صفقة وحيد القرن


عذري مازغ
2020 / 1 / 31 - 23:09     

قبل مناقشة صفقة "الغرن" (ينطق الغين هنا بين حرف الغين والكاف:garn) وتعني مغربيا القرن من قرون الحيوانات) يجب إثارة موضوع يثار في الساحة المغربية حول قضية فلسطين، هناك الآن وعي متجدر بقضايا الوطن في المغرب هو او هي أن كل أولوية مهما كانت عند مواطن ما من بلد ما هي أولوية بلده وعليه فإن الحديث عن قضية فلسطين ليست بالضرورة أولوية عند أي يساري يتكلم فيها (يساري هنا بالخط الغليظ وكأن اليمين عند البعض وطني أكثر برغم انه هو المسيطر وهو المسؤول أولا وأخيرا عن الأوضاع وهذا جدل آخر)، وعليه أيضا فالمزايدة بالوطني على قضية دولية، هي مزايدة مردودة على أصحابها الهدف منها ظاهريا رفض الحديث عن قضية كما لو اننا معزولون في هذا العالم، وباطنيا هؤلاء الأكثر وطنية منا يناقضون حتى وعيهم الذاتي حين يؤيدون صفقة "الغرن" بمعنى انها عندهم تحتل مكانا ما وليس لا تهمهم كما يوحون بل هي تدخل ضمن صراع داخلي إيديولوجي توظف طبقيا تجاه هذا الموقف أو ذاك بحسب الموقف العام من الإمبريالية. بمعنى أي قضية دولية مهما كانت، فلسطينية، عربية، لا تينية (أمريكا اللاتينية)، أوربية او اسيوية هي داخل الوطن لها صدى وتتأطر وفق المواقف الإيديولوجية المتصارعة داخل الوطن (داخل المغرب أقصد هنا)، في هذا لا نختلف عن باقي شعوب العالم سواء في أوربا أو في أي مكان، فالموقف من فينزويلا في فرنسا نفسها هو موقف يتحدد طبقيا من منطلق تناقض الطبقات بفرنسا: يسار مدعم للحكومة الشرعية بفينويلا ويمين مدعم لرئيس انتخبته سي أي إيه الأمريكية، ونفس الشيء في المغرب وهذا يعني اننا لا نختلف عن الشعوب الأخرى فالصراع الطبقي كوني ولم يعد اتهام بالبعد عن الوطني كما يحاول اليمين الفاشي المغربي أن ينعت به اليسار حين يتعلق الأمر مثلا بقضية فلسطين. إذا اردنا تحديد الحياد في قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في المغرب يجب أولا أن نقف على مبدأ حيادي لا تأويل فيه كالقول مثلا: "لا يهمني الشرق الأوسط بفلسطينييه وبإسرائيلييه وعليه لن أعطي أي موقف من الصفقة لأنها أصلا لا تهمني" وعليه أيضا وبما اننا وطنيون حتى النخاع لا يهمني وضع العراق ولا إيران ولا الكرد ولا حتى السعودية في صراعها مع اليمن، لن أعطي رايي في أي صراع دولي ، هل أنتم أيها اليمينيون النزعويون بالفعل هكذا ؟؟
سأدلي برأيي في صفقة "الكرن" وليشرب البحر كل اليمين العنصري في المغرب!
بدئيا لا احد قرأ بنود الصفقة وكل ما قيل عن بعض بنودها هي تسريبات هذا الموقع أو ذاك، وبالتالي المواقف المؤيدة أو المعارضة لها تزكي ما قلت، هي مواقف توظف في الصراع الإيديولوجي الداخلي بين اليمين واليسار .
الأمر الآخر: الإتفاق يجب أن يكون بين فرقاء تضمهم وحدة التناقض، ليس أن ياتي طرف بمسودة اتفاق ويفرضها على الطرف الآخر، وما تم في صفقة وحيد القرن يذكر باتفاقيات المستعمرين الإنجليز لأمريكا مع سكانها الأصليين، إن ترامب لا زال يعيش في القرن 18 وليس في القرن الواحد والعشرين.
بيانات الدول العربية كلها، حتى التي يقال بأنها مؤيدة للصفقة بما فيه تصريح الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية لا يقول صراحة أنه مؤيد للصفقة
هناك عبارة أصبحت في كل لسان الدول العربية التي يقال بأنها مؤيدة تفصح عما يلي: "نثمن مبادرة الولايات المتحدة في بحثها عن سلام دائم.. ونؤيدها على أن تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني كاملة.." وتضاف كثيرا سنة 67 في هذه البيانات، بمعنى أن اللغة الديبلوماسية غير الجارحة للموقف الأمريكي من خلال كلمة "نثمن الجهود الأمريكية" تتناقض ورقم 67 ومع كلمة "حقوق الشعب الفلسطيني كاملة" واللغة الديبلوماسية هذه لها ما يعللها
أوربا برغم موقف الحياد لن تغامر بالقانون الدولي والشرعية الدولية واتفاقيات أوسلو ومدريد وغيرها لتفرح أو تمرح بحل غريزة وحيد القرن ترامب
هذا فقط عن الدول التي يقال أنها مؤيدة أما الدول المعارضة والتي لا تهمها ردود فعل دولة إسرائي والولايات المتحدة فأعلنت رسميا معارضتها بدون لغة ديبلوماسية وبدون لف أو دوران
في ما يخص التسريبات وهي لمواقع تنتمي للدولة الإسرائيلية ومواقع أمريكية، أي تنتمي إلى نفس الموقف، من الصعب قراءة موضوعية فيها، ولنفترض انها تسريبات حقيقية، فمضمونها يؤسس لأبارتايد أمريكي إسرائيلي في فلسطين (حتى بعض المواقع الأمريكية نفسها اعتبرتها عنصرية وقحة)، وقبل هذه التسريبات يجب الإشارة إلى رقم 50 مليار التي تبدو كربح يانصيبي: فالرقم هذا ليس كما يبدو للكثير على انه منحا كليا لفلسطين لإنعاش اقتصادها، بل منح لدول الجوار ايضا على شكل منح وهي النسبة الأقل، قروض وهي النسبة المتوسطة واستثمارات وهي النسبة الكبيرة وتمثل عقدة بخصوص الإستثمار، لا ننسى أن اتفاقيات أوسلو نتجت عنها استثمارات كلها بسبب التدخل العسكري الإسرائيلي أجهضت ومنها استثمارات مغربية (ليس هناك مستثمر أحمق سيستثمر في منطقة لا امن فيها ) وفوق كل ذلك هو رقم يخدم حسب التسريبات إسرائيل أكثر من الفلسطينيين.
حتى مما تسرب، الجسر المعلق الذي يربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة سيخضع للمستثمرين الأجانب: 50% للصين (الأكيد لن يقبلوا ) 10% لباقي الدول ككوريا، واليابان والإتحاد الأوربي وأمريكا وإسرائيل نفسها، يعني هم يعرفون أنه مشروع مخاطرة (مواقع إسرائيلية نفسها تشك في المشروع).
دولة فلسطينية بدون جيش وبدون تحكم في الصفقات الإستثمارية وبدون تحكم في حدودها بشكل تخضع تماما ل"لحماية الإسرائيلية" مقابل قيم مالية تدفعها الدولة الفلسطينية لإسرائيل، هذا الوضع الأبارتايدي لا يقترب في تصوره حتى لمبدأ إندماج دولتين في دولة واحدة، إنه من جهة يؤسس للدولة الواحدة المهيمنة التي هي إسرائيل، لكن في المقابل، من داخل هذه الدولة نفسها هناك عملية ميز عنصري تضع المواطن الفلسطيني من الدرجة الدنيا بشكل لا يرقى حتى إلى مواطن مدني، من جهة هناك ضرائب يخضع لها المواطن في مدن وقرى تخضع لإسرائيل ومن جهة اخرى يبقى هذا المواطن فلسطينيا بحيث على الدولة الفلسطينة أن تدفع أجر مقابل خدمات الدولة الإسرائيلية..
من البنود المسربة: لا يمكن بيع منزل إسرائيلي لفلسطيني ولا يمكن العكس أيضا بيع منزل فلسطيني لإسرائيلي، كمهاجر بأوربا أستطيع بيع أو شراء منزل في أوربا، هذا المنع بموافقة وحيد القرن ترامب هو منع عنصري يمنع حتى تلك المزايا الوثقى لاندماج إنساني (أقول هذا لمن يعتقد بأنه مع إسرائيل العنصرية يمكن خلق دولة مندمجة لشعبين مختلفين).