صفقة القرن: الطرف الثالث


عديد نصار
2020 / 2 / 1 - 17:42     

هبط إعلان ما سمي بصفقة القرن، الذي أطلقه الرئيس الأمريكي ترامب قبل أيام، على "محور المقاومة" كهدية من السماء. تلقفها جزارو الشعب الفلسطيني في مخيمات لبنان وسوريا بحرارة تفوق حرارة انتصاراتهم الإلهية في مدن وشعاب سوريا وفي زواريب مخيمات اللاجئين الفلسطينيين من تل الزعتر الى اليرموك.
الكوفية الفلسطينية زينة المناسبة يتلفعها أشد العنصريين اللبنانيين وقاحة وأوضعهم خطابا عدائيا ضد اللاجئين، فلسطينيين وسوريين.
وفي نفس الوقت الذي يواصل المحور عينه جريمة الإبادة الشاملة بحق الشعب السوري، شقيق ومحتضن الشعب الفلسطيني وقضيته على مدى ما يقارب القرن من الزمن، الجريمة التي يتابعها اليوم بشكل واسع في إدلب وغربي حلب، يمارس أزلامه وأنصاره حق الرد على صفقة ترامب نتانياهو بحرق العلمين الأمريكي والاسرائيلي في الساحات ويطلقون الهتافات والشعارات الفارغة، وكفى الله المؤمنين القتال!
محور الممانعة والمقاومة الذي يتزعمه نظام مافيا الملالي في طهران الذي يتباهى قادته العسكريون والسياسيون بمقدرتهم على إبادة الكيان الصهيوني الغاصب خلال دقائق متفاخرين بمشروعهم النووي ومقدراتهم الصاروخية وبمليشياتهم الطائفية وبسيطرتهم الموهومة على أربع عواصم عربية، هذا المحور هو في حقيقة الأمر الطرف الثالث في مشروع صفقة القرن الذي باتت وقائعه المادية أمرا واقعا قبل إعلانه إذ إن سيادة الاحتلال على المستوطنات التي تقطع أوصال الضفة الغربية وتحتل القسم الأكبر من غور الأردن وتتغلغل في جسم القدس ومحيطها وحصر التجمعات السكنية للفلسطينيين في ما تبقى من الضفة الغربية بجدران العزل العنصري لن يغير من واقع الحال شيئا.
هذا المحور ذاته الذي جعل من قضية فلسطين وشعبها شماعة لأيديولوجيته شديدة الرجعية والتخلف ولممارساته الوحشية في بيئاته الشعبية وغطاء لكل حروبه ومجازره وجرائمه التي حولت بلاد المشرق العربي الى أطلال وشعوبها الى مشردين ولاجئين، يتفوقون في المعاناة والبؤس والتشرد على الشعب الفلسطيني نفسه، هذا المحور الذي تغلغل في الجسم السياسي والكفاحي الفلسطيني فأسهم في تمزيق وحدته وعزز انقساماته الداخلية، لا يرى اليوم في صفقة ترامب نتانياهو سوى ورقة إضافية من أوراق التوت لاستخدامها في تغطية قبحه وتمرير المزيد من جرائمه.
محور الممانعة والمقاومة، الذي رسم بدماء أهلنا طريق القدس الوهمية من بيروت الى الزبداني الى حلب.. لم يجد وقتا كافيا على مدى عقود من الزمن لصياغة ورقة واحدة، ولا أقول مشروعا متكاملا، بل ورقة للنقاش أو للمستقبل، تحمل أقله عناوين لما يمكن أن يسمى مشروعا لتحرير فلسطين يمكن أن يلتقي البعض حوله لنقاشه أو نقده قبولا أو رفضا أو إضافة أو تعديلا..
صفقة القرن ما كانت لتكون لو أنه قيض لشعوبنا أن تتحرر وأن تحقق سيادتها على أرضها ومواردها ومقدراتها، وهذا ما كان لنظام ملالي طهران وامتداداته الاقليمية الدور الأبرز في منعه حتى الآن، ما يجعلها الطرف الثالث فعليا في هذه الصفقة.
صفقة القرن التي أعلنها الرئيس الأمريكي ترامب في حضور رئيس الوزراء الاسرائلي وفي هذا التوقيت، هي في الآن نفسه ورقة انتخابية لإنقاذ الرجلين المهددين بالسقوط في الانتخابات القادمة في أمريكا وفي الكيان الاسرائيلي بعد إجراءات عزل الأول في الكونغرس الأمريكي وإجراءات محاكمة الثاني في قضايا فساد فور خروجه من السلطة. ولكنها في نفس الوقت تترجم حقيقة الانحدار الاخلاقي والسياسي الذي بلغته القوى المهيمنة على النظامين العالمي والاقليمي وتتوج المسار الانحداري للقضية الفلسطينية منذ أن تم الفصل اللامنهجي واللامسؤول بين قضية التحرر العربي وقضية تحرير فلسطين وصولا الى حصر الهم الفلسطيني بقيادة فلسطينية أذعنت لمسيرة التفاوض على الحقوق بعد أن كال لها نظام الصمود والتصدي بقيادة حافظ الأسد وبرعاية أمريكية وتحت أنظار اسرائيلية الضربات القاصمة في لبنان، وصولا الى أوسلو وحل الدولتين.
حل الدولتين أوصلنا الى صفقة القرن التي يراد منها، ليس حلا لقضية بل انهاء لها من خلال مبادلة الحقوق التاريخية الثابته ببعض الرشى التي لن يجرؤ أحد مهما بلغ به التخاذل والخيانة أن يعلن القبول بها. وبالتالي فلن تضيف شيئا في السياسة أو في الواقع.
القضية الفلسطينية ليس لها سوى حل واحد يحقق السلام للجميع ويعيد فلسطين الى محيطها العربي قلبا نابضا ومركزا يسهم في تطوير بلادنا ويعيد اليها حيويتها ومقدرتها على التطور والتقدم، لذلك فكل العرب معنيون ومسؤولون فيه:
تفكيك الكيان العنصري والاقرار بحق العودة لجميع الفلسطينيين والتعويض عليهم والوصول الى دولة واحدة لجميع أبنائها المتساوين في الحقوق والواجبات أمام قانون واحد، فلسطين دولة ديمقراطية علمانية من البحر الى النهر.