البوهيمي


بديع الآلوسي
2020 / 2 / 27 - 02:40     

بي من مرضى الحنين المزاج الازرق ، وعقل يحتسي احلامه مع قليل من القهوة ، انا البوهيمي الاخرق ، افتح عيني على الاغتراب البربري ، ولا اتحدث عن رغباتي النرجسية ، انا لا احب تاريخي الذي تطفلت عليه الطحالب ، سأموت ولم انجز مجدا ً يليق بي ، أجدادي يقدسون الكسل الصوفي ، ورثت عنهم أن لا احب نفسي ، يرشدني الحنين ويذكرني أن الشرق جنسا ً عاقر .
بعد رحلة في رحم الوطن ، في تلك المناظر العذراء وجدت نفسي ابتسم للشجر والحجر ، ، انا البوهيمي اليتيم الذي لم ينتفض ، اجد نفسي بعد منتصف الليل ، ملقا ً على رصيف مخيف . بلا رغبة في العيش في هذا الزمن المنحط ، مشغول بضياع يشبه العقاب الابدي .
وا أسفاه ، كل المدن موحشة ، وكل الشهداء بلا هوية ، اما انا البوهيمي المسالم ، فتسكنني الشراهة ، كمجنون فظ انفصل عن الواقع باحتساء خمور قوية ، كي انسى الوطن المجروح ، او كي اهرب من هذا العالم المسكون بالأشمئزاز .
قلبي محكوم بعبادات ذاتية ، تقهرني الاغراءات ، لكني اضحك مثل سنجاب ، مثل طفل لا يعرف الخطيئة . انا البوهيمي سادفن مع البؤساء والحقراء، في مقبرة تحيط بها اشجار الجوز والكستناء . اصدقائي المنفيون يجترون الغراميات القديمة ، لا يريدون ان يموتوا ، يتضاهرون بالفرح ، يخيل لي انهم وجدوا خلاصهم . اما انا البوهيمي المسكون بالحنين ، فاشعر اني مثل طائر غريب ميت فوق رمال ساحل مليء بالقواقع ، لا احد يعزيه ولا تبكي عليه النوارس ، سيبتلعني المد ، سيعيدني الى الراحة السماوية ، ساواجه الرب بهلوسات لا حصر لها ، بقلب بلا مباديء ، وبروح بلا بدهيات ، لكن بصوت يبجل الحكمة المستترة ، وبلسان يحكي ويحكي عن ارض مجهولة خالية من الاسلحة ..