بداية النشاط الصهيوني في مصر


محمد مدحت مصطفى
2020 / 3 / 13 - 09:12     

بدأ النشاط الصهيوني في مصر قبل المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بال، في 29 أغسطس 1897م بستة أشهر، حيث بدأ تكوين الروابط والجمعيات الصهيونية في مصر منذ فبراير 1897م، واستمرت تلك الروابط والجمعيات في العمل بحرية، دون معوقات تذكر من قبل السلطات المصرية أو البريطانية، حتى بدايات عام 1948م. كانت الحكومة المصرية والشعب المصري وحتى اليهود المصريين غير مدركين لخطورة المشروع الصهيوني ولا لطبيعة تحركاته حتى وقت متأخر جدًا، وأن مساعدة يهود مصر لليهود المهاجرين من أوروبا إلى فلسطين كانت من منطلق مساعدة إخوانهم المضطهدين وليس لتنفيذ أهداف الصهيونية العالمية، وأن بعض اليهود المصريين لم يروا في تأييدهم للصهيونية تعارضًا مع مصريتهم، على الأقل في بادئ الأمر. وحين كان حاييم وايزمان على رأس البعثة الصهيونية في القاهرة، في عام 1918م، قابل شيخ الأزهر الذي قدم له تبرعًا قدره 100 جنيه باسم المنظمة الصهيونية العالمية، وكثيراً ما حضر وزراء ومحافظون احتفالات الحركة الصهيونية، وكثيراً ما استقبل زعماء الصهيونية العالمية في مكاتب أكبر المسئولين المصريين، وعندما كان ليون كاسترو نائبًا لرئيس الاتحاد الصهيوني، كان في الوقت نفسه أحد مساعدي سعد زغلول، وناشطًا في ثورة 1919م ضد الإنجليز. في نوفمبر 1945م، يتم تقييد هذه التحركات الصهيونية، بعدما خرج اليهود في مظاهرات كبيرة تأييدًا لذكرى وعد بلفور، إذ أثارت هذه المظاهرة حفيظة الشعب والصحافة وخطباء المساجد، فخرجت مظاهرات مضادة ووقعت اشتباكات. ومع ذلك استمرت مكاتب ونوادي الحركة الصهيونية مفتوحة حتى إعلان مصر الحرب على إسرائيل في عام 1948م، وقيام بعض اليهود في مصر بتشكيل لجان لمساعدة اليهود، عن طريق تشكيل صندوق إغاثة اليهود في فلسطين، الذى تأسس في الإسكندرية، وكان مستودعا صبت فيه أموال التبرعات، التي تم جمعها من الدول الأخرى، ثم إرسالها إلى فلسطين، بعد تعذر إرسالها بالطرق الأخرى، بسبب الحرب. أعطى هذا العدد الكبير من المستوطنين الصهاينة في مصر، دفعة قوية للنشاط الصهيوني، حيث كانت هناك دروس مكثفة لتعليم اللغة العبرية والتاريخ اليهودي، والتدريب العسكري، داخل هذه المعسكرات، بهدف جذب المزيد من التأييد والدعم للحركة الصهيونية. كانت الحركة الصهيونية قد نشطت في الأوساط اليهودية في مصر، بسب عدم انتماء الكثير من أبنائها إلى المجتمع المصري، باعتبارهم أجانب، في الأغلب، وبالتالي كانت رؤيتهم لحل المسألة اليهودية هي الرؤية الغربية الاستعمارية نفسها، القائمة على طرد اليهود من أوروبا، وليس على اندماج اليهود في مجتمعاتهم. أما بخصوص انضمام الجماعات اليهودية في مصر إلى الحركة الصهيونية، فيمكن القول إن أعدادا محدودة من اليهود في مصر انضمت إلى النشاط الصهيوني، قبل قيام الحرب العالمية الثانية، وانحصرت، في الأغلب، في أوساط اليهود الأشكيناز، أي اليهود الأجانب. إذا كان نشاط الحركة الصهيونية في الأوساط اليهودية في مصر، بسب عدم انتماء الكثير من أبنائها إلى المجتمع المصري، باعتبارهم أجانب، وبالتالي كانت رؤيتهم لحل المسألة اليهودية هي الرؤية الغربية الاستعمارية نفسها القائمة على طرد اليهود من أوروبا، وليس على اندماج اليهود في مجتمعاتهم، ونضالهم مع أبناء وطنهم نحو مجتمع ديمقراطي غير مستغِل. فالسؤال المطروح، الآن، هو: لماذا لم تقف النخبة المصرية الحاكمة في مواجهة النشاط الصهيوني، الضار بأمن مصر القومي، والضار بمستقبل الأمة العربية، كما أثبتت التجربة التاريخية، لاحقا؟
معادة السامية وهجرة اليهود
رغم أن الصهيونية تعبر عن الرابطة التاريخية بين الشعب اليهودي وأرض إسرائيل، غير أن ظهور الصهيونية المعاصرة كحركة وطنية ناشطة في القرن التاسع عشر ليس من الواضح إن كان يتم دون ظاهرة معادة السامية المعاصرة وحالة الاضطهاد المستمر طوال قرون التي تعرض لها اليهود في المهاجر. هُجر اليهود خلال قرون من معظم الدول الأوروبية - ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وويلز وإسبانيا والبرتغال. الحديث يطول عن تجربة متراكمة كان لها صدى كبير خاصة في القرن التاسع عشر، حيث فقد اليهود الآمال في احتمال حدوث تغيير جذري في حياتهم. هذه الأجواء كانت مصدر ظهور القادة اليهود الذين تبنوا الصهيونية نتيجة لخطورة ظاهرة معاداة السامية التي كانت سائدة في المجتمعات المحيطة بهم، وسعت الحركة الصهيونية إلى حل القضية اليهودية، مشكلة الأقلية الدائمة، مشكلة الشعب الذي يتعرض مرارا وتكرارا للاضطهاد. سعت الصهيونية إلى مواجهة هذه الأوضاع من خلال تحريك عملية عودة اليهود إلى وطنهم التاريخي أرض إسرائيل كما يدعون. كانت غالبية موجات هجرة اليهود الضخمة إلى إسرائيل في التاريخ المعاصر بمثابة رد مباشر على أعمال القتل والتمييز التي استهدفت اليهود. كانت في الهجرة الأولى ردأ على المجازر في روسيا خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر، وجاءت الهجرة الثانية ردا على مجزرة كيشينييف وموجة من المذابح ضد اليهود في أوكرانيا وروسيا البيضاء في مطلع القرن العشرين. أما بالنسبة للهجرة الثالثة فجاءت عقب المذابح التي استهدفت اليهود خلال الحرب الأهلية في روسيا، والهجرة الرابعة كان مصدرها بولندا وتمت خلال العشرينيات من القرن الماضي على خلفية القوانين التي صدرت للحد من النشاطات الاقتصادية لليهود في بولندا. والهجرة الخامسة كانت خلفيتها فرار اليهود من النازية في ألمانيا والنمسا.