الكاتب لا يسمح بالتعليق على هذا الموضوع


عبدالرزاق دحنون
2020 / 3 / 1 - 17:27     

تقرأ هذه العبارة المشهورة في "الحوار المتمدن" بصمت، فتصدمك، تتأملها جيداً، تحاول تفسيرها، تستحضر في ذهنك كل الاحتمالات، ولكنك تفشل في إيجاد "العقلانية" التي تدفع كاتب الموضوع الذي لا يسمح للقراء بالتعليق على موضوعه في صفحات "الحوار المتمدن"، فتذهب إلى سطور الموضوع الذي لا يحق لك التعليق عليه، تقرأ، فتخرج من المعركة خاسراً. هل يرى كاتب الموضوع بأنه يخوض معركة مع القراء فعلاً؟ وإذا كانت معركة حقيقية، فتسأل نفسك: لماذا يمنع هذا الكاتب القراء من التعليق على موضوعه، ويجردهم بذلك من سلاحهم قبل بدء المعركة. هل يحاول بذلك كسب معركة لم يخضها؟ وما الفائدة من ذلك؟ تنظر في صورة الكاتب المرفقة-إن كانت هُناك صورة- لعلك تقرأ ما في ملامح وجهه، لا تجد ما يلفت النظر، لأن أغلب الصور قديمة أكل الدهر عليها وشرب، ولا تفيدك موهبة الفراسة التي فقدنا الكثير من ملامحها في عصرنا الأغبر هذا.

تترك كاتب الموضوع في صفحة الانتظار وتذهب إلى سيرته الذاتية إن وجدت: موطنه، عمره، تحصيله العلمي، مقالاته، كتبه إن كان مؤلفاً، فكره، أو أيديولوجيته، موقفه من الناس والحياة، فلا تجد جديداً يرشدك إلى هدفك. بقي في جعبتك-كوننا في معركة- محرك البحث في شبكة المعلومات العالمية، لعل وعسى تحصل بعد جمع وطرح وتقسيم وضرب أخماس في أسداس على جواب. تكتب اسم الكاتب واضحاً صريحاً في محرك البحث، لا جواب. ولكنك، بالمصادفة، تجد له صورة حديثة، فتصدم مرة أخرى، بصورة الكاتب الحديثة هذه، وتحار في تفسيرها وقراءة ملامحها، وتحار في أمرك من جديد، كحيرتك حين يطلب أحدهم أن تعطيه الجذر التربيعي للعدد صفر مكعَّب.

ما العمل يا لينين؟

لا بد من الاعتماد على مخزونك المعرفي في هذا الموقف المحرج، ومن ثمَّ تعود إلى السؤال من جديد: لماذا يمنع كاتب الموضع قراء الموضوع من التعليق على الموضوع؟ هذا هو موضوعنا.

نسبةٌ لا بأس بها ممن يكتب على صفحات "الحوار المتمدن" يعشق عبارة "الكاتب لا يسمح بالتعليق على هذا الموضوع" فيختارها هكذا ببساطة متناهية، لا يريد وجع الرأس، والقال والقيل، وخود وهات، وشتيمة هُنا، وقلَّة ذوق هُناك. فالقراء من مشارب مختلفة، وكل إناء بما فيه ينضح، والعامة أو الغوغاء أو الدهماء أو الرعاع أو رجل الشارع، يشتمون بألفاظ غليظة فاضحة عارية، كما كانت تفعل الشخصيات المرسومة في كاريكاتير ناجي العلي، فاطمة وحنظلة ومحمد وجورج وموسى، هذا ديدنهم، لذلك يقول الكاتب المثقف رقيق الحواشي، مرهف الإحساس، "أبو المعرفة وأمها": مالي ووجع الرأس هذا " الباب الذي تأتيك منه الريح سده واستريح". والصحيح أن هيئة تحرير "الحوار المتمدن" هي من وضعت هذه الخدمة في الخدمة، ولكنها تركت لك حرية الاختيار، بمعنى فتحت لك باباً من أبواب "الديمقراطية" لأنه "حوار متمدن" وعندما تختار عبارة" الكاتب لا يسمح بالتعليق على هذا الموضوع" دائماً، تكون بعملك هذا قد اخترت نهجاً مخالفاً لما قصده صاحب "الحوار المتمدن". يا سيدي يقول ابن الرومي:

امامك فانظرْ أيّ نهجْيك تنهجُ
طريقان شتى: مستقيم واعوجُ

تقول بينك وبين نفسك: اخترتُ-الحمد لله- نهجاً، طريقاً، سليماً مستقيماً. لا يا سيدي لم تختر طريقاً سليماً مستقيماً، بل اخترت طريقاً أعوجاً، نهجاً لا يمتُ إلى حقيقة "الحوار المتمدن" بصلة، وفوق ذلك، تسير فيه بخطوات عرجاء أيضاً، وتستعين في سيرك بعكاز خشبي يُعيق السير أكثر مما يساعده، فانت تريد تعليقاً يمدحك وموضوعك وتأنف من تعليق "العامة" الفاضح الجارح، وتخاف منهم ومن لسانهم على مشاعرك المرهفة، فتحجر على حقهم في نقدك وشتمك، وأنت بذلك تُقلد ما يفعله الحكام في قصورهم المشيدة، فانظر أيَ نهجيك تنهج، ومن ثمَّ تظن نفسك في معركة السباق بين الأرنب والسلحفاة. هل نسيت نتيجة السباق؟ نعم، لقد فازت السلحفاة البطيئة المتواضعة وخسر الأرنب العدَّاء المغرور.

ما هو رأيك وموقفك أيها الكاتب "المثقف" الذي يحجر على القراء التعبير عن مشاعرهم فيما يكتب؛ بأن لا أسمح -أنا الآخر- بالتعليق على هذا الموضوع، لي حرية الاختيار في هذا "الحوار المتمدن".