ماهي الماسونية


محمد مدحت مصطفى
2020 / 3 / 5 - 02:40     

أصل لفظ الماسونية يعني البنّاء الحر ومن ثم فالماسونيون هم البناءون الأحرار، والماسونية تنظيم رغم علانية وجوده في بعض الدول إلا أنه تنظيم سري عالمي، له طقوسه وقواعده الخفية وتركيبته صارمة وهياكله التنظيمية شديدة السرية والتعقيد وهو تنظيم متهم بأنه يدير العالم عبر محافله السرية التي تضم قيادات وشخصيات من جميع بلاد الدنيا تحت شعارات أخلاقية. تأسست الماسونية على يد هيرودس أكريبا عام 44م، وهو من ملوك الرومان، بمساعدة مستشاريه اليهوديين حيران أبيود، نائب رئيس المنظمة، وموآب لامي، كاتم سر أول المنظمة. من الناحية التاريخية للماسونية في مصر نجد أنها بدأت منذ القرن الرابع الميلادي، من خلال لوحتين رسمهما فنان مصري مسيحي اسمه اسحاق فانوس على الجدارية المعلقة علي جدران كنيسة الأنبا ريوس ببطريركية الأقباط الأرثوذكس بالعباسية.


اللوحة الأولى للأب باخوم والثانية للأب كيرلس، واللوحة الأولى ملونة "متر وعشرون سم في أربعين سم" وكتب تحتها بالقبطية الأب باخوم أبو المديرية، وهي تمثل الأب باخوم (292م 347م) يمسك بيساره لفافة يمكن التخمين بأنها تحمل كلمات من الكتاب المقدس، وفي اليد اليمني أمسك بالزاوية والفرجار، ولذلك فهي تثير الكثير من التساؤلات التي تحتمل العديد من الإجابات عنها، فمن المعلوم أن الزاوية والفرجار لم يمثلا يوماً رموزاً مسيحية، ولا تعطيهما المسيحية أي قداسة، فلماذا يصور الأب باخوم بالرموز الماسونية؟ ولأول وهلة يمكن أن نحكم علي الأب باخوم بالماسونية، وبالتالي ندلل بذلك علي وجود الماسونية في مصر في العصر البيزنطي، أما اللوحة الثانية فمرسوم عليها الأب كيرلس بطريرك الإسكندرية في الفترة (384م 412م) في كنيسة العذراء، وهي إحدى الكنائس التي تخدم الأرثوذكس المصريين في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية وهو يتكئ علي عامود قصير من الطراز الروماني، وهو تقليد غير متبع في تصوير القديسين بالفن المسيحي، لكنه متبع في تصوير الأساتذة العظام في الماسونية، فالعامود رمز مهم من رموز الماسونية. والملاحظ هنا أن القاسم المشترك بين اللوحتين هو من رسمهما وهو إسحاق فانوس، مما يجعلنا نرجح أن فانوس ماسوني أخذته الحماسة الماسونية حتي صور الأب باخوم والأب كيرلس بالرموز الماسونية. ويُعد أول تواجد ملموس ومؤكد في مصر للماسونية العلمية بعد ذلك، أثناء إنشاء جامع بن طولون، الذي تم بناءه سنة 879م على يد المهندس سعيد بن كاتب الفرجاني، وهو مهندس قبطي من الشرقية، أوكل إليه بناء الجامع فاستعان ببعض البنائين الأوروبيين الذين وصفهم بالأعزاء، اتضح فيما بعد أنهم من الماسونيين الهاربين من بطش سلطات دينية في بلادهم. ويرى بعض المؤرخين أن الماسونية من حيث مبادئها وتعاليمها مصرية الأصل، الأمر الذي حمل بعضهم إلي القول بأن الجمعية الماسونية فرع من الكهانة المصرية. الانضمام للماسونية ليس حكرا على أبناء دين معين، ولطالما ارتبطت الماسونية بالرموز، والإشارات، وهي كثيرة، مثل الفرجار والزاوية الذين يمثلان الطبيعة الأخوية للماسونية. وغالبا ما يشاهد داخل الفرجار والزاوية رمز آخر هو النجمة أو القمر أو الشمس أو العين أو الحرف اللاتيني G. أما الحرف G فيقال إنه يمثل أول حرف من كلمة God أي الله، فالماسونيون ملزمون بالإيمان بوجود كائن يسمونه مهندس الكون الأعظم وإن كانوا لا يطلقون عليه اسم الله. أما العين داخل الفرجار والزاوية فتسمى العين التي ترى كل شيء، ويقول الماسونيون إنها تشير إلى الاعتقاد بـأن الله يستطيع أن يسبر ببصره أغوار قلوب وأنفس الناس.
الصفوة في المحفل
أدرك جمال الدين الأفغاني دور التنظيم وأهميته في حركة التغيير، وكانت الحركة الماسونية حينئذ ذات سمعة حسنة، فهي ترفع شعار الثورة الفرنسية حرية إخاء مساواة وتسعى لفصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية، كما كانت تضم صفوة المجتمع، بصرف النظر عن الجنس والدين مما جعله ينضم للمحفل، ولكنه عندما دعا قيادات المحفل لتطبيق شعاراته قالوا إن الماسونية لا دخل لها بالسياسة، فقاد الأفغاني التمرد ضد المحفل الغربي، وتسبب بحدوث انشقاق داخل المحفل الماسوني بمصر.


وخرج الأفغاني وعدد من أنصاره من المحفل وأسس معهم محفلا ماسونياً شرقيا ارتبط بعلاقات مع المحفل الفرنسي، نظرا لمناوأة الفرنسيين لأطماع الإنجليز بمصر وفي هذا المحفل، تكونت القيادات التي لمعت في مصر وقادت الثورة العرابية، ومنهم أحمد عرابي ومحمود سامي البارودي وعبد السلام ومحمد عبده وسليم نقاش وأديب إسحق وعبد الله النديم. وفي التاريخ المصري الحديث، يقال إن أسماء كثيرة انضمت إلى الماسونية، أبرزهم جمال الدين الأفغاني- الشيخ محمد عبده- الزعيم محمد فريد- إبراهيم ناصف الورداني قاتل بطرس نيروز غالي- الزعيم سعد زغلول- الخديوي توفيق- الأمير عبدالحليم- الأمير عمر طوسون- الأمير محمد علي- المفكر الإخواني سيد قطب- أحمد ماهر باشا- محمود فهمي النقراشي- مصطفي السباعي أحد قادة الإخوان- عبدالخالق ثروت- فؤاد أباظة- خليل مطران- إسماعيل صبري- حفني ناصف- حسين شفيق المصري- اللواء عزيز المصري الأب الروحي للضباط الأحرار. قام الخديوي توفيق بتكليف ناظره للحقانية حسين فخري باشا لينوب عنه في رئاسة المحفل. وفي عام 1890م طلب الخديوي توفيق إعفاءه من الرئاسة العملية في المحفل الأكبر الوطني المصري ليتولاها غيره من أبناء الشعب تشجيعاً لهم، وعقد أعضاء المحفل الأكبر اجتماعاً في 9 يناير سنة 1890، وانتخبوا رئيساً جديداً هو إدريس بك راغب. وإدريس باشا راغب هو ابن إسماعيل باشا راغب، كان في عهد الوالي سعيد باشا، وفي عصر الخديوي إسماعيل تقلد إسماعيل راغب منصب باشمعاون رئاسة الوزراء ثم أصيب بشلل نصفي وتقاعد بعد غضب الخديوي عليه، وبدأ إدريس راغب عمله صحفيا يراسل جريدة المقتطف بمقالات رياضية وعلمية، ثم انضم إلي المحفل الماسوني وحصل علي درجة أستاذ معلم في محفل مصر ثم تولي رئاسة المحفل الأكبر الوطني المصري. ونمت الماسونية في عهد رئاسته، وكثرت محافلها حتي صار عددها أربعة وخمسين محفلاً، منها محفلان تأسسا علي اسمه، وهما محفل إدريس رقم 43، ومحفل راغب رقم 51، وكان تولي إدريس راغب لمنصبه يمثل دفعة قوية للماسونية في مصر، فذلك الثري البارز والماسوني المتحمس لماسونيته كرس كل طاقاته وأمواله لصعود الماسونية المصرية، وأصبح يسيطر بحرص علي طرق عمل المحافل، وعلاقتهم بالمحافل الأخرى، وبصفة خاصة الإنجليزية منها لمدة خمس وعشرين عاماَ، وكان من أهم مصادر التمويل لدي الماسونية في مصر، إلا أنه عندما هبطت ثروته التي أنفقها كلها علي المشروعات الماسونية ضعفت سطوته مما جرأ بعض تابعيه في المحافل لعمل بعض المخالفات.