نجاح التزوير الدستوري


المنصور جعفر
2020 / 3 / 12 - 08:37     

إرتبط هذا الإسهام بنداء الحزب الشيوعي السوداني لكشف تزوير "الوثيقة الدستورية"، بطموح أن يفيد الجهود والدراسات الحقوقية والدستورية التي تحاول تأثيلاً دعم الإتجاه الثوري في كتابة وقراءة الدساتير والوثائق الدستورية في العالم، والإبتعاد عن التضليلات البراجوازية في الدساتير التي تصور نصوص الدستور وسلطات الدولة مملوكة لكل الطبقات المتناقضة المصالح!


أثارت الوثيقة الدستورية لحكم السودان جدلاً كبيراً حول طبيعتها وحول إعدادها وحول تحقيقها لأهداف الشعب والثورة، وحول كل نظر إليها وخلاف على جهة النظر وطبيعته هدفه.

وسط هذه الخلافات إجتمع المتكلمين عن "تزوير" الوثيقة الدستورية والمتكلمين عن "تعديل" الوثيقة الدستورية على أن نسختيها الأخيرتين مختلفتين في كيفية تعيين رئيس القضاء والنائب العام. وبشكل عام يعد التعيين النابع من مجتمع القضاة والقانونيين مدخلاً لتحقيق كل دولة للعدل بقضاء مستقلة رئاسته ونائب عام عن الشعب في مسائل إجراء القانون، دون مزية لرئاسة الدولة في اختيارهما.

وقد زادت الخلافات في شأن إحترام أو عدم إحترام القوى العسكرية لاستقلال القضاء والنائب العام ومن ثم مدى إحترامها لهدف وشعار الـ"عدالة" وهو الهدف والشعار الختامي لنضال الشعب السوداني وهتافه وسط زخات الرصاص وقنابل خنق الحقوق التي أطلقها عليه عسس الحكام الإسلاميين ((حرية، سلام و"عدالة")) حيث العدالة شعار وهدف للشعب ضد كل أسس ومعالم الظلم التي إصطلي بها منذ أيام الإستعمار. إضافة إلى أن "العدل" هو الهدف الرئيس لأي ثورة في العالم والسمة الدافعة لتحقيق أهدافها.

في جهة الإجراءات، اختتمت نشاطات إجازة الوثيقة بأعمال اتفاق بين وكلاء القوى المدنية مع وكلاء القوى العسكرية، وقد تجاوز ذلك الإتفاق الواجبات المعروفة لوكلاء اجراء العقود في ضرورة الرجوع إلى موكليهم عند القيام بإجراء أي تعديل جوهري في نص عقد الإتفاق أو تعديل جوهري في موضوع الإتفاق بشكل يغير الهدف الرئيس للتعاقد لدى طرفه أو ما يتعلق له بهذا الهدف.

وسط هذا النقاش الفقه قانوني والفقه دستوري، وما يحيط بهم من فقه وكلام سياسي وتراوح بين الموضوعي والذاتي والوطني والخارجي أغرق وسائط الإعلام ووسائط التواصل الإجتماعي وحفته أحداث ومقاتل مأسوية تكرر تنبيه الحزب الشيوعي السوداني إلى أن الوثيقة الدستورية تضمنت تزويراً سياسياً لإرادة الشعب والثورة في تأسيس دولة/حكومة مدنية برلمانية يتحقق بها شعار ((حرية سلام وعدالة)).

إنصب الإتهام الشيوعي البين والحاد في إن الوثيقة الدستورية شرعنت الهيمنة العسكرية القائمة على حكم السودان منذ 30 يونيو 1989 وما قبله والمعدل في أبريل 2019 مع إضافة رتوش مدنية على تلك الهيمنة العسكرية.

كينونة الإتهام إن الوثيقة الدستورية بتفريطها في التغيير الجذري أبقت هذه الهيمنة العسكرية حافظت على وشرعنت الطبيعة الاقتصادية الإثنوسياسية لدولة الإستعمار الداخلي ونشاطها الأناني الطبقي والإداري المركزي الظالم غالبية شعب وأقاليم السودان، وبذلك تكون قد خانت أهداف الثورة مع تفريط أخر في واجب الإستشارة المتأنية لكل قواعدها قبل أي تعديل جوهري للإتفاقية.

دفاعاً عن إفراط الوكيل في الإعتداد بحقوق الموكل ودفاعاً عن التفريط في التغيير الجذري، جاءت للوثيقة المعدلة إجازات عارضة مفردة حاضرة أو لاحقة لعقد الاتفاق بين وكيلي الطرفين. وهدفها منح الإتفاق شرعية مستدامة في المجال الدستوري رغم إنها كموافقات لاحقة لم تتكون بصورة مستقرة مطمئنة، أي بإقرار مفصل صريح وهادي مألوف في ومن كل الهيئات التي أقرت الأصل، بل كانت مجرد موافقات فردية وعارضة على تعديل جوهري لطبيعة الوثيقة، بعد قول أو سكوت عن إمكان تصحيحها.

هذه الموافقات والاجازات المفردة المتأخرة على تعديل الوثيقة، إرتبط تقريرها برأي زعيم أو مسؤول لهذا الحزب أو ذاك، أو لهيئة شبه نقابية أو أخرى شبه سياسية/ شبه مدنية وبذلك تعد موافقات وإجازات مخالفة لشروط الإستقرار والإطمئنان اللازمة لإنشاء أو لإثبات الحقوق، فالفردية في إعلان كل إجازة وحتى الكلفتة في التصريح بها بتصفيق أو مصافحة لاتظهر أعمال تداول واستشارة عميقة وإقرار مبني بنشاط ديمقراطي واسع وحاسم في كل كيان زعم موافقته على الوثيقة بعد تعديلها ذلك التعديل الجوهري الذي أخل فيها برمانة ميزان العدل.

إضافة إلى الخلل في تغيير طبيعة الوثيقة والخلل في إجازاتها بصور عارضة وجزئية ومتفرقة، جاء للخللين دعم قولي وعملي من وزير العدل شابه خلل لأنه يشبه فتاوى محكمة دستورية في إختلاف دستوري، لكن للوزير فيه مصلحة قوامها تثبيت تعيينه وزيراً ! لكن بتصريح الوزير أنه قد رفع رأيه حول الوثيقتين فإن إبداء رأيه في شأن دستوري فيه مخالف لقانون وزارة العدل !

تفتح كل هذه الأمور الدقيقة إمكانات واسعة لطلاب العدل ومنظريه ونشطاءه للطعن في شرعية أو في مشروعية الوثيقة الدستورية لفقدها شرعيتي تأسيسها: "الشرعية الثورية" كخلاصة قانونية لأهداف الثورة، و"شرعيتها الدولية" أي كوثيقة ضابطة لتناسق وجود وسلطات أعمال الدولة" هذا إذا لم يتناول النقاش حول فقد شرعيتها ومشروعيتها، إجراءات إصدارها أو علاقة العدل بحرية الشعب من التحكم المركزي للنخبتين العسكرية والتجارية.

تجسد فقد "الوثيقة" الشرعية الثورية بعجزها عن أداء دورها كملخص قانوني لمهمتين: مهمة "إنهاء" المعالم القديمة الإقتصادية والسياسية والإعلامية والقضائية والعسكرية المرفوضة من الثوار، ومهمة "تأسيس" المعالم الجديدة المطلوبة من هيئة قيادة الثوار. كذلك فقدان الوثيقة لشرعيتها كمنظم دستوري لأعمال الدولة، وذلك بعدم تحقيقها لتنظيم سلس لإختصاصات وأعمال هيئات الدولة.

إعلاماً يبدو إن الوثيقة تبلورت برؤى وباقتراحات وصيغ مختلفة ومتقطعة صارت بها وثيقة متضادة الأجزاء لا تصلح لوجود موزون لهيئات الدولة أو لحركتها نأهيك عن إنجاز تغيير جذري، ليس في جهة الثورة وتحقيق أقصى غاياتها، ولا في جهة تغيير تنظيم الدولة، ولا منزلة بين المنزلتين، بل صارت الوثيقة مولودة خدجة.

ينعقد خدج الوثيقة وإمتناعها عن تحقيق جوهر مطالب الشعب والثورة وتواشج سمتها الآيديولوجية النافرة من إنهاء تحكم السوق وسيطرة النخبتين العسكرية والتجارية على أمور الحكم والمعيشة.

برر محبو الوثيقة هذه السيطرة بكلامين كثيرين: كان الكلام الأول عن "قومية ووطنية الجيش" وعن "ضرورته لأمن ووجود الدولة" (وهي نفس الدولة التي تمزقت بسيطرة الجيش على السياسة وإفساده إمكانات التطور الديموقراطي للمجتمع!!) ! بينما كان الكلام الثاني عن محاربة الفساد وتشجيع حالات الإستثمار والرأسمالية الوطنية (التي نمت بهذا الفساد!!)!

أيضاً إرتبط خدج الوثيقة أو تخديجها وإضعاف حيويتها بقيام الزعماء السياسيين بحرمان صائغيها القانونيين المدنيين من أهم حقوق الصياغة وهي حقوق الإستفهام والتبيين! بهذا الحرمان ولدت الوثيقة على علات أصلها ناقصة من وقاصرة عن أهم معالم التغيير الجذري، ومن ثم تجددت وإستطالت بنقصها كينونة النظام القديم أي سيطرة الطغم العسكرية والتجارية على حياة الدولة والناس.

إزاء طلب الحزب الشيوعي السوداني بحث طبيعة تزوير الوثيقة الدستورية وخيانتها لأهداف الشعب والثورة فإن محاولة الإجابة الموضوعية على هذا الطلب تلزم الباحث ومثاقفيه ببيان أهم التصريحات عن تحريف وتزوير وخيانة الوثيقة لأهداف الشعب/الثورة، وأيضاً بأوضاح تحذيرات الحزب الشيوعي السوداني وآخرين من خطر ووخامة نتائج العجلة والإنفراد واللكلكة والكلفتة في إعداد وتنسيق أمور التغيير، وحقيقة إن رفض أو تجاهل تحذيرات الحزب أبطأ الخروج إلى عهد جديد.

أخرجت الخلافات حول الوثيقة الدستورية حالة كود بعض شكليات الإدارة القديمة النظام والدولة إلى جدل وتيه سياسي ودستوري حول اصطلاحات وتعريفات ومهمات جديدة في "أمور الثورة" وكيفية تحقيقها في "أمور الدولة"، أو في نقل بعض تقاليد الدولة إلى إبداعات الثوار. ومن أهم هذه الأمور أو الشؤون المختلف على طبيعة تفاصيلها: "النظام"؟!، "طبيعة الانتقال" ؟!، "السيادة"؟!، "إستقلال وتكامل السلطات"؟!، "المحاسبة"؟!، "الأمن"؟!، "الموارد"؟!، و"المؤتمر القومي الدستوري"!؟

لمعرفة الصورة الواقعية لقيام بعض القوى الرجعية أو الليبرالية أو الخليط بتجاهل أو رفض تحذيرات الحزب الشيوعي السوداني مهم معرفة طبيعة رفضها أو تجاهلها: هل حدث من بعض الشخصيات أو الهيئات كمجرد رد فعل فردي عفوي وليد لحظة صدوره؟! أم أن له أو لبعضه فهم وجذور سياسية تواشجت مع إرادات سياسية قديمة/ مستجدة سميت سياسةً أو جزافاً بإسم "الهبوط الناعم "؟!

أرتبطت بعض اللقاءات والتصريحات والمقترحات الموصومة بأنها "هبوط ناعم" بقيام بعض الزعماء أو الأحزاب بإتباع أسلوب تفاهم أخوي مع أعداء الشعب! والإصرار القوي على الخروج من شكل تحكمهم القديم وبنيته السياسية الصلدة بأقل قدر من الصدام ولو بأكبر قدر من الشراكة معهم من باب أن بداية التغيير من الداخل أهم من الجهد والبؤس اللازم لإقصاءهم.

زماناً وشكلاً تبلور إتجاه قبول مشاركة رموز النظام القديم العسكرية في العملية الثورية بعد إسقاط واجهة النظام القديم بدون إهتمام كبير بالأمور السلبية لتكوين البنية الجديدة المشتركة بين النظامين المدني والعسكري!

في حمى تجاهل ورفض تحذيرات الحزب الشيوعي السوداني من قبل القوى الرجعية والقوى الليبرالية المرحبة بإنحياز بعض قادة الجيش، دأب المرحبين بإقتحام النخبة العسكرية لقيادة عملية التطهير الثوري للدولة بإسم المشاركة في الثورة على تجاهل الأثر السلبي لدخول العناصر والعلاقات والبنى العسكرية والتجارية والحرامية للنظام القديم ومكوناته وأهدافه السلبية في النظام الجديد، وبالتالي تحول عملية التغيير والآمال والجهود في تحقيق مطالب الجماهير إلى عبث.

تم الإصرار على سيادة أسلوب المخارجة اللينة بإستعمال زعماءه شعار "سلمية" ومقولة "الثورة للجميع" وأدى ذلك الإستعمال إلى تمويه وشرعنة سيطرة العسكريين على أهم مقاليد الحكم، وكرس تحكمهم في عملية الشرعنة بإحتكارهم إصدار الوثيقة الدستورية، وبتعيينهم رئيس القضاء، والنائب العام، ورئيس الوزراء، وتحكمهم في مقاليد السلطة والدولة بلا أي إمكانية قانونية ميسورة لمحاسبتهم أو للحد من أي غلو وإستبداد يظهرونه.


خمسة عشر حالة من حالات الإستبداد العسكري المحصن من المحاسبة:

1- قرارات فصل وتعيين وضم سياسية الأساس لبعض القادة العسكريين،
2- ترقية قضاة،
3- تعيين وزراء دولة،
4- تحصين بعض الشركات الكبرى ضد المحاسبة،
5- ادخالهم السودان في حلف عسكري (أمن البحر الأحمر) ولوازمه،
6- زيادة الصرف العسكري،
7- تعيين رئيس القضاء
8- تعيين النائب العام،
9- عدم الشفافية في تعيينات موظفي ومستشاري ومصروفات مكاتب مجلس السيادة،
10- لقاء رئيس الدولة مع رئيس وزراء إسرائيل،
11- قيام رئيس مجلس السيادة بتهديد المدنيين بفض الشراكة،
12- استمرار عسكرة حكم الولايات،
13- تقوية الإدارة الأهلية دون محاسبة نواقصها،
14 - عدم محاكمة مدبري إنقلاب 30 يونيو 1989،
15- تأجيل عقد المؤتمر القومي الدستوري.

بشكل عام أدى أسلوب الهبوط الناعم لإبقاء الهيمنة العسكرية وكل معالم الوضع القديم، ا سيدة على حكم ومعيشة السودان.

بإسم "إرادة الشعب" وبنصف شعار "سلمية سلمية ضد الحرامية" وبمقولات "تجنب الصدام والخيارات الدموية" و"عدم الإقصاء" و"المشاركة للجميع" تم بشكل ناعم مع حالات تقتيل وتهديدات بتحكم الدعم السريع والإدارة القبيلية، وبقدوم الإرهاب، دبجت هيمنة الرموز العسكرية للنظام القديم وتكرار سميتهم "شركاء" وكرست الشراكة بالإعلان الدستوري ثم في الوثيقة الدستورية.

كانت الدعاية الداعمة مشاركة العسكريين بزعم إن مشاركتهم ستكون رمزية وكان هذا إعتقاد بعض القادة العسكريين، لكن في الواقع لم يكن للهيئات العسكرية ككل نظام إستراتيجي أو ديمقراطي لفرز أو ترجيح أي رأي وطني ديمقراطي، بل كانت الرمانة في وزن الآراء والنظامية في تغليب رأي ما عوامل شخصية وميدانية ضيقة تحفها علاقات محلية ودولية مجهولة عند غالبية العسكريين.

أما في داخل الجهة العسكرية فكان الإعتقاد الأعظم هو ضرورة المشاركة في عملية التغيير "لحماية البلاد من الفوضى" وحماية وحدة وسيادة السودان ومع تقديم جزء كبير من وسائط الإعلام لنموذج واحد أو أكثر لكل معلم من معلم ضعف الدولة ولكل حالة تدني في واجبات المواطنين والهيئات.

وقد قيمت العروض الإعلامية المرتبطة بالنخبتين العسكرية والتجارية وعموم المدينية هذه المظاهر السلبية بإعتبارها الجزء السلب من "الثورة" وسكتت عن إعتبار هذه السلبيات نتيجة من فوضى التدخل العسكري والرأسمالي والرجعي لعشرات السنين ضد سيادة الشعب وحقه التنظيم موارده وطبيعة التعامل معها بصورة وطنية ديمقراطية.


خمسة عشر حالة بررت مشاركة العسكريين وتحقيق "الهبوط الناعم":

حددت زعوم شتى معالم الفوضى وضرورة تدخل الجيش ضدها لحماية "الأمن والنظام" وأهم تلك المزاعم أحاديث زعماء إسلاميين ومتحدثين من الجيش أو متقربين (خوفاً أو طمعاً) إلى تحكمه، ورسائل الإعلام المرتبطة إما بالقوى الرجعية أو بالقوى الليبرالية، فمع بعض البيانات والأنباء حددت هذه الزعوم وأحاديثها حالات أو معالم الفوضى المستدعية مشاركة الجيش في التغيير خمسة عشرة حالة هي:

1- وجود جيوش لحركات التغيير في غرب وجنوب السودان تتأهب لإقتحام العاصمة،
2 - تدفق إضطرابات ولاجئين من بعض دول الجيران،
3- وجود قوى إجرامية منظمة ضارة داخل المدن الكبرى،
4- تأهب لقوى التعصب والإرهاب،
5- إنفلات في بعض قوات الدعم السريع،
6- زيادة في تفلتات بعض الناس في المدن ضد سلامة الممتلكات والأفراد،
7- تفشي وتفاقم حالات عنف قبلي،
8- أنهيار في العمل الحكومي وأعمال هروب من المحاسبة وإختلاس ممتلكات حكومية،
9- بوادر خسائر وتفكك في الجيش والأمن الشرطة ،
10- ظهور ممارسات خمر مخدرات مهلوسات وجنس،
11- بوادر خلافات كبرى بين الإسلاميين والعلمانيين وبين الحزبيين وداخل كل حزب،
12- تعطل في المرافق والخدمات العامة،
13- إنفلات في الأسواق،
14- تدخلات اجنبية،
15- إتجاهات إنفصالية.

مع عدم محاكمة قادة إنقلاب 30 يونيو 1989 وتدخلاتهم السلبية طوال 30 عاماً التي أدت لغالبية هذه النتائج السلبية، لم تذكر غالبية رسائل ووسائط الإعلام المرتبطة بالقوى الرجعية أو بالقوى الليبرالية أي شيء عن طبيعة الواجب الرئيس الذي كان لازماً تحقيقه من قبل الجيش لوقف هذه الظواهر السلبية ألا وهو خضوع قادة الجيش نفسهم لإرادة الشعب وهدفه الحاضر منذ الإستقلال في كسر إنفراد متزعمي النخبة التجارية والنخبة العسكرية بالهيمنة والسيطرة على مقاليد تنظيم الموارد والحكم والمعيشة.

بطبيعة الظروف لم تقوم جهة ما بالتحقيق في طبيعة كثير من هذه الحالات وتبلور ظهور بعضها أو كلها بجهود من قوى العهد السابق سياسية وحتى عسكرية ذات إرتباط معها أو تأثير عليها ومن ثم إعتبارها مبرراً لقبول مشاركة العسكريين ثم فرض سيادتهم بشكل ناعم بدواعي أمنية وبرتوكولية.

بإتفاق غالبية الجهات على مسودتها أو على نسختها الأخيرة غيرت الوثيقة الدستورية عملية تحقيق مطالب الجماهير حيث حولت وضع العسكريين من شركاء متأخرين في إنجاز عملية التغيير ثلاثون عاماً إلى تنصيبهم سادة على كل عملية ضرورية لإحداث تغيير سياسي أو إقتصادي أو عسكري أو شرطي.

بهذا التغيير دسترت الوثيقة أو أكملت التراجع الذي بدأ في الإتفاق السياسي عن الصميم المدني لإنجاز الحرية والتغيير، خاصة ما في ميثاقهما عن إسقاط نظام البشير ورموزه، وبناء الامكانات السياسية والقانونية والإدارية اللازمة لإقامة السلام والعدل وتحقيق العدالة.

دستر إتجاه مشاركة العسكريين في الإتفاق السياسي والإعلان الدستوري والوثيقة الدستورية بقاء المعالم السلبية لنظام الاقتصادي السياسي والإداري القديم الذي رفضته الجماهير الثائرة أي نظام "الإستعمار الداخلي". وكانت أهم تلك المعالم هي السيطرة المركزية للعسكريين وكبراء السوق على مقاليد السلطة والمعيشة، فبقيت هذه السيطرة -إلى اليوم وإلى فترة قادمة- بسبب إمتناع بناء الوثيقة نفسه عن أي نص قاطع يؤدي إلى تغيير هذه المعالم بل إحالات إلى إجراءات ومنسقيات ووعود.

بإبقاء بناء الوثيقة معالم النظام القديم في الحكم والمعيشة مضموناً للدولة رغم تغير شكل الحكم والرئاسة منذ أبريل 2019 بات بالإمكان القول إن بناء الوثيقة بهذا الشكل يجسد تزويراً سياسياً لإرادة الثورة. فطبيعة بناء السلطات في الوثيقة يمنع هدف الثورة في كسر التسلط العسكري والتجاري على حكم ومعيشة السودان بل يجدده.


بعض موانع إحالة التزوير الطبقي السياسي في الوثيقة الدستورية إلى محكمة جنائية أو محكمة دستورية:

1- أن عيار العدل الطبقي السياسي في المحاكم يتبلور من نفس ثقافة الطبقة والفئات المسيطرة على المجتمع والدولة،
2- تعذر إثبات الفعل والقصد الجنائي الشخصي في التصرف السياسي،
3- إستحالة تعيين تحقق مصلحة شخصية مالية من إتفاق جنائي لكل المشتركين في إعداد وشرعنة الوثيقة إلا بشكل تهمي واسع يمنعه -في غير المحاكم الثورية ومحاكم الميدان العسكرية الموجزة- عرف تفسير الشبهات والشكوك لصالح المتهمين.
4- وجود عرف برجوازي قضائي عالمي يحد من محاكمة الأعمال التمهيدية لإعداد النصوص القانونية الدستورية يعتبر الأراء المختلفة (وليس كل الأعمال) مداولات برلمانية حرة، دون أن يحدد مكاناً أو حالاً لها.

المحل المناسب لتقدير حدوث هذا التزوير والمحاسبة عليه:

تبدو محاكم "التاريخ"، "الرأي العام" و"الشارع السياسي" محلاً مناسباً لحصحصة وتصفية الخلافات السياسية، لكن ليس بجزف الإتهام بتزوير إرادة الثورة بالوثيقة الدستورية الحاضرة وجذورها، بل لابد من عرض بعض معالم الإتهام أو المعالم النافية الإتهام ضد سياسة "الهبوط الناعم" وتسبيبها نقض أو تعديل بعض المواد بشكل أدى لتزوير إرادة الثورة.

يساعد عرض الآراء الرافضة سيطرة العسكريين أو الآراء المحبذة التعامل اللين معها على فهم مصدرها وطبيعته هل هو الموقف المباشر لغالبية رافضي حكم العسكريين والحرامية؟ أو إنه مجرد موقف لبعض القادة السياسيين في هيئة أو في كل هيئات قيادة العمل الثوري؟ وتساعد حصحصة هذه الآراء على إنتقاد طبيعة تنظيم قيادة الثورة (قوى الحرية والتغيير) بسبب تساوى تمثيل القوى المختلفة الأفكار والتأثير فيه القوى المضادة لتحكم النخبتين العسكرية والتجارية والقوى المحبذة فقط لتجديد في شكل ذلك الحكم.

في هذا التداخل أو التمايز بين الشأن الثوري والشأن الحزبي وتقييم أثره في عملية تحويل الشعارات إلى مواثيق ومن ثم في مدى تعبير هذه المواثيق عن إرادة الثورة لابد لمحصحصي الوضع أو منتقديه من فحص عاملين مؤثرين على أفعال وردود أفعال القوى السياسية المعارضة للمظالم الكبرى السودان في المجالين الثوري والسياسي:

العامل الأول: هو خطاب الدول الإمبريالية وما فيه من عداوة ضد التحليل الطبقي وإهتمام بالتحليل السياسي والإثنوثقافي لأزمات السودان وتأثير هذا الخطاب المضاد لتغيير أسس الاستغلال والتهميش على مواقف وخطاب القوى السودانية الرافضة لمظالم الحكم والمعيشة التي بالإمكان وصف موقفيها إزاء الخطاب الإمبريالي على النحو الآتي:

إن القليل والنادر كالذهب من قوى السودان السياسية الرافضة أصلاً للإمبريالية وتبعية السودان لتحكمها، ركز على ضرورة تكوين سلطة ثورية تنهي أسس حالة الإستعمار الداخلي وتبعية السودان للتمويل الإمبريالي ووكلاءه. أما غالبية الأحزاب ففضلت خطاباتها تكوين وضع إنتقالي من شكل الحكم القديم إلى شكل جديد لا ولم تختلف فيه أوضاع البؤس وحالة الاستغلال والتهميش عن الحالة القائمة منذ عام 1956.

واقعياً تحقق هذا الإنتقال الفوقي مجدداً نظام الإستعمار الداخلي وسيطرة نخبه العسكرية والتجارية وإدارتهم المركزية بأشكالها الحزب-سياسية على السودان سيطرة إرتبط أكثرها برئاسة عسكرية وقليلها برئاسة مدنية، لكن معاناة المواطن لم تختلف كثيراً في أي واحدة الرئاستين عن الأخرى.

العامل الثاني: الذي أثر على الخطاب السياسي السوداني ومواثيقه هو حالة العمل الثوري وتأثرها بكثرة وتذبذب مكوناته وظروفه وإختلاف طبيعة سيره حسب أحواله إما لتقوية توافق داخلي بين أحزابه في مواجهة تهديد أو إغراء، أو لتقوية موقف جماهيري ضد سيطرة وجوه النخبتين العسكرية والتجارية، أو لإضعاف جزء من هذه السيطرة.


كان وضع العمل المضاد لظلم وتسلط الحكام وضع مثيراً لإشكالات تفاقمت وامتدت حتى الخلافات الحاضرة حول شرعية وحول مشروعية الوثيقة الدستورية كونه كان عملاً جمعياً مرتباً لكنه لم يكن منظوماً بشكل دقيق أو لينيني في كل الفترة النضالية الممتدة منذ عام 1989 إلى عام 2020 ففي أحيان مختلفة كانت تصريحات قادة النضال تحتاج إلى شرح، وتثير مفارقات وأيضاً إختلفت الخطابات إزاء "التهميش" وطبيعته؟ ونوع النضال اللازم لإزالته ؟ أو توقيت وطبيعة المفاوضات اللازمة لإطفاء حروبه أو جزء منها؟

ربط طبيعة تغيير الوثيقة بطبيعة نقاط الاتفاق السياسي بين قوى الحرية وقوى الجيش، ربط قد يجعل قوى الهبوط الناعم ممثلة لغالبية الثوار في كل مناطق السودان في كل الزمان المتاخم لإسقاط رئاسة البشير قبله وبعده. لكن بتأمل الصورة العددية للأحزاب في ذهن برجوازي المدينة يبدو تمثيلاً مبالغاً فيه. لكن بقياس عدد أو وجود الحزب الشيوعي والأحزاب الأخرى المتوافقة معه في هيئة القيادة الأولى أو الثانية لـ"قوى الحرية والتغيير" نجد إن قوى الهبوط الناعم شكلت نسبة مهمة في هيئة أو في قيادة الثورة.

من هي قوى الهبوط الناعم ؟

يميل بعض مناقشي "الهبوط الناعم" إلى حزبنة الهبوط أو شخصنته ويضعون وزره على عاتق السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة وإمام طائفة الوثوق صلاته بالإسلاميين رغم إختلافاته معهم في التوقيت، وبحكم رفضه من بقية الأحزاب المواقف التي لم يراها ضرورية أو لم يراها حاسمة !

لكن الحق يقال إن خطيئة اللين لم تك مقتصرة على حزب الأمة وأسبابه العائلية والطائفية بل إن نهج التعامل اللين مع الأفكار الضد ومع الخصوم في أمور التغيير لم يكن قط في السودان حكر حزب واحد في كل موضوعات ومجالات التغيير وفي كل فترة النضال السوداني ضد الحكم الإسلامي، أو إزاء حكومات السودان، لكن إن كان لكل حزب سياسي قدح من الأقداح في اللين مع خصومه في زمان ما أو مجال ما أو موضوع ما فلحزب الأمة الطائفي الإسلامي القدح المعلى مع الحكمين الإسلاميين للترابي والبشير.

لكن الوضعى العام أن كل قوة سياسية سودانية نسب إليها موقف تعامل موجب مع أعداء الشعب كان لها تصريح أو قبول لوضع توافقت فيه بقصد أو بعفوية مع طرح من الطروح الكثيرة للجهة الحاكمة، حتى نفدت أو إستنفدت مختلف حيل الجهة الحاكمة معها.

أشهر ما وقعت فيه الأحزاب من طروح وتعاملات لينة مع الإسلاميين كان "إتفاقية السلام الشامل" ( 2005) بين الإسلاميين كحكام لشمال السودان و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" كشريكة جنوبية لحكام الشمال، وهي إتفاقية دولية الإجراءات إنتجت مساحة تحول ديموقراطي زائف استغلته أحزاب الشمال لتجديد النضال ضد الإسلاميين بعد قمع لئيم دام خمسة عشرعاماً.

بتلك الإتفاقية دخلت الحركة الشعبية لتحرير السودان والأحزاب المقدرة لها قاعة البرلمان في الخرطوم، دخولاً مستضعفاً، وبمقتضى تلك الإتفاقية صار الزعيمين المستقبليين لحزب الأمة مساعدين للرئيس الأسبق البشير، وصار الزعيمين المستقبليين للحزب الإتحادي مساعدين للرئيس البشير، وصار لغالبية الأحزاب بعضمها أو بإنقسام فوقي فيها، وجودين سياسيين وجود في "المعارضة" ووجود في "دوائر الحوار مع الحكم" أو مع شركاء الحكم.

بتآكل وهج تلك الإتفاقية الإمبريالية الضغوط، وإرهاصات إستقلال جنوب السودان وآثاره، قام حكم الإسلاميين بتدمير مشروع "التحول الديمقراطي" وهو المشروع الذي أدخل به سادة تلك الإتفاقية "أحزاب الشمال" في الوضع السياسي الوطني اللازم لإجازتها وقبولها دون أي إهتمام مواز بـ"أحزاب الجنوب" !؟

ضد "الهبوط الناعم" أنجز الإسلام السياسي تدمير مشروع "التحول الديمقراطي" بسلاسل من العمليات شملت:
1- تزويف العمليات السياسية للتحول الديمقراطي في الإنتخابات ونزع ما أخذته قوى السودان من مناصب وولايات،
2- قمع العمليات الجماهيرية بمصادرة الصحف ومنع الندوات وتقتيل المئات في إنتفاضة سبتمبر 2013 وفتح سياسة الغطرسة ولحس الكوع والشراء والضغوط والمعتقلات،
3- دعايات مختلفة الأنواع تتحدث عن الإنفتاح والحوار الوطني وفي نفس الوقت تدين كافة أيديولوجيات الأحزاب الأخرى.

مع تباين تقديرات كوادر الأحزاب لطبيعة مهمات إنهاء الظلم الإسلامي، شوهدت الأحزاب كيانين سياسيين: كيان "الإجماع الوطني" (3 أكتوبر2009) وكيان "نداء السودان" (3 ديسمبر 2014)، وكان تأسس "النداء" بتكامل قوى "الإجماع"، الجبهة الثورية" ، "المبادرة المدنية"! وهدف الشكلان لتغيير "النظام الحاكم" بضغط الانتفاضة الجماهيرية وفق ما جهر "الإجماع الوطني"، وبتنازل الحكام عن معالم الإستبداد وزكوهم كل شروط حرية الإنتخابات، وفق ما تحدثت عنه قوى "نداء السودان".

بعد القمع الوحشي لإنتفاضة سبتمبر 2013 ومتوالياته السلبية كان لتقدم الحزب الشيوعي السوداني مسيرة الحركة الجماهيرية بداية بمنشور منطقة سنار ثم بموكب 16 يناير 2018 الكبير ومذكرته المعيشية المحدودة دوراً مهماً في تأجيج أفكار ونشاطات التغيير الثوري ومحاربة إنقطاع الآمال فيه، وبنجاح ذلك التقدم ومظاهرته كسدت فكرة تكرار مشاركة الحكام بما يسمحون به في الإنتخابات.

من ثم في ما قبل أبريل 2019 وما بعده تجدد إختلاف القوتين السياسيتين على طبيعة تعاملهما أو تعامل الجماهير مع معالم النظام الحاكم ورموزه، كانت الشدة في ذلك الإختلاف للشيوعيين بإصرارهم على إنهاء الحكم القائم وأصوله الرأسمالية، وكان إتجاه المداورة والإنفاد الوئيد لقوى النظام للأميين، وهو ما صار تهمة تطلقها قوى الإجماع على بعض مواقف بعض قوى النداء.


ثلاثة معالم لسياسة "الهبوط الناعم":

1- التركيز على اللعب والإرهاق السياسي!
منذ أيام إتفاقات مشاكوس ونيفاشا إستنفد النظام الإسلامي كل حيل الحكم، وبان للعالم إنه رغم إرتفاع شأنه قابل لهبوط ناعم يحدث بمكاثرة إتفاقات وإختلافات السياسة تميع تنظيم حكمه ووحدة فكره وإرادته ونشاطه، وتزيد ما فيه من إختلافات عقدية وفئوية وأسلوبية وفساد ومن ثم يبدأ قادته في الإنسحاب وينتهي غرور أمره. وقد بطأت نهاية تحكم البشير خمسة عشرة عاماً لأن الحزب الحاكم لم يكن حزب رأي ديمقراطي بل مؤسسة شبه عسكرية وعصابة. بل دفع تأخر سيطرة الجماهير على الشارع غالبية الأحزاب للميل لمكافحة تحكم الإسلاميين من داخل مناصب الحكم، عدا الحزب الشيوعي السوداني.

2- التفكير في علاج الأزمات بشكل خط تتابعي، واحدة تلو الأخرى!
مع إستمرار الحزب الشيوعي في الدفاع عن أسلوب المواجهة ودعوة الجماهير لإعلان رفضها مظالم الحكم تمسكت بعض الأحزاب بآمال في وعود وتراجعات وتنازلات الحكومة. لكن ما جمع كل الأحزاب في النعومة إزاء النظام الرأسمالي في السودان قبل وبعد أبريل 2019 كان هو نمط التفكير الخطي التتابعي النقاط المألوف في كل هيئات السودان والعالم وقوامه تصور خط تتابعي تحل فيه الأزمات المتفاقمة واحدة تلو الأخرى! بينما الحالة الواقعية لهذه الأزمات حالة حياتية طبقية معقدة متشابكة متداخلة بشكل يتطلب حلها تفكيراً شبكياً متعدداً الخطوط ومتعدد الخطط والأدوات، قاعدياً متنوعاً ومتكاملاً ، يسمى شموليا أو جامعاً.

3- ربط حل الأزمات بتحقيق الإستقرار السياسي أولاً دون تغيير معيشي وإقتصادي!
يفعل التفكير الخطي التتابعي يتم التركيز على حل الأزمة السياسية أولاً وتأجيل حل الأزمة المعيشية لغالبية السكان بتغيير التنظيم التجاري للإقتصاد. ويعد تأجيل حل أزمة المعيشة من أهم الأخطاء التي شابت حركة جميع الأحزاب في السودان منذ عام 1954 يسارها قبل يمينها، بل هو الخطأ الشائع الأكبر في سياسة غالبية دول العالم: فمنطق تأجيل حل أزمة المعيشة والإقتصاد لحين تحقيق إستقرار سياسي أو توطيد سلام ضد حرب أهلية منطق أعوج، فمن المستحيل تحقيق استقرار سياسي فوق خلل في المعيشة والإقتصاد وبدون ربط حركة التجارة بمصالح غالبية السكان وليس ربط مصالح غالبية السودان بمصالح بعض كبار التجار. .

بشكل عام حازت مواقف الحزب الشيوعي تقدير كثير من الناس وتحركت معها تظاهرات شملت كل مدن السودان وبعض ساحات في دول أخرى، وأدت لكسر سيطرة الإسلاميين وفسادهم على شؤون الحكم لكن مواثيق التغيير كان لها رأي مختلف يرى القبول بما يتنازل عنه العسكر دون أي صدام معهم ولو كانت مكانتهم عالية في النظام العسكري للإسلاميين!!

وفقاً لهذا الأسلوب الناعم تحققت أهم سمات التغيير الفوقي وهي إستمرار سيطرة وهيمنة النخبتين العسكرية والتجارية على أمور الحكم والمعيشة. فلمواجهة الأزمات تجدد النخبتين العسكرية والتجارية الأفراد الذين يديرون الأمور لكن تبقى طبيعة سيطرتهما على الدولة ومعيشة الناس بينما يتواصل البؤس في أطراف الدولة وهوامش مركزها.

بررت القوى الداعية للحل الناعم والتغيير الفوقي حالة التعامل والإشتراك مع الوجوه القديمة أو الجديدة للنخبتين المجرمتين بشعارات مضللة من نوع حقن الدماء! وسلمية التغيير! وإنجاز الممكن! والبعد عن الخلافات الفكرية! أي نهج أما الهوان أو الدمار .

بنهج هذا السياق الهادي جاء إعلان الحرية والتغيير بعيداً عن التطرف الثوري الضروري للتغيير الجذري، بل ركز كلامه ضد "نظام الإنقاذ" و"نظام البشير" وكل الناسيسي يعلمون أنهما مجرد وجه إسلامي لدولة الإستعمار الداخلي وإن كل الإسلام السياسي واجهة لتحكم النخبتين العسكرية والتجارية ومواليهم في حكم ومعيشة الناس، إضافة للواجهة العلمانية ومكونيها: المكون الأوتوقراطي والبيروقراطي العسكري الرئاسة (كبار موظفين وكبار ضباط) والمكون البلوتوقراطي (تجار نهمين وطفيليين).

من هذا العرض التاريخي لتبلور الهبوط الناعم وإتجاه لغته في المواثيق يبدو أوضاح صحة أو بطلان اتهام التزوير ضد الوثيقة مرتبطاً بكشف محاضر أو نقاط إجتماع الهيئة التي أقرت أصل المسودة، ثم بيان واوضاح إختلاف النسخ في مجرى إن اختلافات الوثيقة لها جذور في الإختلافات القديمة وفي إختلافات قوى "الحرية والتغيير" أولاً حول معالم الوثيقة الأولى وثانياً على نسختها التي وقع عليها التعديل الجوهري، وهو التعديل الذي أطفأ إرادة الثورة في مجال القضاء والعدل وتم بجهد المجلس العسكري.

مهم لحصحصة الاتهام بتزوير إرادة الشعب ملاحظة إتجاه تنظيم شؤون السودان الوارد في إعلان الحرية والتغيير وطبيعة تحقيق هذا التنظيم في مسودة الوثيقة الدستورية، وذلك لتحديد الاختلافات بين الوثيقة الدستورية والمسودة. علماً أن كل التصريحات السياسية متفقة على وجود الاختلافات، لكنها تختلف في وسمها بين بين كلمتين هما كلمة "تعديل" و كلمة "تزوير".

عملية تأصيل وتأثيل تفاصيل اللغة المستعملة في هذا التناقض تتطلب ملاحظة الفرق بين طبيعة الثقافة السياسية لإعداد الحزبيين لمسودة الوثيقة الدستورية، وطبيعة الثقافة العسكرية والأمنية لإعداد الوثيقة، وطبيعة الثقافة القانونية لإعداد الوثيقة الدستورية، ولتغيير بنودها، فمن الإختلاف بين الثقافة السياسية والثقافة العسكرية والثقافة القانونية للمتعاملين مع الشأن الدستوري إرتبط إعداد المسودة بنوعين من الأخطاء: نوع سياسي، ونوع قانوني.


(أ) النوع السياسي :

بإستعمال عيار واحد هو إصطلاح "الثورة" كتغيير جذري ينكشف الخطأ السياسي للوثيقة وتزوير هذا الخطأ بإسم الثورة لإرادة الشعب، وتزويره بإسم الشعب لإرادة الثورة: فقد خالفت حالة وفقرات شراكة المدنيين مع المجلس العسكري في الوثيقة الجوهر المدني للدولة المطلوب تحقيقه بإعلان الحرية والتغيير وتظاهراته التي أجبرت العسكريين على التعامل معه.

(ب) النوع القانوني:

أرتبط إعداد الوثيقة بخطأ قانوني في إدراك طبيعة المجلس السيادي ورئاسته والحالة المفتوحة لسلطات الوضع العسكري والأمني عنده وإمكان استعمالها لوقف قرار أو منع تحقيق مرام للثوار ومن ثم إحتوت نسخة التغيير على خطأين ثوري وقانوني في تقدير طبيعة الظلم المرتبط بوضع القضاء في يد رئيس المجلس العسكري.

تؤدي الإختلافات بين وثيقة "محاولة الثورة" وهي "إعلان الحرية والتغيير" و وثائق "ضبط الدولة" إلي إمكان القول بوجود تدليس وتزوير في تحقيق مطالب الشعب؟ فالشعب طالب بحكم مدني برلماني تطهيري ووجد شيئأ آخر في الوثيقة الدستورية قبل وبعد تعديلها، ومن ثم تتالت الاتهامات (بعضها متأخر يحتج على أمر قديم) نعرض روابطها مع خلاصة الردود عليها:


الإتهام الأول: (الاحتكار ثم التفريط في المطالب):
ضد إعلان الحرية والتغيير وصد بيان قوى الحرية والتغيير في إبريل ٢٠١٩ ؛

youtu.be/QszW_XiS8I0

عن بيان قوى الحرية والتغيير 12 ابريل 2019
dabangasudan.org/ar/all-news/article/د-عشاري-أحمد-محمود-خليل-قيادة-تجمع-المهنيين-السودانيين

m.facebook.com/SdnProAssociation/posts/2658060977553906?comment_id=2658079467552057&reply_comment_id=130138444769568

youtu.be/7VzW84RGpA4

خلاصة الردود عليه:
شعبية تجمع المهنيين، وأهمية تجنب المماحكات،

........................................................................................................................................


الإتهام الثاني: (الانفراد بمقابلة البرهان والعسكريين):
raialyoum.com/index.php/خفايا-وخبايا-إجتماع-المعارضة-بالمجلس/

خلاصة الردود عليه:
ان اللقاء عفوي وتعارف أولي، ولم يقرر شيئاً.
................................................................................................................................................


الإتهام الثالث: (مشاركة العسكريين في السلطة خيانة لإعلان الحرية):
marxist.com/2019-07-18-09-42-59.htm

independentarabia.com/node/41256/الأخبار/العالم-العربي/اجتماعات-مكثفة-لـ-الحرية-والتغيير-توصلاً-لرؤية-توافقية-حول-وثيقة

dabangasudan.org/ar/all-news/article/متظاهرون-يحاصرون-المقر-الرئيسي-لتجمع-المهنيين-بالخرطوم-ويطالبون-بالإلتزام-الكامل-بنصوص-اعلان-الحرية-والتغيير

خلاصة الردود عليه:
إشراك العسكريين كان ضرورة لتثبيت التغيير.
............................................................................................................................................


الإتهام الرابع: (الاعلان الدستوري كوثيقة تنظم عمل الدولة مثلت اجهاض لميثاق الثورة "إعلان الحرية والتغيير"):
شملت نقاط تنازل المدنيين في قضايا: "الحصانة"، "صلاحيات مجلس السيادة"، "إستقلال القضاء"، و"مظاهر الهيمنة العسكرية" .

https://alarab.co.uk/الاتفاق-السياسي-في-السودان-يمهّد-لتخطي-عراقيل-الإعلان-الدستوري

skynewsarabia.com/middle-east/1267950-العسكري-والحرية-والتغيير-الخلاف-السودان؟

youtu.be/pBX_L6V6-AA

altaghyeer.info/ar/2019/07/14/قوى-الإجماع-وثيقتي-الإعلان-السياسي-وا/

القاضي السابق طارق سيدأحمد: يصف ترقية ال46 قاضي بأنه "عبث"، ثم وصف ما تعلق به في الوثيقة بانه "ورطة" من الجهة التي وضعت الوثيقة (حديثه من الدقيقة 13 إلى الدقيقة 17):
youtu.be/mcY9Bcxwszw

الحزب الشيوعي يكشف خمسة عشر نقطة سلبية في الإنفاق ويحذر من أضرارها:
facebook.com/SudaneseCommunistParty/posts/2467912583493530/

خلاصة الردود على هذه التنبيهات والملحوظات والاحتجاجات:
ان الاعلان الدستوري إختلف عن اعلان الحرية والتغيير وصار أقل من طموح الثوار وذلك لتجنب إراقة الدماء، ومنع تفاقم حالة الفراغ الدستوري.
.................................................................................................................................................


الإتهام الخامس: (إقصاء الهامش) :
youtu.be/QszW_XiS8I0

altaghyeer.info/ar/2019/08/03/الجبهة-الثورية-تتهم-الحرية-والتغيير-ب/

youtu.be/7VzW84RGpA4

أهم الردود عليه:
أن المفاوضات ستتواصل وسيتم أستوعاب قوى الهامش مستقبلاً.
.....................................................................................................................

الإتهام السادس: (ان الوثيقة الدستورية الموقع عليها وثيقة أخرى مختلفة عن المسودة وعن النسخة الأصل التي وقع عليها الشهود الدوليون إختلافاً بيناً في موضوع تعيين رئيس القضاء والنائب العام):

د. أبو ذر الغفاري بشير
sudanile.com/118478

الحزب الشيوعي:
facebook.com/2530106743940780/

alhamish.com/الشيوعي-يطالب-بالتحقيق-في-تزوير-الوثي/

بيان من بعض كبار المحامين:
dabangasudan.org/ar/all-news/article/بيان-توضيحي-من-الاساتذة-تاج-السر-الحبر-كمال-الجزولي-ومحمد-الحافظ-محمود

m.ahewar.org/s.asp?aid=651730&r=0

m.facebook.com/SdnProAssociation/posts/3014674905225843

sudaninet.net/7831

عن اختلاف التوقيعات واختلاف الكلام عن تعيين رئيس القضاء:
youtu.be/Ker7HNnzVb4

خلاصة الردود على هذا الإتهام:
إن الإختلاف كان نتيجة من ظروف وضع الوثيقة وضغط تعجيل واقرار التسوية السياسية تؤدي لتكوين حكم جديد، وتم التعديل لتصحيح خطأ !! أو لإكمال نقص!! وأجيز من مجلسي الوزراء والسيادة.

رد مهم من الأستاذة سنهوري محدد باختلاف مهمة الصاغة وواجبهم عن مهمة الساسة ومفاوضيها:
youtu.be/C7Rw7pEJJY4

رد منسوب الأستاذ نبيل أديب بجواز تعديل الإتفاق قبل توقيعه:
https://alintibaha.net/online/12240
رد أخر منسوب للأستاذ نبيل أديب بأن الإتفاق المعدل لم يتم توقيعه:
https://alintibaha.net/online/13545/
حول خلاف الأساتذة نبيل أديب وساطع الحاج في موضوع تعيين رئيس القضاء بعد الإتفاق وقبل التوقيع أو بعدهما:
www.alintibaha.net/الاخبار/تصريحات-مثيرة-لنبيل-أديب-وساطع-الحاج-حول-الوثيقة-الدستورية
https://www.facebook.com/alhdybh/photos/%D/2342768245759809/
...................................................................................................................................

الإتهام السابع: (تولي وزير العدل دور للمحكمة الدستورية لـ(إفتاءه) بصحة تعديل الوثيقة وهو صاحب مصلحة في القرار!)
bajnews.net/عوض-حسن-النور-صلاحيات-وزير-العدل-بموجب/

خلاصة الردود عليه:
لا بيان مفصل من وزير العدل أو من وزارة العدل بهذا الخصوص، بل تم نشر الوثيقة الدستورية في جريدة الدولة (الغازيتة).
………………………………………………………………………………………………….

ضد هيصة إجراء الوثيقة واثاره بدأت طعون ضده في المحكمة الدستورية، دعوة لتظاهرات، ونشاط إعلامي ضد شرعنة الوثيقة:
alrakoba.net/31321223/قوى-التغيير-تدعو-لمليونيات-للمطالبة-ب/
www.alhamish.com/عبد-الواحد-نور-يتهم-قوى-الحرية-والتغيي/
alnilin.com/13109276.html

…………………………………………………………………………………………………….

نص الوثيقة الدستورية التي اعتمدتها هيئات الدولة:
moj.gov.sd/files/download/144

بدايات لخرق الوثيقة بتعيين 3 وزراء دولة يغيرون تركيبة التصويت في مجلس الوزراء:
eremnews.com/news/arab-world/2143633

(على علاتها) احتجاج تجمع المهنيين على خرق الوثيقة:
dabangasudan.org/ar/all-news/article/تجمع-المهنيين-ينتقد-تعيين-ثلاثة-وزراء-دولة-ويعتبره-خرقا-للوثيقة-الدستورية

كلام عضو مجلس السيادة عن ضرورة تعديل الوثيقة الدستورية وتغليب بنود في إتفاق السلام (المزمع) عليها!:
alrakoba.net/31372026/
aawsat.com/home/article/2155171
....................................................................................................................

ملحوظة:
اعتماد الوثيقة والأمر بنشرها بمرسوم دستوري يحمل رقم (38) مصدر في 3 أكتوبر سنة 2019م من رئيس المجلس العسكري المنشور في الجريدة الرسمية لجمهورية السودان عدد رقم 1895 وإن طبيعته كقرار مُصدر من رئيس المجلس العسكري تمكن مصدره أو من يقوم بمهمته -في أي ظرف يقدره- أن يقوم بمنع سريان الوثيقة أو حتى بإلغاء وجودها.

كلام الحزب الشيوعي:
m.facebook.com/SudaneseCommunistParty/posts/2467912583493530
http://www.alsudaninews.com/?p=56967

نص الاتفاق السياسي يوليو 2019:
mc-doualiya.com/articles/20190717-السودان-النص-الكامل-للاتفاق-السياسي-الموقع-بين-المجلس-العسكري-الانتقالي-وقوى-إعلان-الحرية-والتغيير-2

--------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تزوير إرادة الشعوب والثورات ليس حدث فجاءة وفجاعة، بل هو تقليد سياسي محترم جداً في الأوساط التجارية والعسكرية والفلسفية والأكاديمية والحزبية التي تتكلم عن حماية الممتلكات أكثر من حماية حقوق الشعب، وعن الموضوعية والحكمة والتغيير الهادئ والسلمي والحافظ للنظام! يزعمون حقناً للدماء والأوراح! والأوضح أنه حفاظ على النظام الطبقي الظالم بإسم سياسي جديد حيث تستمر سيطرة النخب الحاكمة وإنزاف المعايش وقتل الأجساد وتنظيم الإبادات البطيئة بوسائل أخرى وبأسلوب تقني دقيق أو عنيف.

وعادة ما يصاغ ويسمى هذا التزوير دستوراً في تعبير سياسي مموه لسيطرة نخب الدولة وإجراءات تسهيل بطشها. وأكاد أزعم أن غالبية دساتير العالم المحكوم بقوى السوق ومصالحه تجسد تدليسات وتزويرات طبقية سياسية تكرس مصالح النخب المسيطرة وتنزف أو تسمم حقوق ومصالح غالبية المجتمع.

لكن لتجنب المغالطات والنقاش العاطفي يلزم القارئي الكريم منطقاً ربط هذه التزويرات بكل مصائب العالم اليوم، وهو قول سهل الإثبات في ظرف سعة الأفق فلولا هذه التدليسات التزويرات لكانت غالبية مجتمعات ودول العالم تعيش في حرية وإخاء ومساواة. على أي حالة من المهم تقديم إشارات إلي بعض هذه التزويرات وتشمل أمهات في دساتير العالم البريطاني والأمريكي والفرنسي ودستور العراق ودستور مصر:

بعض الدساتير والأوضاع دستورية المتهومة بالتزوير والإنحراف والتحريف عن أهداف ثوراتها:

1- البريطاني:
كانت تقوية سلطة الملك أهم تزوير أصاب نص الميثاق العظيم "الماغنا شارتا" وهي أهم أصل مكتوب للعرف الدستوري البريطاني (ليس لبريطانيا دستور مكتوب):
ar.m.wikipedia.org/wiki/الوثيقة_العظمىnewstatesman.com/politics/2015/06/tom-holland-magna-carta-was-forged-royal-failure
unherd.com/2019/10/magna-carta-proves-the-english-arent-exceptional/
newyorker.com/magazine/2015/04/20/the-rule-of-history
أعلى مؤسسة ديمقراطية في بريطانيا "مجلس اللوردات" مكونة من أعضاء غير منتخبين
parliament.uk/business/lords/lords-history/


2- في الأميركي،
بسطوة بالسلطات التي منحت للحكومة المركزية وسيادة الدولة على ما قررته وثيقة إعلان الإستقلال من حرية المواطنين والولايات في تملك وادارة الموارد على أساس السيادة للأفراد وعموم الشعب، يضاف لذلك تخصيص حق التصويت للميسورين مالاً وحرمان الفقراء منه في مخالفة لمبدأ المساواة في الحقوق الذي بلور وثيقة الإستقلال، كذلك إعطاب الدستور لحق الشعب في الثورة على الحكومة وتغييرها عندما تعرقل الحكومة حقوق الحياة والحرية والإستثمار. تطور جزء من هذا الخلاف وصار من أهم مكونات عدد من الإنتفاضات والمعارك ثم نشوب وأشتعال "الحرب الأهلية" (1861 إلى 1865) وقنن بداية السطوة الأمريكية على العالم.
ushistory.org/us/15.asp
americanrevolution.org/grassman.php
(PDF) The Constitution as Counter-Revolution: A Tribute to the Anti- Federalists
Democratic ideals in the Declaration of Independence and the Constitution (article)
Peter Suber, Paradox of Self-Amendment, Section 18
Roberto Gargarella. The Legal Foundations of Inequality: Constitutionalism in the Americas ( 1776–1860) Cambridge University Press, 2010 p.173–200


3- الفرنسي:
إغراق إعلان حقوق الإنسان والمواطن المصدر في أغسطس 1789 بدستور سبتمبر 1791 للملكية الدستورية ومن ثم دفن هذا الدستور شبه الملكي بدستور 1793 للمؤتمر الوطني ثم دفنه ب13 دستوراًُ آخر حتى بلغت الدساتير المصدرة بين عام 1789 و عام 1854 ستة عشر دستوراً (أو أكثر) مع تنوع وتعدد جهات الدسترة وأشكالها، وهو أغراق أخذ من المواطن سيطرته على أموره اليومية وأعطاها لرئيس الوزراء حيناً ولرئيس الجمهورية أحياناً أشهر:
yaltawil.blogspot.com/2008/05/blog-post.html?m=1
artflsrv02.uchicago.edu/cgi-bin/philologic/search3t?dbname=baudouin0314&word=&CONJUNCT=PHRASE&DISTANCE=2&PROXY=or+less&OUTPUT=conc&dgdivhead=Constitution+&dgdivtype=&dgdivocdateline=&title=&date=&word=&dgdivocdateline=&POLESPAN=5&KWSS=1&KWSSPRLIM=500&trsortorder=title

Jeremie Gilbert & David Keane, Equality vs. Fraternity? Rethinking France and its Minorities
Inter Journal of Constitutional Law Vol. 14, No. 4, 1 October 2016, p. 883–905

العراقي:
https://kitabat.com/2019/11/25/الدستور-العراقي-بين-التصويت-والتحريف/?__cf_chl_jschl_tk__
https://www.raialyoum.com/index.php/دستور-العراق-وثيقة-مزورة-مررت-بالتزو/

المصري :
m.ahewar.org/s.asp?aid=389909&r=0


حتما ستؤدي قراءة تفاصيل هذه الروابط إلى استنتاجات مختلفة، لكن غالبيتها قد ينفي أمور الدوغمائية أو القدسية عن الشعارات السياسية أو عن صياغة الفقرات الدستورية، بل قد أن بعض المناقشين قد يربط إتجاه أو تفاصيل هذه الأراء بضرورات مختلفة منها:

1- ضرورات العمل السياسي أو تجنب أزمات أكبر، والتقدير الزماني لأهمية الخطر أو فاعلية الحل،
2- الصراع الطبقي والموقف ضد أو مع تحكم النخبتين العسكرية والتجارية في مقاليد الحكم والمعيشة،
3- الصراع داخل وبين نخب المركز في جهة مضادة لقوى الهامش،
4- الخلاف العظيم في الفقه الدستوري بين "الشرعية" و"المشروعية" إزاء بعض أو كل ظروف الحالة الثورية أو في ظروف إستمرار أو إنقطاع بعض معالم الدولة القديمة أو تجديدها في صورة محدثة كلية أو جزئية، أو ظروف تشريع دستورها وقوانينها،
5- خلافات البيروقراط ، التكنوقراط، الديموقراط ، الأوتوقراط، والبلوتوقراط حول صلاحية الدولة وطبيعة وشرعية الثورة.

لكن كل هذه الإختلافات قد تكون بعد فترة جزءاً مهماً من عملية ثورية أو دولانية لقراءة التطور الدستوري في السودان ومدى إنسجام نصوص الدساتير مع لب المواثيق والعهود والتضحيات التي أدت إليها أو مدى إختلافها عنها بقصد أو دون قصد ومن ثم فهم حالة الصدق أو التزوير السياسي وأهم الأسباب الموضوعية لحدوثه، دون الغرق في تقويم تفاصيلي للأفكار أولى والشخصيات.

مع تنوع الأراء في هذه الحادثة التي كشفت أزمات كبرى في الثقافة السودانية بين الزعامة السياسة والعسكرية للأمور الدستورية والأصول الفقهية والإجراءات المثالية لوضع وتنقيح الدساتير جعلت أفكار وآيديولوجيا الوضع الطبقي الظالم لغالبية السودان هي المسيطرة على تقرير نخبتيهم العسكرية والتجارية وهيمنتهما على أمور الحرية والسلام والعدل في المجتمع والدولة.


جزء مبكر من الخلاصة التاريخية:

مثل تكريس الوثيقة الدستورية لشراكة مختلة بين المدنيين والمجلس العسكري في أمور التغيير وتسيير الثورة والدولة إنتصاراً واضحاً وكبيراً ودولياً لسياسة "الهبوط الناعم" ومهادنة حزبية وعسكرية لأسس ومعالم الظلم الطبقي والسياسي ونظمه المعيشية التي حكمت السودان منذ عام 1956.

وبشكل ظاهر تعد الوثيقة الدستورية هزيمة نسبية وتزويراً بيناً لإرادة الشعب والثورة في التغيير الجذري وهي الإرادة المعبر عنها مباشرة بواسطة تظاهرات وتضحيات الجماهير في الشوارع أو عبر إعلان الحرية والتغيير(على علاته) أو بواسطة الحزب الشيوعي السوداني وكل القوى النقابية والحزبية والمدنية التي نادت بتغيير جذري ضد تحكم النخبتين العسكرية والتجارية وضد كل الأمور الداعمة للحرامية.

منذ يناير 2019 تلازمت زيادة تدهور المعيشة مع ضعف الحسم السياسي وتدهور الإبانة وتخلف التعبير عن جوهر مطالب الشعب وثورته ضد الحكم القديم.

بشكل عام نُخرت مطالب الشعب بتنازلات وتوافقات كلامية وعملية تدريجية أعطت للعسكريين وموافقيهم من فئات التجارة السياسية إمكانية لتزوير إرادة الشعب في التغيير الجذري، ومن ثم تحويل فترة القضاء الثوري على معالم النظام القديم وتحكماته المعيشية والآيديولوجية إلى مجرد فترة إنتقالية تتحول بها النخبتين العسكرية والتجارية من نظام الاستغلال والتهميش العنيف القديم إلى شكل جديد إنتخابي ظريف لنفس النظام، وهو النظام الذي تواشج طبيعته حالة "إستعمار داخلي".

بدأ تبلور التنازلات في أتون القمع السلطوي والعصف الجماهيري بتركيز "إعلان الحرية والتغيير" على إنجاز التغيير السياسي بمطالب محددة بينما جعل وقف تدهور المعيشة هدفاً عاماً فضفاضاً دون واجبات محددة تختص بادارة الموارد (مثل منع الضرائب على أي نشاط زراعي صناعي، أو إعلان حق الأقاليم في السيطرة على غالبية مواردها وتحويل المركز إلى مرتب ومنسق لها). وقد تواصل هذا الخط في إعلاني أبريل العسكري والمدني، ثم ترسخ بـ"الإتفاق السياسي" و"الإعلان الدستوري" فـ"الوثيقة الدستورية".

على أساس تجنب المواجهة والصدام كانت كل وثيقة تبتعد بشكل نسبي عن المطالب الثورية الجذرية لصالح هياكل وإجراءات سياسية لا تفرز بل تجمع ممثلي القوتين المتضادتين، قوة الأحزاب والحركة النقابية التي أججت مطالبة الشعب بحقوقه، والقوة العسكرية التي ساندت وقوت تحكم النظام القديم طول ثلاثة عقود بل ولأكثر من ستة عقود.

بإسم تجنب الإختلاف والصدام وبالتالي تأمين معالم الظلم القديم ركز جمع أو إجتماع ممثلي القوتين على نقطتين رئيستين:
النقطة الأولى: عدم تجريم ومحاكمة إنقلاب 30 يونيو 1989 وصون المعالم المركزية لدولة الإستعمار الداخلي،
النقطة الثانية: دعم إشتراك العسكريين والمدنيين في محاولات تنظيف وبناء تهتم ببعض جرائم بعض متزعمي العهد القديم ولاتمس ولم تمس الهيكل الطبقي والإثنوسياسي لتوزيع الموارد والمناصب في المجتمع والدولة منذ عام 1954.

إبتعدت الاتفاقات والوثائق عن أخذ أي قرارات تحدث تغييراً جذرياً وتصفية ثورية لممتلكات وإمكانات ورموز العهد القديم بل ركزت المواثيق على المحاسبة بإجراءات قانونية فردية، و"تحقيق السلام والعدل" وإقامة إنتخابات عامة" رغم تعارض بعض صور وأوليات السلام والعدل مع إجراء إنتخابات بالأسلوب الفردي المخفض لتمثيل قوى العمل والمجتمع لصالح التمثيل الجغرافي!؟

في صور نسبيةً تخلت كل وثيقة عن إجراء أي تغيير جذري في وضع المعيشة وحركة الإقتصاد !؟ وامتنعت عن تحديد أجل وإمكانات لعملية عقد المؤتمر القومي الدستوري!؟.

تجسد التنازل الأكبر بالتخلي عن مطلب الجماهير في إلغاء أي تأثير لعسكر ورموز العهد القديم على توجيه الوضع السياسي وبالتالي ضرورة تجريدهم من إمكانات التأثير ومحاكمتهم. وإنتهى المطلب الواضح الخاص بازاحة رموز النظام القديم (المدنيين والعسكريين) إلى حالة قبول بسيطرة رموز الحكم العسكريين على مقاليد الوضع السياسي، مع إجراء إعتقالات لا تعيق سيطرة النخبة التجارية.

أما في أمور المعيشة والإقتصاد والفساد المالي فقد انتهت مطالب التغيير الجذري إلى برنامج إسعافي يؤجل رسمياً كافة الأمور اللازمة لتغيير معيشي وإقتصادي جذري بل يكتب صراحة في فقرة سياسة سعر الصرف عن ضرورة مجاملة الشركات الكبيرة! بينما تستمر أمور الدقيق والذهب والبترول والأراضي ورفع الأسعار تحت شعار "رفع الدعم". ويستمر التشدق بمحاربة الفساد.

بشكل ناعم تراكمت كل التنازلات عن التغيير الجذري وتركزت في "الوثيقة الدستورية" التي بحكم وضعها شبه السيد صارت واجهة ناعمة علنية لتزوير ارادة الشعب وإطفاء الثورة وتحويل عملية القضاء على معالم ديكتاتورية المعيشة والحكم في العهد القديم إلى عملية تتجدد فيها نفس تلك المعالم وأهمها سيطرة النخب المركزية العسكرية والتجارية السياسية على مقاليد الحكم وأمور المعيشة.

بحكم الشكل السياسي لتزوير ارادة الشعب والثورة في التغيير الجذري سواء بفعل المصالح والضغوط التي حكمت التوافق على مواد "الوثيقة الدستورية" أو بتأثير عسف أو شفقة قيام السياسيين المدنيين أو بعضهم بحصر ممثليهم في مهمة صياغة ضيقة جداً أجبرتهم على عدم بحث أو تعديل مخاطر الصياغات اتجه هذا البحث إلى التحقق من طبيعة اتهامات التزوير ووجدها ذات نقاط موضوعية خالية من الشخصنة ومن التحزب الضيق، بل كانت رغم حدتها، واضحة الدلائل ومحددة الهدف.

وجد هذا البحث أن الخلاف بين المتكلمين عن "تعديل" الوثيقة الدستورية والمتكلمين عن تزويرها مرتبط بتباينهما مركزين مختلفين: (أ) مركز المتكلمين عن "التعديل" وصحة تعديل الوثيقة الدستورية هو موضوع رئاسة القضاء والنائب العام وصحة تعديل إجراءات تعيينهما على النحو المعروف الذي إنتقل من قوة فيه توخيت للمدنيين إلى قوة للعسكريين سيطرت واقعياً على أمر تعيينهما.

(ب) أما المتكلمين عن "تزوير" الوثيقة الدستورية لإرادة الشعب والثورة وتفشيلها هدف الحكم المدني البرلماني المضاد لتحكم النخبتين العسكرية والتجارية المركزي في أمور الحكم والمعيشة فتظهر حقيقة كلامهم بتتبع حالة التنازل التدريجي في الوثائق السياسية (الدستورية) عن أجزاء هذا الهدف الرئيس الممكن إختصار بإسم الحكم المدني البرلماني، بل والتوافق ضده مع القوى العسكرية التي ساندت الحكم السابق ثلاثون عاماً.

ولكم التقدير