المنهج الجدلي وتحليل الوضع الراهن


خليل اندراوس
2020 / 3 / 7 - 09:02     


عندما ننظر الى الاحداث الاخيرة في عالمنا المعاصر نجد بان هناك بعض نقاد الماركسية اصبحوا يتبنون افكاره وفلسفته الجدلية الاقتصادية المادية واصبحوا يتقبلون توقعات كارل ماركس بحتمية ازمة فائض الانتاج، وبان النظام الرأسمالي يحمل في طياته تناقضات مستعصية وانه يحمل في ذاته بذور فناءه.

وعندما نتبنى المنهج الجدلي في تحليل الاحداث الاخيرة على الحلبة السياسية الاقتصادية العالمية نرى تزايد مظاهر طفيلية الرأسمالية المعاصرة، من خلال اشاعة النزعة العسكرية في اقتصاد البلدان الرأسمالية خاصة الولايات المتحدة الامريكية الامبريالية، فقد اصبح عسكرة الاقتصاد واحد من اهم الوسائل التي تستخدمها الدول الرأسمالية الامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة، في حفز نمو الانتاج وضبط اقتصاد هذه البلدان بغية درء ومنع الازمات الاقتصادية.

ونعني "بالمنهج" الطريق الذي يؤدي بنا الى الهدف، ولقد درس كبار الفلاسفة امثال ديكارت وسبينوزا وهيغل قضايا المنهج لاهتمامهم باكتشاف اكثر الوسائل عقلانية لبلوغ الحقيقة. وعلى الماركسيين النظر الى الواقع وجها لوجه بايجابياته وسلبياته من اجل تخطي وتغيير الواقع والمظاهر المباشرة تغييرا ثوريا، ولهذا يجب ان يكون للمنهج اهمية كبرى عند الذين يرون ان الماركسية ليست عقيدة جامدة بل مرشد للعمل كما كان يقول ماركس وانجلز، ولهذا على كل ماركسي ان يكون للمنهج اهمية كبرى لديه وذلك لأن المنهج العلمي الجدلي المادي هو المنهج الوحيد الذي يتيح لكل ماركسي تكوين نظرية علمية الى العالم والتي هي ضرورية لإتمام عملية التغيير الثورية للمجتمع، والجدلية هي ذلك المنهج والمنهج الوحيد الذي يوافق النظرة العلمية الى العالم.

وما نشاهده الآن من تصعيد للمواجهة مع ايران وكل محور المقاومة من قبل الولايات المتحدة واسرائيل، وحرب التحالف السعودي الرجعي العربي المدعوم من الولايات المتحدة ودول الغرب الامبريالي بهدف زيادة الاتجار بالسلاح وتعميق عسكرة الاقتصاد، تهدف الى التجارة بدم الشعوب من اجل حفز نمو الانتاج الرأسمالي وخاصة العسكري وضبط اقتصاد هذه البلدان بغية منع ودرء الازمات الاقتصادية للتشكيلة الاجتماعية الاقتصادية الرأسمالية.

ولذلك تزداد في الفترة الاخيرة حدة التوتر وزيادة الصراعات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والتي تفتعلها الامبريالية العالمية عالميا واسرائيل في منطقة غرب آسيا، بهدف زيادة ميزانيات وزارات الحروب في تلك الدول بمليارات لا بل بعشرات مليارات الدولارات، وما يعلن عنه من صفقات تجارة السلاح بين الولايات المتحدة والسعودية ودول الخليج العربي لا بل الامريكي، ووضع خطط عسكرية بعيدة المدى لتطوير ادوات ووسائل الحرب كالتي اعلن عنها رئيس اركان الجيش الاسرائيلي – جيش الاحتلال والعدوان – كوخابي لأكبر دليل على ذلك.

ولكن جميع محاولات الرأسمالية العالمية هذه، لا يمكن ان تؤدي الى استفزازها كنظام اجتماعي اقتصادي سياسي بل هي دليل على تعميق الازمة الراهنة لهذا المجتمع. وقد تجلت وتتجلى الآن استحالة استثناء الاقتصاد الصيني واستحالة الهيمنة على الاقتصاد الروسي، واستحالة تركيع ايران وفنزويلا من خلال العقوبات الاقتصادية الامريكية وانفتاح وتطور الاقتصاد الصيني على مستوى عالمي وتحوله الى ثاني اقتصاد في العالم، والتنسيق الاستراتيجي الاقتصادي والسياسي بين الصين وروسيا، وصمود محور المقاومة وافشال مؤامرة تقسيم سوريا وتقسيم لبنان وفشل حرب التحالف السعودي الاماراتي على اليمن سيؤدي الى تكوين بنية اقتصادية سياسية جديدة على مستوى عالمي، وستعمق ازمات النظام الرأسمالي الامبريالي الغربي وخاصة الامريكي وسيؤدي الى اضعاف دور اسرائيل اقتصاديا وعسكريا وسياسيا كقاعدة امامية للامبريالية الامريكية والعالمية في غرب آسيا.

وفي وقتنا الحاضر تحولت طبقة رأس المال الاحتكارية الى طبقة دكتاتورية يمينية ارهابية سافرة تمثل أكثر اوساط البرجوازية الاحتكارية رجعية وعدوان وعنصرية، وحكم اليمين الامريكي كهنة الحرب خاصة في فترة حكم المأفون ترامب وحكم اليمين الصهيوني الاسرائيلي المتطرف تحت رئاسة نتنياهو لأكبر دليل على ذلك، وهذا الامر يعكس الازمة العامة للرأسمالية العالمية. والآن حتى اعداء الماركسية مجبرين بالعودة الى الفلسفة الماركسية، لفهم هذه الازمات وطرح الحلول التي تُبنى وتؤسس بالعودة الى طروحات وفلسفة ماركس.

وقد تؤدي هذه التغييرات الى انعطاف وانفراج على مستوى العلاقات بين دول الغرب الامبريالية والمحور الاوروآسيا (الصين روسيا، ايران ومحور المقاومة) الذي يتكون في هذه المرحلة التاريخية، ولكن لا يجوز التغاضي عن انه لا يزال في الولايات المتحدة، خاصة في فترة حكم ترامب واسرائيل التي يسيطر على السلطة فيها اليمين العنصري الصهيوني انصار ودعاة لتأزيم الوضع في المنطقة، وعلى مستوى عالمي وهذا الامر ممكن منعه والتصدي له من خلال فضح وتعرية سياسات اليمين الامريكي والاسرائيلي الصهيوني العالمي والسعودي الوهابي – الثالوث الدنس.

لا شك بان واقع رأسمالية الدولة الاحتكارية تعني استخدام الدولة وكل مؤسساتها الاقتصادية والاجتماعية والاعلامية والسياسية على نطاق واسع لصالح الحفاظ على سيطرة وهيمنة الاحتكارات العابرة للقارات، وشركات صناعة السلاح وقمع الطبقة العاملة ورافضي هذه السياسات العدوانية، لذلك مهم جدا بناء علاقات واساليب وطرق للتواصل مع القوى السياسية المناهضة لهذه السياسات في الولايات المتحدة وهنا في اسرائيل لمنع المواجهات العسكرية التي قد تؤدي الى نتائج كارثية ليس فقط في منطقة غرب آسيا لا بل في العالم.