الماركسية مذهباً خامساً في الإسلام ؟ (٢٣)


كريم محمد الجمال
2020 / 3 / 11 - 03:11     

(٢٣)
الجزء الثاني من المقال
كما أوضحت سابقا في الجزء الأول أن الماركسية كأي فكر أو فلسفة مستحدثة ستتفاعل مع التراث الفكري والثقافي والاجتماعي والحضاري للعرب والمسلمين ،و أن هذا التفاعل سينتج عديد من المؤثرات وان دراسة تلك الظواهر الجديدة من أجل الحكم عليها ستتم من خلال تراتبية شرعية إسلامية معينة وأن الفكر الماركسي كسائر المستحدثات يجب دراسته جيدا قبل الحكم عليه .

يقوم الفكر الماركسي بالأساس علي فكرة الحتمية التاريخية لزوال النظام الرأسمالي العالمي ،كما أزالت الرأسمالية الإقطاع من قبل وما ارتبط به من سلطة رجال الكهنوت المسيحي فإن الماركسية تتوقع زوال الرأسمالية ليحل محلها ذوبان الفروق الطبقية بين العمال والملاك أصحاب رؤوس الأموال ليشترك الجميع في الموارد الطبيعية ووسائل ومصادر الإنتاج علي المشاع أو في حالة شيوع وهو ما أطلق عليها الشيوعية .و الماركسية لها أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية منها فكرة زوال الدولة وأوضح فيلاديمير لينين قائد الثورة البلشفية في روسيا أن الدولة بجهازها البيروقراطي ومؤسساتها تقمع الأغلبية من الشعب لصالح أصحاب راس المال وأصحاب النفوذ ولابد من تغيير ذلك ومن هنا خرج مصطلح ديكتاتورية البروليتاريا وبعض سيطرة ممثلين عن الطبقات العاملة ذات الأغلبية من الشعب ومشاركتها في وسائل الإنتاج يتم الانتقال من مرحلة الاشتراكية الي المرحلة الشيوعية بأن تكون انتهت تماما الطبقة العاملة وطبقة أصحاب الأموال وانتهت الطبقية بأن اصبح للجميع الحق في الموارد والفرص والإنتاج وتنتهي علاقة السيد والعبد أو بمعني آخر صاحب العمل المتحكم في مصائر واقوات العاملين عن طريق الاحتكار ومراكمة الأرباح والأموال بدون إعطاء العاملين حقوقهم ونصيبهم في تلك العملية الإنتاجية .

التجربة الماركسية ظهرت في دول وأحزاب وأنظمة وجماعات كثيرة جدا منها الاشتراكيين والشيوعيين وكل منهم له توجه ورؤية مختلفة للأفكار الماركسية وما نتج عنها في القرنين الماضيين.

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي باعتباره أول تجربة شيوعية في التاريخ اعتبر البعض ذلك نهاية للماركسية ، وهو فهم قاصر لأن فشل التطبيق لا يعني فشل التجربة ، فالاتحاد السوفيتي تطبيق ولازالت النظرية قائمة في ما كتبه ماركس ويدل على ذلك أن أنظمة وأحزاب وجماعات استلهمت التجربة الماركسية ولازالت قائمة وفاعلة في جميع أنحاء العالم من الصين وكوريا الشمالية وامريكا اللاتينية وحتي العالم العربي ، بل والأدهي من ذلك الدول الرأسمالية نفسها تأثرت بافكار ماركس بشدة ولازالت الأحزاب اليسارية والشيوعية التي أجبرت الدول الرأسمالية الغربية علي تقديم تنازلات وإصلاحات ذات طابع اشتراكي .

عندما نتطلع للماركسية كغيرها من الأفكار منظور إسلامي فيمكن قبول ما تحتويه من أفكار إذا لم تتعارض مع صريح نصوص الكتاب والسنة التي لا تحتمل التأويل ، وهنا تجارب كثيرة في التاريخ الإسلامي استخدم الصحابة والتابعين أنظمة الحكم فيها من الفرس والروم وغيرهم من الأمم الأخري مما أحدث حالة من التفاعل الكبير والإسهام الفكري والحضاري للعرب والمسلمين مثلما حدث مع البلاد المفتوحة الداخلة في الإسلام إذ نقل المسلمون كثير من معارف وعلوم وتراث تلك الأمم ثم انتقلت إلي الغرب عبر محطات متعددة مثل الأندلس .لقد اقتبس عمر بن الخطاب رضي الله عنه نظام الدواوين من الفرس ، ونقل الأمويون سك العملة عن الروم واستعان عثمان بن عفان بالمصريين الأقباط في صناعة السفن لتأسيس الأسطول الإسلامي وكل هذا يندرج تحت الماء القاعدة النبوية المشهورة أنتم أعلم بأمور دنياكم .
ومادام القرآن والسنة الصحيحة لم يحددا نظاما صارما وواضحا للحكم وشكل الدولة بل تركها التشريع الإسلامي لظروف وتغييرات الزمان والمكان والمجتمع .وما نص عليه التشريع الإسلامي من مبادئ في الحكم مثل العدالة والشوري ومشاركة المجتمع في الرقابة على الحاكم وعزله إذا أخل بتلك الشروط عن طريق سحب البيعة . وحتي نظام الخلافة كان اجتهادا بشريا إسلامياً خالصا بدليل حادثة السقيفة ومبايعة الأنصار لسعد بن عبادة رضي الله عنه ثم مبايعة أبي بكر الصديق بعد خطبته الشهيرة فيهم ومعه عمر بن الخطاب وكل من الخلفاء الراشدين الأربعة الأوائل جاء بطريقة مختلفة الي السلطة وانتهج شكلا مختلفا في الحكم ولكنهم اتفقوا في الخطوط العامة العريضة التي نص عليها القران واقرتها السنة النبوية .

ومن هذا المنطلق يجب قياس وتقييم الفكر الماركسي لتحديد مدي الاستفادة منه وقبوله أو رفضه وتطبيقه في الواقع العملي ، وهذه التصورات ما سنناقشه في المقال القادم.

وللحديث بقية