فيروس كورونا، فضيحة رأسمالية اخرى!


توما حميد
2020 / 3 / 9 - 17:58     

انتشار فيروس كورونا هو من الاحداث التي تفضح النظام الرأسمالي وتكشف عدم انسانيته وهشاشته كنظام اقتصادي. في البداية يجب الاشارة الى ان السلالة الحالية من فيروس كورونا الذي يسمى (SARS-CoV-2 ) والذي يتسبب في مرض كوفد -19 تعود الى اسرة كبيرة من فايروسات كورونا. كان الفيروس الحالي معروف و يصيب الحيوانات ولكن الجديد هو انتقاله الى البشر في نهاية عام 2019. يصعب لاسباب علمية هي ليست موضوع هذا المقال التنبؤ بسلوك هذا الفيروس، الا ان الواضح لحد الان هو انه سريع الانتشار بين البشر، فبعد ظهوره في مدينة ووهان في مقاطعة هوبي الصينية سرعان ما انتشر الى الاجزاء الاخرى من الصين والى كل قارات العالم. ان المعلومات التي نعرفها لحد الان تشير الى ان 82% من المصابين تظهر عليهم أعراض طفيفة فقط، وتبلغ نسبة الذين يمرضون بشكل خطير 6%. من جهة اخرى تبلغ نسبة الوفات بسبب الفيروس بين 1-4% حسب المعطيات المتوفرة وهي نسبة اكبر من نسبة الوفيات التي يتسببها فيروس الانفلونزا الموسمي . ولكن ربما تكون نسبة الاصابات الطفيفة اكبر من 82% والوفيات اقل من النسب المعلنة عنها لان الكثير من الاصابات لايتم الابلاغ عنها او لاتكتشف. مع هذا فان
احد الاحتمالات الممكنة هو ان يؤدي الفيروس الى وفاة عدد كبيرمن البشر. لنتذكر ان فيروس الانفلونزا الموسمي تسبب في 500 الف وفاة حول العالم في 2019 مثلا.
بنظري يجب عدم التهوين او المبالغة من خطورة هذا الفيروس الصحية على المجتمع ويجب التحضير والعمل على اساس اسوا الاحتمالات ولكن لايوجد سبب للهلع. والاهم هو عدم الانجرار وراء نظريات المؤامرة سواءا تلك التي تدعي بان هذا الفيروس هو من انتاج هذه الحكومة او تلك او هذا الرأسمالي او ذاك اوتلك التي تدعي بانه بدعة برجوازية الهدف منه تصريف البضائع. مثل اي ازمة تكون مصلحة قطاع برجوازي في تفاقم الازمة، ولذا فقد تشارك في نشر الهلع ولكن هذا لايعني بان الفيروس مؤامرة او بدعة.
لقد تم في الواقع خلق هلع من الفيروس، غير مبرر على الاقل لحد الان، في الكثير من المناطق وللاعلام دور كبير في هذا. وهذا الهلع من الفيروس وطريقة التعامل معه ليس مربوطة بخطورة الفيروس على حياة وصحة البشر والاضطراب الذي قد يحدثه في حياتهم بقدر خطره على الاقتصاد الرأسمالي الهش ومعدل النمو الاقتصادي وارباح الرأسماليين وبالاخص خطورته على اسواق الاوراق المالية وخطر حدوث ازمة اقتصادية عالمية. فالطبقة الرأسمالية تقيم مثل هذه الاحداث من زاوية تاثيراتها على الاسواق وارباح النخبة المالكة.فمثلا قد يموت عدد كبير من البشر، ولكن اهم واول اجراء تسعى اليه ادارة ترامب مثلا هو خفض نسبة الفلئدة من اجل ادامة فقاعة الاسواق المالية. كما ان من مصلحة قسم من الرأسماليين كما قلنا خلق هلع لان هذا يؤدي الى زيادة الطلب على منتجاتهم. كما ان الاعلام يستفاد من هذه الازمات لزيادة عدد القراء او المستمعين او المشاهدين. وهناك سبب اخر للاهتمام بالفيروس وهو ان الاغنياء غير محصنين من الاصابة به بعكس المشاكل والامراض الناتجة عن الفقر.
رغم وجود غموض حول طريقة انتقال هذا الفيروس من الحيوانات الى البشر الا ان في الكثير من الحالات التي تتحور فيها مثل هذه الفيروسات الحيوانية لتصبح قادرة على اصابة الانسان تكون بسبب ممارسات تتعقب منطق الربح في تربية الحيوانات، كما حدث مع وباء سواين فلو وغيرها.
التأثيرات الاقتصادية:
رغم صعوبة التنبؤ، قد تكون للفيروس تاثيرات هائلة على الاقتصاد العالمي، اذ تشير التوقعات بانه سوف يمحي 1% من حجم النمو في الاقتصاد العالمي لهذه السنة. وقد الحق فيروس كوفد -19 بالفعل ضرر واضح بالاقتصاد العالمي لحد الان. اذ ادى الى انخفاض حاد في السفر والتنقل مما يعني انخفاض في ارباح قطاع السياحة من فنادق ومطاعم وقطاع الطيران والمواصلات الاخرى. كما اثر على التجارة والتصنيع والشحن وقطاع التكنلوجيا والسيارات واصاب سلاسل التوريد العالمية باضطراب كبير.
والسبب الاساسي لهذا التاثير لحد الان هو تأثر الاقتصاد الصيني بشكل كبير بسبب الاجراءات الصارمة التي قامت بها الحكومة الصينية للحد من انتشار الفيروس. فالاقتصاد الصيني هو بالفعل محرك الاقتصاد العالمي. لقد تم غلق الاف المعامل وعشرات الملايين من العمال هم قيد الحجز الصحي في الصين بشكل موقت. هذه الاجراءات ابطئت الاقتصاد الصيني، وسيكون لهذا الامر تأثير ملموس على الاقتصاد العالمي الهش. فاليوم يشكل الاقتصاد الصيني 19.3% من حجم الاقتصاد العالمي ويشكل النمو الاقتصادي الصيني ثلث حجم النمو للاقتصاد العالمي وتمثل الصادرات والواردات الصينية 10% من حجم الصادرات والواردات العالمية والصين مزود اساسي لقطع الغيار لكل للعالم . كما تعتبر اكبر مصدر للسياح حيث يسافر 150 مليون صيني الى الخارج سنويا.
التأثيرات الاقتصادية على الطبقة العاملة:

رغم ان معظم الحديث يدور اليوم حول سبل ضمان استمرار العامال بالانتاج والزبون بالشراء من اجل حماية الاقتصاد يبقى الهم هو الحفاظ على الارباح وليس رفاهية الجماهير. فرغم ان العامل هو العمود الفقري للانتاج ، الهم الاساسي هو ليس حماية العامل من الاصابة و حمايته من الناحية الاقتصادية في حال غيابه عن العمل بسبب الاصابة او العزل الصحي للمدة المطلوبة وهي اسبوعين و اثار هذا الوباء على اوضاع الطبقة العاملة وظروف عيشها والاجراءات التي يتوجب اتخاذها لدعم هذه الطبقة. الحديث يتركز على وضع البورصات و اسعار الاسهم.
ان حجم تأثير هذا الوباء كأي ازمة كبيرة على المجتمع يختلف على اساس الطبقات، اي يكون اكبر على الطبقة العاملة.
في البداية ان احتمال انتشار الفيروس بين الفقراء في المناطق المكتظة التي ليس للفرد القدرة على الالتزام بالعاداة الصحية والحصول على اللوازم الضرورية بهذا الشأن هي اكثر من انتشاره بين الاغنياء.
كما ان تفشي فيروس كورونا يدفع الكثير من الشركات الى تسريح العمال بشكل وقتي او دائمي ، وتخفيض الأجور وفرض الإجازات القسرية بدون أجرور. كما تطلب السلطات الصحية في مناطق معينة من العمال البقاء في البيت للحد من انتشار المرض. كما ان بعض العمال يجبرون على البقاء في البيت للاهتمام باطفالهم عندما تغلق المدارس والروضات. هذا في وقت، حتى في الدول المتقدمة والغنية فان قطاعات كبيرة من العمال لايحصلون على اجازة مرضية مدفوعة الاجر.
تعني مسالة عدم الذهاب الى العمل، أو عدم ارسال الاطفال الى المدرسة لمدة اسبوعين بالنسبة للعمال الذين يحصلون على اجور قليلة مشاكل كبيرة مثل التاخر في دفع الفاتورات والايجارات ورسوم رياض الاطفال الخ. اذ يحتاج العمال إلى كسب أجر وخاصة ممن يكسبون اجور منخفضة وفي كثير من الأحيان هذا يتطلب منهم أن يكونوا حاضرين جسديا في العمل، اذ لايمكن لنسبة كبيرة من العمال القيام بوظائفهم من المنزل ، بما في ذلك عمال الوجبات السريعة والفنادق أو سائقي سيارات الأجرة ، وعمال المتاجر والعاملين في قطاع الزراعة الخ .
في امريكا مثلا، لايحق لـ 73% من العاملين بدوام جزئي الحصول على إجازة مرضية مدفوعة الأجر ولو ليوم واحد. هذا الامر يجبر العمال على العمل حتى عندما يصابون بالمرض كما حدث مع أنفلونزا الخنازير عام 2009 ، مما يؤدي الى اصابات اضافية هائلة.
كما ان 80 مليون عامل امريكي يجدون صعوبة حياتية بين اجر واجر واكثر من ستين مليون امريكي لايمكنهم تدبير 500 دولار في وضع طارء، فكيف يمكنهم البقاء بدون راتب لاسبوعين؟؟

ان ماتقوم به الحكومات وخاصة الادارة الامريكية هو العمل على استقرار الاسواق عن طريق حفض سعر الفائدة وتقيدم بعض الدعم للمؤسسات الصحية. ولكن ليس للحكومات حتى في الدول المتقدمة، خطة لدفع الاجور للعمال وخاصة ذوي الاجور المنحفضة في حال غيابهم عن العمل.
كما لايوجد اي حديث عن توفير مصاريف العلاج للعمال الذين ليس لهم رعاية صحية او المهاجرين وخاصة غير الشرعيين في دول مثل امريكا.

بروز العنصرية!
لقد تسبب انتشار كوفد-19 بروز نزعة عنصرية قوية ضد الصينين والاسيويين وخاصة في امريكا والدول الدائرة في فلكها. وهناك خوف من كل ذوي الملامح الاسيوية. ورغم ان منظمة الصحة العالمية قالت ان قيود السفر التي تستهدف الصين هي غير فعالة و سوف تاتي بنتائج سلبية، الكثير من الدول مثل امريكا واستراليا وكندا ودول اروبا فرضت مثل تلك القيود. ومن نظريات المؤامرة التي تنتشر في هذا السياق هي نظريات عنصرية كتلك التي تقول ان سبب انتشار كوفد -19 كان اكل الصينين للخفافيش الخ رغم عدم وجود اي دليل على هذا الادعاء. وهناك تهكم وتشفي واحتفال في الكثير من الاوساط اليمينية اعتقادا منها بان هذه الازمة سوف تدمر الاقتصاد الصيني.

ألنظام الرأسمالي عاجز عن التعامل مع كوفد-19!
الاقتصاديات والانظمة الصحية والبنى التحدية الرأسمالية غير قادرة على التعامل بشكل فعال مع هذه الازمة. من الناحية الاقتصادية، كما قلنا النظام غير مهيئ لاستجابة الى المشاكل التي تواجه الطبقة العاملة بسبب كوفد-19. ومثل هذا التاثير على المجتمع عموما سيتضاعف في حال دخول الاقتصاد العالمي في ازمة اقتصادية وهو احتمال وارد في حال استمر خطر هذا الفيروس. ان الاقنصاد الرأسمالي يعتمد على الاستهلاك الهائل والنمو المركب لكي يستمر بشكل روتيني، الا ان ان خفض نسبة الفائدة ، سوف لن يحث المتسوقين على التسوق في وسط الوباء. رغم ان الهلع الذي خلق قد زاد الطلب على المواد الغذائية وبعض البضائع الاساسية الا هذا ليس كافيا لادامة الاقتصاد بشكله الروتيني.
من جهة اخرى ان الجهاز الصحي ونظام المستشفيات العامة على مستوى العالم بما فيه الدول المتقدمة مثل امريكا وبريطانيا واوربا واستراليا غير مهيئة للتعامل مع وباء يؤدي الى زيادة هائلة ومفاجئة في الطلب على الخدمات الصحية وخاصة ان القطاع الصحي في اغلب الدول تعرض الى تقطيعات كبيرة في ميزانيته بسبب السياست النيوليبرالية وسياسة التقشف وخاصة بعد ازمة 2008. فالمستشفيات غير مستعدة للتعامل مع هذا السيناريو وهناك قصور هائل في القدرات الكلية والكفائة للتعامل مع الاوبئة والكوارث بسبب نقص في حجم الكادر الصحي وفي كمية الاجهزة والادوية وفي التدريب اللازم في وقت ان مسالة تفشي وباء مثل كوفد-19 هي مسالة شبه حتمية.
لقد ادى تفشي كورونا الى نقص في المعونات الطبية الاساسية مثل الكفوف الطبية والكمامات في الكثير من الاماكن وقد يؤدي الى نقص حاد في الادوية والعقاقير ومركبات دوائية اساسية مثل البراسيتامول بسبب توقف التصدير الى العالم من الدول المصنعة مثل الهند التي هي اكبر مورد للادوية او بسبب نقص المكونات الدوائية الاتية من الصين. فالهند والكثير من الدول الاخرى مثل اوربا وامريكا تعتمد على الصين لضمان المكونات الفعالة للادوية. ولايوجد عدة الفحص في الكثير من الدول وهناك نقص حتى في بعض الدول المتقدمة.
يجدر الاشارة ان نفاذ الكمامات مثلا وبلوغ اسعارها حدود خيالية في الكثير من انحاء العالم، ليست ناتجة عن عدم القدرة على انتاج كميات كافية من الكمامات بل ان منطق الربح الذي هو محرك الحياة تحت هذا النظام هو الذي يؤدي الى بروز هذه المشاكل.
وفي الحالات التي لايوجد كمامات كافية لجميع السكان لايتم توزيعها بالشكل المنطقي كان تذهب الى الاشخاص الاكثر عرضة للاصابة مثل العاملين في القطاع الصحي او في المواصلات الخ او الاكثر عرضة للاصابة الشديدة بالفايروس مثل كبار السن والاشخاص الذين يعانون من حالات صحية سابقة مثل الربو والامفيزيما والسكري والسرطان وامراض القلب بل توزع حسب منطق السوق. اي ان الكمامات تذهب الى الذين بوسعهم دفع مبالغ اكبر، ويعتبر هذا الامر اكبر ادانة لالية السوق التي يتم تمجيدها تحت النظام الرأسمالي. كما ان عدم اكتشاف علاج لحد الان من قبل شركات الادوية العملاقة يعود لسبب بسيط وهو منطق الربح.
رغم ان هذا ثالث وباء كورونا منذ بداية القرن الحادي والعشرين لكن لم تبذل جهود تذكر لاكتشاف علاج او لقاح، لانه ليس للمستثمرين دافع لايجاد لقاء او علاج ضد فايروس لايعرف كم سيستمر وكم من الارباح ستجنى. ان انتاج لقاح او علاج ضد سلالة معينة سوف تهيأ الارضية لانتاج لقاء وعلاج ضد السلالات الاخرى.
برز عجز الراسمالية للتحضير والاستجابة الفعالة في كل الازمات الاخيرة مثل كوفد-19 و حرائق امريكا واستراليا ووباء ايبولاالخ.
يثبت كورنا بان العالم غير امن في ظل الرأسمالية فهو نظام عاجز ومشلول الى حد كبير وتعمق هذه الازمات الحاجة الى تغير ثوري في المجتمع البشري. مستقبل البشرية يعتمد عى انهاء عمر الرأسمالية.