استسقاء !! او استخارة !!


محمد نجيب وهيبي
2020 / 2 / 24 - 21:58     

استسقاء ام إستخارة !!
الدين سواءا كان صحيحا او مشوها ليس عيبا او مشكلة في حد ذاته ، بما يتضمنه من تعبُّدٍ و دعاء وإستنجاد بالله عند اشتداد المحن ! ولكن هذا "الدين" الرسمي المعلّب في كتب الفتاوى الرسمية والمسيج بمؤسسات رسمية للإفتاء ووزارات ودواوين و جيش من الموظفين لحراسته ونشره ومن خلاله قولبة خضوع الناس لسياسات التجويع والتفقير الرسمية بوصفها إمتحان او "غضب" من الله لا حول ولا قوة للحاكم أمامها ولا راد لها الا طلب مرضات الله والتضرع!!! هذا الدين المعلّب ضمن قوالب السياسية والمُسيّل في مطابخ الحكم تحت الطلب وعلى قياس كهنته هو اس المشاكل و اصل كل بلاء .
الكل يعلم يقينا ان الامطار تحكمها قوانين الفيزياء والطبيعة منذ درسنا الجغرافيا والمناخات في الابتدائي ، والكل يعلم أن مناخ تونس -مثلا- مناخ متوسطي يمتاز بعدم إنتظام مواسم الامطار فيها وان أحد اكبر الاخطار التي تهدد مناخنا هي الجفاف ، خاصة مع حجم التغيرات المناخية الكونية الناتجة عن التلوث والاحتباس الحراري ، والكل يعلم أن مواسم الامطار عندنا على شحتها وعدم انتظامها توفر كميات كافية من المياه سنويا لتكون احتياطا لمواسم الجفاف ! ولكن هذه الكميات تجد مستقرها في النهاية -إن لم تجرف أحيانا الفتات القليل من حاجيات منزلية لساكني الأحياء الشعبية الفقيرة- في عرض المتوسط لتزيد ماءه ماءا وتروي السمك !! وكل هذا تحت أنظار الفساد الحكومي الرسمي في الحالتين منذ خمس عقود من الزمن الحديث و عشرات العقود من وسيطها وقديمها وبمباركة رسمية من رجال/كهنة الدين الرسميين وعلبهم الفقهية التي تُبرِّرُ كل هذا الخراب والفساد السياسي الرسمي في "غضب" الله و "إمتحانه" لعبيده !!! و تُرَوّجُ لحل يرفع الحرج عن الحاكم ويضيف لماساة المنكوب واجب التضرُّعِ لله وعبأ مناجاته والم تاخُّرِ الاستجابة او غيابها !! هذه الدولة المارقة تجد بكل بساطة حلولا لحماية رخاء المترفين بينما تعود وزارتها "الهجينة" للشؤون الدينية لصلاة استسقاء دفعا للجفاف وطلبا لغيث نافع كلما أهل الا وسرّبت دولتنا السفيهة بكل طوعية أكثر من ثُلثيه لسمك البحر "واكتب على ظهر الحوت " !!
افهم طبعا ان يتوجه الإنسان الفرد او بعض مجاميعه العاجزة بالتضرع لله عبر صلاة الاستسقاء و الشكوى من حاكم ظالم يعجز على تغييره ، مثلما افهم ان يتلو المسافر دعاء السفر خوفا من وحشة الطريق ، ولكني اعلم ويعلمون جميعا ، أن دعاء السفر لن يُحرِّك السيارة دون وقود وانه يجب ملأ خزانها حتى يكون هناك سفر من اصله ، وان صلاة الاستسقاء لن تقلب المميزات المناخية لمنطقة او مدار ما و لن تعكس قوانين الفيزياء و الكيمياء دفعة واحدة في مرة واحدة ولن توقف تسربات مركبات غازات ( الكلور -فلور-كربون) لطبقة الاوزون كما اعلم ويعلمون يقينا أن تونس تدخل ضمن المناطق المهددة بالجفاف وان عليها -غصبا عن حكامها السفاء- بوزارتهم للشؤون الدينية الكف عن إستهبال الناس ونشر الشعوذة الرسمية تحت جبة المواعض والفتاوى الدينية الفاسدة ، على القياس ، وان ينكبوا على رسمة خطة استراتيجية شاملة لنشر السدود على كامل تراب الجمهورية وربطها كلها ببعضها البعض بشبكة وطنية لتفرغ زائدها بين بعض عوض إلقائه في البحر وإبتكار حلول أخرى أكثر عمقا وراديكالية لترشيد استهلاك المياه وحماية احتياطنا الجوفي منها الى جانب تثوير فلاحتنا والحفاظ على طابعها الشعبي و الوطني ... الخ و اعلم يقينا ايضا ان واجب مواطنينا إجبار حكامنا المفلسين فكريا وسياسيا ودينيا ، على تنفيذ هذه الاستراتيجيات قبل وبعد صلاة الاستسقاء ، مثلما أعلم أن عليهم تحويل صلاة الاستسقاء الرسمية المبتذلة الى صلاة استخارة شعبية هادرة في ورعها وجهادية في سلامها ، لطرد كل الحكام المفسدين و فقهائهم الرسميين والمُعلّبين ضمن فتاوى الحاكم الكاذب بأمر الله ، وجهتها الله وضميرها آهات الشعب الذي لا يمكن ان يكذب وهو خاشع في حضرة مأساته والمه و بؤسه الذي لا تخفى عنه خافية .