نقد لجوانب من المنهج الخوجي المثاليّة الميتافيزيقيّة المناهضة للمادية الجدلية و الماديّة التاريخيّة - الفصل الثاني من بحث - وثائق المؤتمر الخامس لحزب العمّال التونسي تبيّن بجلاء أنّه حزب تحريفي إصلاحي لا غير -


ناظم الماوي
2020 / 2 / 29 - 00:24     

نقد لجوانب من المنهج الخوجي المثاليّة الميتافيزيقيّة المناهضة للمادية الجدلية و الماديّة التاريخيّة - الفصل الثاني من بحث
" وثائق المؤتمر الخامس لحزب العمّال التونسي تبيّن بجلاء أنّه حزب تحريفي إصلاحي لا غير "
--------------------------------------------
" إن الثورة الشيوعية تقطع من الأساس كل رابطة مع علاقات الملكية التقليدية ، فلا عجب إذن إن هي قطعت بحزم أيضا ، أثناء تطورها ، كل رابطة مع الأفكار و الآراء التقليدية ."
( ماركس و إنجلز ، " بيان الحزب الشيوعي " )
------------------------------
" هذه الإشتراكيّة إعلان للثورة المستمرّة ، الدكتاتوريّة الطبقيّة للبروليتاريا كنقطة ضرورية للقضاء على كلّ الإختلافات الطبقية ، و للقضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها و للقضاء على كلّ العلاقات الإجتماعية التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و للقضاء على كلّ الأفكار الناجمة عن علاقات الإنتاج هذه ".

( كارل ماركس ، " صراع الطبقات فى فرنسا من 1848 إلى 1850" ، ذكر فى الأعمال المختارة لماركس و إنجلز ، المجلّد 2 ، الصفحة 282 )
-----------------------------------
" يحدث الآن لتعاليم ماركس ما حدث أكثر من مرّة فى التاريخ لتعاليم المفكّرين الثوريّين و زعماء الطبقات المظلومة فى نضالها من أجل التحرّر . ففى حياة الثوريّين العظام كانت الطبقات الظالمة تجزيهم بالملاحقات الدائمة و تتلقّى تعاليمهم بغيظ وحشيّ أبعد الوحشيّة و حقد جنونيّ أبعد القحّة . و بعد وفاتهم تقوم محاولات لجعلهم أيقونات لا يرجى منها نفع أو ضرّ ، لضمّهم ، إن أمكن القول ، إلى قائمة القدّسيّين ، و لإحاطة أسمائهم بهالة ما من التبجيل بقصد " تعزية " الطبقات المظلومة و تخبيلها ، مبتذلة التعاليم الثوريّة بإجتثاث مضمونها و ثلم نصلها الثوري . و فى أمر " تشذيب " الماركسيّة على هذا النحو تلتقى الآن البرجوازيّة و الإنتهازيّون داخل الحركة العمّاليّة . ينسون ، يستبعدون، يشوّهون الجانب الثوريّ من التعاليم ، روحها الثوريّة . و يضعون فى المقام الأوّل و يطنبون فى إمتداح ما هو مقبول للبرجوازية أو يبدو لها مقبولا ."
( لينين ، " الدولة و الثورة " )
-----------------------------------
" إنّ ديالكتيك التاريخ يرتدى شكلا يجبر معه إنتصار الماركسيّة في حقل النظريّة أعداء الماركسيّة على التقنّع بقناع الماركسيّة. "
( لينين ، " مصائر مذهب كارل ماركس التاريخيّة " )
--------------------------------------
" إنّ الإستعاضىة عن الدولة البرجوازية بدولة بروليتارية لا تمكن بدون ثورة عنيفة "

( لينين ، " الدولة و الثورة " – الصفحة 23 )
----------------------------------
" إنّ الماركسيّة هي أيضا تطوّرت في غمرة النضال . ففي بادئ الأمر كانت الماركسيّة تصطدم بهجمات من كلّ نوع و تعتبر عشبة سامة . و هي في الوقت الحاضر و في أجزء شتّى من العالم ما تزال تتعرّض للهجمات و تعتبر عشبة سامة ..."
( ماو تسى تونغ ، " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات بين صفوف الشعب " )
-------------------------------------
" إن الجمود العقائدى و التحريفية كلاهما يتناقضان مع الماركسية . و الماركسية لا بد أن تتقدّم ، و لا بد أن تتطور مع تطور التطبيق العملى و لا يمكنها أن تكف عن التقدم .فإذا توقفت عن التقدم و ظلت كما هي فى مكانها جامدة لا تتطور فقدت حياتها ، إلا أن المبادئ الأساسية للماركسية لا يجوز أن تنقض أبدا ، و إن نقضت فسترتكب أخطاء . إن النظر إلى الماركسية من وجهة النظر الميتافيزيقة و إعتبارها شيئا جامدا، هو جمود عقائدي ، بينما إنكار المبادئ الأساسية للماركسية و إنكار حقيقتها العامة هو تحريفية . و التحريفية هي شكل من أشكال الإيديولوجية البرجوازية . إن المحرفين ينكرون الفرق بين الإشتراكية و الرأسمالية و الفرق بين دكتاتورية البروليتاريا و دكتاتورية البرجوازية. و الذى يدعون اليه ليس بالخط الإشتراكي فى الواقع بل هو الخط الرأسمالي ."
( ماو تسي تونغ ، " خطاب فى المؤتمر الوطنى للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية " ، 12 مارس/أذار 1957 ؛ " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " الصفحة21-22)


" إنّ الإستيلاء على السلطة بواسطة القوة المسلّحة ، و حسم الأمر عن طريق الحرب ، هو المهمّة المركزية للثورة و شكلها الأسمى . و هذا المبدأ الماركسي - اللينيني المتعلّق بالثورة صالح بصورة مطلقة ، للصين و لغيرها من الأقطار على حدّ السواء ".

( ماو تسى تونغ ، " قضايا الحرب و الإستراتيجية " نوفمبر- تشرين الثاني 1938؛ المؤلفات المختارة ، المجلّد الثاني )

" فى عالم يتميّز بإنقسامات طبقية ولامساواة إجتماعية عميقين ، الحديث عن " الديمقراطية " دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية ، بلا معنى وأسوأ. طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات ، لن توجد " ديمقراطية للجميع " : ستحكم طبقة أو أخرى وستدافع عن وتروّج لهذا النوع من الديمقراطية الذى يخدم مصالحها و أهدافها. المسألة هي : ما هي الطبقة التى ستحكم وإذا ما كان حكمها ونظام ديمقراطيتها، سيخدم تواصل أو فى النهاية القضاء على الإنقسامات الطبقية و علاقات الإستغلال والإضطهاد و اللامساواة المتناسبة معه ."
(بوب أفاكيان ، " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " ، المقولة 22 من الفصل الأوّل ، ترجمة شادي الشماوي ، مكتبة الحوار المتمدّن )
----------------------------
كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعية.

( " بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره "، فصل من كتاب " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة " ، 2005)
مقدّمة :
في إطار جهدنا الدؤوب الذى لا يعرف الكلل للقيام بالواجب الشيوعي الثوريّ الذى من أوكد مهامه في الوقت الراهن نقد و تعرية التحريفيّة و الإصلاحيّة بوجه عام و تحريفيّة و اصلاحيّة المتمركسين في القطر و عربيّا بوجه خاص للتحرّر من براثنهما و نشر الشيوعية الجديدة كإطار نظري جديد للمرحلة الجديدة من الثورة البروليتارية العالمية ، تتنزّل هذه القراءة النقديّة الماركسية لوثائق المؤتمر الخامس لحزب العمّال الذى إنعقد في ديسمبر من سنة 2018 ؛ وهي ليست باكورة أعمالنا بهذا المضمار بل هي مواصلة و تتمّة و تتويج لمقالات سابقة صغناها للغرض نفسه و شملت نقدا لكتابين للناطق الرسمي باسم هذا الحزب و لم نتركها حبيسة الرفوف.
و يقوم بناء هذه القراءة النقدية الجديدة على ما نعدّه من أهمّ المسائل في الخطّ الإيديولوجي و السياسي لهذا الحزب ، أي على الأعمدة التالية التي سنتناول بالبحث بالقدر اللازم في هذا المقام ، دون إسهاب أو إطناب :
دحض أسس الهجوم المسعور الرجعي المتواصل على الماويّة :-I
1- هجوم مسعور على الوقائع و الحقائق التاريخيّة الماويّة و على علم الشيوعية
2- الوقائع محلّيا و عالميّا أثبتت و تثبت صواب الأطروحات الماويّة و خطل الترّهات الدغمائيّة التحريفيّة الخوجيّة لحزب العمّال
نقد لجوانب من المنهج الخوجي المثاليّة الميتافيزيقيّة المناهضة للمادية الجدلية و الماديّة التاريخيّة :-II
1- الإطلاقيّة المثاليّة الميتافيزيقيّة
2- لا حتميّة في النظرة الماركسيّة الأرسخ علميّا
3- قراءة غير مادية جدليّة لمسألة ستالين و الإنقلاب التحريفي فى الإتّحاد السوفياتي
الهدف الأسمى هو الشيوعيّة و ليس الإشتراكيّة : -III
1- شيء من اللخبطة الفكريّة لدى حزب العمّال التونسي في علاقة بالشيوعيّة
2- الثورة و دكتاتوريّة البروليتاريا في الخطّ التحريفي و الإصلاحي لحزب العمّال التونسي
3- الشيوعيّة و ليست الإشتراكية هي الهدف الأسمى للحركة الشيوعية العالميّة
مزيدا عن تحريف حزب العمّال للمفهوم الماركسي للدولة :-IV
1- الدولة الجديدة و الجيش و الأمن وفق الفهم التحريفي الخوجي لحزب العمّال
2- مغالطات بصدد دولة الإستعمار الجديد بتونس
3- الدولة و الدكتاتوريّة بين الفهم الماركسيّ و الفهم التحريفي
مرّة أخرى ، ثورة أم إنتفاضة شعبيّة ؟-V
1- نقاش طفيف لشعار " المؤتمر الوطني الخامس " ، " إلى الثورة "
2- دفاع مستميت عن كونها ثورة و إعترافات بنقيض ذلك ، بأنّها ليست ثورة !
3- الثورة و تحريف حزب العمّال للينينيّة
4- الفهم الماركسي الحقيقي للثورة و تداعياته
- لخبطة فكريّة و مغالطات و بثّ للأوهام البرجوازيّة :VI
1- لخبطة فكريّة بشأن طبيعة الثورة في تونس
2- مغالطات بيّنة بشأن القضاء على الإستبداد و بشأن لجان حماية و الجبهة الشعبيّة
3- تهافت تكتيك الحرّيات السياسيّة
حزب العمّال التونسي حزب خوجي تحريفي إصلاحي على حافة الإنهيار :-VII
1- خطاب ليبالي برجوازي
2- مزيدا عن التفسّخ الإيديولوجي لحزب العمّال
3- حزب مفلس و على حافة الإنهيار
--------------------
و هذه النقاط المحوريّة مرفوقة بخاتمة مقتضبة غاية الإقتضاب .
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------
II- نقد لجوانب من المنهج الخوجي المثاليّة الميتافيزيقيّة المناهضة للمادية الجدلية و الماديّة التاريخيّة

تكشف قراءة متأنّية و عميقة لكتاب حزب العمّال التونسي ، " المؤتمر الوطني الخامس ..." أنّه موشّى بمنهج مناهض للمادية الجدليّة و بالتالى منافي للماركسية نعرّى بشكل مباشر بعض مظاهره في ما يلى من نقاط :
1- الإطلاقيّة المثاليّة الميتافيزيقيّة :
من تجلّيات الإطلاقيّة المثاليّة الميتافيزيقيّة لدى قادة هذا الحزب نقتطف لكم باقة من الجمل التي إصطفينا لأنّها معبّرة جدّا نرفقها بتعليقات مقتضبة . فهو يتحدّث في الصفحة 38 عن " إجهاز نهائي " و " السيطرة بالكامل " و في الصفحة 39 عن " السيطرة المطلقة على المجتمع " و في الصفحة 51 عن " إجهاض المسار الثوري كلّيا " و في الصفحة 53 عن " الحسم النهائي " وفى الصفحة 96 عن " الإنتصار النهائيّ " و في الصفحة 111 عن " إنتصار نهائي " و عن " حسم المعركة نهائيّا لصالحها " و في الصفحة 113 عن " كلّ الطراف " و هكذا دواليك .
ما إنفكّ واضعو الكتاب الذى ننقد يستخدمون الإطلاقيّة المنبثقة عن تعابير منها نهائي و كلّي و تنويعاتهما و ما شابهها في حين انّ الماديّة الجدليّة تعلّمنا أنّ لا شيء نهائي بل كما أكّد لينين في مؤلّفه الناقد لمذهب النقد التجريبي " المادية و المذهب النقدي التجريبي "، العالم مادة في حركة و الحركة مطلقة و بالتالى لا شيء نهائي . وحدها المثاليّة الميتافيزيقيّة تؤمن بعكس ما أكّده لينين و اكّده العلم فهي تعتقد في أنّ الأشياء نهائيّة و مطلقة لا يطالها التحوّل و التغيّر المستمرّين.
و قد ورد بالصفحة 157 : " في خضمّ هذه الأوضاع الصعبة و المعقّدة على كافة الأصعدة و المستويات ، ... مخاطر الإجهاز النهائيّ على المسار الثوري من قبل التحالف الطبقي و السياسي السائد ..." . و على الضد من هذه الخزعبلات الإطلاقيّة الخوجيّة ، أكّد ماو تسى تونغ بنظرة ماديّة جدليّة نافذة حقيقة أنّه " حيث يوجد إضطهاد توجد مقاومة " فلا وجود لإجهاز نهائي على المقاومة ما دام هناك إضطهاد . قد تكسب الرجعيّة معاركا و حروبا لكن الصراع و النضال سيستمرّ بطرق شتّى . هذا قانون ماركسي مادي جدلي ما فتأت مجريات الصراع في المجتمعات الطبقيّة تؤكّده و تعيد تأكيده و تسفّه في الآن نفسه الإطلاقيّة المثاليّة الخوجيّة غير أنّ حزب العمّال يتشبّث بالأوهام تشبّث الغريق بقشّة و لا يدعها تنقشع !
و جاء بالصفحة 194 : " إنّ وحدة التنظيم شرط لا غنى عنه بصفة مطلقة ..." . لا أبدا هذه مثاليّة ميتافيزيقيّة و ليست ماديّة جدليّة فالوحدة ، ماديّا جدليّا ، مؤقّتة و نسبيّة أمّا الصراع فهو المطلق . و ضد الوحدة نجد الصراع و يتكلّم الماديّون الجدليّون عن وحدة أضداد بين الوحدة و الصراع و الصراع هو المطلق و ليست الوحدة التي إذا ما أريد ان تكون ثوريّة ينبغي أن تقام على الحقيقة و الخطّ الإيديولوجي و السياسي الصائب و لذلك ينبغي الصراع من أجلها و إن صار الحزب في جانبه الرئيسي تحريفيّا ، وجب على الشيوعيين و الشيوعيّات الحقيقيّين ، الثوريّين ، كسر الوحدة وإنشاء حزب جديد، لا البقاء في وحدة مع الحزب الذى بات تحريفيّا أي برجوازي التوجّه في مظهره الرئيسي المحدّد لطبيعته . و هذا ما فعله الماركسيّون – اللينينيّون خلال ستّينات و سبعينات القرن الماضي ليشكّلوا الحركة الماركسيّة – اللينينيّة العالميّة بقيادة الحزب الشيوعي الصينين و على أرضيّة الوثيقة الماويّة " إقتراح حول الخطّ العام للحركة الشيوعية العالميّة ". فأين حزب العمّال من الماركسيّة – اللينينيّة الحقيقيّة ؟ !
و ضمن " لائحة فلسطين " ( ص 238 ) ، يجرى الكلام عن " القدس عاصمة أبديّة لدولة فلسطين العربيّة الموحّدة ، الديمقاطية و العلمانيّة ". ( ص 239 : " المجد للقدس عاصمة أبديّة لدولة فلسطين العربيّة " ). شيوعيّا ، لا يعدو هذا أن يكون هراء مثاليّا . فمرّة أخرى لا شيء أبديّ ، أزلي ، سرمدي ، كلّ شيء مادة في حركة و بالتالى ساحبين هذه الحقيقة الماديّة الجدليّة على موضوع الحال نقول إنّه لا يمكن ان تكون القدس " عاصمة أبديّة لدولة فلسطين " لأسباب عدّة . قبل كلّ شيء ثمّة من يزعم الآن أنّ هناك بعدُ دولة فلسطين أو سلطة فلسطينيّة و القدس ليست عاصمتها ! ثمّ ، من يستبعد تغيير الفلسطينيّين أنفسهم لعاصمة دولتهم الموحدّة ، إن وُجدت مستقبلا ، لا يفقه شيئا من التاريخ فالعواصم تتغيّر لشتّى الدوافع و لا يمكن الحديث عن " عاصمة أبديّة " من وجهة نظر ماديّة جدليّة و ماديّة تاريخيّة . و إلى ذلك ، شيوعيّا ، الأمميّة هي نظرة الشيوعيّات و الشيوعيّين و الشيوعيّة كهدف أسمى و كمجتمع عالمي تضمحلّ فيه الدول و الطبقات ، فكيف يدعو من يزعم الشيوعيّة ، كحزب العمّال، إلى أبدية دولة فلسطين في تناقض صارخ مع النظرة الشيوعية للعالم ؟!
2- لا حتميّة في النظرة الماركسيّة الأرسخ علميّا :
ضمن البرنامج العام و تحديدا بالصفحة 132 ، نعثر على جمل تطمس الفهم المادي الجدلي و تعلى راية الحتميّة المثاليّة الميتافيزيقيّة : " ... و بالرغم من حتميّة إنتصار الحركة الثوريّة البروليتاريّة و من كونها حركة صاعدة فهي تشقّ طريقها عبر الصعوبات و إحتمال الإنتكاسات و الثورات المضادة ". و مع نهاية الصفحة 185 ، تصاغ جملة تنطوى على الكلمات التالية : " الثورة الإجتماعيّة البروليتاريّة كخطوة حتميّة نحو الإشتراكية فالشيوعية ".
و حينئذ نرى بالملموس كيف يكرّر حزب العمّال دون تفكير نقدي خطأ شائعا في صفوف الحركة الشيوعية العالمية منذ نشأتها شخّصته و نقدته الشيوعية الجديدة و مهندسها بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية و قد ناقشناه في عدد من جدالاتنا السابقة . و نظرا إلى كون مسألة الحتميّة مسألة فلسفيّة تكتسى طابعا عالميّا و تحتاج بعض التفصيل ، نعيد على أنظار القرّاء ما خطّه قلمنا من فقرات بهذا الصدد في أعمالنا الأخرى و منها على سبيل المثال ، ما حبّرنا في النقطة الرابعة من الفصل الثالث من كتابنا " تعرية تحريفيّة حزب النضال التقدّمي و إصلاحيّته ، إنطلاقا من الشيوعيّة الجديدة ، الخلاصة الجديدة للشيوعيّة " :
" فى معرض بحثه و تنقيبه فى تاريخ الحركة الشيوعية العالمية و تجارب البروليتاريا التاريخيّة للتوصّل إلى الخلاصة الجديدة للشيوعيّة ، شخّص بوب أفاكيان مرضا من أمراض الحركة الشيوعية منذ " بيان الحزب الشيوعي " ألا و هو مرض الحتميّة بما يعنى من تصوّر أنّ الشيوعية آتية لا محالة و أنّ قوّة التاريخ ستفرضها فرضا رغما عن الجميع . و هذا تصوّر مثالي لا يعكس الحقيقة و قد أثبتت معطيات التطوّر التاريخي للقرن العشرين خطله إذ أنّ الإشتراكية و الشيوعية لن يتأتّيا إلاّ بعمل واعي للشعوب بقيادة الشيوعيين و نشدّد على العمل الواعي لأنّ الرأسماليّة لا تفرز فى رحمها نمط الإنتاج الإشتراكي على عكس ما حصل للرأسماليّة التى تطوّرت فى رحم الإقطاعية ؛ و يحتاج تركيز الإشتراكية بما هي نمط إنتاج و دكتاتوريّة البروليتاريا و مرحلة إنتقاليّة إلى الشيوعية إلى جهود واعية و تخطيط و صراعات طبقيّة حادّة و دامية أحيانا دون أن تكون هناك ضمانات عدم إعادة تركيز الرأسمالية التى تتمّ إن سيطر التحريفيّون أو سيطرت البرجوازية الجديدة على مفاصل الحزب و الدولة البروليتاريين كما حصل فى الإتحاد السوفياتي بعد وفاة ستالين و فى الصين تاليا إثر وفاة ماو تسى تونغ و إنقلاب 1976.
للتاريخ نزعات و هو ينطوى على إمكانيّات غير أنّه ما من حتميّة فيه و الثورة التى تسترشد بالهدف الأسمى الشيوعي إمكانيّة تفرزها تناقضات حركة واقع النظام الرأسماليّ – الإمبريالي العالمي و لكنّها إمكانيّة قد تتحقّق و قد لا تتحقّق على أرض الواقع . و لكي تتحوّل هذه الإمكانيّة إلى واقع ثمّة شروط كثيرة ذاتيّة و موضوعيّة شرحها لينين و ماو تسى تونغ و منها الحاجة إلى أن يتسلّح محرّرو الإنسانيّة بعلم الشيوعية فى أرقى درجات تقدّمه و يطبّقوه و يطوّروه بلا إنقطاع . و قد تسحق هذه الإمكانيّة و غيرها من إمكانيّات و نزعات تاريخيّة فى المجتمع الإنساني لو حصل مثلا أن دُمّر كوكب الأرض بفعل إنفجار أو نيازك أو إنعدمت فيه إمكانيّة الحياة البشريّة جرّاء تغيّرات فى المناخ إلخ .
فى كلمة ، الشيوعية ليست حتميّة تاريخيّة و إنّما هي إمكانيّة تاريخيّة على الشيوعيين و الشيوعيّات أن يصارعوا بما أوتوا من جهد بما يعنيه ذلك من نضال جبّار و تضحيات جسام لبلوغ الحقائق و معالجة المشاكل فى أتون الصراع الطبقي و التقدّم لقيادة الشعوب لتحويل تلك الإمكانيّة إلى واقع و فى أقرب وقت ممكن تحرير الإنسانيّة جمعاء و إنقاذ الكوكب من الدمار الذى يلحقه به النظام الإمبريالي العالمي ."
( إنتهى المقتطف )
3- قراءة حزب العمّال غير ماديّة جدليّة لمسألة ستالين و أحداث الإتّحاد السوفياتي :
هنا سنُعنى بقضيّتين إثنتين متّصلتين بالمنهج المثالي الميتافيزيقي الخوجي لحزب العمّال التونسي كما يظهر ذلك في كتابه عن المؤتمر الخامس . و ننطلق من ملاحظة أساسيّة هي أنّ هؤلاء الخوجيّين كالعادة يوقفون بمثاليّة ميتافيزيقيّة لا نعتقد أنّ أي ماركسي أو ماركسيّة سيحسدهم عليها تاريخ الحركة الشيوعية العالميّة عند ستالين أي في منتصف القرن العشرين إذ ينشر فكرة أنّ " وجهة نظر الطبقة العاملة " " أرسى دعائمها النظريّة قادتها التاريخيّون ماركس ، إنجلس ، لينين ، ستالين " ( ص130) . و هكذا يتبخّر تاريخ الحركة الشيوعية العالمية ما بعد ستالين و يقع إيقاف تطوّر علم الشيوعيّة عند ستالين بما يعنى ببساطة – قد توسم بأوصاف معيبة – يقع محو أكثر من خمسين سنة من تاريخ الحركة الشيوعيّة العالميّة بنضالاتها و دروسها و مساهماتها في علم الشيوعية المتطوّر أبدا و الذى لا ينبغي أن يكفّ ككلّ علم عن التطوّر و إلاّ لحقه الجمود و الموت . و من هنا موضعيّا ، يرسل حزب العمّال إلى غياهب النسيان وقائع و حقائق و دروس معارك عظيمة مثل المعركة الكبرى العالميّة ضد التحريفيّة المعاصرة بقيادة ماو تسى تونغ و الحزب الشيوعي الصيني و دروس الثورة و البناء الإشتراكيين في الصين لا سيما دروس قمّة ما بلغته الإنسانيّة فى تقدّمها نحو الشيوعية و عنينا الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى .
و متى قرأنا بالصفحة 138 أنّه " تراكم خلال الحقبة الممتدّة من ثورة أكتوبر إلى الآن من التراث النظري و التجربة العمليّة ما يتيح لها أداء الرسالة بنجاح و تماسك " أدركنا أنّ حزب العمّال يعتبر علم الشيوعية كاملا و لا يحتاج لتطوير مهما كان فهو بكلماته " متماسك " و يخوّل " أداء الرسالة بنجاح " بينما مثلما مرّ بنا للتوّ بخصوص الحتميّة كمثال للذكر لا الحصر يؤكّد عكس ذلك .
و هذا من لدن حزب العمّال تعبير متجدّد عن النظرة الخوجيّة التي تنكر التجربة الإشتراكية الصينيّة الماويّة إنكارا مثاليّا فتنكر المساهمات العظيمة لماو تسى تونغ على رأس الحزب الشيوعي الصيني في أوّلا ، قتال التحريفيّة السوفياتية الخروتشوفية و البريجنافيّة تاليا بعد وفاة ستالين و الإنقلاب التحريفي في الإتّحاد السوفياتي و إعادة تركيز الرأسماليّة هناك منذ أواسط خمسينات القرن العشرين و خاصة في ستّيناته و بداية سبعيناته إلى 1976 سنة وفاة ماو تسى تونغ و الإنقلاب التحريفي في الصين الذى أعاد تركيز الرأسماليّة هناك على أنقاض الصين الإشتراكية الماويّة ؛ و ثانيا ، ، في تقيم التجربة السوفياتيّة و تطوير نظريّة و ممارسة مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا عبر الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى للحيلولة دون إعادة تركيز الرأسماليّة ؛ وصولا ، بعد ذلك إلى ما طوّره الماويّون منذ وفاة ماو تسى تونغ من نضالات عملية و نظريّة و دروسها المتجسّدة في شيوعيّة اليوم ، الشيوعية الجديدة و مهندسها بوب افاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة .
و إن كنّا هنا نكتفى الآن بلفت الإنتباه إلى مبلغ خطورة إعتبار ما حصل من ردّة في الإتّحاد السوفياتي فشلا و ليس هزيمة – موضوع تطرّقنا له في نقد كتاب الجيلاني الهمّامي " مساهمة في تقييم التجربة الإشتراكية السوفياتيّة " – فإنّنا نرى من الضرورة بمكان هنا التنبيه إلى ان التنكّر الخوجي للدروس المستشفّة من التجربة الإشتراكية السوفياتية و الإنقلاب التحريفي هناك و للإضافات الهامة للغاية التي قدّمها ماوتسى تونغ و التجربة الإشتراكية الصينية في فهم الإشتراكية و نظريّة و ممارسة مواصلة الصراع الطبقي في ظلّ الإشتراكية عبر الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى يؤدّى إلى عدم إمكانيّة إنجاز تقييم نقدي علمي شامل و عميق كما تكشّف ذلك في كتاب الجيلاني الهمّامي المذكور أعلاه و إلى لخبطة فكريّة خوجيّة و تعميم و سطحيّة تستهين بذكاء القرّاء في شرح إشكال من أعوص إشكاليّات أحداث الصراع الطبقي و الإنقلاب التحريفي الذى غيّر لون الحزب و الدولة السوفياتيّين و تثير ألف سؤال و سؤال عوض تقديم الإجابات المادية الجدلية و المادية التاريخية فهي لا تسمن و لا تغنى من جوع من مثل هذه الفقرة الواردة في الصفحة 133 من كتاب " المؤتمر الوطني الخامس ..." :
" إنّ النقائص و الإنحرافات و الأخطاء التي طبعت التجربة السوفياتيّة و المتعلّقة أساسا بفهم شروط قيادة الصراع الطبقي خلال المرحلة الإنتقاليّة و طرق و أشكال تجسيد الديمقراطية الإشتراكية من خلال مختلف العلاقات القائمة بين الحزب و الدولة و الجماهير و أساليب تكثيف تنمية القوى المنتجة ، إضافة إلى تأثيرات الحصار الإمبريالي الرجعي من الخارج، قد أدّت كلّها إلى تفسّخ العديد من العناصر في الحزب و الدولة و المنظّمات الشعبيّة و المهنيّة و تحوّلها إلى قوى بيروقراطية تعرقل تطوّر المجتمع بأسره . و قد تمكّنت هذه العناصر بعد وفاة ستالين من السيطرة نهائيّا على السلطة و إيقاف عمليّة البناء الإشتراكي و إعادة الرأسماليّة في شكلها البيروقراطي و إرساء نظام دكتاتوري في الداخل ، إمبريالي هيمنى في الخارج ".
و مثلما لمسنا في نقدنا لكتاب الجيلاني الهمّامي الذى مرّ بنا ذكره ، يسعى حزب العمّال التونسي بعد إفتضاح نظريّة التسرّب الخوجية القائمة على صيغة غريبة و لا أغرب من الصراع الطبقي دون طبقة البرجوازية في ظلّ الإشتراكية ، إلى تطعيم فهمهم المفلس بحقنه ببعض الجوانب من الفهم الماوي العلمي للصراع الطبقي و تواصله في ظلّ دكتاتورية البروليتاريا . فبعد نظريّة التسرّب نلاحظ الآن نظريّة " التفسّخ ". و في المقابل طوّر الماويوّن الصينيّون تفسيرا علميّا لقوانين الصراع الطبقي في ظلّ دكتاتورية البروليتاريا و لإستيعابها يحتاج الأمر إلى دراسة عديد البحوث و الدراسات الصينية و غير الصينيّة بشتّى اللغات و منها نصوص و كتب ترجمها شادي الشماوي و نشرها بمكتبة الحوار المتمدّن و أهمّها كتاب من تأليف بوب أفاكيان " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " و كتاب من تأليف شادي الشماوي ذاته " الصراع الطبقي في ظلّ دكتاتورية البروليتاريا : الثورة الثقافيّة قمّة ما بلغته الإنسانيّة في تقدّمها نحو الشيوعية " .
و حسبنا هنا توفيرا لفكرة أوّليّة للقرّاء أن نجمل في جمل برقيّة – رؤوس أقلام من تطوير ماو تسى تونغ للإشتراكية كما صغناها في كتابنا " نقد ماركسيّة سلامة كيلة، إنطلاقا من شيوعية اليوم ، الخلاصة الجديدة للشيوعية " و تحديدا في " تطوير ماو تسى تونغ للإشتراكية " ضمن النقطة السادسة من الفصل الأوّل :
" نشر شادي الشماوي على موقع الحوار المتمدّن ترجمة لفضول كتاب ألّفه بوب أفاكيان سنة 1978-1979 يشرح فيه " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " و فى الفصل المخصّص لتطوير ماو للإشتراكية شرح مستفيض لنظريّة و ممارسة مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا . و هنا ليس بوسعنا سوى ذكر بعض أطروحاتها بشكل يكاد يكون برقي لا غير لأنّ الخوض فيها يستدعى عشرات الصفحات و المجال هنا لا يحتمل ذلك ، فضلا عن أنّنا نقدّر أنّ فصل كتاب بوب أفاكيان المخصّص لهذا الغرض كافي و شافي .
وإليكم جملة من أهمّ أطروحات نظريّة مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا التي إستفادت من تجارب البروليتاريا في العالم قاطبة و بخاصة في الإتّحاد السوفياتي و في الصين ذاتها :
" - تواصل وجود الطبقات و الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية .
- الحزب الشيوعي بما هو قائد الدولة و الماسك بأهمّ مفاصلها و بأهمّ مقاليد تسيير المجتمع هو مركز الصراعات و بإستمرار يشهد صراع خطّين بين الطريق الراسمالي و الطريق الإشتراكي و لئن إنتصر الخطّ الرأسمالي يجدّ إنقلاب تحريفي و تتمّ إعادة تركيز الرأسمالية .
- صعود التحريفية إلى السلطة يعنى صعود البرجوازية إلى السلطة .
- تنشأ برجوازية جديدة صلب الحزب و هياكل الدولة أهمّ ميزاتها هي الدفاع عن سياسات توسيع الحقّ البرجوازي بينما تسعى القوى الثوريّة إلى تقليصه إلى أقصى الحدود الممكنة .
- وسيلة وطريقة مكافحة التحريفيّة صلب الحزب أي أتباع الطريق الرأسمالي و تثوير صفوف الحزب هي الثورة الثقافيّة.
و قد مورست هذه النظريّة فى الصين الماوية طوال عشر سنوات هي سنوات الثورة الثقافيّة البروليتارية الكبرى 1966-1976 و كانت عظيمة بعبرها و تأثيرها المحلّى و العالمي و مثّلت حقّا قمّة ما بلغته الإنسانيّة فى تقدّمها صوب الشيوعية لذلك تعرّضت و لا تزال لأكبر التشويهات الإمبريالية و الرجعية و التحريفية و بينما يرفع رايتها أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية ، يدير لها ظهرهم المتمركسون و حتّى الدغمائيّون من الماويّين أو يقلّلون من شأنها . "
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------