ساندرز والانتخابات الأمريكية


خالد صبيح
2020 / 3 / 5 - 22:19     

تثار تساؤلات في العالم وفي الولايات المتحدة حول من سيكون مؤهلا لمواجهة ترمب وإسقاطه من مرشحي الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الامريكية لهذا العام بعدما انحصرت المنافسة بين مرشحين إثنين هما: جو بايدن، وبيرني ساندرز. إثر انسحاب بلومبيرغ، الملياردير الذي تقحم سباق الرئاسة معتمدا على ثرائه، بعدما اظهر مستوى هابطا في المناظرات بين المرشحين، وكذلك تلاشي حظوظ بقية المرشحين رغم أهمية بعضهم.

لا توجد مؤشرات واضحة ونهائية حول أي من المرشحين سوف يفوز، فالسجال الانتخابي مايزال مستمرا، لكن المعطيات تقول أن ساندرز يتقدم في حملته ببرنامجه ورؤيته الاشتراكية الديمقراطية، ويحقق نجاحات وأغلبية انتخابية وسط الشباب، الذين يوصفون بانهم أقل تأثرا بمفاهيم السياسة الأمريكية التقليدية، وأنهم ميالون الى إحداث تغيير في أصول اللعبة السياسية. بينما يحقق جو بايدن نجاحاته وسط الفئة التقليدية، او لنسمها الوسط ويمين الوسط. بيد أن نجاح بايدن غير مستبعد أيضا لأن تقليديي الحزب لايحبذون فوز ساندرز وربما لن يسمحوا به، وذلك لأسباب معروفة ويطول شرحها لها صلة بطبيعة النظام السياسي الامريكي. (الحزبان تقريبا هما وجهان لعملة واحدة).

والسؤال مَن من هذين المرشحين اكثر قدرة على مواجهة ترمب والإطاحة به؟

لا تبدو الاجابة سهلة. فنجاح أي منهم في مواجهة ترمب يتاثر بسمات طبعت الحياة السياسية الامريكية، فالمال، والشركات الراسمالية الكبرى، ولوبيات الضغط، ووسائل الإعلام، تلعب جميعها دورا كبيرا في اللعبة السياسية (الانتخابية) هناك، بالإضافة الى أن جميع الرؤساء، على الأقل في العقود الاخيرة، غالبا مايكملون دورتين رئاسيتين، ما يعني أن حظوظ ترمب بالفوز هي أكبر خصوصا إذا أضفنا لها دغدغته المستمرة لمشاعر الطبقة الوسطى البيضاء التي دعمته وكانت رافعته السياسية والإجتماعية، وماحققه بالنسبة لهذه الفئة، ضيقة الأفق، من (مكتسبات) بضخ الأموال في الاقتصاد الأمريكي وإنعاش سوق العمل فيه.

غيرأن برنامج ساندرز الواعد؛ والذي يتضمن تقليص الفوارق الاجتماعية برفع الضرائب على الأثرياء وتحقيق نظام صحي عادل وتطلع الى مجانية التعليم وغيرها من بنود برنامج الاشتراكية الديمقراطية بنسختها الاسكندنافية، التي عبر ساندرز عن اعجابه بها، هذا البرنامج الطموح يبدو مثيرا لاهتمام الأوساط الشعبية للطبقة الوسطى والعمال والشبيبة، كما أن شخصية ساندرز وخلفيته تقدم مبررا للثقة بإمكانية تحقيق هكذا برنامج، مايعني في نهاية المطاف نوع من التحول في النظر للواقع جرؤ ساندرز نفسه على وصفه بـ (الثورة).

وساندرز كمرشح رئاسي هو حالة استثنائية في تركيبة السياسة العليا في الولايات المتحدة فيها شيء من الفرادة. فهو صاحب خلفية يسارية اشتراكية منذ شبابه المبكر. قيل انه دخل الحزب الديمقراطي لكي يستطيع الترشح للرئاسة. وهو من أصل يهودي، تأثر، مثله مثل كثير من شباب اليهود بالدعاية الصهيونية والتحق بأحد كيبوتساتها في فلسطين المحتلة، لكنه انسحب منها باكرا عندما اكتشف، لحساسيته الثورية وحسه الانساني السليم، النزعة العنصرية والعدوانية في الحركة وصنيعتها دولة (اسرائيل). ومن المؤكد أن خلفيته هذه، معطوفة على موقفه حينما رفض حضور مؤتمر أيباك السنوي، الذي يتهافت مؤيدو إسرائيل، لاسيما الطامحين منهم للرئاسة، عليه، ناهيك عن تأييده لحق الفلسطينيين في اقامة دولتهم المستقلة، سيضعه في مواجهة مع اللوبي الصهيوني النافذ في أميركا ويزيد من الصعوبات في طريقه، ويقلل من حظوظه بالفوز.

لكن مع ذلك لا يمكن التكهن في المآلات النهائية للإنتخابات، فاللعبة السياسية هناك، كما يؤشر بعض المراقبين، لم تعد كما هي عليه من قبل، فقد حدثت بعض التغيرات في الأمزجة والوعي، ولهذا فإن المفاجآت ممكنة الوقوع، لاسيما وأن سابقة فوز ترمب كانت هي الأخرى مفاجأة، فمن كان يتوقع فوزه بالرئاسة بينما كل المؤشرات كانت تشير لعدم أهليته واستحقاقه؟

وفي ظل هكذا متغيرات و (تطورات) هل يجوز التساؤل هنا حول ما إذا كان صعود ساندرز يؤشر الى انتعاش جديد لليسار على خلفية فشل تجربة النيوليبرالية، التي تبوأت مشهد السياسة الدولي منذ فوز تاتشر وريغن مطلع الثمانيات، وما نتج عنها من تراجع في حقوق المواطنين في الخدمات والضمان وقضم دور الدولة في الرعاية الاجتماعية وتحقيق التنمية الداخلية في ما عرف بدولة الرفاه (الكينزية). وهل يمكن القول أن صعود الشعبوية واليمين المتطرف والنازي في السنوات الاخيرة في بلدان اوربية عديدة، رغم أنه اتخذ من معاداة الهجرة، وماتسببه من ارباكات داخلية، عنوانا له، هو زفرة موت أو بداية النهاية للنظم الليبرالية التي أنعشت بتوجهاتها أو أعادت ولادة مجتمعات العزل والكراهية والإحباط؟

ثم هل يمكن أن نربط، من غير يقين واضح، أفول هذا النمط الاجتماعي بأفول الاسلام السياسي، لاسيما المتشدد منه والإرهابي ( الذي هو ثمرة غير مباشرة لصعود هذا النمط)، والذي بات تحققه يلوح في الافق ووضع خاتمة له هي مسالة وقت ليس إلا؟

قد يبدو هذا الكلام محملا بالآمال والإسقاطات أكثر منه نظرة واقعية للواقع، لكن مايشفع له أو يبرره هو أن الحياة مليئة بالممكنات، وأن أشياء وتحولات ومفاجآت قد وقعت فيها وما كان أحد قد توقع حدوثها.

ولكي نقترب من الواقع والمنطق معا، ينبغي الإستدراك هنا بالقول أن التاريخ أثبت دائما أن للفرد أهمية في تطور الواقع وتغييره، وساندرز يقترب من سن الثمانين مع وضع صحي غير مطمئِن تماما (مشاكل في القلب) ما يعني أنه إن لم يفز بالرئاسة ويحقق ماوعد به، أو على الأقل وضع لبنات وأسس لتشكل وعي مجتمعي بالحقوق التي وضعها في برنامجه وأهميتها، فسوف تضمحل حظوظ تكرار الفرصة له في المستقبل، وبهذا ربما تضيع على أميركا فرصة تاريخية لن يجود بها الزمن والتاريخ من جديد.

فهل سيحقق المجتمع الامريكي نقلة نوعية في واقعه، تأخرت لأكثر من قرن، وينتخب اشتراكيا ديمقراطيا مثل ساندرز يغير وجه أمريكا، ويضع قدمها على عتبة منعطف تاريخي يشكل تحولا مستقبليا يغير وجهها الذي عرفت به، أم أنه يبقى مجتمعا خاملا يكرر نفسه في دائرة مغلقة؟

بالمناسبة هذه هي المرة الأولى تقريبا التي أتابع فيها الانتخابات الامريكية، فلم تكن تثير اهتمامي من قبل، وطالما كانت بالنسبة لي، كمواطن يعيش أوحال الحياة في منطقة الشرق، ويتلقى كوارث السياسة الامريكية فيه، لعبة سمجة غير مسلية ولا نافعة.

أما إذا فاز ساندرز فسيكون هو أول رئيس أمريكي ينال اعجابي و احترامي.