صفقة القرن بعد القراءة


محمود فنون
2020 / 1 / 29 - 09:39     

28/1/2030م
كتبت امس مقالة بعنوان صفقة القرن قبل القراءة ، والليلة استمعت الى حديث ترامب ونتنياهو في مؤتمر الإعلان .
إن ما اعلنه نرامب ووافق عليه نتنياهو بسرور لم يكن مشروعا للبحث والتداول ومتابعته للحصول على مواقف وموافقات .لقد كان اعلان هذه المرة هو قرارات ومواقف أمريكية نافذة وليست من أجل إملاء فراغ سياسي وتنشيط حوار وفتح سوق المساومات . إن المساومات منتهية ، وهذه هي الطبخة فكلوها كما هي .
إن هذه القرارات تاتي في ذات سياق السياسة الأساسية الأمريكية والغربية المتعلقة بفكرة تهويد فلسطين وإقامة دولة إسرائيل اليهودية عليها.
على كامل الأرض الفلسطينية .
فهي كانت مسبوقة بقرارات ومواقف متناسبة مع مراحل تنفيذ خطة التهويد منذ البداية .
وأود قبل الإيضاح أن اوضح ان الغرب الإستعماري قد وهب فلسطين لمشروع التهويد وأن هذا الغرب ظل مواظبا على استكمال هذه الخطة منذ ما قبل وعد بلفور وحتى اليوم.
فبعد الدعوات التي انتشرت بشكل جدي في نهاية القرن التاسع عشر ، جرى ترسيم الموقف فيما عرف بوعد بلفورعام 1917م الذي نص على " إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ..." ، ومثل سياسة العديد من الدول الأوروبية وامريكا التي وافقت عليه قبل وبعد صدوره.
ثم جاء صك الإنتداب الذي اصدرته عصبة الأمم عام 1922م والذي نص على تكليف بريطانيا بتنفيذ وعد بلفور .
لقد كانت التربة مهيأة في حينه لإطلاق مثل هذه السياسات والمواقف ، حيث كانت البلاد العربية خارجة من فم الدولة العثمانية المهزومة وقد تناهشتها الدول الغربية وتقاسمتها كمستعمرات وفق اتفاقية سايكس بيكو 1916م ثم حرفت الثورة العربية الكبرى وهزمتها شر هزيمة.
وكانت وفود تقصي الحقائق المتتابعة ومشاريع التقسيم التي كانت كلها في خدمة ذات سياسة التهويد وارتباطا بتناسب مع المراحل التي قطعها مشروع التهويد.
ثم كانت حرب 1948 م الشكلية التي تظاهرت الدول العربية الخاضعة للاستعمار الغربي تحت عنوان وخديعة منع إقامة دولة إسرائيل التي خاضتها الجيوش العربية بقيادة القائد العسكري الإنجليزي ما يسمى جلوب باشا والتي خاضتها بريطانيا والمنظمات الصهيونية من الجانب الآخر وتمخض عنها الإعلان عن إقامة دولة إسرائيل على أراض فلسطين التي نسميها أراضي 1948م .
لم يتمكن الشعب الفلسطيني من هزيمة المشروع الصهيوني وهذا حديث آخر مررت عليه في كراستين ( "القيادة الفلسطينية من اللجنة التنفيذية العربية ، واللجنة العربية العليا والهيئة العربية العليا واللجنة التنفيذية لمنظمة التحريرالفلسطينية" ، وفي كراسة "ثورة 1936م – 1939 ما لها وما عليها" )
وبعد القفزة الثانية للمشروع التهويدي بحرب 1967 واحتلال الضفة الغربية من الأردن واحتلال قطاع غزة من مصر واحتلال الجولان السوري وسيناء المصرية .جاء قرار 242 عام 1967م وفيض من المشاريع المختلفة التي كانت كلها تكرس بقاء إسرائيل وحماية أمنها وتطالب بالإعتراف بها، وقد قبلته الدول العربية. وكان هذا الإعتراف المحطة الثانية في نخر الموقف القومي العربي بعد هزيمة 1948 واقامة دولة اسرائيل.
وبدأت تزداد الخطورة حينما تقدت أطراف فلسطينة بمشاريع وبرامج تكرس التهويد كتعبير عن حسن نية وتدوير زوايا الموقف الوطني الفلسطيني لصالح مشروع التهويد ودون الحصول على شيء.حيث جاء ما يسمي ببرنامج النقاط العشرة وهو ذاته ما عرف بمشروع الحل المرحلي الذي كرس صيغة دولتين لشعبين وأصبح السياسة الرسمية للقيادة الفلسطينية وقدته الجبهة الديموقراطية وفتح ووافق عليه الحزب الشيوعي الفلسطيني .
كان هذا البرنامج منسجما كذلك في شقه المتعلق بإسرائيل مع خطة التهويد القائمة على الأراضي المحتلة عام 1967م دون توقف .
وجاء كذلك ما يسمى بمشروع الملك فهد بصيغته النهائية عام 1980م بعد خض دام أكثر من سنة ليكون الموقف العربي الرسمي قد قبل بإسرائيل وحماية أمنها ومثل غطاء عربيا رسميا لهبوط الموقف الرسمي الفلسطيني .
ثم جاء أوسلو الذي خدم ولا زال يخدم مشروع الضم والتهويد المستمر والمتوسع والذي لم يضع له أي حد.
وكانت المبادرة العربية عام 2002م عن مؤتمر القمة في بيروت والتي شكلت غطاء لأوسلو وفاقته هبوطا ومثلت استعداد النظام العربي الرسمي للاعتراف بإسرائيل ومصالحها وامنها وإقامة العلاقات الطبيعية معها دون ان تحصل فلسطين على شيء.
وتقدم فلسطينون كثر بمبادرات جديدة فردية وجماعية تقوم على ما سمي بحل الدولة الواحدة التي جاءت متناسبة مع أهداف إسرائيل وأمريكا .
واليوم عبرت أمريكا لا عن مبادرة للنقاش بل عن سياسة ثابتة وقرارات ملزمة لها تحت عنوان صفقة القرن لتكرس وجود إسرائيل واستيطانها في كل انحاء فلسطين .
أولا :إن المبادرة ظاهريا من شقين :
شق يخص إسرائيل وشق يخص الفلسطينيين .
حصل الإسرائيليون على قرارات وسياسات ثابت للولايات المتحدة في كل ما يخصهم وهو الجزء الأساسي من الصفقة .
بينما حصلت فلسطين على كلام وتوجهات ووعود ومطلوب منها التنازل عن وطنها ومعه حقوق اللاجئين.
فيما يخص اسرائيل:
1- اعترفت الصفقة بالقدس عاصمة موحدة لإسرائل وهذا أمر قائم.كما اعترفت بسيادة اسرائيل على الجولان السورية .
2- اعترفت بكل الإستيطان المقام في الضفة الغربية وهو امر قائم وشرعته على انه تابع للسيادة الإسرائيلية ، بينما كان الموقف اللفظي الأمريكي والغربي سابقا يقول : " إن الإستيطان قد يضر بعملية السلام " وهذا منح إسرائيل الشروع في قرارات الضم دفعة واحدة أو بشكل متلاحق
3- واعترفت بشريط محاذي لحدود الأردن كتابع لدولة إسرائيل .
إتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائي تنص أن نهر الأردن وخط يمر من وادي عربة حتى خليج العقبة هي الحدود الرسمية بين إسرائل والأردن .
وبهذا كرست أن كل الضفة العربية تحت السيادة الإسرائيلية . وهذه قفزة جدية بالمعنى الرسمي وهي مكرسة عمليا وقائمة فعليا في الواقع – أي ليست وعود أو مبادرات بل هي سياسة أمريكية رسمية
4- إن الصفقة في الجانب الإسرائيلي لم تحد من الإستيطان ولا من توسع المستوطنات ولا من الهجرة الجديدة والسكن في هذه المستوطنات ، مما يعني أن ميدان الإستيطان الجديد وتوسع المستوطنات القائمة سيأخذ مداه في الضفة الغربية بالتحديد وبالتحديد وفقط ولن يتوقف قضم الأراضي .
5- الصفقة ترفض عودة اللاجئين الفلسطينيين

ملاحظة هامة : أمريكا اطلعت شركائها الغربيين على هذه القرارات وحصلت على تأييدهم وموافقتهم كما هو العرف المتبع بينهم .
أين تقع هذه المواقف ؟ إنها منسجمة تماما مع السياسة الغربية ومحطاتها وتناسبها مع أطوار مشروع تهويد فلسطين ، بل هي محطة هامة من محطاته وأكثرها خطورة ، وكل البرامج والمواقف التي سبقتها كانت تمهيدا لها ، وجاءت هي تتويجا خطيرا وقد يتبعه خطوات أخرى وربما أن الخطة المكونة من ثمانين صفحة كما صرح ترامب تحتوي على ما هو أشد خطورة وأكثر .وهذا سنأتي عليه لاحقا .
فيما يخص الفلسطينيين :
في البداية ما كان أمام ترامب من خيارات لتجاهل الوضع الفلسطيني بحكم وجود جزء من الشعب الفلسطيني قائما فغليا في الضفة الغربية لا مجال للقفز عنه ولذلك تمضنت الصفقة عنع بعض البنود وهي ليست قرارات بل خاضعة للتفاوض على قاعدة وفقط على قاعدة القبول بالصفقة :
1 – وعد بإقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا .
قلب ترامب :"وسنعمل على تحقيق اتصال جغرافي بين أراضي الدولة الفلسطينية". يعني طريق عريضة( م.ف)
"قالت صحيفة واشنطن بوست إن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تقترح إعادة رسم الحدود بالضفة الغربية لضم المستوطنات الكبرى ومنطقة غور الأردن لإسرائيل.
وأضافت الصحيفة نقلا عن مصدرين مطلعين على الخطة، التي من المقرر أن يكشف عنها ترامب مساء اليوم الثلاثاء، أنها ستوفر حكما ذاتيا محدودا للفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية، على أن يتزايد الحكم الذاتي للفلسطينيين على مدى ثلاثة أعوام إذا وافقت القيادة الفلسطينية على تدابير سياسية جديدة، واتخذت خطوات أخرى في إطار المفاوضات مع إسرائيل، وتخلت عما وُصف بالعنف".

2 - وعد بخمسين مليار دولار تنفق على هذه الدولة سيتم جمعها من الدول العربية ومانحين.
"كتب محرر صحيفة "هآرتس"، حيمي شيلو، أن الكشف في هذا التوقيت عن خطة ترامب الذي يواجه إجراءات لعزله في الكونغرس الأميركي كما نتنياهو الذي يواجه تهم فساد، لا تهدف إلى إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وإحلال السلام بالشرق الأوسط، وإنما لتمكين حكومة نتنياهو ضم أجزاء من الضفة الغربية وفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات دون انتقادات قوية من المجتمع الدولي."
ومن المعلوم ظاهريا أن الخطة التي وضع مشروعها قبل أكثر من سنتين لم يشارك الفلسطينيون رسميا في نقاشها والتحاور حولها بينما كان يهود البيت الأبيض على تواصل مع يهود إسرائيل خلال إعدادها وتطويرها إلى الحد الذي وصلت إليه وأن ترامب دعا كل من نتنياهو وبني غينتس للإطلاع على الخطة قبل إعلانها وان نتنياهو اصطحب معه عدد من كبار رجالات الإستيطان للتشاور وحضور مراسيم الإعلان . وهذا يعني أن الجانب الإسرائيلي موافق تماما بل وسعيد جدا بسبب ما تضمنته الصفقة للجانب الإسرائيلي .
ومن المعلوم كذلك أن الفلسطينون الرسميون يعبروا دوما عن رفضهم لهذه الصفقة وهم دون شك يعرفون بنودها من خلال العرب الذين اطلعوا عليها وربما من خلال تقاليد تواصل أخرى.
إنه ليس أمامهم سو رفضها كونها قبل كل شيء شرعت ضم أجزاء كبرى من الضفة العربية وتجاهلت اللاجئين وقدمت شكلا من أشكال الحكم الذاتي ليس أكثر ووعدت بنمو الحكم الذاتي إلى ما يشبه دولة مستقلة بعد أربع سنوات .
هذا الوعد لا يختلف عن ما جاء في أوسلو الذي حدد التفاوض على الوضع النهائي خلال مدة أقصاها خمس سنوات

ويجزم شيلو محرر صحثفة هآرتس " أنها
.."صيغت بشكل متعمد ليرفضها الفلسطينيون..."
أي أن العدو الإسرائيلي وقد أخذ حصته من الصفقة في جيبه وأعلن قبولها وموافقته عليها ليس ملزما بالتنازل عن شيء من الضفة الغربية للفلسطينيين قبل المفاوضات والقبول المسبق للصفقة.
سيهرع كتبة ومحللون للمناداة بقبول الصفقة ومن بينهم أصحاب حل الدولة الواحدة والذين يرون تجسيدها كدولة للمستوطنين قاب قوسين أو أدنى وينتقدونها فقط أنها لم تتضمن بندا إضافيا بإعلان الدولة الواحدة وضم قطاع غزة والضفة الغربية اليها .