في ذكرى انتفاضة العشرين


وديع السرغيني
2020 / 2 / 8 - 11:01     

أيام قليلة تفصلنا عن ذكرى الانتفاضة..الخ المجيدة 20 فبراير، وهي انتفاضة شعبية عاشها المغرب على طوله وعرضه، وانخرطت في حراكها جميع جماهير المدن والقرى والدواوير بحماس منقطع النظير.. كان عصيانا بكل ما في الكلمة من معنى، عصيان يشبه إلى حد كبير لحظة انهيار القديم المتعفن لاستقبال الجديد واحتضانه، شارك في احتجاجاتها جميع من يعاني من الظلم والحكرة والحرمان، حيث كان الحضور الوازن للشباب، وكان لهم السبق لأخذ المبادرة، وصياغة الأرضيات والمطالب، وتعيين المحاورين مع من يهمه الأمر..الخ
كانت الحالة العامة في جل الشوارع مرتبكة وكأن الثورة على الأبواب، وكانت مقرات القوى السياسية المعارضة والبعض من المنظمات النقابية، بمثابة قبلة لجميع المناضلين الراغبين في التغيير، والمتحمسين للمساهمة في محطاته، بمن فيهم من هرموا من أجل تلك اللحظة التاريخية!
لقد تجنـّد الشباب بقوة لإنجاح هذه المعركة التي لم يسبق لها مثيل، سواء من حيث حجم المشاركة، أو من حيث عدد المدن والقرى المشاركة، أو من حيث تنوع الفئات المشاركة، وكذا من حيث طول مدة الانتفاضة التي لم تنطفئ شعلتها وتخفت إلا بعد شهور، بعد عياء الانتهازيين وانسحاب المتربصين الرجعيين. ومن بين مميزات هذه الانتفاضة أنها ليست عفوية بالكامل بل أعلن عن انطلاقها بقرار واعي ومنظم، جاء نتيجة لتجربة غنية راكمت ما يكفي من النضالات والاحتجاجات في إطار ما كان يعرف حينها بالتنسيقيات المناهضة للغلاء والخوصصة، التي تشكلت هياكلها بداية من النصف الثاني لسنة الألفين في حوالي ستين مدينة قهرتها الزيادات الخيالية في الأسعار وفي فواتير الماء والكهرباء.
لقد تكثفت جهود المنظمين الطلائع وكثرت نقاط الانطلاقة في جل الشوارع واختلفت الشعارات وتنوعت، بل واخترقت السقف المسموح، مطالبة في العديد من اللحظات بإسقاط النظام وعدم الاكتفاء بتأهيله وإصلاحه في اتجاه ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم!
كان الصدى الذي تركته ثورة البوعزيزي في تونس قويا وحاسما، وكان لنجاح الثورة التونسية في إبعاد وفرار الرئيس زين العابدين وقعا خاصا ألهم الجماهير الشعبية في جميع البقاع العربية، وزاد من ثقتها وقدرتها على الانتصار على جميع الطواغيت وأنظمتهم التفقيرية والاستبدادية، واستبدال أنظمتهم بأنظمة ديمقراطية تصون الكرامة وتوفر الحرية وتضمن العيش الكريم لجميع المواطنين.
هذا النجاح عززه انتصار الجماهير المصيرية التي أرغمت رئيس الدولة حسني مبارك على التخلي عن الحكم ومتابعته قضائيا على جرائمه بمعية أفراد عائلته والبعض من مقربيه لتنتشر الانتفاضات والعصيانات والثورات كالنار في الهشيم في جميع البلدان كالمغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن والبحرين..الخ
ونحن نقترب من موعد وذكرى هذه الانتفاضة نسجل بكامل الاعتزاز والافتخار تشبثنا بنفس المطالب والشعارات الاجتماعية التي رفعتها الجماهير الشعبية المنتفضة حينها والاستمرار في الاحتجاج الرافض للأوضاع القائمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. حيث يلزمنا كمناضلين ديمقراطيين الثبات على نفس المواقف المبدئية المناصرة والمدافعة عن تحرر شعبنا من التبعية بجميع أشكالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
كانت الفرصة مواتية لدعاة التغيير الجذري بأن يبرهنوا عن مدى جديتهم والتزامهم بما يعبرون عنه من مواقف، إذ وبالرغم من الارتباك البادي على العديد من مواقفهم وممارستهم، يمكن القول بأن جميع تيارات اليسار ومجموعاته شاركت بقوة في محطات هذه الانتفاضة، كل على حدة وبدون أدنى تنسيق مع التيارات الأخرى عدا "النشاز" الذي مدّ الأيادي معانقا أعتى الرجعيات المناهضة للحرية وللتنوير وحرية المعتقد.!
وبالرغم من المآل الذي عرفته الانتفاضة "وحركتها" لا يمكن نكران الآثار النضالية الإيجابية التي بصمتها هذه الانتفاضة في الوعي الشعبي الاحتجاجي المطالب بالتغيير، إذ لا بد من تكثيف المبادرات..الخ في هذا السياق ورفع التحدي في وجه الجهات المستفيدة من الأوضاع القائمة سواء من جهة النظام أو من جهة الحكومة وجميع المؤسسات القائمة.. فمعركة التحرير قائمة ومستمرة ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يوقفها أو ينتصر عليها القمع والمنع والترهيب والاعتقال، لأن المسيرة النضالية التي انخرط في صفوفها شعبنا الكادح والمحروم، مسيرة لها ما يبررها موضوعيا، وهو الفقر والحاجة والحرمان والبطالة والاضطهاد والتهميش والعنصرية.. فما ينقصنا هو الاستعداد الذاتي وتنظيم الصفوف والتوفر على قيادة سياسية في المستوى الطبقي المطلوب، قيادة لها القدرة السياسية على طرح البرنامج وخارطة طريقه للوصول لغايتنا التحررية، وضمان استقلالنا عبر قطع جميع العلاقات مع الإمبريالية يعني أساسا صناديق المال ومختلف الشركات العابرة للقارات.. دون هذا لن تتحقق الديمقراطية الشعبية التي نحلم بها جميعا ولن ينعم شعبنا بالحرية ولن يكون بوسعنا الانتصار على الاستبداد ومحو آثار الاقتصاد الرأسمالي بما هو اقتصاد مبني على الاستغلال وعلى النهب وعلى سرقة خيرات بلادنا لبيعها بأبخس الأثمان للأسواق الأوربية والأمريكية والروسية.

7 فبراير 2020