سيناريوهات مستقبلنا بين الكارثة والامل


حازم كويي
2020 / 3 / 6 - 00:45     

إنغار سولتي*

دخلت الرأسمالية أعمق أزمة لها منذ أثني عشر عاما بعد أزمة الثلاثينات من القرن الماضي ،وهي ليست مجرد أزمة أقتصادية ،بل أزمة عضوية كبيرة على عدة مستويات مجتمعية و سياسية وديمقراطية تنعكس فيها ايضا أزمة إيكولوجية ومناخية ،اي انها أزمة النظام العالمي.
الازمات الكبيرة التي حصلت في القرن العشرين أدت الى نشوء قوى يمينية وحربين عالميتين ،وكذلك ثورات أشتراكية ،تعلم فيها حكام الدول الرأسمالية من خلالها بالاتفاق على برامج التحفيز الاقتصادي والتي أثارت الكثير من الجدل داخل الحكومات الليبرالية ومنها ،هل عملت بذلك الى تثبيت رأسمالية السوق المالية على المدى القصير اما الهدف في أعادة هيكلته على المدى الطويل؟
وأدت الازمة هذه الى صدوع وصراعات في أتجاهات السلطة الحاكمة فوجد الليبراليون الجدد أنفسهم في النهاية ،عام 2010 في بلدان الغرب متحولين الى سياسات وأستراتيجيات التقشف والمنافسة الخاصة بتخفيض التكاليف والاجور في داخل بلدانهم وخارجياً في منطقة اليورو ،الذي أدى بدوره الى إنقاذ البنوك وارتفاعٍ للدين العام وتعرضت بلدان بمفردها لضغوط من الاسواق المالية الدولية فوق إمكانياتها في مقابل الحصول على قروض الطوارئ ،منها الحكومة اليونانية ،التي فرض عليها العمل بتخفيض الاعانات الاجتماعية وفرض الخصخصة ونتيجة لذلك وضع ميثاق مالي لجميع بلدان منطقة اليورو بالالتزام بسياسة تقشف صارمة.
وضد هذه السياسة أظهرت الحركات الاجتماعية طريقاً بديلاً تم تطويره وكما هو الحال في الازمات التأريخية، من أن النضال الطبقي هو الطريق في الصراع ضد تشكيلات الرأسمالية الجديدة.
وقد نشرت مؤسسة روزا لوكسمبورغ في القسم المختص بالتحليل الاجتماعي ورقة جماعية عام 2011عن سيناريوهات المستقبل الممكنة من أجل أمكانية وقدرة التدخل بشكل افضل سياسياً ،والتي تميزت باربعة سيناريوهات.
1.ليبرالية استبدادية مشددة.
2.مشروع "اليمين الجديد"
3.رأسمالية خضراء
4. صفقة الخضر الجديدة(أجتماعية)
بعد ثماني سنوات يطرح سؤال ،عن مدى دقة هذه التوقعات .
هل ظهر فعلاً نوع جديد من الرأسمالية؟ أم أننا مانزال في مرحلة أنتقالية ؟أيُ من هذه السيناريوهات تصف اليوم ،عالم الغد ؟
تحليل عام 2011 تنبأَ بخطوط الصراع الرئيسية بدقة تامة،لكنها لم تستطع التنبؤ بمدى قوة معرفة الطبقات الحاكمة في كيفية استمرار مسيرتها،فسياسة التقشف وتبعاتها حدثت على المستوى الاقليمي باوقاتٍ مختلفة ولم تنجح الحركات ولا الاحزاب اليسارية في تدويل مقاومتها أوالربط بالمقاومة في الصراع مع الشركات الفعالة.
وعانت بعض دول اوربا من هزائم كما حدث مع سيريزا في اليونان عام 2015 والضعف النسبي في أسبانيا وعزل البرتغال لمشاريعها اليسارية حتى يومنا هذا،بدون هذه الهزائم لايمكن فهم انتصار اليمين اللاحق.وفي ظل الظروف غير المستدامة يستمد اليمين قوته من تجربة العجز الاجتماعي ،فالبدائل الجذرية ضرورية للغاية ،لكن تنفيذها فشل في الوقت الحالي ولم تنتهي الازمة مع الانتصار المؤقت لليبرالية الجديدة ولاتزال مستمرة وبضراوة في التعبير عن نفسها كأزمة متعددة بأبعادها التي ذكرت ليتُم تأجيله الى المستقبل.
المشروع الاصلاحي المركزي للجناح اليساري للطبقة الحاكمة كان (الرأسمالية الخضراء)التي ينبغي عليها أن تحفز تطوير تكنولوجيا خضراء لاسواق جديدة يرافقها النمو.وقد فشل هذا المشروع كون الاصلاحات الفوقية تدخل في تناقض مع القوى الجذرية للقاعدة التحتية للرأسمالية ،وتبعاً لذلك دخلت الدول القومية الى سياسات التقشف ومن خلال الشركات التي خفضت الاجور وأُضعفت فيها النقابات وعمقت الازمة السياسية الليبرالية الجديدة وبالتالي الى عدم تناسب القوى بين رأس المال والعمل.

ودخلت احزاب الوسط الليبرالي الجديدة في الاتحاد الاوربي في حلقة مفرغة ،فكلما زادت التخفيضات الاجتماعية مصاحبة بزيادة الاحتجاجات الشعبية ،كلما أقدمت السلطات الحاكمة الى الاستبداد وتقليص حق التظاهرات المشروعة ،وعندما تبدأ الاحزاب التقليدية بالتآكل نتيجة تغير ظروف الفرد الاقتصادية نحو الاسوأ ،وكلما قام الحكام الاوربيون بالتقييدات السياسية والاقتصادية الجديدة ،تفقد فيها الشرعية ويصبح الطابع الاجباري أكثر وضوحاً،وهذا ماجرى في ضعف الاحزاب الحاكمة في المانيا صيف عام 2015 ،مع ما سمي بأزمة اللاجئين والتي كانت بمثابة حافزٍ لصعود اليمين منذ عام 2016.وفوز ترامب في الانتخابات الاميركية ومجئ حكومة يمينية في النمسا ،ظهرت صيغة اليمين الذي يدفع الاخرين نحو الامام مقابل فشل كل المفاهيم ومنها وصفة وفكرة (الرأسمالية الخضراء)وظهر للكثيرين ،انهم لايرون اي بديل (لجمالية)حقيقية لليبرالية الجديدة .
في أمريكاهناك أمل في تجديد أحزاب يسار الوسط وكأحتمال (مثل بيرني ساندرز).
في الجانب الاخر هناك أستقطاب خطير،لمجموع الطيفٍ الكامل للاحزاب غير الاجتماعية ،يسار البرجوازية الممثل بحزب الخضر في المانيا الذي يرى بانه لايوجد بديل للتنمية الاجتماعية المدفوعة بالسوق والذي يأتي متفقاً مع حزب البديل الالماني الشعبوي وينقل الخطاب الى مستوى صراع الثقافات وبشكل اساسي حول مسالة الهجرة والامن أو السياسة الجنسانية ،ونظرا لاستمرار تاثير الازمات المادية في المجتمع الطبقي وتعمق مخاوف السكان وتعرض جميع البدائل اليسارية لمجتمع السوق للسحق في هذا الصراع الثقافي وبشكل نسبي يمكن للطبقة الوسطى الليبرالية اليسارية والسلطات اليمينية ان تُميز نفسها وعن بعضها البعض من خلال زبائنها المتجانسين اجتماعياً وثقافياً ،وأثناء ذلك تتفكك الاحزاب الاجتماعية الديمقراطية واليسارية في مسألة كيفية استعادة الناخبين العماليين .
أزمة الديمقراطية تتعمق من خلال الديجيتال وتغيرات اشكال الانتاج الصناعي وإنترنيت الاشياء وعملية الترشيد التي يقودها رأس المال والاجهاد الموضوعي الذي يتعرض له الفرد حين تكون المؤهلات الوظيفية منخفضة والتي تحتاج بأستمرار الى اعادة التعلم والتأهيل وتأثير ذلك على اصحاب التأهيل العالي في الاجور،ولقد تلاشت الضمانات القديمة للطبقات الوسطى وفقد وعد المشاركة في الثروة من خلال اعادة التنظيم الجذري لدولة الرفاه واصبح حلم العيش في وسط مشبع بالقوى العاملة قرب منزلك وقضاء العطل الصيفية وتوفير تقاعد مستقر غير ممكن وتغيرت العلاقات بين الجنسين بتوفر عائلة على نموذج (الفوردية الاميركية ) ،وظهرت شريحة ثقافية يمينية التي تريد استعادة (الايام الخوالي).
أن دمج المرأة في العمل لم يجلب لها تقرير المصيرالموعود به برعاية الليبرالية الجديدة ،بل عمق عدم المساواة الاجتماعية بين النساء وبسبب الخدمات العامة غير المكتملة ،يتحملن في الغالب مسؤولية اعمال الرعاية والتي تكون غالباً في قطاعات الخدمات الخاصة ،يشوبها التنظيم غير المستقر ،الاجهاد ومطالب مفرطة لنمط حياة يومية للكثيرين من الناس ،لهذا فأن الليبرالية الجديدة الاستبدادية ليس لديها الجواب على هذه الازمة ،بل وعلى العكس من ذلك مع سياسة تخفيض المعاشات والاجور وتقليص المزايا الاجتماعية وتعميق عدم ضمان سوق العمل وإنهيار التماسك حين يُتركون الناس وحيدين ، وتبدو الدولة ذات سيادة فقط في مجال صراع الثقافات ولكن دون سيادة في التخطيط الاقتصادي والاجتماعي، وينطبق ذلك على الازمة البيئية المتسارعة والتي اصبحت على نحو متزايد أزمة حضارية معززةً الشعور بالتهديد والخوف وانعدام الامن الاجتماعي للدولة،فالمعسكر الاخضر الليبرالي والمعسكر اليميني المحافظ في مواجهة مع بعضهم البعض والبديل اليساري النهج (المقصود هنا الاجتماعيين الديمقراطيين)المتوافقة مع السوق هامشية في خطابها السياسي والليبرالية الجديدة مازالت مهيمنة .
وفي هذه الحالة يتعين على الجهات الفاعلة الحكومية في الواقع ،وضع رؤية للتعامل مع هذه الاضطرابات لتكون المشاركة والتماسك الاجتماعي في المركز.واصبح من المتوقع ان السياسيين لن يقوموا بتلك المهمة والاحزاب الشعبية تتآكل ،فالشركات هي التي تصوغ الرؤى المستقبلية والمثال على ذلك شركات (تسلا)،(غوغول)و(فيسبوك)وصار افتقار الرؤيا لدى الحاكمين خدمة لليمين ،وأذا لم يقم أحد بوضع سياسة للجميع ،فأن هذا يترك فراغاً يملأهُ اليمين بأدعاءه على الاقل تمثيل ارادة الشعب.

عمليات التغيير هذه هي من سياقات أزمة النظام العالمي وعامل جديد لخطر الحرب .
وفي الوقت الذي تفقد فيه الولايات المتحدة الاميركية نفوذها النسبي ،فإن الصين هي الرائدة في السوق العالمية بلا منازع في عدد من مجالات التكنولوجيا المتقدمة ،يمكنها صياغة تطورها من خلال سيطرة الدولة على القطاعات الاقتصادية والمالية .
تأريخياً كان أستبدال قوة عالمية قديمة بقوة جديدة مرتبطاً دائما بالحروب .وحتى اليوم يؤدي التنافس الى سباق تسلح عالمي ،تستعد فيها أجزاء من الجهاز العسكري الاميركي وبشكل منهجي لحرب كبيرة في العقود القادمة ضد الصين ،أضافة الى ذلك فقد زادعدد الحروب بالوكالة بشكل كبير في جميع أنحاء العالم ، نتيجة للاضطرابات الاقتصادية العالمية ولسياسات التقشف،وتحاول الولايات المتحدة التغلب على ازماتها الاقتصادية عن طريق زيادة الصادرات ،مما يفرض المزيد من الضغوط على المنافسين في جنوب العالم ،فنطاق عملية التوزيع محدودة وهذه السياسات تؤدي الى تفاقم نزاعات التوزيع ومخاطر أن تصبح طائفية وأثنية.

المصدر الرئيسي في سياسات التقشف والرأسمال العالمي المتجاوز للجار الرأسمالي (المقصود الوطني) هو رأس المال العابر للحدود الوطنية ،وبأسم التنافس ،قام عدد كبير من البلدان بتخفيض معدلات الضريبة العليا وإلغاء القيود المفروضة على اسواق العمل وتقييم للمساحات غير الرأسمالية وغالباً ما كانت الحكومات اليمينية الجديدة في المقدمة ،على سبيل المثال الولايات المتحدة ،البرازيل،الهند،النمسا،هنغاريا، يظهر فيها أن الحكومات اليمينية المتطرفة لاتتبع مشروعاًبديلاً ،بل لازالت تدفع الى سياسة مؤيدة للرأسمالية وتناقضاتها.
إن الليبرالية الجديدة الاستبدادية(الوسط) تدمج نفسها مع اليمين الاستبدادي ،ومن تلك الاجزاء من برنامج الانتخابات اليميني ،التي لاتؤثر على مصالح رأس المال(العابر للحدود الوطنية)، يتم تنفيذها في تشديد السياسات الامنية القمعية واقرب مثال على ذلك هي حكومة النمسا اليمينية التي دعت لاجراء استفتاء على عضوية الاتحاد الاوربي واليورو.
وسيكون من المهم في المستقبل ما أذا كان التناقض بين الدعاية اليمينية والسياسة الواقعية اليمينية سيؤدي الى أضعافها، العامل الحاسم فيهاهو الفصل بين كوادر الحزب وقاعدته ،لدفعها الى عزل الناخبين المحتجين عن المؤيدين للنظرة المتطرفة اليمينية المغلقة،ويعتمد على كيفية تطور الابعاد المختلفة للازمة المتعددة ،مع امكانية التصاعد الدراماتيكي لكل منها ،فلا يمكن التنبؤبها ،ويبدو أن هناك تصورات لخمسة سيناريوهات.
1.الرأسمالية الاستبدادية .
في هذا السيناريو يستمرصعود القومية الاستبدادية بلا توقف ولأنه لايمكن أحتواءه بأساليب قصيرة الاجل او من خلال فضيحة حزبية او حتى حظرها،إنما يمكن فقط من خلال مشروع إجتماعي أيكولوجي شامل للجميع ورغم ضعفها السياسي تستمر الكتلة النيوليبرالية في الاعتماد على سلطتها والتي تقوم على اساس تخطي الانتاج الرأسمالي عبر الوطنية والعلاقات الطبقية وعلى هذا الاساس يربط اليمين المتطرف كما هو في النمسا ،وهذا لايفترض العودة الى القومية الاقتصادية كما هو اتجاهات رأس المال المحلية غير التنافسية ،طالما أنه لايزال بإمكانه الاعتماد على رأس المال الاحفوري (المقصود هو وقود الفحم الحجري ،النفط الاسود),فان الصراع الايدولوجي حول قضية المناخ سوف يزداد حدةً،وهذا السيناريو سيكون مرادفاً لزيادة الهمجية ،وسيصل الصراع الاميركي الصيني الى ذروته وزيادة الضغط على (الغرب) لثني الصين عن تدخل الدولة الذي يشوه التدخل العسكري وبشكل أساسي لاخضاع نفسها للنظام الاقتصادي العالمي الذي يهيمن عليه الغرب .
ان استمرار التنمية المدفوعة بالسوق وتعزيز أتجاهات التصدير واتفاقيات التجارة الحرة مع دول الجنوب العالمي (الاتفاق مع أفريقيا وأتفاق الشراكة الاقتصادية واتفاق ميركوسور بين دول امريكا اللاتينية مع الاتحاد الاوربي) سيؤدي الى تفاقم أسباب الصراع وبالتالي الى اسباب الهروب والتي بدورها ستؤدي الى شحذالمطالبة بالحقوق وامكانيات التعبئة المستمرة.
أن اعداد الموتى في البحر الابيض المتوسط يزداد بشكل دراماتيكي ونظام الاتحادالاوربي يجعل تأمين حدودها مهمة لسيادة سياستها ، وفي الوقت نفسه تتفاقم التناقضات الداخلية للرأسمالية المعولمة ومع هذا لاتكافح أسباب القوة الاستبدادية اليمينية أبداً،فقط المعارضة ضد اللاجئين والعمال المهاجرين ،لكنها لاتعارض التجارة الحرة التي تنتج الملايين من البروليتاريا وصغار المزارعين ،الحروب والهروب وبنفس المقدار من التغييرات المناخية والعنصرية المعادية لدول الشرق الاوسط والذي يستفز الاستقطاب العرقي كنقطة أنطلاق ونوع من رجعية دون كيشوت.
ومن المفارقات أن مشاركة الحكومة الليبرالية الجديدة لاتضعف اليمين الراديكالي طالما لاتوجد بدائل يسارية واقعية ويتواصل أستقطاب المجتمع ويعزز ظروف حرب اهلية ثقافية على المستوى الداخلي.
2.الانقسام غير المنسق للرأسمالية المعولمة
في هذا السيناريو تتطور مشاريع القومية على عكس ماحدث في ثلاثينيات القرن الماضي بدون برجوازية وطنية مهيمنة،ويتم أضعاف المؤسسات المتعددة الاطراف بشكل كبير من خلال اجراءات الدولة الثنائية ،لاسيما ترامب .وتتزايد التوترات الدولية .تآكل اسس المؤسسات بطبعة جديدة من أزمة كينزية منسقة وتعمل الايدولوجية القومية وتخدم بشكل متزايد كوسيلة لتجاوز التناقضات الداخلية.
ليس التراكم الرأسمالي بشكل عام وسياسة تخفيض العملة المحلية بشكل خاص هي المسؤولة عن ركود الاجور الحقيقية وانخفاض معدلات الاجور ،بل الممارسات التجارية غير العادلة للمنافسة الاجنبية ،التي من المفترض ان تنفذُ وصولاً سهلاًالى الاسواق مع حقوق ملكية فكرية قوية ،مستقلة.
ان التخطيط الصعب لانشطة تنظيم المشاريع فضلاً عن التفتيت وزيادات الاسعار في سلسلة التوريد العالمي يؤدي الى تطور عكسي جزئي عبر القومية ،و بمثابة هيكل احتواء ضد السياسة القومية .ولم تعد الفصائل العابرة للحدود القومية في كتلة السلطة قادرة عن التعويض لعجزها السياسي المتزايد ضد القومية الاستبدادية اليمينية ،هذا الذي اخذ يغير الآن في هيمنة منطق السياسة ـ الهياكل الاساسية للرأسمالية العالمية وإثارة الاضطرابات الاقتصادية مع عواقبها الاجتماعية المقابلة،في الثلاثينات كانت هناك نهضة ايدولوجية الاكتفاء الذاتي.ومع هذا التصعيد بين المنافسة الامبريالية تتقوض العدالة المناخية تماماً ،والجهود الوطنية المنفردة من حيث سياسة الانبعاثات تصبح عيباً تنافسياً وتشهد البلدان التي تعتمد على واردات الطاقة نهضة في انتاج الفحم المحلي والاشكال الاخرى الخطيرة من الاستخراج من باطن الارض.فأزمة المناخ تخرج من نطاق السيطرة ويؤدي تصاعد المنافسة الامبريالية على أسواق المواد الخام والمبيعات الى زيادة التهديدات والاعمال العسكرية وامكانية التصعيد.ونظراً لضعف اليسار ،فأن الانعكاس المفاجئ للعولمة في الجنوب العالمي لايحدث تعاوناً بين الجنوب وأنما كعملية فوضوية نسبياً،حيث يتم تقييد المستثمرين والصادرات الاجنبية المباشرة وتكثيف النزاعات الداخلية والذي يؤدي الى زيادة حالات التفكك لعدد من البلدان.
وبسبب الازمات الاقتصادية والمناخية تستمر حركة اللاجئين في الزيادة وتتحد دولاً عسكرياً في (تحالف الراغبين) وتعزل نفسها عن عواقب الصراعات الاقليمية العنيفة ،واصبحت الرأسمالية المقيدة بجزر الرخاء في بحر من الفوضى هدفاً سياسياً أكثر إنفتاحاً :العزلة القاسية وتقييد حقوق الانسان العالمية تقودها سياسة مؤدية الى أزمة الحلف الاطلسي لضعف الاتحاد الاوربي او بلدانها الفردية .
ان الحوادث التي تقع على حافة الامبراطورية الاميركية ولاسيما في غرب المحيط الهادئ ،في القطب الشمالي والغني بالموارد ،في الفضاء وفي النزاعات بالوكالة ،تجعل الحرب بين الولايات المتحدة الاميركية والصين أكثر وضوحاً ،فالمناخ القومي الاجتماعي،والانفصال العاطفي عن المعاناة الانسانية وتفتيت الطابع الحضاري داخلياً وخارجياً يخلق قبولاً بحتمية مثل هذه الحروب ،قد تغرق البشرية في الهمجية المطلقة.
3.الرأسمالية الخضراء الانسانية
تتزايد الانشقاقات في معكسر الحكومات الغربية وتتواصل مع مسألة ،كيف يمكن مواجهة صعود الصين وسياستها الصناعية النشطة؟ . أن المطالب بأنهاء سياسة التقشف تتزايد وتحاول المانيا اعادة أطلاق سياسة الصناعة الوطنية ولكن من منطلق وتسمية تنافسية ،ويمكن للهجوم الصناعي المضاد الاخضر في الغرب أن يخفف جزئياً من التنافس القسري مع الصين ،ليتم في غضون ذلك تخفيض تكاليف أزمة المناخ وخاصة من خلال الضرائب التراجعية على أستهلاك اللحوم أو استهلاك غاز ثاني أوكسيد الكاربون وبروح سيادة المستهلك الاخضر مع التكثيف على أتجاهات الازمة لمدار عقد من السنوات وخاصة أزمة المناخ وكذلك حركات اللاجئين المستمرة ،التي ذكرت في السيناريو السابق،فهل أصبحت الرأسمالية الخضراء أكثر أستبدادية ،فهي ضد زيادة الاحتجاجات اليمينية وضد الاحتجاجات اليسارية للطبقة السفلى.
4.صفقة العولمة الخضراء الجديدة
في أماكن عديدة يبدي اليسار غضبه من النزعة القومية الاستبدادية اليمينية في السلطة وشقها للسؤال الطبقي ،وبلغة سياسة عالمية وبالمعنى المناهض للعنصرية والنسوية ،وهي تفضل أكثر الجماعات تعرضاً للقمع في المجتمع الذين يحصلون على أدنى الاجور وظروف سكن غير جيدة والتنقل وغيرها وخلال هذا التشويه المستهدف ضد اليسار المناهض للتمييز ،لاتحمي سوى مجموعات معينة مثل اللاجئين والنساء والاقليات او المعوقين من قوانين السوق التي لاترحم ويخضع لها اي شخص آخر.
أن الحركات الطبقية الجديدة الموجهة منذ عام 2019 ضد تجاوزات التقشف والتسلط في العديد من دول العالم ومنها في الشرق الاوسط صامدة ،تريد أعادة السياسة الاقتصادية وقضايا عدم المساواة في الثروة العالمية ويتحول خط الصراع الاجتماعي بقوة اكبر حول مسألة التوزيع التي تفاقمت بشكل كبير بسبب تجدد الازمات الاقتصادية ويتم تشكيل تحالفات من قاع الوسط في مناطق الصراع المركزية في المجتمع الطبقي من قضايا الاسكان وتحسين الظروف المعيشية للجميع ولمستقبل متفائل ليضعف الخطاب المتشائم لليمين وأستبعاده واعادة التصور الذي كان لايمكن تصوره.
هناك تحولات في بعض الدول الى اليسار وعلى خلفية حركات النضال القاعدية ،وفي ظل هذه الظروف تحول الجناح الليبرالي الاخضر للبرجوازية منتقلا الى اليساروالجمع بينها وسياسة الاصلاح البيئي لتصبح قوة رائدة بمشاركة يسارية تحت شعار صفقة الخضر الجديدة وأنشاء تحالف للاصلاح الاجتماعي لاعادة الهيكلة الاجتماعية الايكولوجية.وعلى خلفية الحركات الاجتماعية المتزايدة في جنوب عالمنا وأيجاد معنى جديد للتعاون واهمية دور الصين المتزايد في نقل التكنولوجيا وتركيز جهود التكامل الاقليمي في الجنوب بشكل متزايد لاحتياجات المجتمع ككل.وتسعى مجموعات وطنية في تحقيق نجاح تزايد الحرية الدولية ويلعب اليسار الراديكالي المناهض للرأسمالية دوراً حاسماً وحين يشارك في سلطة الحكومة فلا يقود .
وعلى أية حال هناك أعادة توطين للبلديات وإضفاء الطابع الديمقراطي على عالم العمل ،لكنها لم تتأثر في المقابل في مجال السيطرة الخاصة على وسائل الانتاج ،ولازال عدم المساواة الاجتماعية ماثلاً ولم يجر الحد من الانبعاثات الضارة في مجال البيئة وتتطور النقاشات المجتمعية حول ذلك بشكل طبقي،ولاتتسم ظروف المعيشة والسكن والتعليم بالمساواة ،الا أن نضال الحركة العمالية اليسارية والنقابية في اماكن تواجدها تمتلك قوة تنظيمية عالية في نضالها الطبقي الحتمي.
أن أضفاء الطابع المؤسسي على السياسة اليسارية الموجهة نحو الصراع قد خلق نظاماً تقنياً جديداً قائماًعلى الدولة ، هي طبقة دولة يسارية جديدة لها تأثير في التسريحات والاصلاحات كما حدث في سبعينات القرن الماضي(الاجتماعيون الديمقراطيون)فرضوا ضغوطاً على أرباح رأس المال، فيما بعد حلت أزمة أخرى .
5.الاشتراكية الخضراء
يتشابه هذا السيناريو في تطوره مع السيناريو الرابع،لكنه يحدث تحت قيادة اليسار المناهض للرأسمالية معتمدةً في حركتها على الدول الصناعية المتطورة ،بامكانياتها الاقتصادية والسياسية واضعة برنامج أنتقال سياسي حقيقي ثوري هدفه التحول الاجتماعي ـالايكولوجي نحو أعادة هيكلة الدولة بديمقراطية دائمة ،تلعب أدوراً جديدة مختلفة من التنشئة الاجتماعية ،وبأشكال جديدة للملكية ،كقوة تعويض هيكلية لرأس المال.
اصبحت السيطرة على النظام المصرفي وربما بسبب الازمة المالية الجديدة و(عمليات الانقاذ المصرفي) وسيلة للرقابة على الاستثمار الاجتماعي ـ البيئي ويجري أضافة لذلك إنشاء هياكل ديمقراطية اقتصادية جديدة في الشركات عبر الوطنية ويعمل بتحالف مع هذه الدول نحو اشتراكية تدفع الى عملية تحول لسياسة صناعية خضراء مخططة بشكل ديمقراطي متعدد الاطراف ،مع تنظيم أممي صلب تنظم فيها هياكل الصرف دون توسط السوق ومنها على سبيل المثال السلع الاستهلاكية والمعرفة التكنولوجية.
أن الهدف من هذه الاشتراكية الخضراء هو التغلب الدائم والشامل للازمات المتعددة لتكون السيطرة الاجتماعية على وسائل الانتاج هي المفتاح ،ويتم تغيير انماط الانتاج والحياة بسرعة وبشكل جذري واعٍ،وبلاشك فإن أزمة المناخ تسببت في دمار شديد ،وأن الرعب الناجم عن القوة المدمرة ل 250 عاماً من المجتمع الرأسمالي البرجوازي كبيرُ، ينعكس في الحياة العامة وفي العلوم والفن والثقافة ،واصبح احتواء ازمة المناخ الآن هدفاً واقعياً ، وليبقى الجنس البشري من أجل الانسانية.
*إنغار سولتي :كاتب ألماني ،حاصل على دكتوراه في العلوم الاجتماعية من جامعة يورك في كندا ومهتم في مجالات الاقتصاد السياسي العالمي وعلوم السياسة الاجتماعية.
ترجمة : حازم كويي