلى من قيمتها أو مشترين يشترون سلعا أدنى من قيمتها، لأن كلا منهم يكون بدوره بائعا ومشتريا، ولذا فإن العملية تتوازن من جديد. ولا تنبثق القيمة من باعة ومشترين ينهبون بعضهم البعض بصورة متبادلة، لأن ذلك لن يخلق أية قيمة زائدة جديدة بل يوزع رأس المال الموجود بنسب مختلفة على الرأسماليين. إلا أن الرأسمالي، مع هذا، يستخلص من العملية قيمة أكبر مما وضع فيها.كيف يحد ذلك؟
في ظل الشروط الاجتماعية الراهنة، يجد الرأسمالي، في سوق البضائع، سلعة لها خاصية غريبة تتميز بأن استخدامها يصبح مصدرا لقيمة جديدة، أي خالقا لقيمة جديدة، أي خالقا لقيمة جديدة. هذه السلعة هي: قوة العمل.
ما هي قيمة قوة العمل؟ إن قيمة أي سلعة تقاس بالعمل اللازم لإنتاجها. إن قوة العمل موجودة على شكل عامل حي بحاجة إلى كمية معينة من وسائل العيش لنفسه ولعائلته تؤمن استمرار وجود قوة العمل حتى بعد موته. من هنا، فإن وقت العمل الضروري لإنتاج وسائل العيش يمثل قيمة قوة العمل. يدفع الرأسمالي للعامل أجرا أسبوعيا، فيشتري بذلك حق استخدام قوة العمل طوال الأسبوع. إلى هذا الحد سوف يتفق السادة الاقتصاديون معنا اتفاقا تاما بخصوص قيمة قوة العمل.
يشرع الرأسمالي الآن بتشغيل العامل. ولكن، في وقت معين يكون العامل قد أنجز عملا يمثل أجره الأسبوعي. ولنفترض أن الأجر الأسبوعي للعامل يمثل عمل ثلاثة أيام. فإذا باشر العمل صباح الاثنين، فإنه يعوض الرأسمالي في مساء الأربعاء القيمة الكاملة للأجر المدفوع. ولكن هل يكف حينذاك عن العمل؟ لا أبدا. لقد اشترى الرأسمالي قوة عمل أسبوع وينبغي على العامل أن يتابع العمل طوال الأيام الثلاثة الباقية. هذا العمل الزائد، الأعلى والأكثر من الوقت الضروري للتعويض عن الأجر، هو مصدر القيمة الزائدة، مصدر الربح، مصدر النمو المطرد لتراكم راس المال.لا تقولوا أن افتراضنا بأن العامل يعيد، في ثلاثة أيام، الأجور التي تلقاها، ويعمل الأيام الثلاثة المتبقية للرأسمالي، هو افتراض اعتباطي. لأنه إذا كان العامل يستغرق ثلاثة أيام أو يومين أو أربعة أيام بالضبط للتعويض عن أجره فإن تحديد ذلك ليس مهما بالطبع، ويتوقف على الظروف، النقطة الجوهرية هي أن الرأسمالي يقتطع عملا غير مدفوع الأجر، إلى جانب العمل الذي يدفع لقاءه، وهذا ليس افتراضا اعتباطيا،لأنه إذا كان الرأسمالي قد تلقى من العامل، عبر فترة طويلة من الزمن عملا يساوي الأجور التي دفعها،فأن الرأسمالي سوف يغلق مصنعه،لأن الربح الناتج بأكمله سوف يكون صفرا.
هنا يكمن حل جميع هذه التناقضات. لقد أضحى منبع القيمة الزائدة (التي يشكل ربح الرأسمالي جزء مهما منها) الآن جليا وطبيعيا.
إن قيمة قوة العمل مدفوعة الآن، ولكن هذه القيمة أقل بكثير من تلك القيمة التي يقتطعها الرأسمالي من قوة العمل، والفرق بين الاثنين أي العمل غير المدفوع، هو الذي يؤلف بالضبط نصيب الرأسمالي، أو بصورة أدق نصيب الطبقة الرأسمالية. حتى الربح الذي يحققه تاجر القطن في المثال المذكور سلفا،لا بد أن يحتوي على عمل غير مدفوع، إذا كانت أسعار القطن لم ترتفع. ولا بد أن التاجر قد باع قطنه إلى أحد صناعيي النسيج الذي يمكنه أن يستخلص لنفسه ربحا معينا إلى جانب المائة تالر، ويستطيع بالتالي أن يقتسم مع التاجر هذا العمل غير المدفوع الذي وضعه في جيبه. وبصورة عامة، فإن هذا العمل غير المدفوع هو نفسه الذي يعيل كافة أعضاء المجتمع غير العاملين. إن الضرائب المحلية، وضرائب الدولة، إضافة للريع العقاري... الخ بقدر ما يتعلق الأمر بالطبقة الرأسمالية، تسدد جميعا من العمل غير المدفوع. إن النظام الاجتماعي الراهن، يرتكز برمته على هذا العمل. إن النظام الاجتماعي الراهن، يرتكز برمته على هذا العمل. إن من السخف الادعاء بأن العمل غير المدفوع لم يظهر إلا في ظل الظروف الحالية، حيث تتم عملية الإنتاج بواسطة الرأسماليين من جهة والعمال المأجورين من جهة أخرى. بالعكس.لقد كانت الطبقات المقهورة، في كل الأزمنة، مضطرة لتأدية أعمال غير مدفوعة. فطوال الحقبة التاريخية الكبيرة التي كانت فيها العبودية الشكل السائد من أشكال تنظيم العمل، كان العبيد مرغمين على أداء أعمال أكبر بكثير مما كان يعاد إليهم بالمقابل على شكل وسائل للبقاء. والحال نفسه يستمر في ظل نظام القنانة وحتى لحظة إلغاء أعمال السخرة الفلاحية. وهنا يظهر، في الحقيقة، الفرق بين الزمن الذي يعمل فيه الفلاح لإعالة نفسه وبين العمل الزائد من أجل السيد الإقطاعي بشكل ملموس، ذلك لأن الأخير ينفذ بصورة منفصلة عن الأول.أما في ظل الرأسمالية فقد تبدل الشكل إلا أن الجوهر يظل ماثلا، فما دام هناك «جزء من المجتمع يمتلك حق استثمار وسائل الإنتاج، فإن الشغيلة، أحرارا أو غير أحرار، مرغمون على أن يضيفوا إلى جانب العمل الضروري لبقائهم، عملا إضافيا لإنتاج وسائل العيش إلى مالكي وسائل الإنتاج».(رأس المال ص 202 «ص 235»).



2-

رأينا، في المقال السابق، أن العامل الذي يستأجره الرأسمالي ينجز عملا مضاعفا: يعوض الشغيل في الجزء الأول منه عن الأجور التي دفعها له الرأسمالي سلفا، ويطلق ماركس على هذا الجزء من العمل اسم «العمل الضروري». إلا أن العامل مجبر على الاستمرار في العمل، وفي هذا الوقت ينتج للرأسمالي القيمة الزائدة، وهي الحصة المهمة التي يتألف منها الربح. هذا الجزء من العمل يسميه ماركس: العمل الزائد.
دعونا نفترض أن العامل يشتغل ثلاثة أيام تعويضا عن أجره، وثلاثة أيام لإنتاج القيمة الزائدة للرأسمالي. إن ذلك يعني، بصيغة أخرى، أن الشغيل في يوم عمل مؤلف من 12 ساعة، يعمل ست ساعات لقاء أجره، وست ساعات لإنتاج القيمة الزائدة. إلا أن الرأسمالي لا يمكن أن يحصل على أكثر من ستة أيام من الأسبوع أو سبعة بضمنها يوم الأحد، على أقصى تقدير، إلا أن بوسعه أن يقتطع ستة أو ثماني أو عشر ساعات أو اثنتي عشرة ولربما خمس عشرة ساعة أو أكثر في كل يوم.إن العامل يبيع للرأسمالي يوم عمل لقاء أجر يوم. ولكن كم يبلغ يوم العمل؟ ثماني ساعات أم ثماني عشرة ساعة.
إن من مصلحة الرأسمالي جعل يوم العمل أطول ما يمكن. ويشعر العامل، شعورا صحيحا، إن كل ساعة من ساعات العمل الزائدة مسروقة منه ظلما. إنه يختبر بجسده معنى اشتغال ساعات إضافية زائدة. يصارع الرأسمالي من أجل منفعته، ويصارع العامل من أجل صحته، من أجل ساعات قليلة لراحته اليومية، ليكون قادرا ككائن إنساني على تأدية مشاغله الأخرى غير العمل، كالنوم وتناول الطعام. ويمكن أن نشير بهذه المناسبة إلى أن الأمر لا يتوقف إطلاقا على الإرادة الطيبة للرأسمالي كفرد، فيما إذا كان يرغب في مزاولة هذا الصراع أم لا، ما دامت المنافسة ترغم أكثر الرأسماليين حبا للإنسانية، على الانضمام إلى أقرانه لجعل مدة العمل اليومي أطول ما يمكن.
لقد اندلع النضال من أجل تثبيت يوم العمل منذ اللحظة الأولى لظهور العمال في التاريخ، وحتى يومنا الحاضر. إن أيام العمل التقليدية السائدة في فروع الصناعة متباينة تماما، إلا أن من الصعب ملاحظة الفروقات في الواقع. ولكن أن يثبت القانون حدود يوم العمل ويشرف على مراقبته حتى يمكننا أن نقول أن هناك بالفعل يوم عمل طبيعي.وهذا هو الحال الآن في كافة الأحياء الصناعية بإنكلترا دون استثناء. فقد تم تثبيت يوم العمل بعشر ساعات (عشر ساعات ونصف للأيام الخمسة الأولى، وسبع ساعات ونصف ليوم السبت) لكل النساء والأولاد بين سن 13-18...ولما كان الرجال لا يستطيعون العمل بدون هؤلاء، فقد خضعوا بدورهم إلى يوم عمل مؤلف من عشر ساعات. لقد نال عمال الصناعة الإنكليزية هذا القانون عبر سنين طويلة من العذاب والنضال العنيد الدؤوب بوجه مالكي المصانع، عبر الصحافة، وحرية الاجتماع وتأليف الجمعيات، وأيضا عبر الاستثمار الحاذق لانقسامات الطبقة الحاكمة نفسها. لقد أضحى مكسبا للطبقة العاملة، وأخذ يمتد بالتدريج إلى كل الفروع الصناعية المهمة، وقد شمل، في السنة الماضية، كل الصناعات تقريبا، على الأقل تلك التي تستخدم الأطفال والنساء.
إن كتاب ماركس الحالي يحتوي على مادة كبيرة تستوعب تاريخ هذا التنظيم القانوني ليوم العمل في انكلترا. وسيكون ل –(رايخستاغ ألمانيا الشمالية) هو الآخر تنظيما للمصانع وبالتالي نظاما للعمل في المصانع لا بد أن يثير بصدده النقاش. ولا نتوقع أن أحدا من النواب المنتخبين من قبل العمال الألمان سوف يتقدم لمناقشة اللائحة دون أن يتعرف بالتفصيل على مؤلف ماركس. إن فيه الكثير مما يمكن استثماره. إن الانقسامات القائمة في أوساط الطبقات الحاكمة في ألمانيا أكثر فائدة من الانقسامات التي كانت قائمة في إنكلترا،لأن الانتخابات العامة ترغم الطبقات الحاكمة على أن تنشد العون من العمال. إن أربعة أو خمسة ممثلين للبروليتاريا يؤلفون قوة في مثل هذه الظروف، شرط أن يعرفوا كيف يستخدمون مركزهم، أو قبل كل شيء، إذا عرفوا ما هي نقطة الخلاف التي لا تعرفها البرجوازية. إن كتاب ماركس يمنحهم، في صيغة جاهزة، كل المادة المطلوبة.
سوف نتجاوز عددا من البحوث الرائعة التي تتمتع بفائدة نظرية كبيرة، لنأتي إلى الفصل النهائي الذي يعالج تراكم رأس المال. يوضح ماركس هنا ولأول مرة أن نمط الإنتاج الرأسمالي، أي الذين يفترض وجود رأسماليين من جهة وعمالا مأجورين من جهة أخرى، لا يقتصر على إعادة إنتاج رأس المال بصورة مستمرة، ولكنه يعيد إنتاج فقر العمال بصورة مستمرة في ذات الوقت، بحيث أنه يؤمن، على الدوام، ظهور رأسماليين جدد يمتلكون كافة وسائل البقاء، والمادة الأولية وأدوات العمل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يؤمن وجود جماهير غفيرة من العمال المضطرين لبيع قوة عملهم إلى هؤلاء الرأسماليين لقاء كمية من وسائل العيش التي لا تكفي، في أحسن الأحوال، إلا لبقائهم قادرين على العمل، وعلى إنجاب جيل جديد من بروليتارين أصحاء. إلا أن رأس المال لا يعاد إنتاجه فحسب بل يزداد ويتضاعف باستمرار وكذلك تتضاعف سطوته على طبقة العمال المعدومي الملكية.
وكما أن رأس المال يعاد إنتاجه بمعدلات تتزايد باطراد، فأن نمط الإنتاج الرأسمالي المعاصر يعيد إنتاج طبقة العمال المعدومي الملكية بمعدلات متزايدة أيضا وبأعداد هائلة..«إن التراكم (تراكم رأس المال) يعيد توليد العلاقات الرأسمالية باتجاه تقدمي، فالمزيد من الرأسماليين أو رأسماليين أكثر في هذا القطب يقابله عمال مأجورين أكثر في القطب المقابل.. إن تراكم رأس المال، هو بالتالي، نمو للبروليتاريا». (ص600 «ص613»).
وعلى أية حال فإن عدد العمال الضروريين لإنتاج نفس الكمية من المنتوجات يتناقض أكثر فأكثر بفضل التقدم الآلي وتحسن الزراعة..الخ. وهذا يؤدي إلى نمو عدد العمال الفائضين عن الحاجة بسرعة أكبر من نمو رأس المال نفسه. ما هو مصير هذا العدد المتنامي من العمال؟ إنهم يشكلون جيش الصناعة الاحتياطي الذي يتقاضى، في فترات الأعمال السيئة أو المتواضعة، أجرا أدنى من قيمة عمله، كما أنه يستخدم بصورة غير دائمية، أو يصبح تحت رعاية المؤسسات الخيرية، إلا أن الطبقة الرأسمالية لا تستغني في أوقات ازدهار الأعمال عن هذا الاحتياطي –كما هو جلي وملموس في إنكلترا- الذي يؤدي لها خدمة تحطيم قوة مقاومة العمال الدائمين، والإبقاء على أجورهم المتدنية. «كلما كانت الثروة الاجتماعية أكبر..تعاظم جيش الصناعة الاحتياطي (نسبة السكان الفائضين [45]).. وكلما كانت نسبة الجيش الاحتياطي أكبر من الجيش الفعلي (العمال الدائمين) كلما تضخمت جماهير السكان الفائضين (الدائمة) أو (فئات العمال) التي يتناسب بؤسها بصورة عكسية مع عذابات عملها. وأخيرا، كلما اتسعت فئات المعدمين من الطبقة العاملة وجيش الصناعة الاحتياطي، كلما تزايدت الفاقة الرسمية. هذا هو القانون العام المطلق للتراكم الرأسمالي.» (ص 631 «ص 644»).
إن هذه القوانين الصارمة والمثبتة علميا –والتي يبذل الاقتصاديون عناية فائقة في أن لا يقوموا بأية محاولة لدحضها- هي بعض القوانين الرئيسية للنظام الاجتماعي الرأسمالي المعاصر.ولكن هل قيل بذلك كل شيء؟. إطلاقا. فمثلما يشدد ماركس بقوة على الجوانب السيئة في الإنتاج الرأسمالي، فإنه يبرهن بوضوح أن هذا الشكل الاجتماعي كان ضروريا لتطوير قوى الإنتاج الاجتماعية إلى مستوى معين يكون معه التطور المتساوي، الجدير بالبشر، ممكنا لكل أعضاء المجتمع. لقد كانت كل أشكال المجتمعات السابقة أفقر مما ينبغي لتحقيق ذلك. إن الإنتاج الرأسمالي يخلق، ولأول مرة، الثروة والقوى المنتجة الضرورية لذلك، بيد أنه يخلق، أيضا، في ذات الوقت.من صلب جماهير الشغيلة المقهورين طبقة اجتماعية تندفع أكثر فأكثر للمطالبة بالانتفاع بهذه الثروة وهذه القوى الإنتاجية لصالح المجتمع كله.عوضا عن استثمارها لصالح طبقة احتكارية واحدة كما هو الحال اليوم.



--------------------------------------------------------------------------------

نقد الاقتصاد السياسي
هامبورغ، أوتومايسنر 1867 [46]
أضافت الانتخابات العامة إلى الأحزاب البرلمانية الموجودة أصلا، حزبا جديدا، الحزب الديموقراطي الاشتراكي. وفي انتخابات (رايخستاغ شمال ألمانيا) الأخيرة رشح الحزب ممثلين عنه في معظم المدن الكبيرة وفي كافة الأحياء الصناعية، ولم يفز منهم سوى ستة أو ثمانية مرشحين. إن قوة الحزب، بالمقارنة مع الانتخابات الأخيرة، قد تضاعفت بصورة كبيرة، ولهذا يمكننا أن نفترض بأن هذه القوة، في الوقت الحاضر على الأقل، ما تزال تتعاظم. إن من الحماقة أن نأمل في استمرار التغاضي والسكوت عن وجود نشاط ومعتقدات مثل هذا الحزب في بلد وضعت الانتخابات العامة فيه مصيرها النهائي بيد الطبقة الأكثر فقرا وعددا. ومهما تكن حالة الانقسام والتذبذب القائمة في صفوف النواب الاشتراكيين المعدومين، فإن بوسعنا الافتراض بكل ثقة أن كل مجموعات (فرق) هذا الحزب سوف ترحب بالكتاب الحالي على أنه: إنجيلها النظري والترسانة التي تستمد منها مجادلاتها الأكثر أهمية. فعلى هذا الأساس وحده يستحق الكتاب اهتماما خاصا. إلا أن محتوياته هي الأخرى سوف تكون مثيرة للانتباه. فبينما تقتصر مجادلات لاسال الأساسية –ولاسال في الاقتصاد السياسي ليس إلا تلميذ لماركس- على التكرار المستمر لما يسمى بقانون ريكاردو في الأجور، يواجهنا، هنا،عمل يعالج كامل علاقات العمل برأس المال وصلتهما بعلم الاقتصاد، وذلك بسعة إطلاع نادرة لا تقبل الجدل، تضع نصب عينيها هدفا نهائيا في (في الكشف عن القانون الاقتصادي لحركة المجتمع الحديث) وتصل بالتالي، بعد تحريات أمينة وواضحة تم إنجازها وفق معرفة أكيدة بالموضوع، إلى النتيجة النهائية في أن «نمط الإنتاج الرأسمالي» برمته لا بد أن يزول. وبودنا، على أية حال، أن نلفت الانتباه إلى أن المؤلف، بمعزل عن هذا الاستنتاج، يعرض في مجرى كتابه عددا لا بأس به من الأمور الاقتصادية في ضوء جديد تماما، ويتوصل عبر تساؤلات علمية خالصة إلى نتائج تختلف عما توصل إليه الاقتصاد الشائع. إن على رجال الاقتصاد المستقيمي الرأي أن ينتقدوا هذه النتائج ويفندونها بجدية وبصورة علمية. إذ لم يكونوا راغبين في رؤية المذهب الذي يروجون له غريقا. ومن الأمور المستحبة، ولصالح العلم، أن تظهر في الصحف المختصة نقاشات حول هذه النقاط بالتحديد.
يبدأ ماركس بتفسير العلاقة بين السلعة والنقد، والتي سبق له أن كتب عن أكثر جوانبها الجوهرية في عمل خاص نشر منذ زمن مضى [47]. وينتقل بعد ذلك إلى رأس المال، وهنا تكمن القضية الرئيسية للعمل بأكمله. ما هو رأس المال؟ أهو النقد الذي يتحول إلى بضاعة، لكي يصار إلى تبديل هذه الأخيرة مجددا من بضاعة إلى نقد أكثر من المبلغ الأصلي. عندما أقوم بشراء قطن بـ(100) وأبيعه بـ(110) تالر، فأنني أحتفظ بـ ال(100) تالر التي تخصني كرأس مال، كقيمة توسع نفسها. والآن يبرز السؤال: من أين تأتي الـ(10) تالر التي ربحتها من هذه العملية؟ كيف يحدث أن تصبح الـ(100) تالر (110) تالر نتيجة عملتي تبادل بسيطتين؟ ذلك لأن علم الاقتصاد يفترض أن القيم المتساوية هي وحدها التي يجري تبادلها. يتأمل ماركس، عندئذ، كل الاحتمالات الممكنة (تقلب أسعار السلع.. الخ) لكي يبرهن، استنادا للشروط التي يفترضها علم الاقتصاد، أن انبثاق القيمة الزائدة (10 تالر) من الـ(100) تالر الأصيلة أمر مستحيل. مع ذلك فأن هذه العملية تجري يوميا، ولم يقدم الاقتصاديون لحد الآن أي تفسير لها. غير أن ماركس يزودنا بالتفسير التالي: لا يمكن حل اللغز إلا إذا وجدنا، في السوق، سلعة من نوع خاص، سلعة تشتمل قيمتها الاستعمالية على إنتاج القيمة التبادلية.هذه السلعة موجودة –إنها قوة العمل. يشتري الرأسمالي قوة العمل ويقوم بتشغيلها لصالحه كي يبيع، بالتالي، ما تنتجه. ينبغي علينا، قبل كل شيء، أن نتفحص قوة العمل.
ما هي قيمة قوة العمل، إنها، استنادا إلى القانون العام المعروف، قيمة وسائل الحياة الضرورية لديمومة الشغيل وإعادة توليد نوعه بالطريقة القائمة في بلد معين أو حقبة تاريخية معينة.
لنفترض أن الشغيل يتلقى القيمة الكاملة لقوة عمله. ولنفترض هذه القيمة ممثلة بست ساعات عمل يوميا، أو نصف يوم عمل. غير أن الرأسمالي يزعم أنه اشترى قوة العمل لمدة يوم عمل كامل، فيدفع الشغيل للعمل 12 ساعة أو أكثر. أنه يحصل، في يوم العمل المؤلف من 12 ساعة، على منتوج ست ساعات عمل دون أن يدفع لقاءها شيئا. من ذلك يستنتج ماركس أن: كل القيمة الزائدة، مهما كانت الطريقة التي تتوزع بها، كربح رأسمالي أو ريع عقاري، أو ضريبة.. الخ هي عمل غير مدفوع الأجر.
وينشأ الصراع على تحديد طول العمل من التضاد بين مصلحة مالك المصنع الذي يود أن يقتطع أكبر قدر ممكن من العمل غير المدفوع يوميا، وبين مصلحة الشغيل المناقضة. ويصف ماركس وصفا جديرا بالقراءة ويستغرق قرابة مائة صفحة، منبع هذا الصراع في الصناعة الإنكليزية الذي انتهى في الربيع الماضي، رغم احتجاجات رجال الصناعة الحرة، ليس إلى خضوع المعامل الصناعية وحدها بل كافة المؤسسات الصغيرة والصناعات البيتية، خضوعا تاما لتعليمات «لائحة المصانع» التي حدد بموجبها يوم العمل للنساء والأطفال تحت سن الثامنة بعشر ساعات ونصف، وشمل ذلك بصورة غير مباشرة الرجال العاملين في أغلب فروع الصناعة. ويشرح ماركس، في الوقت نفسه، كيف أن الصناعة الإنكليزية لم تعان هبوطا، بل العكس أحرزت الكثير، لأنها اكتسبت من زيادة شدة عمل الفرد أكثر مما فقدته بتقليص ساعات العمل.
بيد أن هناك طريقة أخرى لرفع القيمة الزائدة إلى جانب تمديد يوم العمل إلى أكثر من الوقت اللازم لإنتاج وسائل البقاء الضرورية أو لإنتاج قيمتها. ففي يوم عمل محدود، وليكن مؤلفا من 12 ساعة، هناك، استنادا إلى فرضيتنا السابقة، ست ساعات من العمل الضروري وست ساعات لأجل إنتاج القيمة الزائدة. فإذا تم العثور على وسيلة لتقليص وقت العمل الضروري إلى خمس ساعات، يبقى لدينا سبع ساعات تنتج القيمة الزائدة خلالها. ويمكن تحقيق ذلك بانخفاض وقت العمل المطلوب لإنتاج وسائل العيش الضرورية، وبمعنى آخر رخص تكاليف وسائل العيش، وهذا يتحقق، بدوره، بتحسين الإنتاج. ويقدم لنا ماركس، بصدد هذه النقطة، شروحا تفصيلية، وذلك بدراسة ووصف الرافعات الرئيسية الثلاث التي تحقق هذه التعديلات:
1-التعاون: أو مضاعفة القوة التي تنشأ من العمل المنظم المشترك لعدد من العمال في آن واحد.
2-تقسيم العمل: كما تجسد جيدا في فترة المانفكتورة (حتى عام 1770 تقريبا) وأخيرا:
3-الآلة: التي تطورت بفضلها الصناعة الحديثة.
إن هذا الوصف لذو فائدة كبيرة،ويكشف عن معرفة المؤلف المدهشة بالموضوع حتى على مستوى المعلومات التكنولوجية التفصيلية.
ولا يسعنا أن ندخل في تحريات مسهبة أكثر بصدد القيمة الزائدة والأجور، ونكتفي بأن نذكر، تحاشيا لسوء الفهم، أن ما يبرهن عليه ماركس بعدد كبير من الاستشهادات ليس أمرا يجهله الاقتصاديون المستقيمو الرأي، لأنهم يعرفون حقيقة أن الأجور أدنى من كامل نتاج العمل. ولنا أن نأمل بأن يمنحهم هذا الكتاب فرصة إعطائنا تفسيرات قريبة من الواقع بصدد هذه النقطة المثيرة للدهشة حقا. ومن الأمور التي تستحق التقدير أن كافة البراهين الواقعية التي يقدمها ماركس، مستقاة من أوثق المصادر، فمعظمها مأخوذ عن التقارير البرلمانية الرسمية. وننتهز هذه الفرصة لدعم اقتراح المؤلف، المطروح في مقدمة الكتاب، بضرورة القيام بتحريات دقيقة لظروف العمال الألمان في الصناعات المختلفة من قبل موظفي الحكومة –الذين ينبغي أن لا يكونوا، على أية حال، بيروقراطيين متحيزين- وأن ترفع التقارير إلى الرايخستاغ والجمهور.
وينتهي الجزء الأول بدراسة تراكم رأس المال. لقد كتب الكثير عن هذه القضية، إلا أن علينا أن نعترف، هنا أيضا، بأن الكثير مما يقدمه ماركس جديد كل الجدة، وأن النور مسلط على القديم من زوايا جديدة. أما الجانب الأكثر أصالة فهو محاولة البرهنة على أن تمركز وتراكم رأس المال يسير جنبا إلى جنب، وبنفس الخطوات، مع التراكم المستمر للعمل الزائد للجماهير، وأن الاثنين معا سوف يجعلان الثورة الاجتماعية، في النهاية، ضرورية من جهة، وممكنة من جهة أخرى.
ومهما يكن رأي القارئ بمعتقدات المؤلف الاشتراكية، فإننا نعتقد بأننا قد أظهرنا له بأنه يواجه كتابا يفوق المؤلفات العادية التي نشرها الاشتراكيون الديموقراطيون. ونضيف إلى ذلك بأن الكتاب، باستثناء المواضيع الديالكتيكية الكثيفة في الصفحات الأربعين الأولى، وبالرغم من صرامته العلمية، كتاب سهل الفهم، بل أنه كتب بأسلوب ممتع وذلك بسبب أسلوب المؤلف التهكمي الذي لم يتوفر لأحد.


--------------------------------------------------------------------------------

(ثالثا) رأس المال لكارل ماركس [48]


يشير السيد توماس توك في بحثه عن العملة على أن النقد، في وظيفته كرأسمال، يقوم بالعودة إلى نقطة انطلاقه الأصيلة، في حين أن الحال ليس كذلك مع النقد الذي يؤدي وظيفة التداول. ويستخدم السيد توك هذا التباين (الذي سبق للسير جيمس ستيوارت أن وطده منذ أمد بعي) كمجرد حلقة في سلسلة مجادلاته ضد تأكيدات «رجال التداول المالي» حول تأثير إصدار النقود الورقية على أسعار السلع. أما مؤلفنا فأنه يتخذ، على العكس من ذلك، من هذا التباين نقطة البداية في بحثه عن طبيعة رأس المال نفسه، وبالتحديد بخصوص السؤال التالي: كيف يتحول النقد، هذا الشكل المستقل من أشكال وجود القيمة، إلى رأس مال؟
يقول تورجو، أن كل أنماط رجال الأعمال يعرفون أنهم يمارسون: الشراء من أجل البيع. أن مشترياتهم هي بمثابة سلف تعاد إليهم فيما بعد.
الشراء من أجل البيع، هذه هي الصفة التي يقوم بها النقد، حقا، بوظيفته كرأسمال، والتي تتطلب بالضرورة عودة النقد إلى نقطة انطلاقه الأولى. وهذا يتناقض مع عملية «البيع من أجل الشراء» التي يقوم فيها النقد بوظيفة التداول فقط.
وهكذا نرى أن التسلسل المختلف الذي تتعاقب بموجبه عمليات البيع والشراء تفرض على النقد حركتين مختلفتين في التبادل. وبغية إيضاح هاتين العمليتين، فإن المؤلف يعرض علينا الصيغة التالية:
البيع من أجل الشراء: السلعة (س) تبادل لقاء النقد (ن)، وهذا الأخير يبادل ثانية لقاء سلعة جديدة (س). أي س – ن – س.
الشراء من أجل البيع: يبادل النقد (ن) لقاء السلعة (س)، وتبادل السلعة من جديد لقاء النقد. أي: ن – س – س.
إن الصيغة س – ن – س تمثل التداول البسيط للسلع حيث يعمل النقد كوسيلة للدوران أي كوسيط للتداول. يحلل المؤلف هذه الصيغة في الفصل الأول من الكتاب الذي يضم نظرية جديدة وبسيطة عن القيمة والنقد ذات أهمية قصوى من الناحية العلمية، ولكننا نصرف النظر عنها، هنا، ما دامت بشكل عام، قليلة الأهمية بالنسبة للنقاط الحيوية في آراء السيد ماركس عن رأس المال.
إن الصيغة ن – س – ن تمثل، من ناحية أخرى، شكل التداول الذي يحول النقد نفسه فيه إلى رأسمال.
إن عملية الشراء من أجل البيع: ن – س – ن يمكن أن تنحل، كما هو واضح، إلى ن – ن. إنه تبادل غير مباشر للنقد لقاء النقد. لنفترض أنني اشتريت قطنا لقاء (1000) جنينه وبعته بـ (1100) جنيه فإنني أكون في النهاية قد بادلت (1000) جنيه بـ (1100) جنيه، أي مبادلة نقد لقاء نقد.
ولكن إذا كانت هذه العملية تقود، دوما، إلى إعادة نفس الكمية من النقد التي دفعتها سلفا، فأنها ستكون بلا معنى، أما إذا كان التاجر الذي دفع (1000) جنيه سلفا، يتلقى (1100) أو (1000) أو حتى (900) من الجنيهات فإن نقوده تمر بمرحلة تختلف جوهريا عن مراحل الصيغة س – ن – س والصيغة الأخيرة تعني البيع من أجل الشراء، يبيع ما لا تريده لكي تكون قادرا على شراء ما تحتاجه فعلا.
لنقارن هاتين الصيغتين.
إن كل عملية من هاتين العمليتين، مؤلفة من مرحلتين أو فعلين، وهذان الفعلان متماثلان في كلتا الصيغتين، ولكن هناك اختلاف هائلا بين كلتا العمليتين.
في س – ن – س النقد ليس أكثر من وسيط والسلعة، القيمة الاستعمالية، تشكل نقطة البداية والنهاية.
في س – ن – س النقد ليس أكثر من وسيط والسلعة،القيمة الاستعمالية، تشكل نقطة البداية والنهاية.
في الصيغة ن – س – ن السلعة هي حلقة الربط بينما النقد يشكل نقطة البداية والنهاية.
في س – ن – س النقد يصرف مرة واحدة ونهائيا، أما في ن – س – ن فالنقد يدفع على أمل استرجاعه ويعود فعلا إلى نقطة انطلاقه. وبهذا نكون قد بلغنا أول فرق حسي بين دوران النقد كوسيلة تداول، ودورانه كرأسمال.
في عملية البيع من أجل الشراء س – ن – س، يمكن أن يرجع النقد إلى نقطة انطلاقه شرط أن تتكرر العملية برمتها، وأن يتم بيع كمية جديدة من السلع. إن عودة النقد، على هذا الأساس، مستقلة عن سير العملية نفسها. ولكن عودة النقد في ن – س – ن أمر ضروري ومقصود من البداية، وإذا لم يتحقق فإن هناك عقبة في مكان ما، وتظل العملية ناقصة.
إن هدف البيع من أجل الشراء هو اقتناء القيمة القابلة للاستعمال أما هدف الشراء من أجل البيع فهو تملك القيمة القابلة للتبادل.
في الصيغة س – ن – س: القطبان، من وجهة نظر اقتصادية، متماثلان. فكلاهما سلعة، ولكليهما نفس المقدار من القيمة، لأن نظرية القيمة بأكملها تفترض، اعتياديا، أن المتعادلات وحدها يجري تبادلها. إن هذين القطبين س – س هما في نفس الوقت قيمتان استعماليتان مختلفتان في النوعية ولهذا الاعتبار بالذات يتم تبادلهما.أما في ن – س – ن فإن سير العملية يبدو بأكمله ومنذ اللمحة الأولى خاليا من أي معنى. فمبادلة 100 جنيه بـ 100 جنيه بطرق ملتوية يبدو عبثا. إذ لا يختلف مبلغ من النقد عن مبلغ آخر من النقد إلا بالكمية. وعلى هذا فإن ن – س – ن لا تكتسب أي معنى إلا باختلاف قطبيها اختلاف كميا. ولا بد أن يكون النقد المستخرج من التداول أكثر مما وضع فيه. فالقطن المشتري بـ 1000 جنيه يباع بـ 1100 جنيه = 1000 + 100، وتغير المعادلة التي تمثل العملية بالتالي إلى:
ن – س – Ω ، حيث أن Ω = ن + ∆ ن، أي النقد مضافا إليه الزيادة. إن هذه الزيادة (∆ ن) هي ما يطلق عليه ماركس: القيمة الزائدة [49]. إن القيمة المدفوعة أصلا لا تصون نفسها فحسب بل تضيف إلى نفسها زيادة، إنها تولد قيمة، وسير العملية هذا الذي يحول النقد إلى رأس مال. في صيغة التداول س – ن –س يمكن للقطبين بالتأكيد أن يختلفا في القيمة أيضا، ولكن مثل هذه الأحوال مغايرة تماما، فالتداول لا يفقد معناه في حالة تعادل القطبين، بالعكس، لأن من شروط مميزاتها الطبيعية أن يكونا كذلك.
إن تكرار عملية التداول س – ن – س مرهون بظروف خارجة، تماما، عن نطاق سير التبادل نفسه: بمتطلبات الاستهلاك.
ولكن في ن – س – ن تكون البداية والنهاية متماثلتين في النوعية، وبسبب ذلك وحده فإن حركتها مستمرة. لا ريب أن ن+∆ ن تختلف من حيث الكم عن ن، مع هذا فإن الأولى لا تزيد عن مبلغ محدود من النقد. إذا بددته فإنه سيكف عن أن يكون رأسمالا، وإذا سحبته من التداول أضحى كنزا ثابتا. وما أن تحل الرغبة لدخول عملية جعل القيمة تلد قيمة جديدة، وهذه الرغبة موجودة في Ω كما في ن، فإن حركة رأس المال تصبح دائمية ولا نهائية، ذلك لأنه في ختام كل جزء منفصل من الصفقة لا تبلغ العملية هدفها النهائي أكثر من ذي قبل. إن مزاولة هذه العملية دون انقطاع تحول مالك النقد إلى رأسمالي.
إن الصيغة ن –س – ن تنطبق، ظاهريا، على التجار الرأسماليين وحدهم. إلا أن رأسمال أرباب الصناعة، هو الآخر، نقد يبادل لقاء سلعة، وهذه بدورها تبادل لقاء نقد أكثر، في مثل هذه الحالة تدخل، بلا ريب، عدد من العمليات بين لحظة الشراء والبيع، عمليات تمارس خارج نطاق التبادل الصرف، إلا أنها لا تغير من طبيعته شيئا. ونرى نفس العملية، من جهة أخرى، في أكثر صيغها إيجازا في رأس المال المفترض لقاء فائدة ربوية. وتتضاءل صيغة العملية هنا إلى ن - Ω ، قيمة أكبر من نفسها. ولكن من أين تنبثق الزيادة في ن، من أين تنبع هذه القيمة الزائدة؟
إن بحوثنا السابقة في طبيعة السلع والقيمة، والنقد والتداول نفسه، لا تترك سؤالنا بدون تفسير وحسب، بل يبدو أنها تستبعد تدخل أي شكل من أشكال من أشكال تبادل السلع في خلق شيء ما مثل القيمة الزائدة. إن كل الفرق بين دوران السلع (س – ن – س) ودوران النقد كرأسمال (ن – س – ن) يبدو قائما في القلب البسيط لسير العملية، ولكن كيف يمكن للعملية المقلوبة أن تؤدي إلى مثل هذه النتيجة الغريبة؟ زد على ذلك: إن قلب العملية لا يحدث إلا لواحد من ثلاثة أطراف فيها. فأنا كرأسمالي أشتري سلعة من (آ) وأبيعها ثانية إلى (ب). إن (آ) و(ب) يبدوان مجرد شاريين وبائعين للسلع. أنا نفسي أبدو، لدى الشراء من (آ) مالكا للنقد، وفي بيعي لـ(ب) أبدو، مالكا للسلعة. ولكنني لا أبدو، في كلتا الصفقتين، كرأسمالي، كممثل لشيء يختلف عن النقد والسلعة. بالنسبة لـ(آ) بدأت الصفقة بالبيع، أما بالنسبة لـ(ب) فقد بدأت بالشراء. وإذا ظهرت الصيغة س – ن – س مقلوبة من وجهة نظري (أي ن – س – ن) فإنها ليست كذلك من وجهتي نظر (آ) و(ب). كما أنه ليس ثمة ما يمنع (آ) من بيع سلعته إلى (ب) دون وساطتي وعندها لن تطرأ أية مناسبة لتوليد قيمة زائدة. لنفترض أن (آ) و(ب) يشتريان احتياجاتهما الخاصة من أحدهما الآخر مباشرة. كلاهما سوف يكون رابحا بقدر ما يتعلق الأمر بالقيمة الاستعمالية. ولربما يكون بوسع (آ) أن ينتج من سلعته الخاصة أكثر مما يستطيع (ب) إنتاجه في نفس المقدار من الزمن، والعكس بالعكس، وفي هذه الحالة يكون الاثنان رابحين. ولكن الوضع يختلف بخصوص القيمة التبادلية، فيما لو كان النقد يخدم كوسيط أو لا.
إذا تفحصنا التداول البسيط بشكل مجرد، أي إذا استبعدنا كل الظروف التي لا يمكن الاستدلال عليها من القوانين الداخلية لتداول السلع البسيط، فإننا نجد في هذا التداول البسيط، إلى جانب استبدال قيمة استعمالية بقيمة استعمالية أخرى، محض تغيير في شكل السلعة. إن نفس قيمة التبادل ونفس الكمية من العمل الاجتماعي المثبتة في المنتوج، تبقى بحوزة مالك السلعة، سواء كانت (السلعة) على هيئة هذه السلعة نفسها أو على صورة النقد الذي بيعت لقاءه، أو على شكل السلعة الثانية المشتراة بالنقد. هذا التبدل في الشكل لا يقحم، بأي حال من الأحوال، أي تغيير على كمية القيمة، تماما مثل تبديل خمسة جنيهات ورقية بخمسة جنيهات ذهبية. وطالما ليس هناك إلا محض تبديل في شكل القيمة عند التبادل، فلا بد من أن يكون التبادل بين منتوجات متعادلة، على الأقل عندما يجري (التبادل) بشكل نقي وتحت ظروف طبيعية. إلا أنه يمكن بيع السلع بأسعار أعلى أو أدنى من قيمتها، وإذا ما حدث ذلك فإن قانون تبادل السلع ينتهك على الدوام. إن تبادل السلع، في شكله الطبيعي الخالص، ليس وسيلة لخلق القيمة الزائدة. من هنا ينبع خطأ كل الاقتصاديين الذين حاولوا اشتقاق القيمة الزائدة من تبادل السلع مثل (كونديلاك). سوف نفترض على أي حال، أن التبادل لا يجري تحت ظروف طبيعية وأنه يتم تبادل منتوجات غير متعادلة. لندع، على سبيل المثال، كل الباعة يبيعون سلعهم بسعر أعلى من قيمتها بنسبة 10%. لا ريب أن الجميع يخسرون من جديد كمشترين لما سبق أن ربحوه كباعة. سوف يكون الأمر، بالضبط، كما لو أن قيمة النقد قد انخفضت 10%. والعكس يعطي نفس النتائج، أي إذا ما اشترى كل المشترين السلع بأدنى من قيمتها 10%. كما أننا لا نقترب قيد أنملة من الحل بافتراضنا أن كل واحد من مالكي السلع يبيع سلعه بأعلى من قيمتها بصفته منتجا، ويشتري السلع بأعلى من قيمتها بصفته مستهلكا.
إن المتمسكين بوهم انبثاق القيمة الزائدة من الزيادة الاسمية التي تضاف على أسعار السلع يفترضون دوما وجود طبقة تشتري دون أن تبيع، وتستهلك دون أن تنتج. إلى هذه المرحلة من بحثنا، لا نجد تفسيرا لوجود مثل هذه الطبقة. لنعترف أنها موجودة. من أين تتلقى هذه الطبقة النقد الذي تظل تشتري بواسطته؟ إنها تأخذه، كما هو جلي، من منتجي السلع بالقوة، سواء كان اللقب الذي تتستر به قانونيا أو إجباريا –أي من غير تبادل.إن بيع السلع إلى هذه الطبقة بأعلى من قيمتها لا يعني شيئا سوى استعادة جزء من المال الذي أهدي لها مجانا. هكذا كانت المدن الآسيوية تدفع الجزية للرومان وتستعيد جزءا من هذا المال بخداع الرومان في التجارة؟ إلا أن هذه المدن كانت، رغم كل ذلك، أكثر الطرفين خسارة. هذه ليست وسيلة خلق القيمة الزائدة.
لنفترض حالة الخداع. (آ) يبيع إلى (ب) خمرا قيمته 40 جنيها مقابل أذرة قيمتها 50 جنيها. لقد ربح (آ) 10 جنيهات، وخسر (ب) 10 جنيهات ولكن الاثنين لا يمتلكان إلا 90 جنيها كما في السابق. لقد انتقلت القيمة ولم تولد. إن الطبقة الرأسمالية في بلد ما، لا يمكن أن تضاعف ثروتها الخاصة بخداع أفرادها لبعضهم البعض.
وعليه: إذا جرى تبادل المتساويين فلن ينشأ عن ذلك قيمة زائدة؟ وإذا تم تبادل غير متساوية فلن ينجم عن ذلك أي قيمة زائدة أيضا. كما أن دوران السلع لا يخلق قيمة جديدة. ولهذا السبب بالذات لا يؤخذ بنظر الاعتبار شكلا رأس المال الأكثر قدما وشيوعا، وهما رأس المال التجاري ورأس المال الربوي. ولتفسير القيمة الزائدة التي يحققها هذان الشكلان من رأس المال بعيدا عن كونها مجرد نتيجة للنصب والاحتيال، لا بد من توفر عدد من الروابط الوسيطة، إلا أنها ما زالت تعوزنا في هذه المرحلة من البحث. وسوف نرى، فيما بعد، أن رأس المال الربوي والتجاري ليسا إلا شكلين ثانويين، وسوف نتقصى السبب الذي يجعل ظهورهما في التاريخ سابقا، بفترة طويلة، لظهور الرأسمال الحديث.
لا يمكن أن تنشأ القيمة الزائدة، إذن، من دوران السلع. ولكن أيمكن أن تنشأ خارجه، إن مالك السلعة خارج الدوران، هو ببساطة منتج تلك السلعة التي تتحقق قيمتها بكمية العمل التي تحتويها، وتقاس هذه الكمية بقانون محدد اجتماعيا. ويعبر عن هذه القيمة بالنقد الحسابي، ولنقل بسعر 10 جنيهات. إلا أن سعر الـ (10) جنيهات ليس في نفس الوقت سعر (11) جنيها. إن العمل الذي تحتويه السلعة يخلق قيمة، ولكن لا توجد قيمة تكوّن قيمة جديدة. إن بوسعها أن تضيف قيمة جديدة للقيمة الموجودة من قبل، وذلك بمجرد إضافتها عملا جديدا.
كيف يتأتى لمالك السلعة، خارج نطاق الدوران، وبدون أن يكون على اتصال مع مالكي السلع الآخرين، أن ينتج قيمة زائدة، أو بعبارة أخرى، كيف يمكنه أن يحول السلعة أو النقد إلى رأس مال؟
«لا يمكن لرأس المال، إذن، أن ينشأ من تداول السلع كما لا يمكن أن لا ينشأ من هذا التداول. يتوجب على رأس المال أن يجد منبعه في التداول، وفي غير التداول أيضا. ينبغي أن يفسر تحول النقد إلى رأسمال على أساس القوانين الخاصة بتداول السلع، وتبادل السلع المتساوية يشكل نقطة الانطلاق. إن مالك النقد، وهو بعد في حالة جنين رأسمالي مضطر لشراء السلع بقيمتها وبيعها بقيمتها ومع ذلك يستخلص من سير العملية نقدا [50] أكثر مما وظف فيها. إن تطوره إلى رأسمالي ينبغي أن يتم في نطاق تداول السلع، وخارج هذا النطاق في ذات الوقت. هذه هي حدود المشكلة. هنا رودس فلترقص هنا [51]».(ص 165-166)
والآن الحل:
«إن الزيادة في قيمة النقد الذي يتحول على رأسمال لا يمكن أن تحدث في ذلك النقد نفسه، لأن النقد، كوسيلة شراء، ووسيلة دفع لا يقوم إلا بتحقيق سعر السلعة التي يقوم بشرائها أو يدفع لقاءها، وإذا ما بقي في شكله النقدي، دون أي تبادل، فإنه لن يستطيع تغيير قيمته إطلاقا. ولا يمكن أن ينشأ التبدل من الفصل الثاني من العملية (ن – س – ن)، أي إعادة بيع السلعة (س – ن) لأن هذا البيع يحول السلعة من شكلها الطبيعي إلى شكلها النقدي. لا بد أن هذا التبدل يحدث في السلعة التي تم شراؤها في القسم الأول (ن - س)، إلا أنه لا يمكن أن يحدث في نطاق قيمتها عند التبدل، لأننا نتبادل سلعا متساوية، والسلعة تشتري بقيمتها الفعلية. لا يمكن أن ينشأ هذا التبدل، إذن، إلا من قيمة هذه السلعة عند الاستعمال، أي من الاستعمال الذي يستخلص منها. ولغرض استخراج قيمة للتبادل من استعمال سلعة ما، فلا بد أن يكون لمالك النقد حظا كبيرا في أن يكتشف، في نطاق التداول، في السوق، سلعة معينة تكون قيمتها النافعة محتوية على ميزة غريبة في كونها مصدرا للقيمة التبادلية، سلعة يكون استهلاكها إنجازا لعمل ما، وبالتالي خالقا للقيمة. ويعثر مالك النقد، في السوق، على هذه السلعة الخاصة: القدرة على العمل، أو قوة العمل، إن ما نعنيه بـ(القدرة على العمل) أو قوة العمل، هو المجموع الكلي للقدرات الجسدية الموجودة في أهاب الكائن البشري الحي والتي يستخدمها لدى إنتاجه للقيم النافعة».
«ولتمكين مالك النقد من مواجهة قوة العمل كسلعة، في السوق، لا بد من تحقق عدة شروط: أولا، أن نتبادل السلع، بذاته، لا يتضمن أي علاقات تبعية ما عدا التي تنشأ عن طبيعة التبادل نفسه. وعلى هذا الافتراض، تظهر قوة العمل كسلعة، في السوق، بقدر ما تعرض للبيع أو تُباع من قبل مالكها، الشخص الذي تكون هي قوة عمله. ولكي تمكن مالك قوة العمل من بيعها كسلعة، لا بد أن يكون قادرا على التصرف بها، لا بد أن يكون مالكا حرا لقوة عمله، ولشخصه. إنه يواجه مالك النقد في السوق، ويعقدان صفقة عمل كمالكين حرين مستقلين للسلع، ولا يختلفان إلا في أن أحدهما بائع والآخر مشتر. إن علاقة المساواة القانونية هذه ينبغي أن تستمر، فمالك قوة العمل يستطيع، لهذا، أن يبيع قوة عمله لوقت محدد. وإذا ما باعها بكليتها، مرة واحدة، ونهائيا، فإنه يكون قد باع نفسه، ويتحول من رجل حر، إلى عبد، من مالك سلعة إلى سلعة.. الشرط الثاني الضروري لتمكين مالك النقد من مواجهة قوة العمل كسلعة في السوق، هو هذا: أن يكون مالك قوة العمل مرغما على بيع قوة عمله نفسها المتجسدة في شخصه، بدلا من بيع سلع أخرى يتجسد فيها عمله.»
«ولا يمكن لأي منتج أن يبيع سلعا غير قوة عمله، ما لم يكن مالكا لوسائل الإنتاج والمواد الخام، وأدوات العمل.. الخ. إنه يعجز عن صنع أحذية بدون جلود. ويحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى وسائل للعيش. إذ لا يمكن لأي إنسان أن يقتات على منتجات يصنعها في المستقبل، ولا أن يعيش على قيم نافعة لم يقم بعد بإكمال إنتاجها، مثلما أن الإنسان، في اليوم الأول لظهوره على مسرح الحياة، مرغم على الاستهلاك قبل وأثناء قيامه بالإنتاج. وإذا كان منتوجه قد أنتج على أنه سلعة، فلا بد من أن يتم بيعه بعد الإنتاج، ولا يمكن أن يؤمن احتياجاته إلا بعد تحقق البيع. إن زمن الإنتاج يطول بالزمن اللازم لتحقيق البيع».
«إن تحول النقد إلى رأسمال يتطلب، لذلك، أن يواجه مالك النقد، في السوق، شغيلا حرا بمعنى مزدوج، حيث أنه كشخص حر: قادر على التصرف بقوة عمله من جهة، ولا يمتلك أية سلعة أخرى للبيع من جهة أخرى، أي أن يكون غير معاق بصورة تامة، أو منعتقا كلية من كل الأشياء الضرورية لوضع قوة عمله قيد العمل».
«إن سبب مجيء الشغيل الحر للقاء مالك النقد في السوق ليس مهما في نظر الأخير. فسوق العمل بالنسبة له ليس إلا واحدا من الأقسام العديدة للسوق العامة للسلع. ولا نجد نحن أيضا من جهتنا أية فائدة في طرح السؤال عن السبب في اللحظة الراهنة، إلا أننا نتمسك به نظريا، مثلما يتمسك هو به عمليا. إلا أن ثمة أمرا واضحا: ليست الطبيعة هي التي تنتج مالكي نقد وسلع من جهة ومعدمين إلا من ملكية قوة العمل من جهة أخرى. إن هذه العلاقة لا تنتمي إلى التاريخ الطبيعي. فهي نتيجة صيرورة تاريخية طويلة، إنها نتاج عدد من الثورات الاقتصادية، ودمار سلاسل كاملة لمراحل قديمة من الإنتاج الاجتماعي».
«إن المقولات الاقتصادية التي قمنا بتحليلها آنفا، ممهورة بخاتم منبعها التاريخي. إن ظهور المنتوج على شكل سلعة، يتطلب شروطا تاريخية معينة. ولكي يكون المنتوج سلعة ينبغي أن لا يكون قد أنتج على أنه وسيلة العيش المباشرة للمنتج. وإذا تساءلنا الآن: كيف وتحت أية شروط تتخذ كل المنتوجات، أو على الأقل العلبية العظمى منها، شكل السلع؟ لوجدنا أن ذلك يجري على أساس نظام إنتاجي معين دون غيره: إنه نمط الإنتاج الرأسمالي. إلا أن هذا التساؤل كان بعيدا تمام البعد عن تحليل السلعة. إن الإنتاج وتبادل السلع قد يجري دون أن تتحول الغالبية العظمى من المنتوجات – التي تنتج للاستعمال الذاتي العائلي المباشر- إلى سلع، وبذلك تكون عملية الإنتاج الاجتماعي، على اتساعها وعمقها، ما تزال بعيدة عن أن تصبح خاضعة للقيمة التبادلية.. أو كما نرى في تحليلنا للنقد، إن وجود النقد يفترض تطورا معينا في تبادل السلع.
إن الأشكال الغريبة لوجود النقد (كوجوده على شكل معادل بسيط، أو وسيلة تداول، أو وسيلة دفع أو اكتناز أو نقد عام (Universal Money) والتي يمكن أن يسود هذا الشكل منها أو ذاك، تشير بالضبط إلى المراحل المختلفة لسير الإنتاج الاجتماعي، ذلك أن التجربة تبين لنا أن التداول حتى إذا كان في حالة غير ناضجة نسبيا، يكفي لانبثاق كل أشكال النقد هذه. أما مع رأس المال فإن الوضع يختلف. فالشروط التاريخية اللازمة لانبثاقه بعيدة كل البعد عن التحقق مع ظهور تداول السلع والنقد وحدهما. إن رأس المال لا يمكن أن ينبثق إلا عندما يواجه مالك وسائل الإنتاج والعيش الشغيل الحر الذي يعرض قوة عمله للبيع في السوق، وهذا الشرط وحده يتطلب عصورا من التطور التاريخي. هكذا يعلن رأس المال عن نفسه، فورا، كمرحلة خاصة في صيرورة الإنتاج الاجتماعي». (ص 167-170).
علينا الآن أن نتفحص هذه السلعة الغريبة: قوة العمل. إن لهذه السلعة قيمة تبادلية مثل كل السلع الأخرى، وهذه القيمة تحدد بنفس طريقة تحديد قيم كل السلع الأخرى: بوقت العمل اللازم لإنتاجها، والذي يتضمن إعادة إنتاجها. إن قيمة قوة العمل تساوي وسائل العيش الضرورية لبقاء مالكها في حالة طبيعية من اللياقة للعمل. إن وسائل العيش تنتظم، بتأثير المناخ والشروط الطبيعية الأخرى، وفق معدل يتحدد بالتطور التاريخي لكل بلد. وتتنوع هذه المعدلات، إلا أنها تكون محددة في بلد معين وفترة تاريخية معينة. وتتضمن بالإضافة إلى ذلك، وسائل العيش اللازمة للتعويض عن الشغيلة التالفين، لأطفالهم، وذلك لتمكين هذا النصف الغريب من مالكي السلع، من تخليد نوعه. وتتضمن أخيرا كلفة التعليم بالنسبة للعمل الماهر. إن الحدود الدنيا لقيمة قوة العمل هي قيمة الضرورات الفيزيولوجية المطلقة للحياة. فإذا تدنى سعرها إلى هذا الحد فإنها تهبط إلى أدنى من قيمتها، ما دامت القيمة تشمل قوة عمل من نوع طبيعي وليس من نوع أدنى.
إن طبيعة العمل تكشف بجلاء أن قوة العمل لا تستخدم إلا بعد إبرام صفقة البيع، ولا يدفع للعمل، في كل البلدان ذات الإنتاج الرأسمالي، إلا بعد إنجازه.
وهكذا فإن العامل، في كل مكان، يقرض الرأسمالي.
ويقدم لنا السيد ماركس أمثلة مثيرة عن النتائج العملية لهذا القرض الذي يمنحه العمال للرأسمال، استقاها من التقارير البرلمانية التي نحيل القارئ، من أجلها، إلى الكتاب نفسه.
عند استهلاك قوة العمل، ينتج مشتريها، على الفور، سلعا وقيمة زائدة، ولكي نتفحص ذلك ينبغي علينا أن نغادر حقل التبادل وندخل حقل الإنتاج.
نجد هنا، في الحال، أن سير العمل ذو طبيعة مزدوجة، فهو، من ناحية، العملية البسيطة لإنتاج القيمة النافعة، أي تلك القيمة التي يمكن وينبغي أن توجد في ظل كل الأشكال التاريخية للوجود الاجتماعي، ومن ناحية أخرى، هو العملية التي تتحقق في ظل الشروط المحددة للإنتاج الرأسمالي كما ذكرنا آنفا. هذه الشروط هي التي ينبغي أن نتحراها الآن. إن لسير العمل، على أساس رأسمالي، خاصيتين. أولا: أن الشغيل يعمل تحت إشراف الرأسمالي الذي يولي عناية فائقة لمنع تبديد أي شيء، وإلى أن لا يبذل في أية قطعة عمل منفردة أكثر من كمية العمل اللازمة اجتماعيا.
ثانيا: إن المنتوج ملك للرأسمالي، والعملية نفسها تجري بين شيئين يخصانه: قوة العمل وأدوات العمل. إن الرأسمالي لا يعبأ بالقيمة النافعة إلا بقدر ما تندمج في القيمة التبادلية، أو قبل كل شيء بقدر ما تنضم إلى القيمة الزائدة. إن هدفه يتلخص بإنتاج سلعة ذات قيمة أعلى من كمية القيمة التي وظفت لإنتاجها. كيف يمكن تحقيق ذلك؟
لنأخذ سلعة معينة، نسيج القطن مثلا، ونحلل كمية العمل المتجسدة فيها. نفترض أننا نحتاج لإنتاج 10 ليبرات من النسيج إلى 10 ليبرات من القطن قيمتها 10 شلنات (نترك جانبا ما يفقد من القطن أثناء الإنتاج). هناك أدوات عمل أخرى معينة لازمة للإنتاج: ماكنة بخارية، ماكنة حلج، آلات أخرى، فحم، شحوم تزييت..الخ. ولتبسيط الأمور نطلق على كل هذه الأدوات اسم «المغزل»، ولنفترض أن حصة استهلاك المكائن والضياعات والفحم..الخ اللازم لغزل عشر ليبرات من الخيط تمثل قيمة 2 شلن يصبح لدينا:
قطن 10 شلنات + مغزل 2 شلن = 12 شلن.
إذا كانت الـ 12 شلنا تمثل قيمة منتوج (24) ساعة عمل، أو يومي عمل، فإن القطن والمغزل يضيفان إلى النسيج يومي عمل. والآن كم يضاف إليه بالغزل؟
لنفترض أن قيمة قوة العمل، لليوم الواحد، هي 3 شلنات، وأن هذه الـ 3 شلنات تمثل عمل ست ساعات. وأن هذه الساعات الست تكفي لغزل 10 ليبرات من الخيط بواسطة شغيل واحد. في هذه الحالة أضيف بالعمل 3 شلنات إلى المنتوج وتصبح قيمة الـ 10 ليبرات من النسيج مساوية لـ 15 شلنا، أو سُدس بنس لكل ليبرة.
إن هذه العملية شديدة البساطة، إلا أنها لا تتسبب في إنتاج أية قيمة زائدة، ولا يمكنها أن تسبب، لأن الأمور في الإنتاج الرأسمالي لا تجري بهذه الطريقة البسيطة.
«لقد افترضنا أن قيمة قوة العمل تساوي -/3 شلنات يوميا، وأن هذا المبلغ يمثل ست ساعات عمل. فإذا كانت قيمة نصف يوم عمل تكفي لإعالة الشغيل 24 ساعة، فليس هناك ما يمنع نفس الشغيل من العمل يوما كاملا. إن القيمة التبادلية لقوة العمل والقيمة التي تستطيع إنتاجها هذه القوة، هما كميتان مختلفتان تمام الاختلاف، وهذا الاختلاف بالذات هو الذي كان الرأسمالي قد رآه عندما وظف ماله في تلك السلعة.
إلا أن صاحبنا الرأسمالي كان ينظر إلى أبعد من ذلك، أن ما يجذبه هو الظروف الخاصة التي تجعل من قوة العمل هذه منبعا للقيمة التبادلية، وذات قيمة تبادلية أعلى من القيمة التي تحتويها. هذه هي «الخدمة» الغريبة التي يتوقعها الرأسمالي من قوة العمل. ولدى قيامه بذلك، فإنه يتصرف وفق القوانين السرمدية لتبادل السلع. إن بائع قوة العمل يدرك القيمة التبادلية لقوة عمله، ويتخلى عن قيمتها الاستعمالية. إنه لا يستطيع الحصول على إحدى هاتين القيمتين دون أن يهجر الأخرى. فالقيمة الاستعمالية لقوة العمل والعمل نفسه، لم تعد تخص بائعها أكثر مما تخص القيمة الإستعمالية للزيت الذي يبيعه تاجر الزيت. لقد دفع الرأسمالي لقاء قيمة يوم من قوة العمل، وأصبح استعمالها خلال اليوم، يوم العمل، يخصه وحده. إن الظروف التي تجعل تكاليف المحافظة على قوة العمل ليوم واحد تساوي عمل نصف يوم فقط، جاعلة من القيمة التي تخلقها باستعمال طوال اليوم تساوي ضعف قيمتها اليومية –هذه الظروف هي ضربة حظ سعيد للمشتري، ولكنها ليست خطأ يبتلى به البائع على الإطلاق».
«يعمل الشغيل إذن، 12 ساعة، ويغز 20 ليبرة من الخيوط تعادل -/20 شلنا من القطن و -/4 شلنات من المغزل...الخ وتكاليف عمله -/3 شلنات، والمجموع الكلي -/27 شلنا.
ولكن إذا كانت ليبرات من القطن قد امتصت 6 ساعات عمل، فإن العشرين ليبرة تمتص 12 ساعة من العمل كلفتها -/6 شلنات. إن العشرين ليبرة من النسيج تمثل 5 أيام عمل، 4 أيام على هيئة قطن ومغزل..الخ، ويوم واحد على هيئة عمل الحياكة، التعبير بالنقد عن 5 أيام عمل = -/30 شلنا، وبالنتيجة فإن سعر 20 ليبرة من النسيج = -/30 شلنا أو سُدس بنس لليبرة الواحدة كما في السابق. إلا أن المبلغ الإجمالي لقيمة السلع المستثمرة في هذه العملية = -/27 شلنا. إن قيمة المنتوج قد ازدادت إلى ما فوق قيمة السلع الموظفة في إنتاجه بمقدار التسع (1/9). وهكذا تحولت الـ -/27 شلنا إلى -/30. لقد أنتجت قيمة زائد قدرها -/3 شلنات. لقد نجحت الحيلة أخيرا. وتحول النقد إلى رأسمال.»
«إن كافة جوانب المعضلة قد حلت، دون انتهاك قوانين تبادل السلع بأي حال من الأحوال.فالشيء قد بودل بما يساويه. إن الرأسمالي، كمشتر، قد دفع لكل سلعة ما يساوي قيمتها: قطن، مغزل..الخ ثم قوة العمل. وقام بعد ذلك بما يقوم به كل مشتر للسلع. لقد استهلك قيمتها الاستعمالية. إن عملية استهلاك قوة العمل، وهي في نفس الوقت عملية إنتاج لسلعة، أدت إلى إنتاج 20 ليبرة من الخيط قيمتها -/30 شلنا. إن صاحبنا الرأسمالي يعود إلى السوق ليبيع الخيط بـ سُدس بنس لليبرة الواحدة، بدون كسر أعلى أو أدنى من قيمتها. مع هذا فإنه يستخرج من التبادل -/3 شلنات زيادة عما استثمره فيه. إن هذه العملية بأكملها، أي تحول النقد إلى رأسمال، تمر في نطاق التداول، وتتم في ذات الوقت خارج نطاقه. في نطاق التداول كوسيط، لأن شراء قوة العمل من السوق هو الشرط الضروري لتحول النقد إلى رأسمال، وخارج نطاق التداول، لأن التداول ليس إلا بداية عملية إنجاب القيمة للقيمة والتي تتحقق في حقل الإنتاج.. وهكذا:
« كل شيء يسير نحو الأحسن في أحسن العوالم الممكنة» [52] (فولتير-كنديد)
( ص 190 ثم ص 193-195).
وينتقل السيد ماركس من عرض طريقة إنتاج القيمة الزائدة إلى تحليلها. ويتضح، مما سبق، أن جزءا واحدا من رأس المال المستثمر في أي مشروع، يتكفل وحده بالمساهمة في توليد القيمة الزائدة، ذلك هو رأس المال الذي ينفق في شراء قوة العمل.هذا الجزء وحده ينتج قيمة جديدة، أما رأس المال الموظف في المكائن والمواد الخام والفحم..الخ فإنه يعود إلى الظهور، فعلا، في قيمة المنتوج Protano [53]، إنه يصان ويعاد إنتاجه، ولكن دون أن تنجم عنه أية قيمة زائدة. وهذا يدفع السيد ماركس إلى أن يقترح تقسيما جديدا لرأس المال إلى جزئين، الأول: رأس المال الثابت (الدائم) الذي يعاد إنتاجه – إنه الجزء المستثمر في المكائن والمواد الخام وكل الأشياء المساعدة للعمل، والثاني: رأس المال المتغير الذي لا تتم إعادة إنتاجه فحسب، بل هو، وفي نفس الوقت، المنبع المباشر للقيمة الزائدة- إنه الجزء الموظف في شراء قوة العمل، الأجور. يتضح من ذلك أن رأس المال الثابت لا يسهم مباشرة في القيمة الزائدة مهما يكن ضروريا لإنتاجها، إضافة إلى ذلك فإن مقدار رأس المال الثابت المستثمر في أية صناعة ليس له أدنى تأثير في تحديد مقدار القيمة الزائدة التي تنتجها تلك الصناعة [54]. وبالنتيجة، يتوجب علينا أن لا نأخذ بنظر الاعتبار لدى تحديدنا لمعدل القيمة الزائدة. إن معدل القيمة الزائدة لا يتحدد إلا باستخراج نسبة مقدار القيمة الزائدة إلى مقدار رأس المال المستخدم مباشرة في خلقها، وبعبارة أخرى مقدار رأس المال المتغير. على هذا الأساس يحدد السيد ماركس معدل القيمة الزائدة بنسبتها إلى رأس المال المتغير فقط. فإذا كان سعر العمل اليومي يساوي -/3 شلنات، والقيمة الزائدة الناتجة يوميا تساوي -/3 شلنات أيضا، فإن معدل القيمة الزائدة 100%. ويبين ماركس لنا الخطأ الفاحش الذي ينجم عن احتساب رأس المال الثابت، كما هو حاصل، عاملا فعالا في إنتاج القيمة الزائدة عبر مثال السيد ن.ي سينيور عندما دعي أستاذ أكسفورد هذا، الشهير بمعارفه العلمية وأسلوبه الجميل، لزيارة مانشستر عام 1836 لكي يتعلم الاقتصاد السياسي هنا (في محالج القطن) عوضا عن تدريسه في جامعة أو أكسفورد». (ص 224).
يطلق ماركس على وقت العمل الذي يعوض فيه الشغيل عن قيمة قوة عمله اسم: «العمل الضروري»، أما في الوقت الإضافي الذي يشتغله العامل والذي ينتج خلاله القيمة الزائدة فيسميه بـ: «العمل الزائد». والعمل الضروري والعمل الزائد بمجموعهما يشكلان يوم العمل.
إن زمن «العمل الضروري» المطلوب في يوم عمل، قابل للتحديد، إلا أنه لا يمكن تثبيت الزمن المستخدم كعمل زائد بواسطة أي قانون اقتصادي، فقد يكون أطول أو أقصر في ظرف معين. إلا أن العمل الزائد لا يمكن أن يساوي صفرا،لأن دوافع الرأسمالي لاستئجار العمل سوف تلغى حينذاك. كما لا يمكن للمجموع الكلي ليوم العمل أن يبلغ 24 ساعة لأسباب فيزيولوجية. بين يوم عمل مؤلف، لنقل، من 6 ساعات ويوم عمل من 24 ساعة، ثمة مراحل وسيطة عديدة.
إن قوانين تبادل السلع تتطلب أن لا يتجاوز أمد يوم العمل ذلك الحد الذي يتلاءم مع البلى [55] الاعتيادي لقوى الشغيل.ولكن ما هو البلى الاعتيادي؟ كم ساعة من ساعات العمل تتناسب معه؟ هنا تختلف آراء الرأسماليين عن آراء الشغيلة اختلافا واسعا، ولما لم تكن هناك سلطة أعلى من الاثنين، فإن المشكلة تحل بالعنف. إن تاريخ تحديد طول يوم العمل هو تاريخ الصراع بين مجموع الرأسماليين ومجموع الشغيلة، بين الطبقة الرأسمالية والطبقة العاملة حول حدود يوم العمل».
«إن رأس المال، كما ذكرنا آنفا، لم يخترع القيمة الزائدة. فحيثما يكون هناك جزء من المجتمع مهيمنا هيمنة مطلقة على استثمار وسائل الإنتاج، فإن الشغيل عبدا كان أو قنا أو حرا مرغم على أن يؤدي (إلى جانب العمل الضروري لبقائه الخاص)، عملا زائدا بغية إنتاج وسائل البقاء لمالك وسائل الإنتاج سواء كان هذا المالك أرستقراطيا أثينيا [56] أو ثيوقراطيا ايتروسكيا، أو سيدا رومانيا، أو بارونا نورمانديا، أو مالك عبيد أمريكي أو نبيلا من والاشيا Wallachian boyar [57] أو ملاك أراضي معاصر أو رأسماليا.» (ص 235).
من الواضح، على أية حال، أن العمل الزائد، في أي شكل من أشكال المجتمعات الذي تكون فيه القيمة الاستعمالية للمنتوج أكثر أهمية من قيمته التبادلية، يتقيد بالمدى الواسع أو الضيق للحاجات الاجتماعية، ففي مثل هذه الظروف لا توجد، بالضرورة، أية رغبة في الحصول على العمل الزائد لذاته. ففي المجتمعات الكلاسيكية نجد أن العمل الزائد في أكثر أشكاله تطرفا، تشغيل الناس حتى الموت، لم يكن يحدث إلا في مناجم الذهب والفضة حيث كان يجري إنتاج القيمة التبادلية في شكل وجودها المستقل: النقد. وإذا كانت الأمة التي يرتكز إنتاجها إلى أكثر أشكال العبودية والسخرة البدائيتين، تعيش وسط سوق عالمي يهيمن عليه الإنتاج الرأسمالي، فإن بيع منتوجاتها كصادرات يصبح هدفها الأساسي –هنا تضاف الفظائع المتمدنة للتشغيل الزائد إلى الفظائع البربرية للعبودية والسخرة. وهكذا حافظ عمل العبيد في الولايات الأمريكية الجنوبية على طابعه البطرياركي والمتواضع عندما كان الإنتاج موجها لتلبية الاستهلاك العائلي والآني بصورة رئيسية. ولكن ما أن أضحى تصدير القطن مهما وحيويا لهذه الولايات، حتى أصبح إرهاق الزنجي بالعمل، وفي بعض الأحوال استنفاذ حياته في سبع سنوات، عنصرا قسريا في نظام قسري. والحال نفسه ينطبق على أعمال السخرة لأقنان الإمارات الدانوبية» (235-236).
إن مقارنة أعمال السخرة مع الإنتاج الرأسمالي تصبح بالغة الأهمية، لأن العمل الزائد في السخرة، يكتسب شكلا مستقلا ملموسا.
لنفترض أن يوم العمل مؤلف من 6 ساعات عمل ضروري و6 ساعات عمل زائد. إن الشغيل يمول الرأسمالي بـ 36 ساعة عمل زائد أسبوعيا. أي كما لو أن العامل قد اشتغل ثلاثة أيام لنفسه وثلاثة أيام من أجل الرأسمالي. إلا أن هذا الأمر لا يتضح، على الفور، للعيان. إن العمل الزائد والعمل الضروري ممتزجان ببعضهما بهذا القدر أو ذاك. ويمكنني أن أعبر عن نفس العلاقة بقولي أن العامل، في كل دقيقة، يشتغل 30 ثانية لنفسه و30 ثانية أخرى للرأسمالي. بيد أن الأمر يختلف مع أعمال السخرة. إن نوعي العمل منفصلان مكانيا. فالعمل الذي يؤديه الفلاح في إمارة والاشيا (Wallachian) لنفسه على سبيل المثال، يقوم به في حقله الخاص،أما العمل الزائد من أجل النبيل boyar)) فإنه يؤديه في أراضي النبيل. إن جزئي عمله موجودان بشكل مستقل عن أحدهما الآخر، فالعمل الزائد على هيئة عمل السخرة منفصل تماما عن العمل الضروري.» (ص236).
يتوجب علينا أن نحجم عن اقتطاف إيضاحات أخرى مهمة عن التاريخ الاجتماعي المعاصر للإمارات الدانوبية والتي يبرهن السيد ماركس بواسطتها على أن الأمراء، بمعونة التدخل الروسي، لا يقلون حذاقة عن أرباب العمل الرأسماليين في اقتطاع العمل الزائد.
إن القانون العضوي (Règlement Organique) [58] الذي منح الجنرال الروسي كيسيليف بواسطته، الأمراء سلطة غير محدودة على عمل الفلاحين، يعبر تعبيرا إيجابيا عما تعبر عنه لائحة المصانع الإنكليزية تعبيرا سلبيا.
«إن هذه القوانين [59] تعارض الميل الغريزي لرأس المال نحو الاستغلال غير المقيد لقوة العمل (نستميح العذر لاستعمال المصطلح الفرنسي لعدم وجود مرادف له في الإنكليزية)، وذلك بوضع حد لطول العمل بالقوة، بواسطة سلطة الدولة، وهي يحكمها ملاكو الأرض والرأسماليون. وبغض النظر عن تأثيرات حركة الطبقة العاملة التي كانت تكتسب كل يوم اتساعا أكبر، فإن تقليص ساعات العمل في المصانع قد أملته نفس الضرورة التي جلبت السماد من البيرو إلى حقول انجلترا. إن نفس الجشع الأعمى الذي أوهن التربة في الحالة الأولى، قد أصاب، في الحالة الثانية، حياة الأمة في الصميم. والأوبئة الدورية قد تفوهت بصراحة هنا، كما في فرنسا وألمانيا، مؤكدة ضرورة الإنقاص المستمر لمعدل طول المجندين» (ص 239).
وللبرهنة على ميل رأس المال إلى توسيع العمل إلى ما وراء كل الحدود المعقولة، يستشهد السيد ماركس بمقتطفات غزيرة من تقارير مفتشي المصانع، ولجنة استخدام الأطفال، والصحة العامة وتقارير برلمانية أخرى، موجزا إياها في الخلاصة التالية:
«ما هو يوم العمل؟ كم يبلغ الوقت الذي يسمح خلاله لرأس المال بأن يستهلك قوة العمل بعد دفع قيمتها اليومية؟ إلى أي مدى يمتد يوم العمل زيادة عن الوقت الضروري لتجديدة قوة العمل نفسها؟ يجيب رأس المال: أن يوم العمل يبلغ 24 ساعة كاملة، يستثنى منها تلك الساعات القلائل من الراحة التي ترفض قوة العمل، بدونها، رفضا باتا تجديد خدماتها. إنها لمسألة طبيعية أن لا يكون الشغيل، طوال اليوم بأكمله، غير قوة عمل، إن مجمل الوقت الذي تحت تصرفه هو وقت عمل يخص الرأسمال المولد للقيمة.. وفي هذا السياق الأعمى وراء العمل الزائد، لا يتجاوز راس المال الحدود الأخلاقية فحسب، بل يتجاوز الحدود الفيزيولوجية القصوى ليوم العمل. إن رأس المال لا يكترث بطول حياة قوة العمل.. إنه يسبب إتلافها المبكر وموتها، إنه يعمل على تمديد وقت العمل في فترة محددة بتقصير حياة الشغيل.» (ص264-265).
ولكن أليس هذا ضد مصلحة رأس المال نفسه؟ ألا يضطر رأس المال، في سعيه هذا، إلى استعادة تكاليف هذا الإتلاف والاستهلاك المفرطين؟ قد يكون الأمر كذلك من الناحية النظرية. أما من الناحية العملية فإن تجارة العبيد المنظمة في الولايات المتحدة الأمريكية الجنوبية قد رفعت ممارسة استهلاك قوة عمل العبيد في سبع سنين إلى مصاف مبدأ اقتصادي مسلم به، كما أن الرأسمالي الإنكليزي يعتمد على ما تموله به المناطق الزراعية من أيد عاملة.»
«إنه يرى زيادة دائمة في السكان، أي زيادة سكانية بالمقارنة مع طاقة رأس المال على امتصاص العمل الحي، رغم أن الفيض السكاني يتألف من سيل لا ينقطع من أجيال من الرجال الكسيحين السريعي الذوبان، الذين يتزاحمون مع خلفائهم، ويحين أوان قطافهم قبل النضوج. إن التجربة قد تكشف، للمراقب العادي، كيف أن الإنتاج الرأسمالي رغم أنه لم يبرز إلا بالأمس، من وجهة نظر تاريخية.قد خرّب الجذور الحيوية لقوة الأمة بهذه السرعة، وكيف أن انحطاط الجماهير الصناعية لا يعيقه عائق سوى الاستيعاب المستمر للعناصر الزراعية، وكيف أن هؤلاء الشغيلة الزراعيين، بالرغم من الهواء النقي ومبدأ الاصطفاء الطبيعي السائد بينهم، قد شرعوا بالتدهور. إن الرأسمال الذي يمتلك مثل هذه الدوافع القوية لإنكار عذابات الطبقة العاملة التي يحيا عليها، لا يدع فعاليته تضطرب، كثيرا أو قليلا، بمشهد انحطاط الجنس البشري المقبل، ولا بالنقص السكاني المحتوم، أكثر مما يضطرب لاحتمال ارتطام الكرة الأرضية بالشمس. إن جميع المشاركين في الصناعات ذات الرساميل المساهمة يعرفون أن الصاعقة ستنقض إن آجلا أو عاجلا، إلا أن كل واحد منهم يتوقع سقوط الرعد على رأس جاره، لتتاح له، هو، الفرصة لجمع المطر الذهبي، واختزانه في مكان أمين.وليكن من بعدي الطوفان [60]، هذه هي صيحة الحرب التي يطلقها كل رأسمالي وكل أمة رأسمالية. وعلى هذا فإن رأس المال لا يعبأ بصحة وحياة الشغيل ما لم يرغمه المجتمع على القيام بالعكس، وعلى العموم فإن هذا الاستخفاف بحياة الشغيل لا يتوقف على الإرادة الطيبة أو الشريرة للرأسمالي الفرد. فالمنافسة الحرة تفرض القوانين الذاتية للإنتاج الرأسمالي على جميع الرأسماليين الأفراد في هيئة قوانين طارئة ذات طابع قسري.» (ص 269-270).
إن تحديد يوم العمل الطبيعي جاء نتيجة لصراع دام قرونا عديدة بين رب العمل والشغيل. ومن المثير للاهتمام أن نتتبع صراع هذين التيارين المتعارضين. كانت القوانين تهدف، أول الأمر، إلى إرغام الشغيلة على العمل أطول مدة ممكنة. إلا أن الطبقات الحاكمة لم تفلح، منذ القانون الأول للشغيلة (أيام ادوارد الثالث 1349) وحتى القرن الثامن عشر، لم تفلح في اغتصاب المقدار الكامل للعمل الممكن من الشغيل. ولكن الأحوال انقلبت رأسا على عقب بدخول الماكنة البخارية والآلة الحديثة. كما أن تشغيل النساء والأطفال عجل بتحطيم كافة القيود التقليدية ليوم العمل، بحيث أن القرن الثامن عشر بدأ بنظام تشغيل زائد لم يسبق له مثيل في تاريخ العالم، مما أجبر المشرعين في حدود سنة (1804) على سن قوانين تحدد ساعات العمل. ويقدم لنا السيد ماركس سردا كاملا لتاريخ تشريعات المصانع الإنكليزية حتى قانون ورش العمل الصادر في 1867، مستخلصا منها الاستنتاجات التالية:
1- إن الماكنة والآلات البخارية تسبب العمل الزائد في الفروع الصناعية التي تستخدم فيها أولا، وعليه فإن التقييدات القانونية تطبق على هذه الفروع أول الأمر، ولكننا نجد فيها بعد أن نظام التشغيل الزائد ينتشر في كل الصناعات الأخرى تقريبا، حتى في الصناعات التي لا تستخدم الآلة، أو تلك الصناعات التي ما زالت تسود فيها أكثر أنماط الإنتاج بدائية. (راجع: تقرير لجنة استخدام الأطفال).
2- بدخول النساء والأطفال إلى المصانع يفقد الشغيل «الحر» الفرد قدرته على مواجهة انتهاكات رأس المال، فيضطر للخضوع دون قيد أو شرط وهذا يجعله بحاجة إلى المقاومة الجماعية، فيبدأ حينذاك نضال طبقة ضد طبقة نضال العمال بمجموعهم ضد الرأسماليين بأجمعهم.
إذا ما أعدنا النظر الآن إلى اللحظة التي اعتقدنا فيها أن الشغيل «الحر» و«المتساوي» يتعاقد مع الرأسمالي بحرية، لوجدنا أن العديد من الأمور قد تغيرت إلى حد كبير. إن التعاقد من جانب الشغيل ليس تعاقدا حرا، لأن ساعات اليوم التي له الحرية ببيع قوة عمله خلالها، هي نفس الساعات التي يضطر لبيع قوة عمله خلالها، وأن معارضة العمال، كجماهير، هي وحدها التي تؤدي إلى تشريع قانون عام يمنع بيعهم لأنفسهم وأولادهم للموت والعبودية بموجب عقد «حر». «وبدلا من البيان الفخم عن حقوق الإنسان المشروعة، نال العمال «العهد الأكبر» [61] المتواضع للائحة قانون المصانع».
يتوجب علينا الآن تحليل معدل القيمة الزائدة وعلاقتها بـ«المقدار الكلي» للقيمة الزائدة. ونفترض في هذا البحث كما فعلنا لحد الآن، أن قيمة قوة العمل هي كمية محددة وثابتة.
استنادا إلى هذه الفرضية فإن معدل القيمة الزائدة يحدد، في ذات الوقت، كمية القيمة الزائدة التي يجهز العامل الواحد بها الرأسمالي في وقت معين. فإذا كانت قيمة قوة العمل هذه تساوي -/3 شلنات يوميا، وهذه بدورها تمثل ست ساعات عمل، وكان معدل القيمة الزائدة 100%، فإن رأس المال المتغير الذي قيمته -/3 شلنات ينتج يوميا قيمة زائدة قدرها -/3 شلنات، أي أن العامل يقدم ست ساعات عمل زائد يوميا.
ولما كان رأس المال المتغير هو التعبير النقدي عن كافة قوى العمل المستخدمة في آن واحد معا من قبل الرأسمالي، فإن المجموع الكلي للقيمة الزائدة الذي تنتجه كافة قوى العمل يستخرج بواسطة حاصل ضرب رأس المال المتغير في معدل القيمة الزائدة، وبتعبير آخر فإن المجموع الكلي للقيمة الزائدة يتحدد باستخراج النسبة بين عدد قوى –العمل المستخدمة في وقت واحد وبين درجة الاستغلال (أي معدل القيمة الزائدة). إن أيا من هذه العوامل عرضة للتغير، بحيث يمكن التعويض عن انخفاض أحدهما بارتفاع الآخر. إن رأسمالا متغيرا يستخدم 100 عاملا بمعدل قيمة زائدة 50% (أي ثلاث ساعات عمل زائد يوميا) لن ينتج قيمة زائدة أكبر مما ينتجه نصف هذا الرأسمال المتغير باستخدام 50 عاملا بمعدل قيمة زائدة 100% (أي ست ساعات عمل زائد يوميا). وهكذا، في ظل شروط معينة وفي نطاق حدود معينة، يكون ما يقدمه العمل الخاضع لرأس المال مستقلا عما يقدمه العمال بالفعل. وهناك، على أي حال، حدود مطلقة لرفع القيمة الزائدة برفع معدلها. ومهما تكن قيمة قوة العمل، سواء كانت تمثل ساعتين أو عشر ساعات من العمل الضروري، فإن القيمة الكلية للعمل الذي ينجزه الشغيل لا يمكن أن تبلغ قيمة تساوي 24 ساعة عمل. ولغرض الحصول على كميات متساوية من القيمة الزائدة، يمكن أن يستعاض عن زيادة رأس المال المتغير بزيادة يوم العمل ضمن هذه الحدود فقط. سوف يكون هذا عنصرا مهما في تفسير الظواهر العديدة التي تنشأ عن هذين الميلين المتناقضين لرأس المال:
1- تخفيض عدد العمال المستخدمين، أي تخفيض كمية رأس المال المتغير.
2- إنتاج أكبر كمية ممكنة من العمل الزائد.
يجري الأمر على النحو التالي: «إذا كانت قيمة قوة العمل محددة، ومعدل القيمة الزائدة متساويا، فإن مقداري القيمة الزائدة التي ينتجها رأسمالان مختلفان يتناسبان طرديا مع كمتي رأس المال المتغير اللذين يحتويهما.. ويتناقض هذا القانون بشكل سطحي مع كل التجربة المبنية على مظهر الوقائع. فكلنا نعرف أن غازل القطن الذي يعمل برأس مال ثابت كبير نسبيا ورأس مال متغير ضئيل نسبيا، لا يحصل، بسبب ذلك، على نسبة من الأربح أقل من الخباز الذي يستثمر رأسمالا ثابتا ضئيلا نسبيا، ورأسمالا متغيرا أكبر. ولحل هذا التناقض الحلي لا بد لنا من حلقات ربط عديدة، تماما مثل حاجتنا إلى العديد من حلقات الربط في الجبر الأولي لكي نفهم بأن (صفر: صفر) تمثل كمية حقيقية.» (ص307).
لا يمكن رفع القيمة الزائدة بالنسبة لبلد معين وليوم عمل محدد الطول، إلا بزيادة عدد العمال، أي بزيادة السكان، إن هذه الزيادة تشكل الحد الرياضي لإنتاج القيمة الزائدة من قبل الرأسمال الجماعي لذلك البلد. وإذا كان عدد العمال محددا، من جهة أخرى، فإن حدود القيمة الزائدة تثبت عند أعلى طول ممكن ليوم العمل. سوف نرى، فيما بعد، أن هذا القانون لا يصح إلا على شكل القيمة الزائدة التي قمنا بتحليلها لحد الآن.
ونجد في هذه المرحلة من البحث، أن ليس كل كمية من النقد قابلة للتحول إلى رأس مال، وأن هناك حدا أدنى ضروريا لذلك: كلفة وحدة قوة عمل، وكلفة أدوات العمل اللازمة لتشغيل هذه القوة.
إذا فرضنا أن معدل القيمة الزائدة يساوي 50% [62] فإنه يتوجب على صاحبنا الرأسمالي الرضيع أن يكون قادرا على استخدام شغيلين اثنين ليتمكن هو من العيش مستوى الشغيل الفرد. إلا أن هذا الوضع سوف يمنعه من توفير أي شيء، وغاية الإنتاج الرأسمالي لا تتوقف عند المحافظة على مستوى العيش، بل أيضا وبصورة رئيسية: زيادة الثروة. «فلأجل أن يعيش أفضل مرتين من الشغيل الاعتيادي ولغرض تحويل نصف القيمة الزائدة المنتجة إلى رأسمال فإن عليه أن يكون قادرا على استخدام ثمانية عمال. ويجوز له، بالتأكيد، أن يتولى بنفسه تأدية هذا النصيب من العمل بصحبة عماله، ولكنه مع هذا سيظل سيدا صغيرا، كائنا هجينا في حالة وسطى بين الرأسمالي والشغيل. غير أن تطورا معينا في الإنتاج الرأسمالي يدفع الرأسمالي بالضرورة إلى تكريس كل وقته، الذي ينشط خلاله كرأسمالي، كممثل لرأس المال، لتسيير عمل الآخرين والاستحواذ على عملهم وبيع منتوجات هذا العمل. كانت قيود الطوائف الصناعية في القرون الوسطى تسعى لعرقلة انتقال «المعلم» الصغير إلى رأسمالي وذلك بتقليص الحد الأعلى لعدد العمال الذين يسمح لكل رب عمل باستخدامهم. إن مالك النقد والسلع لا يتحول إلى رأسمالي حقيقي إلا عندما يتمكن من الشروع بجعل الحد الأدنى من العمال أعلى من الحد الأقصى المسموح به في القرون الوسطى. وفي هذا المجال، كما في العلوم الطبيعية، تثبت صحة القانون الذي اكتشفه هيجل: أن التغييرات الكمية المحضة، في نقطة معينة، تؤدي على تغيرات نوعية.» (ص308-309).
إن الحد الأدنى من كمية القيمة اللازمة لتحويل مالك النقد والسلع إلى رأسمالي تختلف باختلاف مراحل تطور الإنتاج الرأسمالي. وفي مرحلة من مراحل هذا التطور تختلف كمية القيمة باختلاف فروع الصناعة. إن علاقة الرأسمالي بالعامل، خلال سير عملية الإنتاج المفصلة أعلاه، تتغير إلى حد كبير.
لقد أضحى رأس المال، قبل كل شيء، مسيرا للعمل، أي مسيرا للعامل نفسه. فالرأسمالي، ممثل رأس المال، يولي عناية فائقة في ضمان تأدية الشغيل لعمله بانتظام ودقة، وبدرجة الشدة المطلوبة. والأكثر من ذلك، إن رأس المال يكون قد تطور إلى علاقة إلزامية ترغم الطبقة العاملة على أداء عمل يفوق ما تقتضيه دائرة احتياجاتها الذاتية الضيقة. إن رأس المال بصفته منتجا لصناعة الغير، ومغتصبا للعمل الزائد، ومستغلا لقوة العمل، أن رأس المال هذا يفوق في نشاطه وكفاءته واندفاعه كل الأنظمة الإنتاجية السابقة رغم أنها ترتكز أيضا على العمل الإجباري المباشر.»
«ويتولى رأس المال، في البداية، تسيير العمل تحت الشروط التكنولوجية التي يجدها قائمة تاريخيا، ولذا فإنه لا يغير، بالضرورة، نمط الإنتاج على الفور. إن إنتاج القيمة الزائدة، في الصيغة التي قمنا بتحليلها إلى الآن أي التي تنشأ عن إطالة يوم العمل، يبدو مستقلا عن أي تبدل يطرأ على نمط الإنتاج نفسه. فقد كانت كفاءة القيمة الزائدة في صناعة الخبز البدائية هي ذاتها في صناعة غزل القطن الحديثة.
«إن العلاقة بين الشغيل وأدوات عمله في عملية الإنتاج التي ينظر إليها كسير عمل مجرد، ليست هي ذات علاقة العمل برأس المال، بل هي علاقة العامل بأدوات النشاط الإنتاجي والمادة الخام. ففي المدبغة، على سبيل المثال، يعامل الشغيل الجلود كموضوع للعمل. إنه لا يدبغ الجلود التابعة للرأسمالي. إلا أن الأوضاع تتغير حالما نرقب سير الإنتاج كعملية لتوليد القيمة الزائدة.
إن أدوات العمل تتغير على الفور لتصبح وسائل امتصاص للعمل. لم يعد العامل هو الذي يستخدم أدوات الإنتاج، بل أن أدوات الإنتاج هي التي تستخدم العامل. ليس هو الذي يستهلك الأدوات كعناصر مادية لنشاطه الإنتاجي، بل هي التي تستهلك العامل كخميرة لسير عملها الحيوي. إن عمل الرأسمالي الحيوي لا يشتمل على شيء غير تلك الحركة المتصاعدة للقيمة. إن المواقد والورش التي تقف خامدة طوال الليل دون أن تمتص عملا تشكل خسارة كبيرة للرأسمالي. ولهذا فإن المواقد والورش تعين لنفسها حقا من عمل الأيدي في الليل. (راجع تقرير لجنة استخدام الأطفال. التقرير الرابع 1865 ص79-85).
«إن تحول النقد إلى وسائل إنتاج يمنح الأخيرة حقا قانونيا وإلزاميا يفرض نفسه على العمل والعمل الزائد للآخرين». (ص 309-310).
هناك، على أية حال، شكل آخر للقيمة الزائدة. إذا تم بلوغ الحد الأقصى ليوم العمل، تبقى لدى الرأسمالي وسائل أخرى لزيادة القيمة الزائدة، وذلك برفع إنتاجية العمل، وبالتالي تنخفض قيمة العمل، مما يقصر فترة العمل الضروري. سوف نتفحص هذا الشكل من القيمة الزائدة في مقال آخر.
صامويل مور [63]



--------------------------------------------------------------------------------

القسم الثاني: سير عملية الإنتاج الرأسمالي
مترجم عن نسخة مصورة بحوزة معهد الدراسات الماركسية-اللينينية.
الناشرون


--------------------------------------------------------------------------------

الفصل الأول: «السلع والنقد»
أولا –السلع بما هي عليه

إن ثروة المجتمعات التي يسود فيها الإنتاج الرأسمالي تتألف من السلع. والسلعة هي ذلك الشيء الذي له قيمة-استعمالية، والقيمة-الاستعمالية موجودة في كل أشكال المجتمعات، أما في المجتمع الرأسمالي فإن القيمة الاستعمالية هي المستودع المادي للقيمة التبادلية.
إن القيمة التبادلية تفترض مقدما معادلا ثالثا تقاس به: العمل، تلك المادة الاجتماعية المشتركة للقيمة التبادلية، أو إذا توخينا الدقة نقول، وقت العمل الضروري اجتماعيا لإنتاجها.
وكما أن السلعة شيء مزدوج: قيمة استعمالية وقيمة تبادلية، كذلك شأن العمل الذي تحتويه، فهو يحدد بصورة مزدوجة: فمن جهة هو نشاط إنتاجي معين –كالحياكة والخياطة...الخ، أي «عمل نافع». فهو من جهة أخرى إنفاق بسيط لقوة العمل البشرية أي عمل (عام) مجرد كثيف.
العمل النافع ينتج القيمة الاستعمالية، والعمل العام ينتج القيمة التبادلية، غير أن الثاني قابل للمقارنة من حيث الكم (وتؤكد ذلك الفروق بين العمل الماهر وغير الماهر، بين العمل البسيط والمركب).
من هنا فإن العمل العام هو جوهر القيمة التبادلية، ومقاييس وقت العمل العام هو حجمها. لنتفحص الآن شكل القيمة التبادلية.
س من السلعة آ = ي من السلعة ب
إن قيمة سلعة ما ممثلة في القيمة الاستعمالية لسلعة أخرى تسمى بـ: القيمة النسبية للسلعة.
إن صيغة التعادل بين سلعتين هي التعبير البسيط عن القيمة النسبية. وفي المعادلة المذكورة أعلاه تلعب (ي سلعة ب) دور المعادل، أما (س سلعة آ) فإنها تكتسب هذا الشكل من القيمة شرط أن لا تكون بحالتها الطبيعية، في حين أن (ي سلعة ب) تكتسب في نفس الوقت امتياز قابليتها للتبادل المباشر حتى لو كانت في شكلها الطبيعي. إن القيمة التبادلية للسلعة تهيمن على القيمة الاستعمالية في ظل علاقات تاريخية محددة. من هنا فإن السلعة لا تستطيع التعبير عن قيمتها التبادلية بالاستناد إلى قيمتها الاستعمالية نفسها، بل، فقط، في القيمة الاستعمالية لسلعة أخرى. ولا يمكن لخصائص العمل المادي المتجسد في كلا السلعتين أن تظهر إلى النور باعتبارها عملا إنسانيا مجردا، إلا عند تعادل منتوجين ماديين من منتوجات العمل، أي أن السلعة لا يمكن أن ترتكز إلى العمل المادي الذي تحتويه، باعتبارها الشكل الذي يتحقق فيه العمل المجرد، بل يمكن أن تنسب إلى العمل المادي الذي تحتويه أنواع أخرى من السلع.
إن المعادلة (س من سلعة آ = ي من سلعة ب) تعني بالضرورة أن «س سلعة آ» قابلة للتعبير عنها بسلع أخرى، هكذا:
2) س سلعة آ = ي سلعة ب = ز سلعة ص = ف سلعة د = وسلعة ه =..الخ الخ..
هذا هو الشكل الموسع للقيمة النسبية. في هذه المتعادلات لم تعد «س سلعة آ» مرتبطة بسلعة واحدة، بل بكل السلع باعتبارها الأشكال الحسية للعمل المبذول فيها. ولكن، وبتحوير بسيط نتوصل إلى:
الشكل الثاني المقلوب للقيمة النسبية
ي سلعة ب = س سلعة آ
ف سلعة ص = س سلعة آ
و سلعة د = س سلعة آ
ت سلعة ه = س سلعة آ
...الخ.. الخ.
لقد أعطينا السلع، هنا، شكلا عاما من القيمة النسبية، حيث جردت فيه جميعها من قيمها الاستعمالية وتمت مساواتها بـ«س سلعة آ» باعتبار هذه الأخيرة التجسيد المادي للعمل المجرد، إن «س سلعة آ» هي الشكل العام المعادل لجميع السلع الأخرى، إنها (المعادل العام)، والعمل المتحقق فيها يمثل بنفسه، العمل المجرد أي العمل بشكل عام.
والآ، على أية حال:
4) يمكن لكل سلعة في سلسلة المتعادلات أن تلعب دور المعادل العام، ولكن واحدة من هذه السلع فقط تستطيع أن تكون كذلك مرة واحدة، لأنه إذا كانت جميع السلع معادلات عامة، فإن كل واحدة من هذه السلع سوف تقصي الأخريات، بالتتابع، عن أداء هذا الدور.
إن صيغة التعادل رقم (3) لم يتم استخراجها بواسطة (س سلعة آ)، بل بواسطة السلع الأخرى بصورة موضوعية. ولهذا لا بد لسلعة معينة من أن تلعب هذا الدور –لمرة واحدة، ويمكن أن تتغير- وبهذه الطريقة وحدها تحقق السلعة ذاتها كسلعة بشكل متكامل. إن السلعة الخاصة التي يتطابق شكلها الطبيعي مع شكلها كمعادل عام هي: النقد.
إن الصعوبة في معالجة السلعة ناجمة، مثل كل مقولات نمط الإنتاج الرأسمالي، عن أنها تمثل علاقة فردية تحت غطاء علاقات مادية. إن المنتجين ينسبون أصناف عملهم المتباينة إلى عمل إنساني عام، وذلك بربط إنتاج أحدهم بإنتاج الآخر كسلع، إذ لا يمكن لهم أن يحققوا ذلك دون وساطة الأشياء. وهكذا فإن العلاقات بين الأفراد تظهر على أنها علاقة بين الأشياء.
في المجتمع الذي يسود فيه إنتاج السلع، تكون المسيحية، وبالأخص البروتستانتية، هي الدين المناسب.
ثانيا – عملية تبادل السلع.
في التبادل وحده تبرهن السلعة على أنها سلعة. أن على مالكي سلعتين اثنتين أن يكونا راغبين في تبادل سلعتيهما الخاصتين، وأن يعترفا، بالتالي، بأحدهما الآخر كـ: مالك خاص. إن هذه العلاقة الحقوقية التي تعبر عن نفسها في العقد، ليست إلا علاقة بين إرادات، تعكس العلاقة الاقتصادية، ومحتوياتها قائمة في العلاقات الاقتصادية نفسها. (ص 45 «ص 85»).
إن السلعة هي قيمة استعمالية لغير مالكها، وليست ذات قيمة استعمالية لمالكها. من هنا تنشأ الحاجة إلى التبادل. غير أن كل مالك للسلع يرغب، عبر التبادل، في نيل قيم استعمالية يحتاجها –إلى المدى الذي يكون فيه التبادل عملية فردية. لكن مالك السلع يرغب، من جهة أخرى، في تحقيق سلعته كقيمة، أي مبادلتها لقاء أي سلعة أخرى، بغض النظر عما إذا كانت سلعته ذات قيمة استعمالية لمالك السلع الأخرى أم لم تكن، ويتم ذلك إلى المدى الذي يكون التبادل بالنسبة له عملية اجتماعية بصورة عامة. إلا أن إحدى هذه العمليات لا يمكن أن تكون فردية واجتماعية، في آن واحد معا، بالنسبة لجميع مالكي السلع. إن كل مالك للسلع يعتبر سلعته هو معادلا عاما، ولا يرى في جميع السلع الأخرى غير معادلات معينة لسلعته. وما دام كل مالكي السلع يفعلون ذات الشيء، فلن تكون أية واحدة من سلعهم معادلا عاما، ولهذا لا تمتلك السلع شكل القيمة النسبية العامة التي يمكن بواسطتها مساواة هذه السلع بالسلع الأخرى كقيم، أو مقارنتها ببعضها ككميات من القيم. ولهذا لا تواجه بعضها البعض كسلع بل كمنتوجات (ص 47 «ص86»).
ترتبط السلع ببعضها البعض كقيم، وبالتالي لا تتواجه كسلع إلا عند قيامها بسلعة ثالثة تكون بمثابة معادل عام. والنشاط الاجتماعي هو القادر على جعل سلعة معينة معادلا عاما – النقد.
إن التناقض الحالي في السلعة، باعتبارها الوحدة المباشرة للقيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية، باعتبارها نتاج عمل فردي نافع.. وتجسيدا اجتماعيا مباشرا للعمل الإنساني المجرد –أن هذا التناقض لن يهدأ له بال حتى يتتوج بمضاعفة السلعة إلى سلعة ونقد. (ص 84 «ص 87»). وما دامت كل السلع لا تزيد عن مجرد معادلات معينة للنقد، وما دام النقد هو المعادل العام لها، فإن السلع ترتبط بالنقد باعتبارها سلعا خاصة مرتبطة بالسلعة العامة (ص 51 «ص89»).
إن عملية التبادل تمنح السلعة، التي تحولت إلى نقد، شكل القيمة ولا تمنحها القيمة (ص51 «ص 90») الفيتيشية (الصنمية): (الاعتقاد بالقدرات الخارقة للأشياء): لا يبدو أن السلعة تتحول إلى نقد لمجرد كون كل السلع الأخرى تعبر عن قيمتها بالنقد، بل بالعكس يبدو أن السلع تعبر عن قيمتها بواسطة النقد لأنه نقد.
ثالثا- النقد، أو دوران السلع.
(آ) مقياس القيم
(ذهب افتراضي = النقد).
إن النقد باعتباره مقياسا للقيمة، هو الشكل الحسي الضروري لقياس القيمة الكامنة في السلع، أي زمن العمل. إن التعبير النسبي البسيط عن قيمة السلع بالنقد:
س سلعة آ = ي نقد، هو سعرها (ص55 «ص 95»).
إن سعر سلعة ما، أي شكلها النقدي، يعبر عنه بالنقد المتخيل، من هنا فإن النقد ليس إلا مقياسا مثاليا للقيم (ص 57 «ص 95»).
ولكن ما أن يتم الانتقال من القيمة إلى السعر حتى يصبح من الضروري تكنيكيا تطوير مقياس القيم إلى أبعد من ذلك، إلى معدل للسعر، أي تحديد كمية من الذهب تقاس بواسطتها كميات متباينة من الذهب. وهذا يختلف تمام الاختلاف عن مقياس القيم الذي يعتمد بدوره على قيمة الذهب، في حين أن الذهب ليس مهما بالنسبة لمعدل الأسعار. (ص 59 «ص 97-98»).
ما أن يتم التعبير عن الأسعار بأسماء حسابية من الذهب حتى يقوم النقد بخدماته كـ نقد حسابي.
إذا كان السعر، باعتباره ممثلا لحجم قيمة سلعة ما، هو الممثل للنسبة التبادلية بين السلعة والنقد، فهذا لا يستتبع بالضرورة أن لا يكون ممثل نسبة التبادل بين السلعة والنقد ممثلا لحجم قيمة السلعة بالضرورة. وإذا افترضنا ان الظروف تبيح أو ترغم على بيع سلعة ما أعلى أو أدنى من قيمتها، فإن أسعار البيع لا تتطابق مع قيمة السلعة، إلا أنها مع ذلك تبقى أسعارا للسلعة وذلك لأن: (1) النقد هو شكل القيمة. و (2) الأسعار هي ممثلة لنسبة تبادل السلعة مع النقد. ولهذا فإن إمكانية الصراع الكمي بين السعر وحجم القيمة معطى في شكل السعر نفسه. وليس ذلك نقصا في هذه الصيغة، بل هو، على العكس، يجعلها الشكل المناسب لنمط إنتاج تحقق القاعدة نفسها على أنها القانون الأعمى لفوضى المعادلات. إن شكل السعر، على أية حال، يمكن أن يخفي تناقضا، بحيث أن السعر يكف عن أن يكون تعبيرا عن القيمة. إن الضمير.. الشرف..الخ، يمكن أن تنال شكل السلع بواسطة أسعارها (ص61 «ص102»).
إن قياس القيم بالنقد، بشكل السعر، يفترض ضرورة الاغتراب، وأن التسعير المثالي يفترض الفعلي. ومن هنا التداول.
(ب) وسيط التداول:
1) تحول السلع.
الصيغة البسيطة: سلعة – نقد – سلعة.
محتواها المادي = سلعة – سلعة. القيمة التبادلية هنا مستغنى عنها، والقيمة الاستعمالية مستولى عليها.
الوجه الأول: سلعة – نقد = بيع، وتتطلب العملية شخصين، من هنا ينشأ احتمال الفشل، أي البيع أدنى من القيمة أو أدنى من كلفة الإنتاج فيما لو تغيرت القيمة الاجتماعية للسلعة.
«إن تقسيم العمل يحول نتاج العمل إلى سلعة، وبذلك يجعل من الضروري تحويلها إلى نقد». ويجعل الحصول على هذا الغنى الفاحش، في ذات الوقت، عرضيا محضا (ص 67«ص 108»). ولكن لدى تأمل الظاهرة في شكلها النقي، نرى أن «سلعة - نقد» تفترض سلفا أن مالك النقد (ما لم يكن منتجا للذهب) قد حصل على النقد عبر تبادل سلع أخرى من قبل، والحالة ليست معكوسة بالنسبة للمشتري في حالة «نقد - سلعة» بل أن العملية تفترض بأنه قد قام بالبيع من قبل.. الخ بحيث لدينا سلسلة لا تنتهي من عمليات البيع والشراء.
والشيء ذاته يجري في الحالة الثانية نقد – سلعة، أي الشراء، الذي هو بيع للطرف الآخر في ذات الوقت. إن المسار الكلي للعملية، على هذا الأساس، إن هو إلا دائرة من الشراءات والبيوع. إنه دوران السلع. وهذا يختلف تمام الاختلاف عن التبادل المباشر للمنتوجات، فهناك أولا: القيود الفردية والمحلية للتبادل المباشر للمنتوجات التي تم تحطيمها، ثم هناك قوة العمل البشرية التي أصبح بالامكان إعادة إنتاجها، ومن جهة ثانية، يظهر أن العملية بأجمعها تتوقف على العلاقات الاجتماعية التي تنمو نموا تلقائيا مستقلا عن إرادة الفاعلين. (ص 72 «ص 112»).
كان التبادل البسيط يتميز باعتباره عملا تبادليا واحدا، حيث يتبادل الجميع سلعا بلا قيمة استعمالية لهم مقابل سلع ذات قيمة استعمالية، إن دوران السلع يسير بصورة غير محدودة. (ص 73 «ص112»).
إليكم الدوغما الاقتصادية الزائفة:
إن دوران السلع يقتضي توازنا ضروريا بين البيع والشراء، لأن كل شراء هو بيع أيضا، والعكس صحيح، وهذا يعني أن كل بائع يجلب معه المشتري إلى السوق.
1) من الجهة الأولى أن البيع والشراء هما عمل متماثل لاثنين (شخصين) يقفان في قطبين متناقضين (القطبان هما نهايتا محور)، وهما من جهة ثانية عملان يقعان في قطبين متناقضين لنفس الشخص. من هنا فإن جوهر الشراء والبيع يفترض بأن السلعة تكون عديمة الفائدة ما لم يتم بيعها، كما تفترض أن هذه الحالة محتملة الوقوع.
2) إن سلعة – نقد، كعملية جزئية، هي، بصورة مماثلة، عملية مستقلة تفترض أن مالك النقد بوسعه أن يختار الوقت الذي يشاء لتحويل نقده، من جديد، إلى سلعة. إن بوسعه الانتظار.
إن الوحدة الداخلية للعمليتين المستقلتين سلعة – نقد ونقد – سلعة تتحرك في تناقض خارجي بسبب استقلال هذه العمليات بالضبط، وعندما تصل هذه العمليات المقيدة إلى حدود معينة من الاستقلال فإن وحدتها تعبر عن نفسها بالأزمة.
من هنا فإن احتمال وقوع الأزمة موجود هنا سلفا. وما دام النقد وسيلة لدوران السلع، فهو إذن وسيط التداول.
2 ) تداول النقد.
إن النقد هو الواسطة التي تدخل بها كل سلعة مفردة إلى التداول أو تخرج منه. ولكن النقد يبقى كما هو عليه. ولهذا، بالرغم من أن تداول النقد هو تعبير عن تداول السلع، فإن تداول السلع يبدو ظاهريا على أنه نتيجة لتداول النقد. وما دام النقد يظل دائما في نطاق التداول (الدوران) فالسؤال المهم هو: ما هي كمية النقد الموجودة فيه؟
إن كمية النقد اللازمة للتداول تتحدد بمجموع أسعار السلع (مع بقاء قيمة النقد ثابتة) وهذه بدورها تتحدد بكمية السلع المتداولة. وإذا افترضنا أن كمية السلع محددة فإن كمية النقد المتداول تتذبذب بتذبذب أسعار السلع. وما دامت نفس القطعة النقدية تقوم بدور الوسيط في عدد من الصفقات على التوالي في وقت معين وفي فترة زمنية محددة فإن:
مجموع أسعار السلع
ـــــــــــــــــــــــــــــــ = كمية النقد الذي يؤدي عدد الانتقالات التي وظيفة وسيط التداول.
تؤديها قطعة النقد.
(ص 80 «ص 120»).
وعليه يمكن للنقد الورقي أن يزيح النقد الذهبي فيما لو أدخل في تداول مشبع.
وما دام تداول النقد ليس إلا انعكاسا ليسر دوران السلع، فإن سرعة هذا التداول تعكس التبدل في شكل السلع، ركودها، انفصال الشراء عن البيع، الخمود الاجتماعي في صنع الحياة. إن مصدر هذا الركود لا يمكن أن يرى من التداول نفسه الذي لا يبرز للعيان إلا الظواهر. أما الجهلة فيعزون ذلك إلى النقص الكمي في وسيط التداول (ص 81 «ص 121»).
وعليه:
(1) إذا بقيت أسعار السلع ثابتة، فإن كمية النقد اللازمة للتداول ترتفع لدى ازدياد كمية السلع المتداولة أو لدى تباطؤ سرعة دوران النقد، وبعكسه تهبط كمية النقد المتداول.
(2) عند ارتفاع أسعار السلع بشكل عام تبقى كمية النقد المتداول ثابتة إذا انخفضت كمية السلع أو ازدادت سرعة التداول بنفس النسبة.
(3) لدى هبوط أسعار السلع هبوطا عاما فيحدث نقيض الحالة رقم (2). وبصورة عامة فإن هناك معدلا ثابتا نوعا ما، تشتق منه بالذات الانحرافات التي تحدث نتيجة للأزمة.
3) العملة رموز القيمة
تقوم الدولة بتثبيت مستوى الأسعار، إضافة إلى تسمية قطع معينة من الذهب – العملة، وسكها، وفي السوق العالمية. تخلع العملة رداءها الوطني الخاص من جديد (لا يهم هنا ما يرسم على العملة) بحيث لا تعود تختلف بشيء عن السبيكة الذهبية إلا في الشكل. غير أن العملة تبلى خلال الدوران، وعليه فإن الذهب كوسيط للتداول يختلف عن الذهب كوحدة لقياس الأسعار. وتصبح العملة، أكثر فأكثر، مجرد رمز لمحتواها الرسمي.
ومن هذا الاحتمال الكامن في النقد المعدني تنشأ الحاجة للاستعاضة عنه بإشارات أو رموز. وعليه فإن:
(1) يمنع حلول العملية الفضية والنحاسية بصورة دائمية محل النقود الذهبية الحقيقية وذلك بتحديد الكمية التي تكون فيها سعرا قانونيا. إن المحتوى المعدني لهذه العملة محدد بشكل اعتباطي عن طريق القانون، ولهذا فإن وظيفتها كعملة تصبح مستقلة عن قيمتها. ولهذا فإن تحولها إلى رموز عديمة القيمة تماما أمر جائز.
(2) النقود الورقية، أي النقود الورقية التي تصدرها الدولة التي يكون تداولها إلزاميا. (أوراق الائتمان لن تبحث هنا الآن). بقدر ما تظل النقود الورقية تدور فعلا محل النقد الذهبي، فإنها تخضع لقوانين تداول النقد. إلا أن النسبة التي تحل بها النقود الورقية محل الذهب يمكن أن تخضع لقانون خاص، وهو: أن إصدار النقود الورقية ينبغي أن يتحدد بالكمية المتداولة من الذهب الذي تمثله. إن درجة إشباع التداول تتذبذب دوما، إلا أن التجربة، في كل مكان، تعين الحد الأدنى الذي لا تهبط إلى أدنى منه. هذا الحد الأدنى قابل للإصرار. وإذا ما صدرت عملة ورقية أكثر من الحد الأدنى، فإن نسبة منها تصبح فائضة حالما تهبط درجة الإشباع إلى حدها الأدنى. وفي هذه الحالة فإن المقدار الكلي للنقود الورقية في عالم السلعة لا تمثل إلا كمية الذهب التي تثبتها القوانين الذاتية لهذا العالم. وهكذا إذا كان مقدار النقد الورقي يمثل ضعف كمية الذهب الذي يستوعبه التداول، فإن كل قطعة ورقية تنخفض إلى نصف قيمتها الاسمية. أي كما لو أن الذهب قد تغير في وظيفته، كمقياس للأسعار، من حيث القيمة (ص 89 «128»).
ج- النقد
1) الاكتناز:
مع بدايات تطور التبادل السلعي تنشأ الحاجة والرغبة الجامحة في الاستيلاء على منتوج عملية: سلعة – نقد، أي النقد. ومن زاوية فعل تبدل المادة المحض، فإن هذا التبديل في الشكل يصبح غاية بذاته. ويتحجر النقد في كنز، ويصبح بائع السلعة مكتنزا للنقد. (ص 91 «130»).
كان هذا الشكل سائدا على وجه الدقة في بدايات التبادل السلعي. آسيا. وبتطور التبادل السلعي، توجب على كل منتج للسلع أن يؤمن لنفسه (عصب الأشياء nexus rerum [64] ) الضمانة الاجتماعية – النقد. هكذا تتراكم الكنوز في كل مكان. إن تطور التبادل السلعي يزيد من سطوة النقد، هذا الشكل الاجتماعي المطلق للثروة الجاهزة دوما للاستعمال (ص 92 «131»). إن دوافع الاكتناز، بطبيعتها، لا حدود لها.
إن النقد، نوعيا، أو فيما يخص شكله، بلا قيود. أي: أن النقد هو الممثل المادي الشامل للثروة المادية، لأنه قابل للاستبدال فورا بأية سلعة. أما كميا، فإن كل مقدار من النقد محدود، ولهذا فإن له نفوذا محدودا كوسيلة شراء. إن هذا التناقض يرجع بالمكتنز دوما، ومرة تلو أخرى، إلى المحاولات السيزيفية الفاشلة للتراكم. إلى جانب ذلك فإن مراكمة الذهب والفضة على شكل صفائح وأوان تخلق سوقا جديدة لهذه المعادن إضافة إلى خلقها مصدرا كامنا للنقد.
إن الاكتناز يخدم كقناة لتمويل أو سحب النقد المتداول مع التذبذب المستمر في درجة إشباع التداول (ص 95 «134»).
2) النقد كوسيلة تسديد (دفع):
بتطور التبادل السلعي تبرز ظروف جديدة: الانفصال الزمني بين تحول ملكية السلعة وتحقيق سعرها. تتطلب السلع فترات مختلفة من الزمن لإنتاجها، إنها تنتج في فصول متباينة، كما يتوجب إرسال بعضها الآخر إلى أسواق بعيدة.. الخ. وعليه فإن (آ) يستطيع أن يكون بائعا قبل أن يكون (ب) المشتري قادرا على الدفع. الممارسة العملية تنظم شروط التسديد بهذه الطريقة: (آ) يصبح دائنا و (ب) مدينا، ويصبح النقد وسيلة تسديد (دفع). وهكذا تصبح علاقة الدائن والمدين عدائية أكثر فأكثر (ويحدث ذلك أيضا بصورة مستقلة عن التبادل السلعي كما في العصور الوسطى والقديمة) (ص 97 «135»)
في هذه العلاقة يؤدي النقد وظيفة: (1) مقاس للقيمة في تحديد سعر السلعة المباعة (2) وسيلة مثالية للشراء.
في الكنز كان النقد مسحوبا من التداول، أما هنا وباعتباره وسيلة تسديد (دفع)، فإنه يدخل التداول، ولكنه لا يدخل هذا التداول إلا بعد أن تكون السلعة قد غادرته. إن المشتري المدين يبيع لكي يكون قادرا على التسديد (الدفع) وإلا فإن سلعة ستباع بالمزاد. ولذلك فإن النقد يصبح، الآن، هدف البيع نفسه بسبب الضرورة الاجتماعية التي تنبثق من علاقات عملية التبادل ذاتها. (ص97 – 98 «136»).
إن عدم تزامن البيع والشراء، وهو الذي يؤدي إلى انبثاق وظيفة النقد كوسيلة تسديد (دفع)، يؤثر في ذات الوقت على الاقتصاد في وسيط التداول، حيث تتركز المدفوعات في مكان معين. إن الغرف التجارية (virements) (تحويل النقد بواسطة حوالة من حساب لآخر) في ليون في القرون الوسطى – نوع من محلات التخليص كان يجري فيها تسديد صافي حساب الديون المتبادلة فقط. (ص 98 «137»).
وبقدر ما توازن المدفوعات بعضها البعض، فإن النقد لا يؤدي وظيفته إلا بصورة مثالية، كنقد حسابي، أو كمقياس للقيم. أما إذا كان ينبغي تسديد المدفوعات فعلا، فإن النقد لا يظهر على أنه وسيط التداول، أي شكل انتقالي يخدم كوسيط لانتقال المنتوجات، بل كتجسيد فردي للعمل الاجتماعي، بصفته الوجود المستقل للقيمة التبادلية، كسلعة مطلقة. إن هذا التناقض المباشر ينفجر في ذلك الجانب من الأزمات الإنتاجية التجارية والتي تسمى بـ: الأزمة النقدية. ولا تقع الأزمة النقدية إلا عندما يكون سير تتابع المدفوعات والنظام الاصطناعي لاستقرارها قد اكتمل تطورهما. وبازدياد الاضطرابات العامة في آلية هذا النظام، مهما كان منبعها، يتحول النقد بصورة فجائية، وعلى الفور، من شكله المثالي المحض كنقد حسابي إلى عملة صعبة، ولا يعود بوسع السلع الدنيوية أن تعوض عنه (ص 99 «138»).
وتنبع أوراق الائتمان (Credit Money) من وظيفة النقد كوسيلة للتسديد، فشهادات الديون نفسها تدور بالتتابع لتحول هذه الديون على آخرين. وبظهور نظام الائتمان تتسع وظيفة النقد كوسيلة تسديد كرة أخرى، ففي مجال قدرتها هذا تحقق لنفسها أشكال وجودها الخاصة التي تحتل بها مجال الصفقات التجارية الكبيرة. بينما تقصي أكثر النقود المعدنية إلى دائرة تجارة المفرد (ص 101 «139-140»).
عند بلوغ التبادل السلعي مرحلة وحجما معينين تتسع وظيفة النقد كوسيلة تسديد (دفع)، فتتجاوز نطاق التداول السلعي لتصبح السلعة الشاملة للعقود. إن الإيجارات والضرائب، وما أشبه، قد انتقلت من الدفع عينا [65] إلى الدفع نقدا، قارن: فرنسا تحت حكم لويس الرابع عشر (بواغليير وفوابان)، ومن جهة أخرى، آسيا، تركيا، واليابان..الخ (ص 102 «140-141»).
إن تطور النقد إلى وسيلة تسديد (دفع) يجعل من الضروري مراكمة النقد حتى تاريخ استحقاق الدفع. إن الاكتناز، ذلك الشكل المتميز من الثروات المكتسبة الذي اختفى بالتطور اللاحق للمجتمع يظهر من جديد كذخيرة احتياطية لوسيلة التسديد (الدفع). (ص 103 «142»).
3) النقد العام:
إن الأشكال المحلية للعملة والنقود المعدنية والنقود الورقية تنبذ من التجارة العالمية، ويبقى النقد على شكل سبيكة وحده المقبول كنقد شامل. وفي السوق العالمية وحدها يؤدي النقد وظيفته إلى أقصى حد، باعتباره السلعة التي يكون شكلها الجسدي، في نفس الوقت، التجسيد الاجتماعي المباشر للعمل الإنساني في التجريد. إن نمط وجودها (السبيكة) يصبح موافقا لمفهومها. (ص 103-104 «142»). التفاصيل على الصفحة (105 «145»).


--------------------------------------------------------------------------------

الفصل الثاني: «تحوّل النقد إلى رأس مال»


1- الصيغة العامة لرأس المال:

إن تداول السلع هو نقطة البداية لرأس المال. وعليه فإن الإنتاج السلعي، والتداول السلعي، والشكل المتطور للتداول (أي التجارة) هي على الدوام أرضية العمل التاريخية التي ينبثق منها رأس المال. إن تاريخ رأس المال المعاصر يبدأ من خلق التجارة العالمية الحديثة والسوق العالمية في القرن السادس عشر (ص 106 «146»). وإذا ما حصرنا تفكيرنا في الأشكال الاقتصادية التي ينتجها تداول السلع لوجدنا أن منتوجها النهائي هو: النقد، وأن النقد هو الشكل الأول الذي يظهر به رأس المال. ومن ناحية تاريخية، يجابه رأس المال الملكية العقارية أول الأمر بصفته ثروة نقدية. فرأسمال التاجر والمرابي، وحتى الرأسمال الجديد اليوم، يدخل المسرح على هيئة نقد لا بد أن يجري تحويله إلى رأس مال بعملية معينة.
إن النقد كنقد يختلف عن النقد كرأسمال أول ما يختلف في شكل دورانه. فإلى جانب التداول البسيط س – ن – س (سلعة – نقد – سلعة) تحدث الصيغة: نقد – سلعة – نقد (ن- س – ن)، الشراء من أجل البيع. إن النقد الذي يرسم بحركته هذا الشكل من الدوران يصبح رأسمالا، وهو بالأصل رأسمال بذاته (أي بمصيره).
إن نتيجة ن – س – ن هي ن – ن، التبادل المباشر للنقد لقاء النقد. فأنا اشتري قطنا بمبلغ 100 جنيه وأبيعه بـ 110 جنيهات، وفي النهاية أكون قد بادلت 100 جنيه بـ 110 جنيهات أي نقدا لقاء نقد.
إذا أعطت هذه العملية في نهايتها نفس القيمة النقدية التي وضعت فيها أصلا، أي 100 جنيه من 100 جنيه، فإنها ستكون عبثا. ومع هذا، سواء حقق التاجر 100 جنيه أو 110 جنيهات أو مجرد 50 جنيها لقاء جنيهات المائة، فإن نقوده قد رسمت حركة خاصة تختلف تمام الاختلاف عن حركة التداول السلعي س – ن – س. ومن فحصنا للفروق في الشكل بين حركة ن – س – ن، و س- ن – س، فإننا سوف نكتشف الفرق في المحتوى أيضا.
إن وجهي العملية مأخوذا كل منهما على حدة هما كما في س – ن – س، إلا أن هناك اختلافا كبيرا في العملية ككل. ففي (س – ن – س) النقد هو الوسيط، والسلعة هي نقطة البداية والنهاية، أما في عملية (ن – س – ن) فالسلعة هي الوسيط، والنقد هو نقطة البداية والنهاية.
في (س – ن – س) ينفق النقد مرة واحدة وإلى الأبد، أما في (ن – س – ن) فإن النقد هو مجرد سلفة ستجري استعادتها من جديد. إنه يرجع ثانية إلى نقطة انطلاقه. هنا يوجد إذن فرق ملموس بين دوران النقد ودورانه كرأسمال.
في (س – ن – س) لا يمكن أن يعود النقد إلى نقطة البداية إلا عبر تكرار العملية بأكملها، من خلال بيع سلع جديدة. من هنا فإن رجوع النقد مستقل عن سير العملية ذاتها. ومن جهة ثانية فإن عودة النقد في ن – س – ن مشروطة منذ الابتداء بتركيب العملية نفسها التي تظل ناقصة إذا فشلت رحلة عودة النقد. (ص 110 «149»).
إن الهدف النهائي لـ (س- ن – س) هو القيمة الاستعمالية، أما هدف ن – س – ن فهو القيمة التبادلية ذاتها.
في س – ن – س يمتلك كلا القطبان نفس محدودية الشكل الاقتصادي: فكلاهما سلعة، ولكليهما قيمة متساوية. إلا أنهما، وفي ذات الوقت، قيمتان استعماليتان مختلفتان نوعيا، ومحتوى العملية هو تجديد الحياة الاجتماعية. في ن – س – ن تبدو العملية، من النظرة الأولى، تكرارا بلا معنى. فمبادلة 100 جنيه بمائة جنيه أخرى بطرق ملتوية، تبدو جهدا عابثا. إذ لا يتميز مبلغ من النقد عن مبلغ آخر إلا بالحجم، وعلى هذا فإن (ن – س – ن) لا تكتسب أي معنى إلا بالاختلاف الكمي لقطبيها. فيستخرج من التداول نقد أكثر مما وضع فيه. فالقطن الذي تم شراؤه بـ 100 جنيه يباع مثلا بـ 100 + 10 جنيهات، والعملية تتبع صيغة: ن – س – ن حيث: Ω = ن + ∆ن. إن (∆ن) هذه، هذه العلاوة، هي القيمة الزائدة. إن القيمة المدفوعة في الأصل لا تظل سليمة على حالها فقط في التداول، بل تضيف إلى نفسها قيمة زائدة، إنها توسع نفسها – وهذه الحركة تحول النقد إلى رأسمال.
في س – ن – س من الجائز أن يكون هناك اختلاف في قيمة القطبين. إلا أن ذلك عرضي محض في هذا الشكل من التداول، ولا تفقد س – ن – س معناها عندما يكون القطبان متعادلين، لأن هذا التعادل هو، بالأحرى، الشرط الضروري لسير العملية بشكل طبيعي. إن تكرار عملية س – ن – س ينظمه هدف نهائي يقع خارج العملية: الاستهلاك، إشباع حاجات معينة..
في عملية س – ن – س، من جهة أخرى، تشابه البداية والنهاية، وهما النقد، وهذا يجعل حركاتها لا نهاية سلفا. وإذا سلمنا جدلا بأن ن + ∆ن تختلف كميا عن ن، فإنها هي أيضا مجرد مبلغ محدود من النقد، إذا انفق فلن يعود رأسمالا، وإذا سحب من التداول تجمد على شكل كنز. وإذا حلت الرغبة في توسيع القيمة، فإنها تكون موجودة في Ω كما في ن، ويتحرك رأس المال بلا حدود، لأنه لا يحقق هدفه في نهاية العملية مثلما لا يحققه في بدايتها (ص 111 – 112 «149-151»). إن مالك النقد، كممثل لهذه العملي، يصبح رأسماليا.
إذا نالت القيمة التبادلية، في التبادل السلعي، شكلا مستقلا عن القيمة الاستعمالية، فإن هذه القيمة التبادلية تعلن عن نفسها، في الحال، كمادة في حالة صيرورة لها حركتها الخاصة، أما السلعة والنقد فليسا إلا محض شكلين من أشكالهما. وبالإضافة إلى ذلك فإنها كقيمة أصلية، تتميز عن نفسها كقيمة زائدة. إنها تصبح نقدا في حالة صيرورة وبهذا تكون رأسمالا (ص 116 «154»).
إن ن – س - Ω تبدو بالفعل شكلا خاصا بالرأسمال التجاري وحده. ولكن رأس المال الصناعي هو أيضا نقد يتم تحويله إلى سلع، ويبيع هذه الأخيرة يعاد تحويله إلى نقد أكثر. إن النشاطات التي تقع بين لحظة الشراء والبيع، خارج نطاق التداول لا تغير من الأمر شيئا. وأخيرا، تبدو العملية في الرأسمال الربوي ن - Ω بدون أية توسطات، أي تحقيق قيمة أكبر من نفسها (ص 117 «155»).
تناقضات الصيغة العامة:
إن شكل التداول الذي يصبح به النقد رأسمالا يتناقض مع كل القوانين السابقة المتعلقة بطبيعة السلع والقيمة والنقد والتداول نفسه. ترى أيستطيع الفرق الشكلي المحض في التسلسل المقلوب لتتابع البيع والشراء أن يسبب ذلك؟
وفوق ذلك، فإن التسلسل المقلوب لا يحدث إلا لطرف واحد من الأطراف الثلاثة ذات العلاقة. فأنا كرأسمالي اشترى السلع من (آ) وأبيعها إلى (ب). إن (آ) و(ب) يبدوان مجرد بائع بسيط وشار بسيط للسلع. وأنا أواجههما في كلتا الحالتين كمالك بسيط للنقد أو مالك بسيط للسلع، ولا أواجه أيا منهما كرأسمالي أو كممثل لشيء أكثر من النقد أو السلعة.
بالنسبة لـ (آ) بدأت الصفقة بالبيع، وبالنسبة لـ (ب) انتهت بالشراء، تماما مثل التبادل السلعي البسيط. وإذا ما أقمت الحق في القيمة الزائدة على هذه النتيجة البسيطة، فإن بوسع (آ) أن يبيع (ب) مباشرة، فتزول بذلك أية فرصة لتحقيق القيمة الزائدة.
لنفرض أن (آ) و(ب) يشتريان السلع من بعضهما البعض مباشرة. كلاهما سيكون منتفعا بقدر ما يتعلق الامر بالقيمة الاستعمالية. ومن الجائز أن ينتج (آ) سلعا أكثر مما يستطيع (ب) إنتاجه في نفس الوقت، والعكس بالعكس، الأمر الذي يعود على كليهما بالمنفعة. إلا أن الوضع يختلف مع القيمة التبادلية. فهنا، يجري تبادل قيم متساوية حتى بتدخل النقد كوسيط للتداول (ص 119 «156-158»).
لدى تأملنا للتبادل السلعي البسيط من زاوية تجريدية، نجد أنه لا يحدث شيء للسلعة سوى تبديل في الشكل، إذا استثنينا استبدال قيمة استعمالية بقيمة استعمالية أخرى. وبقدر ما تشمل العملية على تبديل شكل القيمة التبادلية فقط، فإنها تفترض تبادل المتساويات، إذا ما سارت الظاهرة بشكل نقي. ويمكن للسلع، حقا، أن تباع بأسعار تختلف عن قيمتها، ولكن هذا يعني انتهاكا لقانون التبادل السلعي. لأن القانون في شكله النقي هو تبادل للمتساويات، ولهذا لا توجد فيه واسطة للإثراء. (ص 120 «158-159»).
من هنا ينشأ خطأ كل المحاولات لاستخلاص القيمة الزائدة من التبادل السلعي نفسه. كونديلاك. (ص 121 «159») نيومان (ص 122 «160»).
ولكن لنفرض أن التبادل لا يجري بشكله النقي، وأن التبادل يتم بين سلع غير متساوية. لنفترض أن كل بائع يبيع سلعته بسعر 10% أعلى من قيمتها. إن كل شيء يبقى على حاله، فما يربحه كل شخص كبائع، يخسره من جديد كمشتر. أي كما لو أن قيمة النقد قد هبطت بنسبة 10%. والحال نفسه إذا اشترى المشترون كل شيء بسعر 10% أدنى من قيمة الأشياء. (ص123 «160-161» تورنس).
إن التسليم بانبثاق القيمة الزائدة من ارتفاع الأسعار يفترض سلفا وجود طبقة تبيع ولا تشتري، أي تستهلك ولا تنتج؟، وتتلقى المال بالمجان بصورة مستديمة. إن بيع السلع بأعلى من قيمتها إلى مثل هذه الطبقة لا يعني شيئا سوى استرجاع جزء من النقد الذي أعطي لها مجانا وذلك عن طريق الخداع. (المدن الآسيوية وروما). إلا أن البائع يظل دوما الطرف المخدوع، ولا يستطيع أن يزيد من ثروته، ولا يستطيع بالتالي خلق قيمة زائدة.
لنتأمل حالة الخداع. (آ) يبيع إلى (ب) خمرا قيمته 40 جنيه مقابل حبوب قيمتها 50جنيها. إن (آ) يربح 10جنيهات. إلا أن (آ) و(ب) لا يملكان سوية غير 90 جنيها. لدى (آ) 50 ولدى (ب) 40، لقد انتقلت القيمة ولم تخلق. إن الطبقة الرأسمالية، في بلد ما برمتها، لا تستطيع خداع نفسها. (ص 126 «162-163»).
وعليه: إذا تم تبادل السلع المتساوية فلن تنتج أية قيمة زائدة، وإذا تم تبادل سلع غير متساوية فلن تنتج أية قيمة زائدة أيضا. كما أن دوران السلع لا يخلق أية قيمة جديدة.
لهذا السبب لم يؤخذ بنظر الاعتبار، هنا، رأس المال التجاري والربوي وهما أقدم أشكال رأس المال وأكثرهما شيوعا. وإذا لم يكن بالامكان تفسير ازدياد رأس المال التجاري عن طريق آخر غير الخداع فذلك لافتقارنا إلى العديد من عوامل الربط التي نحن بحاجة إليها. والحال نفسه مع رأس المال الربوي. وسوف نرى فيما بعد أن كلا الاثنين شكلان فرعيان من رأس المال، كما سنرى سبب تحققهما تاريخيا، قبل رأس المال الحديث.
من هنا، فإن القيمة الزائدة لا يمكن أن تنشأ من التداول. ولكن هل تنشأ من خارجه؟ إن مالك السلعة، خارج التداول، هو المنتج البسيط لسلعته الخاصة التي تتوقف قيمتها على كمية العمل الذي تحتويه والذي يقاس وفق قانون اجتماعي محدد، ويتم التعبير عن هذه القيمة بالنقد الحسابي، مثلا بسعر 10 جنيهات. إلا أن قيمة العشرة جنيهات لا تساوي في ذات الوقت قيمة 11 جنيها، إن عمل المنتج يخلق قيما، ولكنه لا يخلق قيما توسع نفسها. إن بوسع هذه القيمة أن تضيف قيمة جديدة إلى القيمة الموجودة أصلا، ولكن ذلك لا يتحقق إلا بإضافة عمل جديد. ولهذا فإن منتج السلعة لا يستطيع أن ينتج القيمة الزائدة خارج نطاق التداول دون أن يكون على صلة بمالكي السلع الآخرين.
ولهذا لا بد لرأس المال من أن ينشأ في التداول السلعي، وفي نفس الوقت خارج هذا التداول. (ص 128 «165-166»).
وهكذا: فإن تحول النقد إلى رأسمال ينبغي أن يفسر على أساس القوانين الملازمة للتبادل السلعي، وتبادل المتساويات يشكل نقطة الانطلاق. إن صاحبنا مالك النقد، هو بعد مجرد رأسمالي يفعة [66]، مضطر لشراء السلع بقيمتها وبيعها بقيمتها، ومع ذلك فإنه يستخلص في نهاية العملية قيمة أكبر مما وضع فيها. إن تطوره إلى رأسمالي فراشة (مكتمل [67]) لا بد أن يحدث في نطاق التداول، ومع هذا ليس في نطاق هذا التداول. هذه هي شروط المسألة. هنا رودس فلترقص هنا! (ص 129 «166»).
3- شراء وبيع قوة العمل:
إن التغيير في قيمة النقد، أي تحوله إلى رأسمال، لا يمكن أن يحدث في ذلك النقد نفسه، لأن النقد، عند الشراء، لا يفعل شيئا سوى تحقيق سعر السلعة، ومن جهة ثانية لا يغير من حجم (مقدار) قيمته طالما ظل نقدا، وعند البيع لا يؤدي شيئا سوى تحويل السلعة من شكلها الجسدي إلى شكلها النقدي. ولهذا لا بد أن التبديل يقع في السلعة التي تتوسط عملية (ن – س – ن). ولكن ليس في القيمة التبادلية لهذه السلعة، مادامت المتساويات وحدها قابلة للتبادل. إذن لا يمكن للتبدل أن ينبثق إلا من القيمة الاستعمالية لها كشيء، أي من استهلاكها. ولهذا الغرض يتطلب الأمر وجود سلعة تمتلك قيمتها الاستعمالية ميزة كونها مصدرا للقيمة التبادلية –هذه السلعة موجودة بالفعل- إنها قوة العمل (ص 130 «167»).
ولكن لكي يعثر مالك النقد على قوة العمل كـ«سلعة في السوق»، لا بد أن تعرض قوة العمل هذه للبيع من قبل مالكها الخاص، أي ينبغي أن تكون قوة عمل حرة. وما دام المشتري والبائع كطرفين متعاقدين شخصان متساويان من ناحية قانونية، فينبغي أن لا تباع قوة العمل إلا بصورة مؤقتة. ما دام البائع الذي يبيع قوة العمل بيعا دائميا en bloc [68] لا يبقى بعد بائعا لسلعة بل يتحول هو نفسه إلى سلعة.إن على مالك قوة العمل، عوضا عن تمكنه من بيع سلع يتجسد فيها عمله هو، أن يكون في وضع يكون معه مضطرا لبيع قوة عمله نفسها كسلعة. (ص 131 «168-169»).
إن على مالك النقد، بغية تحويل نقده إلى رأس مال، أن يعثر في سوق السلع على شغيل حر، حر بمعنى مزدوج، حيث أنه كرجل حر، يستطيع التصرف بقوة عمله كسلعة خاصة به من جهة، ومن جهة أخرى ليس لديه سلعة أخرى غير هذه للبيع، ليس لديه أية قيود، منعتق من كل الأشياء الضرورية لتجسيد قوة عمله. (ص 132 «168-169»).
إن العلاقة بين مالك النقد ومالك قوة العمل ليست علاقة طبيعية، أو علاقة اجتماعية مشتركة لكل العصور، بل علاقة تاريخية، إنها نتاج ثورات اقتصادية عديدة. وكذلك الحال مع المقولات الاقتصادية التي تأملنا حتى الآن، فهي تحمل خاتم حقبتها التاريخية. فلكي يصبح المنتوج سلعة، لا بد أن يكف هذا المنتوج عن أن يكون وسيلة بقاء مباشرة لمنتجه. إن غالبية المنتوجات لا تتخذ شكل السلعة إلا ضمن طراز معين من الإنتاج، هو الإنتاج الرأسمالي، رغم أن إنتاج السلع وتداولها يمكن أن يجري دون أن تكون أغلب المنتوجات قد أصبحت سلعا. وبالمثل، يمكن أن يوجد النقد في كل الفترات التاريخية التي بلغت مستوى معينا من التبادل السلعي. إن أشكال النقد المحددة، من المعادل البسيط إلى المعادل العام، تفترض مراحل متنوعة من التطور، ومع هذا فإن تطورا طفيفا جدا في التداول السلعي يمكن أن يسبب انبعاث كل هذه الأشكال، إن رأس المال، من جهة أخرى، لا ينبعث إلا تحت الشرط المذكور أعلاه، وهذا الشرط وحده يتضمن تاريخا عالميا (ص 133 «169-170»).
إن لقوة العمل قيمة تبادلية تتحدد، مثل كل القيم التبادلية للسلع، بوقت العمل اللازم لإنتاجها، وإعادة إنتاجها أيضا. إن قيمة قوة العمل هي قيمة وسائل البقاء الضرورية لصيانة مالكها، أي الحفاظ عليه في حالة طبيعية من القدرة على العمل. وهذا يتوقف أيضا على مستوى الحياة المحدد تاريخيا لكل بلد. إن هذه الشروط تتباين، ولكنها تكون محددة في كل بلد وفي كل حقبة. إن الحفاظ على العامل يتضمن بالإضافة إلى ذلك وسائل الحياة اللازمة للتعويض عنه، أي لإنجاب الأطفال، لكي يتمكن هذا النوع الغريب من مالكي السلع من أن يخلد نفسه. وإلى جانب ذلك، هناك كلفة التعليم بالنسبة للعمل الماهر (ص 135 «170-172»).
إن الحد الأدنى لقيمة قوة العمل هي قيمة وسائل البقاء الجسدية الضرورية. وإذا هبط سعر قوة العمل إلى هذا الحد الأدنى، فإنه يهبط إلى أدنى من قيمته. ما دامت القيمة تفترض قوة عمل من نوع طبيعي وليس من نوع كسيح. (ص 136 «173»).
إن طبيعة قوة العمل تتضمن سلفا أنها لا تستهلك إلا بعد إبرام الصفقة، ولما كان النقد بصورة اعتيادية هو وسيلة الدفع لمثل هذه السلع في كل البلدان ذات الإنتاج الرأسمالي، فإن قوة العمل لا تتقاضى أجرها إلا بعد أن تستهلك. وعليه فإن الشغيل، في كل مكان، يقوم بإقراض الرأسمالي. (ص 137، 138 «173»).
إن عملية استهلاك قوة العمل هي في نفس الوقت عملية إنتاج للسلع والقيمة الزائدة وهذا الاستهلاك يجري خارج نطاق التداول. (ص 140 «175-176»).


--------------------------------------------------------------------------------

الفصل الثالث: «إنتاج القيمة الزائدة المطلقة»


1 - سير العمل، وعملية إنتاج القيمة الزائدة:

إن مشتري قوة العمل يقوم باستهلاك هذه القوة عن طريق دفع بائعها للشروع بالعمل. ولكي ينتج هذا العمل سلعا ينبغي أن يقدم أول الأمر قيما استعمالية، وفي هذه الخاصية يكون العمل مستقلا عن العلاقة المحددة بين الرأسمالي والشغيل.. شرح سير العمل بما هو عليه على الصفحات (141-149 «177-185»).
إن لسير العمل، على أساس رأسمالي، خاصيتين:
1- يعمل الشغيل تحت إشراف الرأسمالي.
2- المنتوج ملك للرأسمالي ذلك لأن سير العمل لا يجري الآن بين شيئين قام الرأسمالي بشرائهما: قوة العمل ووسائل الإنتاج (ص 150 «184-185»). ولكن الرأسمالي لا يريد القيمة الاستعمالية المنتجة لذاتها، بل لأنها المستودع المادي للقيمة التبادلية، وبالأخص القيمة الزائدة. إن العمل في ظل هذه الشروط –حيث كانت السلعة وحدة للقيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية- يصبح وحدة لعملية الإنتاج وعملية خلق القيمة. (ص 151 «186»).
ولهذا يتوجب دراسة كمية العمل المتجسدة في المنتوج. الخيوط مثلا. فلتكن 10 ليبرات من القطن ضرورية لصنعها، ولنقل بكلفة 10 شلنات، أدوات العمل التي لا مفر من تلفها واستهلاكها أثناء عملية الغزل –نعبر عنها بإيجاز بـ: حصة المغزل- ولنقل بكلفة 2 شلن. وهكذا يدخل في المنتوج ما قيمته 12 شلنا من وسائل الإنتاج وذلك بقدر ما يكون: (1) المنتوج قد أصبح قيمة استعمالية بالفعل، أي يتحول القطن في حالتنا هذه إلى خيوط. (2) أن لا تحتوي أدوات العمل إلا على أوقات العمل الضرورية اجتماعيا.
فكم يضيف عمل الغزل إلى المنتوج؟
إن سير العمل هنا منظور إليه من زاوية مختلفة تماما، إن أعمال زارع القطن وصانع المغزل، وعامل الغزل، وغيرها، المتجسدة في قيمة المنتوج، هي أعمال قابلة للقياس والمقارنة لأنها، من ناحية نوعية، أجزاء متماثلة من العمل العام الإنساني الضروري الخالق للقيمة، ولهذا فإن هذه الأعمال غير قابلة للتمييز إلا من ناحية كمية، وبسبب ذلك وحده تقارن فيما بينها كميا بواسطة طول وقت العمل، مفترضين إياها سلفا أوقات عمل ضرورية اجتماعيا، لأن العمل الضروري اجتماعيا هو وحده الخالق للقيمة.
إذا افترضنا أن قيمة يوم العمل تساوي 3 شلنات، وأنها تمثل 6 ساعات عمل، وأن كل 2/3 1 ليبرة من الخيوط تستغرق لصنعها ساعة عمل، و6 ساعات كافية لصنع 10 ليبرات من الخيوط من 10 ليبرات من قطن (كما أشرنا أعلاه)، تضاف لها 3 شلنات قيمة ساعات العمل الستة التي أضيفت لها فتصبح قيمة المنتوج 15 شلنا (10 + 2 + 3شلنات) أو شلن ونصف لكل ليبرة من الخيوط.
ولكن لا توجد، في هذه الحالة أية قيمة زائدة. إن هذا الأمر عديم الفائدة بالنسبة للرأسمالي (خديعة الاقتصاد المبتذل ص 157 «190»).
لقد افترضنا أن قيمة قوة العمل ليوم واحد تساوي 3 شلنات، لأن نصف يوم عمل، أو ست ساعات عمل كانت مندمجة فيها. إلا أن حقيقة كون نصف يوم عمل يكفي لإبقاء العامل على قيد الحياة لمدة 24 ساعة لا يمنع هذا العامل، بأي حال من الأحوال، من العمل نهارا كاملا. إن قيمة قوة العمل والقيمة التي تخلقها قوة العمل كميتان مختلفتان. إن خاصيتها النافعة لم تكن إلا حالة ملازمة conditio sine qua non [69]. ولكن الأمر الأكيد يتحدد في كون القيمة الاستعمالية الخاصة لقوة العمل مصدر لقيمة تبادلية أكثر من قيمتها هي. (ص 159 «193»).
وعليه فإن الشغيل يعمل 12 ساعة، ويغزل 20 ليبرة من القطن قيمتها 20 شلنا و4 شلنات قيمة المغزل، وكلفة عمل تساوي 3 شلنات: المجموع = 27 شلنا. ولكن المنتوج يحتوي على أربعة أيام عمل في هيئة مغزل وقطن، ويوم عمل واحد للغزل، تشكل بمجموعها خمسة أيام كلفة الواحد منها 6 شلنات، فيصبح المجموع الكلي 30 شلنا هي قيمة المنتوج. إن بحوزتنا قيمة زائدة قدرها 3 شلنات: لقد تحول النقد إلى رأسمال. (ص 160 «194»). إن كل شروط المعضلة قد تحققت (التفاصيل ص 160 «194»).
إن سير العمل، باعتباره عملية لخلق القيمة، يصبح عملية إنتاج للقيمة الزائدة منذ اللحظة التي يجري فيها تمديده إلى ما وراء النقطة التي يعطى فيها المعادل البسيط لقيمة قوة العمل المدفوعة.
إن عملية إنتاج القيمة تختلف عن سير العمل البسيط في أن الأخير ينظر إليه من ناحية نوعية. أما الأول فينظر إليه من ناحية كمية بقدر ما يتضمن من وقت العمل الضروري اجتماعيا (ص 161 «195». التفاصيل (ص 162 «196»).
وباعتبار الإنتاج وحدة تضم العمل النافع والعمل خالق القيمة، فإن عملية الإنتاج هي إنتاج للسلع، وباعتباره وحدة العمل النافع والعمل المنتج للقيمة الزائدة، فإن هذا الإنتاج هو عملية الإنتاج الرأسمالي للسلع. (ص 163 «197»).
تحويل العمل المركب إلى عمل بسيط على الصفحات (163-165 «197-198»).
2- رأس المال الثابت
ورأس المال المتغير:
إن سير العمل يضيف قيمة جديدة إلى موضوع العمل، ولكنه وفي نفس الوقت ينقل قيمة موضوع العمل إلى المنتوج، وبذلك يصونها بمجرد إضافة قيمة جديدة. ويتم بلوغ هذه النتيجة المزدوجة بالطريقة التالية: إن الصفة النوعية الخاصة النافعة للعمل تحول قيمة استعمالية معينة إلى قيمة استعمالية أخرى، وهكذا يصون القيمة، أما الصفة الخالقة للقيمة، العامة، المجردة، الكمية للعمل فإنها تضيف القيمة (ص 166 «199»)
مثال: دع إنتاجية عمل الغزل تتضاعف ستة مرات. إن العمل كنشاط نافع (نوعي) يصون في نفس المدة من الزمن ستة أضعاف ما يصونه من أدوات العمل. إلا أنه لا يضيف سوى نفس القيمة الجديدة كما هو الحال من قبل، أي، لا يوجد في ليبرة الخيوط الواحدة سوى سُدس القيمة الجديدة التي أضيفت من قبل. إن العمل كخالق للقيمة لا يحقق شيئا أكثر من ذي قبل (ص 167 «201»).
ويكون العكس صحيحا، إذا بقيت إنتاجية عمل الغزل على حالها، وارتفعت قيمة أدوات العمل. (ص 168 «201»). إن أدوات العمل لا تنقل إلى المنتوج غير تلك القيمة التي تفقدها هي. (ص 169 «203»). هذا هو الحال بدرجات متفاوتة. فالفحم وزيوت التشحيم..الخ. تستهلك بأكملها، وتتخذ المواد الخام شكلا جديدا. أما الأدوات والآلات..الخ فلا تنقل القيمة إلا بصورة بسيطة وعلى دفعات، ويمكن حساب التلف والبلى بالخبرة العملية (169 -170 «203»).
غير أن الأدوات تظل ككل وباستمرار في سير العمل، ولهذا تحسب هذه الأدوات ككل في سير العمل، ولكنها لا تحسب إلا جزئيا في عملية إنتاج القيمة الزائدة، بحيث أن الفرق بين العمليتين ينعكس هنا في العوامل المادية. (ص 171 «204»). وبالعكس، فإن المواد الأولية التي تتألف منها الضياعات، تدخل بأكملها في عملية إنتاج القيمة الزائدة، ولا تدخل إلا جزئيا في سير العمل، ما دامت تظهر في المنتوج مطروحا منه الضياعات (ص 171 «205»).
ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنقل أداة العمل للمنتوج قيمة تبادلية أكبر من التي تمتلكها هي –ولا تعمل الأدوات، في سير الإنتاج إلا كقيمة استعمالية، وعليه لا يمكن لها أن تقدم شيئا عدا القيمة التبادلية التي كانت تمتلكها من قبل (ص 172 «206»).
إن حفظ القيمة هذا كبير الفائدة للرأسمالي إلا أنه لا يكلفه شيئا. (ص 173، 174 «205-207»). ومع هذا فإن القيمة المصانة لا تفعل شيئا سوى أن تعود إلى الظهور، وقد كانت موجودة من قبل، وان سير العمل وحده هو الذي يضيف قيمة جديدة. أي أن القيمة الزائدة، في الإنتاج الرأسمالي، تنشأ من تجاوز قيمة المنتوج لقيمة العناصر المستهلكة لخلق المنتوج (وسائل الإنتاج وقوة العمل). (175-176 «207»).
لقد قمنا، ها هنا، بوصف أشكال الوجود التي تتخذها قيمة راس المال الأصلي عندما تخلع شكلها النقدي، وتنقلب إلى عوامل مسيرة للعمل:
(1) في شراء وسائل العمل.
(2) في شراء قوة العمل.
إن رأس المال الموظف في أدوات العمل لا يغير، على هذا الأساس، من حجم قيمته أثناء عملية الإنتاج. ونسيمه: رأس المال الثابت. أما الجزء الموظف في شراء قوة العمل فإنه يغير من قيمته فعلا. إنه: رأس المال المتغير (ص 176 «109»).
إن رأس المال لا يكون ثابتا إلا في علاقته بعملية الإنتاج المحددة بصورة خاصة والتي لا يتغير فيها فقط. ويمكن لرأس المال الثابت أن يضم، في بعض الأحيان، أدوات عمل قليلة، وفي أحيان أخرى أدوات عمل أكثر، كما أن قيمة أدوات العمل المشتراة قد ترتفع أو تهبط، إلا أن ذلك لا يؤثر على علاقتها بعملية الإنتاج. (ص 177 «210-211»).
وكذلك فإن النسبة التي ينقسم بموجبها رأس مال معين إلى ثابت ومتغير قابلة للتبدل، ولكن في أية حالة معطاة يظل الثابت ثابتا (ث) والمتغير متغيرا (م). (ص 178 «211»).
3- معدل القيمة الزائدة:
رأس المال 500 جنيه = 410 (ثابت) + 90 (متغير).
في نهاية سير العمل الذي يتحول فيه (المتغير) إلى قوة عمل، نحصل على:
410 (ثابت) + 90 (متغير) + 90 (قيمة زائدة) = 590 جنيها.
لنفترض أن رأس المال الثابت يتألف من 312 مواد خام، و44 مواد مساعدة، و54 تلف الآلة، فيكون المجموع = 410.
ولتكن قيمة الآلات مساوية لـ 1054 جنيه. إذا أدخلت هذه القيمة بأكملها فإن 1410 جنيه ستدخل في كلا طرفي المعادلة كرأس مال ثابت، غير أن القيمة الزائدة ستظل (90) كما في السابق (ص 179 «212»).
وما دامت قيمة رأس المال الثابت تظهر من جديد في المنتوج، فإن قيمة المنتوج الذي نحصل عليه تختلف عن القيمة التي خلقها سير العمل، وعلى هذا فإن القيمة التي خلقها سير العمل لا تساوي (ثابت + متغير + قيمة زائدة). بل (متغير + قيمة زائدة). لذا فإن حجم رأس المال الثابت غير مهم لعملية خلق القيمة الزائدة. أي أن ث = صفر. (ص 180 «213»). وهذا ما يحدث أيضا في الممارسة العملية، كما في الحسابات التجارية. مثال: لدى حساب أرباح بلد ما من الصناعة، تهمل المواد الخام المستوردة. (ص181 «215»). راجع الكتاب الثالث من رأس المال حول نسبة القيمة الزائدة إلى رأس المال الكلي.
ولذا فإن معدل القيمة الزائدة هو ز : م، وفي الحالة المشار إليها أعلاه تساوي 90 : 90 = 100%. إلا أن زمن العمل الذي يسدد فيه الشغيل قيمة قوة عمله –في ظل الإنتاج الرأسمالي أو أي إنتاج آخر- هو العمل الضروري، أما ما يتجاوز ذلك منتجا القيمة الزائدة للرأسمالي فهو: العمل الزائد (ص 183، 184 «215-217»). إن القيمة الزائدة هي عمل زائد متبلور، وشكل الاستيلاء على القيمة الزائدة هو وحده الذي يميز بين التشكيلات الاجتماعية العددية.
مثال على خطأ إدخال رأس المال الثابت (ث) على الصفحات (185-196 «217-229» سنيور). إن مجموع العمل الضروري والعمل الزائد يساوي يوم العمل.
4- يوم العمل:
إن وقت العمل الضروري محدد، أما العمل الزائد فإنه متغير ولكن في نطاق حدود معينة. إذ لا يمكن أن ينخفض إلى الصفر ما دام الإنتاج الرأسمالي، عندئذ، يتوقف، ولا يمكنه أن يرتفع إلى 24 ساعة لأسباب فيزيولوجية، وبالإضافة إلى ذلك فإن الحدود القصوى للعمل الزائد تتأثر دوما بالأسس الأخلاقية. إلا أن هذه الحدود مرنة جدا. إن القوانين الاقتصادية تطالب بأن لا يزيد يوم العمل عن الاستهلاك الاعتيادي للعامل. ولكن ما هو الاعتيادي؟ هنا ينشأ تعارض في المبادئ لا يمكن إلا للقوة أن تقرر مصيره. ومن هنا الصراع بين الطبقة العاملة والطبقة الرأسمالية من أجل عمل اعتيادي (ص 198-202 «231-235»).
العمل الزائد في الفترات التاريخية السابقة.
بقدر ما تكون القيمة التبادلية أقل أهمية من القيمة الاستعمالية فإن العمل الزائد يكون معتدلا. مثال: العصور القديمة، ولكن حيثما يتم إنتاج القيمة التبادلية المباشرة –الذهب والفضة- فإن العمل الزائد يكون مروعا. (ص 203 «235») والحال نفسه في ولايات العبيد الأمريكية لحين بدء الإنتاج الجماعي للقطن من أجل التصدير والحال نفسه مع أعمال السخرة. مثال: رومانيا. إن عمل السخرة هو أفضل وسيلة للمقارنة مع الاستغلال الرأسمالي، لأن عمل السخرة يبين ويثبت العمل الزائد كوقت عمل خاص ينجز بصورة منفصلة –القانون العضوي Règlement Organique مقاطعات ولاشيا (ص 206-207 «235-236»).
إن لائحة المصانع الإنكليزية هي التعبير السلبي عن الرغبة الجشعة في العمل الزائد، مثلما أن القانون العضوي السابق كان التعبير الايجابي عنها.
لائحة المصانع الصادرة في 1850 (ص 207 «239»).
2/1 10 ساعة عمل في الأيام الاعتيادية، و2/1 7 ساعة عمل يوم السبت = 60 ساعة أسبوعيا. مالكو المصانع يربحون من خلال التملص (المراوغة). (ص 207-211 «240-246»).
الاستغلال في الفروع الصناعية غير المقيدة باللائحة، أو التي لم تقيد مؤخرا: صناعة المخرمات (الدنتيلا (ص 214 «246»)، صناعة ورق الجدران (ص 214-217 «246-248»)، عيدان الثقاب (ص 214 «246»). الخبز (ص 217-222 «248-251»). مستخدمو سكك الحديد (ص 226 «256»). الخياطة (ص 223-225 «254-256»). الحدادون (ص 226 «256»).
وجبات العمال المناوبين ليلا ونهارا في:
آ: استخراج وصناعة المعادن (ص 227-135 «256-263»).
إن الحقائق تبرهن على أن رأس المال لا يعتبر الشغيل شيئا أكثر من قوة عمل، وأن كل وقتها هو وقت عمل بقدر ما يكون ذلك ممكنا في فترة زمنية معينة، وأن أمد حياة قوة العمل ليس مهما بالنسبة للرأسمالي (ص 236-238 «264-265»). ولكن أليس هذا ضد مصالح رأس المال؟ ماذا عن تعويض القوى التي تتلف بهذه السرعة؟ إن تجارة العبيد المنظمة في الولايات المتحدة الامريكية الجنوبية قد رفعت سرعة إتلاف العبيد إلى مصاف مبدأ اقتصادي، تماما مثل توفير الشغيلة من المناطق الريفية في أوربا..الخ (ص 239 «267»). تجهيزات بيوت الفقراء (قوة العمل التي تعرضها بيوت الفقراء) (ص 250 «267»). إن الرأسمالي لا يبصر سوى الفيض السكاني المتوفر باستمرار، ويقوم بإتلافه بالاستعمال. وإذا ما تلاشى الجنس البشري –فليكن من بعدي الطوفان [70]. إن رأس المال لا يعبأ بصحة وطول حياة الشغيل، إلا تحت إكراه المجتمع.. إن المنافسة الحرة تجعل القوانين الملازمة للإنتاج الرأسمالي تظهر بهيئة قوانين خارجية جبرية لها سلطة على الرأسمالي الفرد. (ص 243 «270») تأسيس يوم عمل اعتيادي –نتيجة لقرون من الصراع بين الرأسمالي والشغيل.
شرعت القوانين، أول الأمر، بهد زيادة وقت العمل، أما الآن فلتقليصه (ص 244 «271»). فأول قانون للشغيلة، زمن إدوارد الثالث (الثالث والعشرين) عام 1349، أقر بحجة أن الطاعون قد أباد السكان وأن على الجميع أن يقدموا عملا أكبر. ومن هنا ثبت القانون الحد الأعلى للأجور، وحدود يوم العمل، وفي سنة 1496، تحت حكم هنري السابع، كان يوم العمل للشغيلة الزراعيين وكل الصناع المهرة، يستمر من 5 صباحا إلى السابعة أو الثامنة مساء في فصل الصيف –من آذار إلى أيلول، مع ساعة ثم ساعة ونصف ثم نصف ساعة، تؤلف بمجموعها 3 ساعات راحة. وفي الشتاء، كان يوم العمل يمتد من الخامسة صباحا حتى حلول الظلام، إلا أن هذا النظام لم يكن يطبق بحذافيره. وفي القرن الثامن عشر لم يكن عمل الأسبوع برمته متاحا بعد للرأسمالي (باستثناء العمل الزراعي). راجع: نزاعات ومجادلات تلك الفترة (ص 248-251 «274-277»). ولم يتم بلوغ ذلك بل وأكثر منه، إلا بظهور الصناعة الحديثة على نطاق واسع. لقد حطمت كل القيود، واستغلت العمال بأشنع السبل. لكن البروليتاريا شرعت بالمقاومة حالما استجمعت قواها. إن قوانين العمل الخمس للسنين 1800-1832 لم تكن إلا قوانين اسمية بسبب عدم وجود مفتشين: إن قانون سنة 1833 وحده استطاع خلق يوم عمل اعتيادي في صناعات النسيج الأربع: من 30/5 صباحا إلى 30/8 مساء. ولم يكن الأحداث بين سن 13-18 سنة يستخدمون خلال هذا الوقت إلا لمدة 12 ساعة مع 2/1 1 ساعة استراحة، وكان الأطفال من سن 9-13 عام يستخدمون لمدة 8 ساعات، أما العمل الليلي للأطفال والأحداث فقد كان محرما (ص 253-255 «278-280»).
تعسف نظام المناوبة (Realy System) للتملص من القانون (ص 256 «281»).
وأخيرا قانون سنة 1844 الذي وضع النساء من كل الأعمار على قدم المساواة مع الأحداث. قلص عمل الأطفال إلى 2/1 6 ساعة وألجم نظام المناوبة. ومن جهة ثانية سمح للأطفال من عمر 8 ساعات فما فوق بالعمل. وأخيرا فرض مشروع قانون عشر ساعات عمل للنساء والأحداث سنة 1847 (ص 259 «283»). مساعي الرأسماليين لمجابهة القانون (ص 260-268 «283-292»). عيوب قانون 1847 أدت إلى الاتفاق الودي على قانون 1850 (269 «292»)، الذي ثبت يوم العمل للأحداث والنساء -5 أيام بـ 2/1 10 ساعة عمل ويوم واحد 2/1 7 ساعة عمل = 60 ساعة أسبوعيا، على أن يجري العمل بين السادسة صباحا والسادسة مساء. وما عدا ذلك فإن قانون 1847 ظل ساري المفعول بالنسبة للأطفال. استثناء صناعة الحرير من القانون (راجع ص 270 «293»).
ولم يحدد قانون العمل في المطابع سنة 1845 أي شيء تقريبا –إذ بقي في ظله تشغيل الأطفال والنساء 16 ساعة ممكنا! وشمل القانون أعمال صبغ الأقمشة وقصرها سنة 1860، ومصانع المخرمات (الدانتيلا) سنة 1861، أما صناعة الخزف وبعض الفروع الصناعية الأخرى فقد شملها في 1863 (وبالإضافة إلى قانون المصانع شرع قانون آخر في نفس السنة من أجل أعمال قصر الأقمشة في الهواء الطلق والخبازة) (ص 273 «296-297»).
هكذا تخلق الصناعة الواسعة، أول الأمر، الحاجة إلى تحديد وقت العمل، إلا أننا نجد أن نفس العمل الزائد يستحوذ وبالتدريج على كافة الفروع الصناعية. (ص 277 «298»).
ويكشف التاريخ أن الشغيل «الحر» المعزول يستسلم عاجزا إزاء الرأسمالي، وبالأخص عند دخول الأطفال والنساء إلى العمل، وهنا على وجه التحديد يتطور الصراع الطبقي بين العمال والرأسماليين (ص 278 «299»).
إن قانون يوم العمل المؤلف من 12 ساعة لكل الأعمار وفي كافة فروع الصناعة لم يشرع في فرنسا إلا سنة 1848 (راجع على أية حال هوامش ص 353 «278» بصدد قانون تشغيل الأطفال الفرنسي لسنة 1841 والذي لم يسر مفعوله حقا إلا في 1853، وفي المنطقة الشمالية وحدها).
«حرية العمل» التامة في بلجيكا. الحركة من أجل ثماني ساعات عمل في أمريكا (ص 279 «310»).
هكذا يخرج الشغيل من عملية الإنتاج وقد اختلف تماما عما كان عليه لدى دخوله. إن عقد بيع العمل لم يكن فعل إنسان حر، فالوقت الذي يكون فيه العامل حرا لبيع قوة عمله، هو نفسه الوقت الذي يكون فيه مرغما على بيعها، والمعارضة الجماعية للعمال هي وحدها التي تحقق لهم تشريع القانون الذي يمنع العمال من بيع أنفسهم وأطفالهم للعبودية والموت بموجب عقد طوعي مع رأس المال. وعوضا عن البيان الفخم عن حقوق الإنسان تأتي لائحة الميثاق الأعظم Magna Charta لقانون المصانع المتواضعة (ص 280 «302»).
5- معدل ومقدار القيمة الزائدة:
إن مقدار القيمة الزائدة محدد مع معدلها. فإذا كانت القيمة اليومية لقوة عمل واحد تساوي 3 شلنات، وكان معدل (نسبة) القيمة الزائدة 100% فإن مقدار القيمة الزائدة اليومي = شلنات للشغيل الواحد.
أولا: ما دام رأس المال المتغير هو التعبير النقدي عن قيمة جميع قوى العمل المستخدمة في آن واحد من قبل الرأسمالي الواحد، فإن مقدار القيمة الزائدة التي تنتجها قوى العمل تساوي حاصل ضرب رأس المال المتغير بمعدل القيمة الزائدة. ويمكن لهذين العاملين أن يتغيرا وبهذا تنشأ تراكيب مختلفة. إن مقدار القيمة الزائدة قابل للزيادة حتى بتخفيض رأس المال المتغير، وذلك برفع معدلها، أي بإطالة يوم العمل. (ص282 «303-305»).
ثانيا: إن هذه الزيادة في معدل القيمة الزائدة لها حدها المطلق وذلك لأن يوم العمل لا يمكن إطلاقا أن يستطيل إلى 24 ساعة كاملة، ولهذا فإن القيمة الكلية للمنتوج اليومي للشغيل لا يمكن أبدا أن تساوي قيمة 24 ساعة عمل. وهكذا، ولغرض الحصول على نفس مقدار القيمة الزائدة يمكن الاستعاضة عن رأس المال المتغير بزيادة استثمار العمل ضمن هذه الحدود فقط. وهذا الأمر مهم لتفسير الظواهر المتنوعة التي تنشأ عن هذين الميلين المتناقضين لرأس المال:
(1) تخفيض رأس المال المتغير أي عدد العمال المستخدمين.
(2) إنتاج أكبر كمية ممكنة من القيمة الزائدة، مع ذلك.
(ص 283، 284«305-306»).
ثالثا: إن مقادير القيم والقيم الزائدة التي تنتجها رؤوس الأموال المختلفة، بدرجات عالية ومتساوية من شدة استثمار قوة العمل، تتناسب مباشرة مع حجوم الأجزاء المتغيرة من هذه الرساميل (ص 285 «306-307»). ويبدو أن هذه النتيجة تناقض كل الحقائق.
ففي مجتمع معين ويوم عمل محدد، لا يمكن زيادة القيمة الزائدة إلا بزيادة عدد العمال، أي زيادة السكان، أما بعدد عمال محدود فلا يمكن ذلك إلا بإطالة يوم العمل. وعلى أية حال فإن هذا ليس مهما إلا بالنسبة للقيمة الزائدة المطلقة.
ويتضح الآن أنه ليس كل مبلغ من النقد قابل للتحول إلى رأس مال. وأن هناك حدا أدنى: سعر الكلفة لقوة عمل واحدة ولكلفة الأدوات الضرورية للعمل. ويتوجب على الرأسمالي، لكي يكون قادرا على العيش مثل عامل، أن يستخدم اثنين من العمال بمعدل قيمة زائدة قدره 50%، ومع هذا فإنه لن يوفر شيئا. إنه يظل رب عمل صغير حتى بتشغيله ثمانية عمال.
ولهذا فإن تحول الناس، في القرون الوسطى، من حرفيين إلى رأسماليين كان يعرقله تحديد عدد الأجراء الذين يحق لرب العمل الواحد استخدامهم. إن الحد الأدنى اللازم من الثروة لصنع رأسمالي حقيقي يتباين من فترة لأخرى، ومن فرع صناعي لآخر (ص 288 «309»).
لقد تحول رأس المال إلى مسير للعمل، يصب اهتمامه على تنفيذ العمل بانتظام وشدة، إضافة على إرغام العمال على أداء أعمال أكثر مما هو ضروري لأجل إعالتهم، وفي اعتصاره للقيمة الزائدة، فإنه يفوق كل الأنظمة الإنتاجية السالفة والقائمة على العمل الإجباري المباشر. إن رأس المال يستولي على العمل ضمن ظروف تكنيكية معينة، ولا يقوم بادئ الأمر بتغييرها. وهكذا فعند اعتبار عملية الإنتاج مجرد سير عمل، لا تكون علاقة الشغيل بوسائل الإنتاج مثل علاقته برأس المال، بل علاقة مع وسائل نشاطه الإبداعي الخاص. ولكن إذا نظرنا إلى العملية كعملية خلق للقيمة الزائدة انقلب الأمر. إن وسائل الإنتاج تصبح وسائل امتصاص عمل الآخرين، فلم يعد الشغيل يستخدم وسائل الإنتاج، بل أن وسائل الإنتاج هي التي تستخدم الشغيل. (ص 289 «310»).
وبدلا من أن يقوم الشغيل باستهلاك الأدوات.. تشرع الأدوات باستهلاكه كخميرة ضرورية لديمومة حياتها الخاصة، وديمومة حياة رأس المال تكمن في حركته كقيمة تضاعف نفسها باستمرار.. إن التحول البسيط للنقد إلى وسائل إنتاج يمنح هذه الأخيرة الذريعة والحق في حيازة العمل والعمل الزائد للآخرين.


--------------------------------------------------------------------------------

الفصل الرابع: إنتاج القيمة الزائدة النسبية


1- مفهوم القيمة الزائدة النسبية:

في يوم عمل معين، لا يمكن زيادة العمل الزائد إلا بتخفيض العمل الضروري، ويمكن بلوغ ذلك أيضا –بمعزل عن تخفيض الأجور إلى أدنى من القيمة- بإنقاص قيمة العمل، أي بتخفيض كلفة وسائل الحياة الضرورية (ص 291-293 «312-315»). ولا يمكن تحقيق ذلك، بدوره، إلا بزيادة القوى الإنتاجية للعمل، وذلك بتطوير نمط الإنتاج نفسه.
ولغرض تخفيض قيمة العمل، يتوجب على الزيادة في القوة المنتجة أن تستولي على تلك الفروع الصناعية التي تقوم منتجاتها بتحديد قيمة قوة العمل –إن وسائل العيش الاعتيادية تعوض عن هذه المنتجات وموادها الأولية.. الخ.
البرهان على أن المنافسة تجعل الزيادة في القوة الإنتاجية تتجلى في تدني سعر السلعة على الصفحات (296-299 «316-319»).
إن قيمة السلع تتناسب عكسيا مع شدة إنتاجية العمل، كما هو الحال أيضا مع قيمة قوة العمل لأنها تتوقف على أسعار السلع. أما القيمة الزائدة النسبية فتتناسب، على العكس من ذلك، طرديا مع شدة إنتاجية العمل (ص 299 «319»).
إن الرأسمالي لا يكترث بالقيمة المطلقة للسلع، بل يهتم فقط بالقيمة الزائدة المندمجة فيها. إن تحويل القيمة الزائدة إلى نقد يتضمن استرداد القيمة التي دفعها سلفا. وما دامت نفس عملية زيادة الإنتاجية تخفض قيمة السلع وترفع القيمة الزائدة التي تحتويها، استنادا إلى الصفحة 299 «320»، يصبح من الواضح لماذا يكد الرأسمالي الذي لا هم له سوى إنتاج القيمة التبادلية، من اجل خفض القيمة التبادلية للسلع.
(راجع. كويسني. ص 300 «320»).
ولهذا فإن الاقتصاد في العمل عبر تطوير القوى الإنتاجية، في الإنتاج الرأسمالي، لا يهدف بأي حال إلى تقليص يوم العمل –إذ أن الأخير قد يتعرض للتمديد. وعليه يمكن لنا أن نقرأ في كتابات الاقتصاديين من طراز ماكلوش، أور، سينيور واضرابهم [71] على إحدى الصفحات: بأن الشغيل مدين بالاعتراف بالجميل لرأس المال نظرا لقيامه بتطوير القوى الإنتاجية، وعلى الصفحة التالية نجد بأنه ينبغي على الشغيل أن يبرهن على اعترافه بالجميل عن طريق العمل 15 ساعة عوضا عن 10 ساعات في المستقبل.
إن الهدف الوحيد لهذا التطوير للقوى الإنتاجية هو تقليص العمل الضروري، وتمديد العمل الزائد من أجل الرأسمالي (ص301 «321»)
2- التعاون:
إن الإنتاج الرأسمالي استنادا إلى الصفحة (288 «309»، يتطلب رأسمالا فرديا كبيرا بما فيه الكفاية لاستئجار عدد كبير من العمال في وقت واحد، ولا يصبح رب العمل رأسماليا مكتمل النمو إلا عندما يكون هو نفسه متحررا تماما من العمل. إن نشاط عدد كبير من العمال في وقت واحد، وفي نفس الحقل من العمل، ولغرض إنتاج نفس النوع من السلعة وتحت أمرة نفس الرأسمالي، تعين تاريخيا ومنطقيا نقطة انطلاق الإنتاج الرأسمالي. (ص 302 «322»). وعلى هذا، لا يوجد بادئ ذي بدء إلا اختلاف كمي قياسا إلى الماضي عندما كان رب العمل الواحد يستأجر عددا أقل من الشغيلة. إلا أن ثمة تحويرا يطرأ في الحال.
إن العدد الكبير من الشغيلة يضمن لرب العمل، سلفا، الحصول على معدل عمل حقيقي، إلا أن الحال ليس كذلك عند رب العمل الصغير الذي يضطر مع ذلك لدفع القيمة الوسطية للعمل. وهذه الفروقات، في حالة الإنتاج الصغير، يعوض بعضها بعضا بالنسبة للمجتمع، ولكن ليس بالنسبة إلى رب العمل الصغير. ولهذا فإن قانون إنتاج القيمة الزائدة لا يتحقق بالنسبة للمنتج الفردي إلا عندما يقوم بالإنتاج كـ : رأسمالي يدفع العديد من الشغيلة للعمل في آن واحد، وهكذا يحرك معدل عمل اجتماعي (ص 203-304 «322-324»).
وبالإضافة إلى ذلك يتحقق التوفير في وسائل الإنتاج عبر الإنتاج الواسع وحده، إن نقص القيمة التي تنقلها مكونات رأس المال الثابت إلى المنتوج تنشأ فقط عن استهلاكها المشترك في سير العمل الجماعي للعديد من الشغيلة. وهذا هو السب الذي تنال به أدوات العمل الصفة الاجتماعية قبل أن ينالها سير العمل نفسه. (والعمل إلى هذا الحد ليس إلا عمليات متشابهة تجري جنبا إلى جنب) (ص 305 «325»).
إن التوفير في وسائل الإنتاج معالج هنا بمقدار ما يتعلق بجعل السلع أرخص مما هي عليه مخفضا بذلك قيمة قوة العمل. أما المدى الذي يغير به النسبة بين القيمة الزائدة وبين الرأسمال الكلي المدفوع سلفا (ث + م) فإنها لن تعالج إلا في الكتاب الثالث. وهذه التجزئة للموضوع تماشى روح الإنتاج الرأسمالي تماما، ما دام هذه الإنتاج يجعل ظروف العمل تواجه الشغيل كشيء، مستقل، ويجعل التوفير في وسائل الإنتاج يبدو للشغيل عملية غريبة ومتميزة لا تعنيه في شيء، وبالتالي ليست له أية علاقة بالطرائق (الأساليب) التي ترفع من إنتاجية قوة العمل التي يستهلكها الرأسمالي.
إن شكل العمل الذي يمارسه عدة أشخاص، في عمل جماعي منسق، يعمل فيه أحدهم إلى جانب الآخر في ذات المهنة، أو في أعمال مختلفة ولكن مترابطة، يسمى بـ: التعاون. (ص 306 «325» ديستوت دي تراسي [72]).
إن المجموع الكلي للقوى الميكانيكية للشغيلة الفرديين، يختلف جوهريا عن القوة الميكانيكية المحتملة التي تنشأ عندما تعمل أيد كثيرة سوية في وقت واحد وفي عمل واحد غير مجزأ (رفع ثقل..الخ).
إن التعاون يخلق، من البداية، قوة إنتاجية هي بذاتها قوة اجتماعية. وبالإضافة إلى ذلك فإن الاتصال الاجتماعي المحض يخلق، في أغلب النشاطات الإنتاجية، روح التفاخر لدى العمال مما يرفع كفاءة كل فرد منهم، بحيث أن 12 عاملا في يوم عمل مشترك يضم 144 ساعة ينتجون عملا أكثر مما ينتجه 12 عاملا في 12 يوما مختلفا، أو أكثر مما ينتجه عامل واحد في 12 يوما متعاقبا (ص 307 «326»).
وعلى الرغم من أن مجموعة من العمال تؤدي نفس العمل، أو أعمالا متشابهة، فإن كل شغيل فرد منهم يمثل طورا مختلفا من سير العمل (سلسلة من الأفراد ينقلون شيئا أحدهم للآخر) حيث يؤدي التعاون من جديد إلى التوفير في العمل. والحال نفسه عند تشييد بناية من عدة جهات في وقت واحد. إن العامل المتحد، أو الشغيل الجماعي، له أيد وعيون من كل الجهات، وهو إلى حد معين، حاضر في كل مكان (307 «327»).
ويتيح التعاون، في سير العمل المعقد، توزيع الأعمال الخاصة وتنفيذها في آن واحد، مقلصا بذلك وقت العمل اللازم لتصنيع المنتوج برمته (ص 307 «327»).
وفي العديد من مجالات الإنتاج، هناك فترات حرجة تتطلب عددا كبيرا من العمال (الحصاد، صيد سمك الرنج. الخ) هنا، التعاون وحده يمكن أن يكون ذا فائدة. (ص 309 «328»).
إن التعاون يوسع حقل الإنتاج، من جهة، ويصبح بالتالي ضروريا للعمل الذي يتطلب اتساعا دائميا لميدان العمل (المجاري، بناء الطرق، تشييد السدود.. الخ) ويؤدي التعاون، من جهة ثابتة، إلى تضييق ميدان العمل بتركيز العمال في مكان عمل واحد مخفضا بذلك التكاليف (ص 310 «328-329»).
إن التعاون، في كافة هذه الأشكال، هو القوة الإنتاجية الخاصة ليوم العمل الواحد، وهو القوة الإنتاجية الاجتماعية للعمل. وتنشأ هذه الصفة الاجتماعية من التعاون نفسه. ففي العمل المشترك المنظم، يزيح الشغيل حدوده الفردية ويطور قابلياته.
والآن، لا يمكن للعمال المأجورين أن يتعاونوا ما لم يقم، نفس الرأسمالي باستخدامهم في آن واحد، ويدفع لهم أجورهم، ويزودوهم بأدوات العمل. ولهذا فإن مدى التعاون يتوقف على مقدار رأس المال الذي يمتلكه الرأسمالي. إن ضرورة توفر مقدار معين من رأس المال لدى شخص ما لجعله رأسماليا تصبح الآن الشرط المادي لتحويل الأعمال العديدة المبعثرة والمستقلة عن بعضها البعض إلى سير عمل اجتماعي موحد. وبنفس الطريقة، كانت هيمنة رأس المال على العمل، إلى الآن، مجرد نتيجة شكلية للعلاقة بين رأس المال والعمل، أما الآن فقد أضحت الشرط الضروري المسبق لسير العمل نفسه، فالرأسمالي يمثل التوحدي القائم في سير العمل. إن السيطرة على العمل، في التعاون، تصبح وظيفة رأس المال، وفي هذه الوظيفة يكتسب رأس المال خصائص معينة. (ص 312 «330»). وتماشيا مع هدف الإنتاج الرأسمالي (تحقيق أكبر قدر من ممكن من التوسيع الذاتي لرأس المال)، فإن هذا التسيير للعمل هو في نفس الوقت أداء أكبر استثمار ممكن للعمل الاجتماعي، ومن هنا فإنه يشتمل على العداء المحتوم بين المستغِل والمستغَل، إضافة إلى مراقبة الانتفاع المناسب بأدوات العمل. وأخيرا فإن العلاقة بين العمال العديدين تكمن خارجا عنهم، في رأس المال، بحيث أن وحدتهم الخاصة تجابههم باعتبارها سلطة الرأسمالي، باعتبارها إرادة خارجية، وهكذا فإن سيطرة راس المال مزدوجة:
(1) عمل اجتماعي لإنتاج المنتوجات. (2) عملية توسيع رأس المال لنفسه. وهو في شكله استبدادي. إن هذا الاستبداد يخلق أشكاله الخاصة به: إذ أن الرأسمالي المتحرر لتوه من العمل الفعلي بنفسه يسلم الآن الإشراف المباشر بيد مجموعة منظمة من الضباط وضباط الصف الذين هم بدورهم عمال مأجورين لرأس المال. في نظام العبودية (الرق) يحسب الاقتصاديون مصاريف الإشراف هذه بمثابة مصروفات إضافية faux fraix [73]، إلا أنهم لا يحددون، إلا بشكل سطحي أن لسيطرة رأس المال نفس الوظيفة، بقدر ما يكيف الاستثمار هذه السيطرة لمتطلباته، وبقدر ما تنشأ عن طبيعة سير العمل الاجتماعي (ص 313-314 «331-332»).
إن قيادة الصناعة تصبح من اختصاص رأس المال، مثلما أن وظائف الجنرالات والقضاة في الفترات الإقطاعية من اختصاص الملاك العقاريين. (ص314 «332»).

إن الرأسمال يشتري 100 قوة عمل فردية، وينال بالمقابل مائة قوة عمل موحدة. إلا انه لا يدفع لقاء مائة قوة عمل موحدة. وعندما يدخل الشغيلة العمل الجماعي الموحد، يكفون عن كونهم أفرادا، إنهم يندمجون في راس المال.ولهذا تظهر القوة الاجتماعية المنتجة للعمل على أنها القوة المنتجة الكامنة في رأس المال. (ص 315 «332»).
أمثلة عن التعاون لدى المصريين القدماء على الصفحة (316 «333-334»).
إن التعاون البدائي، في بدايات الحضارة لدى الشعوب التي كانت تعيش على الصيد، ولدى البدو الرحل وفي المجتمعات الهندية يستند على (1) الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج (2) الارتباط الطبيعي للفرد بقبيلته أو مجتمعه البدائي.
أما التعاون المعزول المؤقت في العصور القديمة والقرون الوسطى، وفي المستعمرات الحديثة، فهو مؤسس على السلطة والعنف المباشرين، وأغلبه قائم على (الرق) العبودية. ولكن التعاون في الإنتاج الرأسمالي يفترض، على العكس من ذلك، وجود الشغيل المأجور الحر. ويظهر هذا التعاون، من ناحية تاريخية، في تعارض مباشر مع الاقتصاد الفلاحي والإنتاج الحرفي المشتت (سواء كان منظما في طوائف أو لم يكن)، وبهذا الخصوص يظهر التعاون كشكل تاريخي خاص ومتميز بعملية الإنتاج الرأسمالي. وهو أول تغيير يمر به سير العمل بعد خضوعه لرأس المال. ولهذا يحدث في الحال ما يلي: (1) يقوم نمط الإنتاج الرأسمالي نفسه كشرط تاريخي لتحويل سير العمل إلى عملية اجتماعية. (2) يقدم الشكل الاجتماعي لسير العمل نفسه كطريقة رأسمالية لاستغلال العمل بفائدة أكبر، وذلك بزيادة إنتاجيته. (ص 317 «335»).
إن التعاون، بالحدود التي تمت بها معالجته، وبشكله الأولي، يتطابق مع الإنتاج الكبير، إلا أنه لا يؤسس لنفسه شكلا ثابتا خاصا بمرحلة تاريخية معينة للإنتاج الرأسمالي، وما يزال التعاون قائما اليوم حيثما يعمل رأس المال بشكل واسع دون أن يكون هناك تقسيم للعمل، وبدون أن تلعب الآلة دورا مهما. وهكذا، على الرغم من أن التعاون هو الشكل الأساسي للإنتاج الرأسمالي بأكمله، فإن شكله الأولي يبدو كشكل خاص إلى جانب أشكاله الأخرى الأكثر تطورا (ص 318 «335»).
3- المانيفاكتورة وتقسيم العمل.
المانيفاكتورة هي الشكل الكلاسيكي للتعاون القائم على أساس تقسيم العمل، وقد كانت سائدة من سنة 1550 وحتى 1770، وهي تنشأ:
1) إما بتجميع حرف مختلفة يؤدي كل منها جزءا تفصيليا من العمل (مثال صنع العربات [74] حيث يفقد الحرفي المنفرد قدرته، شيئا فشيئا، على ممارسة حرفته برمتها، ويكتسب من جهة ثانية مهارة أفضل في عمله الجزئي. وهكذا تنقسم كامل العملية إلى مكوناتها الجزئية. (ص 318، 319 «336-337»).
2) أو بأن يقوم العديد من الحرفيين بأداء أعمال متشابهة، أو القيام بنفس العمل على شكل جماعة موحدة في المعمل نفسه، ولكن عوضا عن إنجاز الأعمال الفردية واحدة بعد أخرى من قبل شغيل واحد، يتم تجزئتها بشكل تدريجي إلى أن يجري تنفيذها من قبل عمال متعددين في وقت واحد (صناعة الإبر..الخ) وبدلا من أن يكون المنتوج نتاج حرفي واحد، يصبح الآن نتاج عمل مجموعة من الحرفيين الذين لا يؤدي أحد منهم سوى جزء تفصيلي من العملية. (ص 319، 320 «337-338»).
ولكلتا الحالتين نتيجة واحدة قوامها: جسم إنتاجي أعضاؤه كائنات بشرية. إلا أن العمل يظل ذا طبيعة حرفية لأن كل جزء من العمل الذي يمر به المنتوج ينبغي أن يكون إنجازه بواسطة اليد، ومن هنا يستبعد أي تحليل علمي حقيقي لسير الإنتاج. إن كل فرد من الشغيلة مقيد تماما بوظيفة جزئية بسبب الطبيعة الحرفية للعمل (ص 321 «337-339»).
وبهذه الطريقة يتم توفير العمل بالمقارنة مع العمل الحرفي، ويزداد هذا التوفير أكثر فأكثر بالانتقال إلى الأجيال اللاحقة. وهكذا يتطابق تقسيم العمل في المالنيفاكتورة مع نزوع المجتمعات السابقة لجعل الحرفة وراثية. طوائف ونقابات الحرفيين على الصفحات (ص 322 «339-340»). ويجري تقسيم ثانوي للأدوات من خلال تكييفها لمختلف العمليات الجزئية، 500 نوع من المطارق في برمنغهام. (ص 323-324 «341»).
إن المانيفاكتورة، إذا عولجت من زاوية تركيبها العام، ذات وجهين: إما مجرد تجميع ميكانيكي لمنتجات جزئية مستقلة (صناعة الساعات) [75]، أو سلسلة من العمليات المتصلة التدريجية في محل عمل واحد (الإبر) [76].
إن كل مجموعة من العمال، في المانيفاكتورة، تجهز المجموعة الأخرى بالمادة الأولية، وينجم عن هذا شرط أساسي، إذ يتوجب على كل مجموعة أن تنتج كمية معينة في وقت معين، فنحصل بذلك على استمرارية وانتظام وتناسق وشدة عمل من نوع مختلف تماما عما يخلقه التعاون في الحرفة المستقلة.
وهكذا نحصل على القانون التكنيكي لعملية الإنتاج: أن يكون العمل هو العمل الضروري اجتماعيا. (ص 329 «345»).
إن عدم تساوي الوقت اللازم لكل عملية فردية في المانيفاكتورة يجعل من الضروري أن تكون مجموعات العمال المختلفة ذات أحجام وأعداد مختلفة (في سباكة الحروف يلزم 4 سباكين وكسارين اثنين ودلاكا واحدا [77]).
وهكذا تقيم المانيفاكتورة نسبة رياضية ثابتة لكميات الأعضاء العديدة التي يتألف منها الشغيلة الجماعي، وعندها لا يمكن توسيع الإنتاج إلا باستخدام مركب إضافي من المجموعة بأكملها. وبالإضافة لذلك فإن وظائف: المراقبة ونقل المنتوجات من مكان لآخر..الخ.. لا تصبح وظائف منفصلة ومستقلة يشغلها عمال خصوصيون إلا بعد بلوغ الإنتاج مستوى معينا من التطور (ص 329، 330 «346»).
إن دمج المانيفاكتورات المتعددة في مانيفاكتورة موحدة يحدث أيضا، إلا أنها تفتقر، في هذه المرحلة دائما، إلى الوحدة التكنيكية الفعلية، الأمر الذي لا يتحقق إلا بظهور الآلة. (ص 331 «347-348»).
ظهرت الآلات بشكل مبكر في مانيفاكتورة متفرقة –مطاحن الحبوب ومصانع الورق..الخ.. ولكن الآلة كانت شيئا ثانويا. إن الآلة الرئيسية في المانيفاكتورة هي العامل الجماعي المندمج الذي يمتلك درجة من الكمال أعلى من العامل الحرفي المنفرد القديم. إن كل نواقص الحرفي التي تزداد وتتطور بالضرورة عند تقسيم العمل، تصبح في المانيفاكتورة الكمال بعينه (ص 333 «348-349»).
وتخلق المانيفاكتورة فروقات بين العمال الجزئيين [78] وتقسمهم إلى عمال ماهرين وعمال غير ماهرين، بل إنها تؤسس نظاما للمراتب وسلما متدرجا للأجور. (ص 334 «349»).
تقسيم العمل:
1) عمل عام ينقسم إلى زراعة وصناعة ونقل بحري..الخ..
2) عمل خاص (ينقسم إلى أنواع ثانوية).
3) عمل تفصيلي (في الورشة).
إن التقسيم الاجتماعي للعمل ينمو، كذلك، من نقاط انطلاق مختلفة:
1- في العائلة والقبيلة هناك تقسيم طبيعي للعمل وفقا لاختلافات السن والجنس. زائدا الاسترقاق الناشئ عن استخدام العنف ضد القبائل المجاورة، مما يوسع تقسيم العمل (ص 335 «351-352»).
2- في المجتمعات المختلفة: حسب موقعها ومناخها ومستواها الحضاري يجري إنتاج منتوجات مختلفة يتم تبادلها حيثما تتصل هذه المجتمعات ببعضها البعض (ص 349 «387»).
إن التبادل مع المجتمعات الأجنبية هو، إذن، أحد الوسائل الرئيسية في تحطيم الترابط الطبيعي للمجتمع نفسه عبر التطوير اللاحق للتقسيم الطبيعي للعمل (ص336 «352»).
إن تقسيم العمل في المانيفاكتورة يفترض، على هذا، درجة معينة من تطور التقسيم الاجتماعي للعمل، كما أن المانيفاكتورة تؤدي، من جهة أخرى، إلى تطوير التقسيم الاجتماعي للعمل –كما هو الحال في التقسيم الإقليمي للعمل [79] (ص 337-338 «352-353»).
ومع هذا، فإن هناك على الدوام هذا الفرق بين التقسيم الاجتماعي للعمل وبين تقسيم العمل في المانيفاكتورة وهو: أن التقسيم الأول ينتج بالضرورة سلعا، بينما العمل الجزئي لا ينتج سلعا. من هنا التركيز والتنظيم في الأخيرة (المانيفاكتورة) مقابل التبعثر والفوضى الناجمتين عن المنافسة في الأول (التقسيم الاجتماعي) (ص 339، 341 «354-356»).
التنظيم السالف للمجتمعات الهندية (ص 341، 342).
الطوائف المهنية (ص343-344 «357-359»). وفي حين أن تقسيم العمل في هذه الفترات يكون قائما في المجتمع، فإن تقسيم العمل في المانيفاكتورة هو الشكل الخاص الذي ابتدعه الإنتاج الرأسمالي.
إن الكائن الحي العامل لأداء وظيفته هو شكل وجود رأس المال في التعاون البسيط كما في المانيفاكتورة. ولهذا فإن القوة الإنتاجية الناشئة عن دمج العمال تبدو وكأنها القوة الإنتاجية لرأس المال. ولكن على حين أن التعاون يُبقي على أسلوب العمل الفردي بأكمله دون تغير، فإن المانيفاكتورة تقوم بتثويره، ويصبح العامل كسيحا، عاجزا عن صنع المنتوج بصورة مستقلة. إنه الآن مجرد ذيل لمعمل الرأسمالي. إن قدرته (الذهنية) تضمحل في جوانب عديدة، وتتوسع في مجال مهارة واحدة. ونتيجة للتقسيم المانيفاكتوري للعمل يوضع العمال وجها لوجه إزاء القوة الذهنية لسير العمل بوصفها ملكا لغيرهم وبوصفها قوة تسيطر عليهم. إن عملية عزل الشغيل هذه التي تبدأ في التعاون وتنمو في المانيفاكتورة، تكتمل تماما في الصناعة الحديثة التي تفصل العلم كقوة إنتاجية مستقلة عن العمل، وترغمه على خدمة رأس المال (ص 346 «361»)
مقتظفات إيضاحية (ص 346 «361»).
إن المانيفاكتورة، التي هم تنظيم معين للعمل الاجتماعي من جهة، ليست من جهة أخرى إلا طريقة خاصة لتوليد القيمة الزائدة النسبية (ص 350 «364»).
الدلالات التاريخية (على نفس الصفحة).
إن العقبات المعيقة لنمو المانيفاكتورة حتى في عهدها الكلاسيكي هي قلة عدد غير الماهرين بسبب غلبة الماهرين، قلة عمل النساء والأطفال بسبب مقاومة الرجال، التمسك بقوانين تدريب الحرفة إلى فترات متأخرة، حتى عندما يكون ذلك أمرا زائدا عن اللزوم، والتمردات على العمل ما دام الشغيل الجماعي لا يمتلك حتى تلك اللحظة إطارا مستقلا عن العمال أنفسهم، وهجرة العمال. (ص353، 354 «367-368»). إضافة إلى ذلك، لم يكن بوسع المانيفاكتورة نفسها أن تثوّر الإنتاج الاجتماعي برمته، أو حتى مجرد تسييره. إن أسسها التكنيكية الضيقة أضحت تناقض متطلبات الإنتاج التي خلقتها هي بنفسها، وأصبحت الآلة ضرورية، وكانت المانيفاكتورة قد تعلمت كيف تقوم بصنع هذه الآلة (ص 355 «368»).
4- الآلات والصناعة الحديثة.
آ- الآلة كآلة:
إن الثورة في نمط الإنتاج التي بدأت بـ قوة العهد المانيفاكتوري، تبدأ الآن بـ أدوات العمل.
إن كل الآلات المتطورة تماما تتألف من: 1) المحرك 2) جهاز نقل الحركة 3) الأداة أو الآلة التي تؤدي العمل. (ص 357 «373»).
انطلقت الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر بظهور الآلة العاملة. إن ما يميزها هو أن الأداة فيها –بهذا الشكل المحور أو ذاك- تنتقل من الإنسان إلى الآلة وتشغلها الآلة بإدارة الإنسان.وليس من المهم لدى ظهور الآلة إذا كانت القوة المحركة قوة بشرية أو طبيعية. والفرق الجوهري بين الاثنين هو أن الإنسان
لا يستخدم غير أعضاء جسمه بينما تستطيع الآلة، في حدود معينة، أن تستخدم عددا من الأدوات على قدر الحاجة. (دولاب الغزل اليدوي يستعمل مغزلا واحدا وآلة الغزل من 12 على 18 مغزلا).
وإلى هذا الحد، ليست عجلة الغزل أو القوة التي تديرها، هي التي تتأثر بالثورة الصناعية بل أن المغزل هو الذي يتغير –ويظل الإنسان، في البداية، هو القوة المحركة والقوة التي تعطب بسرعة بذات الوقت وفي كل مكان. إن الثورة التي تحدثها الآلة العاملة، على العكس من ذلك، تجعل من اكتمال الآلة البخارية ضرورة لا مناص منها، وتقوم، من بعد ذلك بتنفيذها (ص359-360 «374-375»). وعلى الصفحات 361-362 «376-377».
في الصناعة الحديثة ثمة نوعان من الآلات:
إما (1) تعاون عدة آلات متشابهة (آلة صنع المغلفات البريدية، أنواع النسيج التي تدمج عمل عدد من العمال الجزئيين بدمج أدوات مختلفة. إن الوحدة التكنيكية في هذه الحالة ناتجة عن النقل والقوة المحركة.
أو (2) نظام الآلات، دمج آلات جزئية مختلفة (معمل الغزل). إن الأساس الطبيعي لذلك هو تقسيم العمل في المانيفاكتورة. ولكن ينشأ في الحال اختلاف جوهري. إن كل عمل جزئي في المانيفاكتورة ينبغي أن يتكيف للشغيل، أما هنا فإن ذلك لم يعد ضروريا، فبالامكان تقطيع سير العمل موضوعيا إلى مكوناته الجزئية، وهذا الأمر متروك للعلم، أو للخبرة العملية المؤسسة عليه، وتتم السيطرة عليه بواسطة الآلات. إن النسبة العددية لمجموعات العمال المختلفة التي تؤدي عملا ما، تتكرر هنا بهيئة نسبة عددية لمجموعات الآلات. (ص 363-366 «378-379»).
إن المعمل، في كلا الحالين، يؤسس جهازا أوتوماتيكيا كبيرا (لم يتم تحسينه إلى هذا المستوى إلا مؤخرا) وهذا هو شكله المناسب (ص 367 «379»). أما أكثر أشكاله اكتمالا فهو الجهاز الاتوماتيكي لصناعة الآلات الذي أدى إلى إزالة الأساس الحرفي والمانيفاكتوري للصناعة الكبرى، وبذلك تمولت الصناعة بأكثر أشكال الآلات اكتمالا. (ص 369-372 «384-386»).
العلاقة بين تثوير الفروع المتعددة للصناعة حتى تطوير وسائل الاتصال على الصفحات (371 «383»).
إن اندماج العمل في المانيفاكتورة شيء ذاتي، أما هنا فثمة كائن حي موضوعي للإنتاج الميكانيكي يجده العامل بمتناول يده، ولا يمكن أن يؤدي وظيفته إلا بالعمل الجماعي، إن الميزة التعاونية للعمل أضحت الآن ضرورة تكنيكية (ص 372 «386»).
إن القوى المنتجة التي تنبثق من التعاون ومن تقسيم العمل لا تكلف الرأسمالي شيئا. كما لا تكلفه القوى الطبيعية: البخار، الماء أي شيء أيضا. والحال نفسه مع القوى الجديدة التي يكتشفها العلم. إلا أن هذه الأخيرة غير قابلة للتحقيق إلا بواسطة أجهزة مناسبة لا يمكن إنشاءها إلا بتكاليف باهظة، وكذلك الآلات العاملة فهي تكلف الرأسمالي أكثر من الأدوات القديمة. غير أن لهذه الآلات حياة أطول، وحقل إنتاج أكبر جدا من الأداة اليدوية، وعليه فإن الآلات تنقل إلى المنتوج كمية أقل من القيمة بالنسبة إلى القيمة التي تنقلها الأداة اليدوية، من هنا فإن الخدمة الجليلة التي تؤديها الآلة (والتي لا تعود إلى الظهور في قيمة المنتوج) أعظم بكثير من خدمة الأداة اليدوية (ص 374-376 «487-390»).
إن انخفاض التكاليف بتركيز الإنتاج، في الصناعة الحديثة، أكبر بكثير من انخفاضها في المانيفاكتورة (ص 375 «388»).
إن أسعار السلع المنجزة تبرهن على أن الآلة قد خفضت تكاليف الإنتاج، وأن مقدار القيمة الناشئ عن أدوات العمل ينمو بصورة نسبية، إلا أنه يهبط بصورة مطلقة. إن إنتاجية الآلة تقاس بمقدار قوة العمل البشري التي تعوض عنها. أمثلة: (377-379 «390-392»).
إذا افترضنا أن محراثا بخاريا يحل محل 150 عاملا يتقاضون أجرا سنويا قدره 3000 جنيه، فإن هذا الأجر السنوي لا يمثل كل العمل الذي أنجزوه، بل يمثل فقط مقدار العمل الضروري –لأنهم يقدمون بالإضافة إلى ذلك عملا زائدا. فإذا كانت كلفة المحراث البخاري 3000 جنيه، فإن هذا المبلغ هو، على أية حال، التعبير بالنقد عن كل العمل المتجسد في المحراث. وهكذا إذا كانت تكاليف الآلة بقدر تكاليف قوة العمل التي تعوض عنها، فإن العمل البشري المتجسد في هذه الآلة هو، على الدوام، أقل بكثير من العمل البشري الذي تعوض عنه الآلة (ص 380 «392»).
إن الآلة كوسيلة لخفض تكاليف الإنتاج، ينبغي أن تكلفنا عملا أقل من العمل الذي تعوض عنه، ولكن لا بد أن تكون قيمة هذه الآلة بالنسبة لرأس المال أقل من قيمة قوة العمل الذي تحل محله. ولهذا فإن الآلات التي لا تكون نافعة في انجلترا قد تكون نافعة في أمريكا (مثال: كسارة الصخر). وعليه، ونتيجة لبعض التقييدات القانونية، فإن الآلات التي لم تكن نافعة لرأس المال من قبل تظهر إلى الوجود على نحو مفاجئ (ص 380-381 «393-394»).
ب- استملاك قوة العمل بواسطة الآلة
ما دامت الآلة تحتوي في ذاتها على القوة المحركة لها، فإن قيمة القوة العضلية تهبط. تشغيل النساء والأطفال يؤدي إلى الزيادة الفورية في عدد العمال المأجورين عبر تجنيد أفراد الأسرة الذين لم يسبق لهم أن عملوا لقاء أجور. وهكذا فإن قيمة قوة عمل رب الأسرة تتوزع على قوة عمل الأسرة برمتها. أي أن هذه القيمة تنخفض. وينبغي الآن أن يقوم أربعة أشخاص بدلا من واحد لا بإنجاز العمل وحده بل لتقديم العمل الزائد أيضا لرأس المال، لكي تتمكن هذه الأسرة الواحدة من العيش. وهكذا فإن درجة الاستغلال تزداد سوية مع ازدياد مادة الاستغلال. (ص 383 «395»).
كان بيع وشراء قوة العمل، في السابق، علاقة بين أشخاص أحرار، والآن يباع القاصرون والأطفال، إن العامل يبيع الآن زوجته وأطفاله –إنه يصبح تاجر رقيق. أمثلة (ص 384-385 «396-397»). التلف الجسماني –فناء أطفال العمال (ص 386 «397-398»). الانحطاط الأخلاقي. (ص 389 «399»).
تشريع قانون عدم استخدام الأطفال قبل إكمال الدراسة الابتدائية ومقاومة مالكي المانيفكتورات على الصفحات (390 «399-400»).
دخول النساء والأطفال إلى الصناعة أخيرا، يسبب انهيار مقاومة العمال الذكور ويخضعهم لاستبداد رأس المال. (ص 391 «402»).
إذا كانت الآلة تقلص وقت العمل الضروري لإنتاج سلعة ما، فإنها تصبح سلاحا فعالا بيد رأس المال لتمديد يوم العمل بعيدا إلى ما وراء الحدود الطبيعية. إنها تخلق شروطا جديدة تمكن رأس المال من تحقيق ذلك من جهة، وتخلق دوافع جديدة للقيام بذلك من جهة أخرى.
إن للآلة حركة لا متناهية، إلا أنها تتقيد بضعف ومحدودية قوة العمل البشري الذي لها العون.
إن الآلة التي تتلف بعمل عشرين ساعة يوميا خلال سبع أعوام ونصف تمتص للرأسمالي نفس الكمية من العمل الزائد الذي تمتصه آلة أخرى تتلف بعمل عشر ساعات يوميا خلال خمسة عشر سنة، إلا أن الأولى تحقق ذلك في نصف الوقت (ص 393 «404»).
التخفيض المعنوي لقيمة الآلة-بالآلات التي تحل محلها [80] يكون أقل خطرا عندما تكون مدة إنتاج القيمة الكلية لهذه الآلة أقصر (ص 394 «404-405»).
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن امتصاص كمية أكبر من العمل بدون زيادة الأموال الموظفة في بناء الآلات، وهكذا ليست القيمة الزائدة وحدها تكبر بإطالة يوم العمل، بل إن النفقات اللازمة للحصول عليها تقل بنفس النسبة. وهذا الأمر كبير الأهمية بقدر ما تسود نسبة رأس المال الثابت على نطاق واسع، كما هو الحال في الصناعة الكبرى (395 «405»).
خلال المرحلة الأولى لظهور الآلة، والتي تكتسب فيها الطابع الاحتكاري تكون الأرباح هائلة، ومن هنا التعطش للمزيد بواسطة التمديد غير المقيد ليوم العمل. إلا أن فوائد احتكار الفرع الصناعي الواحد للآلة يضمحل بدخولها الصناعة على نطاق واسع، ويعود القانون لتوكيد نفسه بأن القيمة الزائدة لا تنبعث من العمل الذي تعوض عنه الآلة، بل من العمل الذي تستخدمه الآلة، أي من رأس المال المتغير ولكن رأس المال المتغير في ظل الإنتاج الآلي يخضع بالضرورة للتقليص بسبب النفقات الباهظة. ثمة إذن تناقض داخلي في الاستخدام الرأسمالي للآلة. فبالنسبة لكتلة معينة من رأس المال تقوم الآلة بزيادة أحد العوامل المنتجة للقيمة الزائدة، أي معدلها وذلك بتخفيض العامل الآخر، أي عدد العمال. وحالما تصبح السلعة المنتجة بواسطة الآلة هي المنظم للقيمة الاجتماعية لجميع السلع الأخرى من ذات النوع، فإن هذا التناقض يظهر إلى النور، ويؤدي من جديد إلى إطالة يوم العمل. (ص 397 «407»).
إلا أن الآلة، في الوقت الذي تسرح العمال الذين حلت محلهم، إضافة إلى تجنيدها النساء والأطفال، تخلق فيضا في السكان العاملين، الأمر الذي يتيح لرأس المال إخضاعهم لقانونه. ومن هنا فإن الآلة تحطم كل القيود الأخلاقية والطبيعية ليوم العمل. ومن هنا تنشأ هذه المفارقة الاقتصادية، وهي أن أكبر الوسائل لتقصير وقت العمل هي نفس الوسائل التي لا تخطئ في تحويل جميع لحظات الحياة للعامل وأسرته إلى وقت عمل مكرس لتوسيع قيمة رأس المال.(398 «408»).
ولقد سبق أن رأينا كيف أن رد الفعل الاجتماعي إزاء ذلك يأتي على شكل تحديد يوم عمل اعتيادي، وبسبب هذا تتطور الآن زيادة شدة العمل. (399 «409»).
في أول الأمر، ومع اتساع التقدم الآلي، تزداد شدة العمل في آن واحد مع تمديد وقت العمل. ولكن سرعان ما يتم بلوغ النقطة التي ينفيان فيها أحدهما الآخر. والأمر، على أية حال، يختلف إذا كان وقت العمل محددا. ففي هذه الحالة لا يمكن للشدة إلا أن تنمو، إذ يمكن في عشر ساعات أداء عمل بقدر ما يتم أداؤه في 12 ساعة أو أكثر، ويقاس يوم العمل الأكثر شدة بالقوة الأعلى التي بلغها، ولا يقاس بمدته وحدها، بل بدرجة شدته (ص 400 «409»). وهكذا ففي خمس ساعات عمل ضروري وخمس ساعات عمل زائد يمكن الحصول على نفس القيمة الزائدة التي نحصل عليها من 6 ساعات عمل ضروري و 6 ساعات عمل زائد ولكن بشدة عمل أوطأ. (ص 400 «410»).
كيف تمت زيادة شدة العمل؟
(هامش 159 ص 401 «ص 411 هامش رقم (1)»). في المانيفاكتورة وفي صناعة الخزف مثلا..الخ.. تمت البرهنة على أن تقليص يوم العمل يكفي وحده لرفع الإنتاجية بصورة هائلة.. وكان ذلك مشكوكا فيه في العمل الآلي. إلا أن ر.غاردنر برهن عليه [81] (ص 401-402 «411-412»).
وحالما يصبح يوم العمل المقصر قانونيا حتى تصبح الآلة وسيلة لاعتصار المزيد من شدة العمل من الشغيل، إما بزيادة ساعة عمل الآلة، أو بتقليل الأيدي التي تعمل بها. أمثلة (403-407 «412-416»). وقائع عن اغتناء أصحاب المعامل وتوسع عدد المعامل لدى تحديد يوم العمل. (ص 407-409 «416-418»).
ج- المعمل في شكله الكلاسيكي.
في المعمل تتولى الآلة استعمال الأداة [82] بالشكل المناسب، وهكذا فإن الفروق المميزة للأعمال المختلفة التي تطورتفيالمانيفاكتورةتصبحهنا لاغية، وتنزع الأعمال المختلفة إلى المساواة أكثر فأكثر، ولا تبقى سوى الفروق في الجنس والسن. إن تقسيم العمل هنا يتخذ شكل توزيع العمال على آلات متخصصة. وليس هناك تقسيم للعمل إلا بين العمال الرئيسيين المنهمكين فعلا في تشغيل الأدوات وبين مساعديهم المطعمين [83] (Feeders) (ويصدق هذا على المغزل المنفرد، وينطبق بدرجة أقل على آلة الغزل القديمة، إلا انه نادرا ما يصح بالنسبة للنول الآلي). وإلى جانب هؤلاء هناك فئة من المشرفين والمهندسين والميكانيكيين والقائمين بالتخزين..الخ وهم فئة لا ترتبط بالمعمل إلا بصورة خارجية (ص 411-412 «420»).
إن ضرورة تهيأة العامل لمتابعة الحركة المستمرة للآلة الاوتوماتيكية يتطلب تدريبه من الطفولة، ولكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال تقييد العامل إلى وظيفة جزئية واحدة طوال حياته كما في المانيفاكتورة. إذ يمكن أن يجري تغيير طاقم العمال الذين يعملون على آلة معينة (نظام المناوبة).
وبسبب الجهد البسيط اللازم للتعلم فإن بالامكان نقل العمال من آلة معينة إلى آلة أخرى. كما أن الخدمات التي يؤديها العمال لرعاية الآلة إما بسيطة جدا أو أن الآلة نفسها تتولى أداء ذلك شيئا فشيئا. ومع هذا يظل تقسيم العمل المانيفاكتوري في البداية، قائما كتقاليد موروثة. وتتحول هذه التقاليد نفسها، إلى سلاح استغلالي فعال بيد رأس المال. ويصبح العامل جزءا من آلة جزئية طوال حياته. (413 «422-423»).
إن الإنتاج الرأسمالي برمته، باعتباره ليس عملا إنتاجيا محضا بل عمل لتوسيع قيمة رأس المال، فإن له هذه الخاصية المشتركة، وهي: ليس العامل هو الذي يستخدم وسائل العمل، بل بالعكس، إن أدوات العمل هي التي تستخدم العامل، إلا أن هذا الانقلاب لا يتحقق على شكل واقع تكنيكي ملموس إلا باستعمال الآلة. وباكتساب أدوات العمل الحركة الاوتوماتيكية فإنها تواجه، بنفسها الشغيل، خلال سير العمل، على أنها رأس المال، ذلك العمل الميت الذي يهيمن ويمتص العمل الحي حتى الجفاف. وتجابهه القوى الذهنية لسير الإنتاج، كذلك، بمثابة سلطة رأس المال على العمل.. إن مهارة الشغيل الجزئية تضمحل كشيء ثانوي إزاء الآلة والعلم والقوى الطبيعية الهائلة، وضخامة العمل الاجتماعي التي تتجسد كلها في النظام الآلي (ص 414-415 «423»).
نظام المصانع الشبيه بنظام الثكنات، قوانين الانضباط في المعمل (ص 416 «424-423»). الشروط المادية للعمل (ص 417-418 «425-427»).
د- العمال يناهضون الآلة ونظام المعامل.
إن هذا الصراع الذي ظهر إلى الوجود منذ انبثاق العلاقات الرأسمالية، يندلع أول الأمر كتمرد مضاد للآلة باعتبارها الأساس المادي لنمط الإنتاج الرأسمالي. ثورة العمال ضد آلات نسج الشرائط والوشاحات (ص 219 «427-428»).
حركة اللوديت [84] (ص 420 «428-429»).
ولا يتوصل العمال إلى التمييز بين الوسائل المادية للإنتاج وبين الشكل الاجتماعي لاستثمارها إلا فيما بعد.
إن تقسيم العمل المحسن في المانيفاكتورة، كان، بالاحرى، وسيلة مثمرة للتعويض عن نقص قدرات العمال. (ص 421 «429»). (التغييرات الفجائية في الزراعة). طرد العمال الزراعيين (ص422 «430»). أما الآلة فإنها تقصي العمال بالفعل، إنها تزاحم العامل بصورة مباشرة. أزمة حائكي النسيج اليدوي. (ص 423 «431»). الحال نفسه في الهند (ص 424 «432»).
إن هذا التأثير يظل مستديما ما دامت الآلة تستولي باستمرار على حقول الإنتاج الجديدة. إن الشكل المستقل الذاتي الذي يمنحه الإنتاج الرأسمالي لأدوات العمل ضد الشغيل، يتطور بظهور الآلة إلى عداء مستحكم، ومن هنا ثورة الشغيل ضد أدوات العمل في البداية. (ص 424 «432»).
تفاصيل عن العمال الذين قامت الآلة بإقصائهم (ص 425-426 «433-435»). الآلة كوسيلة لتحطيم مقامة العمال لرأس المال وذلك بطردها إياهم (ص 427-428 «435-437»).
يزعم علماء الاقتصاد الليبراليون أن الآلة بإقصائها العمال تقوم في ذات الوقت بتحرير رأس المال المخصص لاستخدامهم.
ولكن حقيقة الأمر، على أية حال، هي على النقيض من ذلك، لأن أي استخدام للآلات يقيد رأس المال ويخفض جزءه المتغير ويرفع جزءه الثابت، وعليه فإن الآلة لا تفعل شيئا غير تقييد طاقة رأس المال على استخدام العمل المأجور. وفي الحقيقة –وهذا ما يقصده أتباع الاقتصاد البرجوازي- ليس رأس المال هو الذي يتحرر بهذا الأسلوب، بل أن وسائل عيش العمال المطرودين هي التي تتحرر، إن وسائل العيش تقطع عن العمال. وهذا ما يعبر عنه الاقتصاديون البرجوازيون بقولهم أن الآلة تيسر للعامل وسائل العيش. (ص 429-430 «438-439»).
ويتطور هذا الوضع إلى ابعد من ذلك (لحسن حظ صحيفة فورتنايتلي) (ص 431-432 «439-441»). إن العداء الذي لا ينفصم عن الاستخدام الرأسمالي للآلة ليس موجودا في نظر أتباع الاقتصاد البرجوازي، ذلك لأن هذا العداء لا ينبثق عن الآلة كشيء، بل من الطريقة الرأسمالية لاستخدامها.
إن الإنتاج يتوسع بواسطة الآلات، بصورة مباشرة وغير مباشرة، ومن هنا الزيادة الممكنة في عدد العمال المستخدمين حتى الآن: عمال المناجم، العبيد في ولايات القطن..الخ.. ومن جهة ثانية، الاستعاضة عن الاسكتلنديين والايرلنديين بالخراف وذلك لملائمة متطلبات معامل الصوف (ص 433-434 «444-443»).
إن الإنتاج الآلي يوصل التقسيم الاجتماعي للعمل إلى أبعد مما فعلته المانيفاكتورة (ص 435 «444»).
ه- الآلة والقيمة الزائدة
إن النتيجة الأولى للنظام الآلي هي: زيادة القيمة الزائدة سوية مع ازدياد مقدار المنتوجات التي تتجسد فيها، والتي تعيش عليها الطبقة الرأسمالية وحاشيتها، وهكذا يزداد عدد الرأسماليين، وتظهر حاجات جديدة منة الترف مع وسائل إشباعها. وينمو الإنتاج المترف، كما تتطور وسائط المواصلات (التي لا تمتص، على أية حال، سوى جزء من قليل من قوة العمل في البلدان الأكثر تطورا). (شواهد ص 436 «445»)، وأخيرا، نمو طبقة الخدم، عبيد البيوت الحديثين الذين يتم تجهيزهم من قبل المطرودين «من العمال» (ص 437 «446»). إحصائيات. تناقضات اقتصادية (ص 437 «446»).
احتمال الزيادة المطلقة في مقدار العمل، بأحد فروع الأعمال بسبب الآلات، شروط هذه العملية على الصفحات (439-440 «449»).
المرونة الهائلة، قدرة الصناعة الكبرى على التوسيع المفاجئ إلى درجة أعلى من التطور، على الصفحات (441 «450-451»).
نتائج ذلك على البلدان المنتجة للمواد الأولية. هجرة العمال بسبب التسريح من العمل. التقسيم العالمي للعمل إلى دول صناعية وأخرى زراعية. –التكرار الدوري للأزمات والازدهار (ص 442 «451»). دفع وجذب العمال في عملية التوسع هذه. (ص 444 «454»). معلومات تاريخية عن ذلك (ص 445-449 «455-459»).
إلغاء الآلات للتعاون والمانيفاكتورة والمراحل الوسطية الانتقالية (ص 450-451 «459-460»). إلغاء المؤسسات التي لا تعمل وفق نظام المعامل والفروع الصناعية التي لها روح الصناعة الكبرى-الصناعة البيتية: قسم خارجي للمعمل (ص 452 «461»). إن الاستغلال في الصناعة البيتية والمانيفاكتورة الحديثة أكثر (وقاحة) من الاستغلال في المانيفاكتورة القديمة (ص 452 «461»). أمثلة: مطابع لندن (ص 453 «462-463»). تجليد الكتب، تقنية الخرق [85] (ص 454 «463»). صنع الآجر (القرميد) (ص 455 «463-464»). المانيفاكتورة الحديثة بشكل عام (ص 456 «465»). الصناعة البيتية: صنع المخرمات (الدانتيل) (ص 457-459 «466-468»). حياكة القش (ص 460 «468-469»).
الإنتقال من الصناعة البيتية إلى الإنتاج بواسطة المعامل وبلوغ الحدود القصوى لقابلية الاستغلال: كما في صناعة الألبسة بواسطة آلات الخياطة (ص462-466 «470-474»). التعجيل بهذا الانتقال بتوسع قانون المصانع الإلزامي الذي أنهى الروتين القديم الذي يرتكز على الاستغلال غير المقيد (ص 466 «475»).
أمثلة: صناعة الخزف (467 «475-476»). عيدان الثقاب (468 «476»). إضافة إلى ذلك، تأثير قانون المصانع على العمل غير المنظم الناجم عن عادات العمال غير المنتظمة، وعن تباين الفصول والتقاليد. (470 «478»). الشغيل الزائد إلى جانب الكسل في الصناعة البيتية والمانيفاكتورة بسبب تباين الفصول. البنود الصحية في قانون المصانع. (ص 473 «481-480»). البنود الصحية في قانون المصانع. (ص 473 «481-480»). البنود الثقافية (475 «482-483»). طرد العمال بسبب السن، حالما يصيبهم الكبر. إنهم لم يعودوا ملائمين للعمل، وليس بوسعهم العيش على أجور الأطفال، في حين أنهم لم يتعلموا مهنة جديدة في ذات الوقت (477- «484-485»).
نهاية الغموض، ونهاية التحجر التقليدي للمانيفاكتورة والحرفة التقليدية على يد الصناعة الحديثة التي حولت سير الإنتاج إلى تطبيق واع للقوى الطبيعية. ولهذا فإنها وحدها ثورية بالمقارنة مع الأشكال السابقة. (ص 479 «486-487»). إلا أنها كشكل رأسمالي، تدع التقسيم المتحجر للعمل قائما بالنسبة للعامل، وبما أنها تثوّر الأسس السابقة يوميا، فإنها تصيب العامل بالخراب. ومن جهة أخرى، ففي هذا بالذات، في هذا التغيير الضروري في نوع فعالية العامل الواحد ذاته تكمن ضرورة أن يكون العامل متعدد المهارات قدر الامكان، وكما تكمن في ذلك إمكانيات الثورة الاجتماعية (480-481 «487-488»).
الحاجة إلى شمول التشريع الصناعي كافة الفروع التي لا تدخل في صفوف المعامل. (ص 482 هوامش «489»). قانون سنة 1867 (485 «493»). المناجم. هامش (486 «495-503»).
التأثير المركز لقانون المصانع: تعميم الإنتاج بواسطة المعامل، وبذلك يتم تعيين الشكل الكلاسيكي للإنتاج الرأسمالي، احتداد التناقضات الداخلية، ونضوج عناصر تهديم المجتمع القديم، وعناصر بناء الجديد.
(ص 488-493 «498-503»).
الزراعة: إن تسريح العمال بدخول الآلة يكون هنا أكثر حدة بحلول الشغيل المأجور محل الفلاح. خراب المانيفاكتورة البيتية في الريف. احتداد التضاد بين المدينة والريف. ضعف وتبعثر الشغيلة في الريف، في حين يصبح عمال المدن متمركزين، وعليه فإن أجور العمال الزراعيين تنخفض إلى الحد الأدنى. ويتم في نفس الوقت نهب التربة: إن ذروة نمط الإنتاج الرأسمالي هي استنزاف كل مصادر الثروة: التربة والشغيل. (ص 493-496 «504-407»).





--------------------------------------------------------------------------------

الفصل الخامس: أبحاث جديدة عن إنتاج القيمة الزائدة [86]
ترجمة فالح الجبار