أهكذا تحتفلون؟


قاسم حسن محاجنة
2020 / 1 / 23 - 12:45     

توطئة : من المتوقع أن يصل إلى إسرائيل، أكثر من أربعين رئيس دولة للمشاركة في " الإحتفال" بذكرى تحرير معسكر الإبادة النازي أوشفيتس .... وكنتُ قد قرأتُ قبل أيام ، بوستا على مواقع التواصل الاجتماعي، كتبته سيدة باسم والدها، الناجي من معسكر الإعتقال، والذي تقدم بطلب خطي للمشاركة في اللقاء الذي سيقام في مركز "ياد وشيم"، يد وإسم، المخصص لتخليد ذكرى ضحايا معسكرات الاعتقال النازية، لكن طلبه رُفض، فهو وكما قالت ابنته مجرد ناجٍ من معسكرات الموت ، وليس شخصية عامة ...
وقد نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت مقالا ، لسيدة اسمها شوشانا حين وهي إبنة السجينة الناجية من اوشفيتس صاحبة الرقم 48956. وارتأيت أن أترجمه، لما فيه من مرارة، وما يحمله في طياته من صلاحية أخلاقية لجميع الشعوب التي ضحت وحُيدت ... إلى هنا التوطئة ..
إن المسوغ الوحيد لمشاركة قادة العالم في اللقاء العالمي حول الهولوكوست، يكون مقبولا، إذا قام كل هؤلاء الزعماء وفردا فردا، بالتصريح باسمه الشخصي وباسم حكومته، بأنهم سيحاربون دون هوادة، كل تجليات اللاسامية في بلدانهم. وخاصة بعد مرور 75 عاما على تحرير اوشفتس ، وبالذات بعد ان بدأت اللاسامية ترفع رأسها البشع من جديد، وبكل قوة . ونحن ملزمون ومن هنا من القدس ، القول: ليس بعد.
اوشفتس ، أكبر معسكرات الإبادة، هو رمز ومثال للهاوية البشعة التي من الممكن ان تنحدر اليها اللاسامية. ودون اعلان كهذا، فسيبقى الطعم المر ، في افواهنا، من هذه الجولة للعلاقات العامة والدعاية الشخصية، (للقائمين على هذا اللقاء- ق.م)، ومع شعور بالإهانة تجاه اوشفيتس، بقتلاه والناجين منه.
إذن بماذا يحتفلون هنا بالضبط؟ فيوم تحرير اوشفتس لم يكن يوم عيد لأحد. فغالبية اليهود الذين أُحضروا الى جهنم هذه، لم يتواجدوا عند التحرير. فمليون ومائة ألف منهم – يهود بولندا، هنغاريا، اليونان ، سلوفاكيا، فرنسا وهولندة ودول أوروبية أخرى – قد تحولوا منذ زمن الى رماد. وعشرة أيام قبل التحرير ، في الليلة الواقعة بين ال17 – وال18 من يناير ، خرج ما يُقارب ال-58 ألفا والذين نجوا من الجحيم ، خرجوا الى مسيرة الموت، وفي ال-27 من يناير بقي اكثر من 30 الفا، وهم الناجون من مسيرة الموت في جهنم الجديدة وهي مجموعة من معسكرات الإبادة في المانيا ، ومنها تم تحريرهم في الأسبوع الأول من مايو- أيار.
يم تحرير اوشفتس لم يكن يوم عيد ، وغالبية اليهود الذين أُحضروا الى جهنم تلك، لم يتواجدوا اثناء التحرير. 1.1 مليون منهم تحولوا منذ زمن الى رماد.
وجد الجنود الروس والذين حرروا اوشفتس ما بين 2000 الى 7600 ناجٍ، حسب التقارير المختلفة، والذين بقوا هناك لأنهم لا يستطيعون السير، لقد زحفوا كالحرباءات، حسب الوصف الصادم ل- ك. تسيتنيك، والذي وضع التعريف المقشعر للأبدان ل"موزلمان" ، السجين العادي في اوشفتس: " بشرٌ وزنهم كوزن عظامهم وامعاؤهم دقيقة كخيوط العنكبوت". ولقد اختارت دولة إسرائيل الاحتفال بتحريرهم على وجبة ملوكية في بيت الرئيس (الإسرائيلي)؟ وعلى شرفهم يعمل منذ أسابيع مجموعة من المنتجين ، الشيفات، و-200 من النوادل، من اجل تجهيز الوجبات التي تلائم الأذواق المختلفة والحديثة ؟ أقرأُ ولا أُصدق . أجُننتم؟
بطاقة الدخول الى أوشفتس، كانت الرقم الذي تمت كتابته بالحديد المحمى ، على أذرع السجناء، دون تخدير، وهذا الرقم كان يجب ان يكون بطاقة الدخول المفضلة الى الطقس في ياد وشيم ، وليس تخصيص 40 كرسيا للناجين من الهولوكوست، وهذا ما تبقى بعد أن شغل غالبية ال- 780 مدعوا ، كافة المقاعد. ان الخيمة التي أُقيمت ( لغرض الطقس) لهذا الهدف ، كان يجب ات تمتلئ بأصحاب الأرقام- وخاصة الذين يستطيعون القدوم – مع رؤساء الدول المدعوين، فقط . فلن تستطيع أية شرائح (محوسبة ) ان تساوي أصحاب الأرقام الذين يحملونها على أذرعهم اليسارية ، قائلين بصوت مدو: نحن هنا. وكان بالإمكان ترك الصحافيين وأعضاء الوفود خارجا، والشعور ولو بشكل قليل بالبرد – وذلك تضامنا مع اوشفيتس وللتذكر بان البرد المقدسي لمرتدي المعاطف هو فندق عشرة نجوم، مقارنة بأحد صباحات "الفرز" في برد شهر يناير في اوشفتس.
من سينفض الغبار عن عيون روزا روبوتا، والتي كبرتُ على قصة قصيدتها- وصيتها. الصغيرة التي شُنقت في ساحة الاستعراض في اوشفيتس مع صديقاتها، لانهن قمن بتهريب القليل من مسحوق البارود من مصنع للسلاح في المعسكر ، للمتمردين في الزوندركوماندو. التمرد الذي ورغم احباطه وقمعه أوقف غرف الغاز عن العمل من أكتوبر 1944، والذي لم تستطع القيام به قوات دول جزء من ضيوفنا. من سيلقي القصيدة التي طلبت القاءها قبل شنقها : أيها اليهود ، انتم ستنسون . سيأتي يوم وتعودون الى حياتكم الطبيعية ، وتنسون من تواجد هنا . حتى هي، وفي احلامها الأشد غرابة ، لم تتخيل أن يأتي اليوم ، ويقدم الى القدس 48 قائد دولة ويحتفلون على وجبة ملوكية بذكرى تحرير اوشفتس – تحرير لم تحظ به هي ولا كل الحاضرين في ساحة الاستعراض تلك في اوشفيتس .
ولن يُفسدَ أحدٌ الاحتفالية الدبلوماسية بأن في ذاكرة اوشفيتس فقد كانت قشرة متعفنة لحبة بطاطا بمثابة وجبة شهية .