بعد الهجوم الصاروخي الايراني


جاسم ألصفار
2020 / 1 / 15 - 21:40     

د. جاسم الصفار
15/01/2020
ما الذي حصل فجر يوم 8 يناير/كانون الثاني، أي يوم الانتقام الايراني ردا على الجريمة التي اقترفتها الولايات المتحدة الامريكي فجر 3 يناير/كانون الثاني واغتيالها لقائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني والقيادي في الحشد الشعبي العراقي ابو مهدي المهندس ومرافقيهم في مطار بغداد الدولي، وما هي تبعات هذا الحدث، والاستنتاجات الاهم التي يمكن استنباطها منه؟
في صباح يوم 8 يناير / كانون الثاني ، وجهت إيران ضربة لهدفين أمريكيين في العراق بإطلاقها 35 صاروخًا بالستيا على قاعدتين عسكريتين أمريكيتين في العراق. وحسب ما كتبه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على حسابه في تويتر أن إيران شنت هجومًها على القاعدتين الامريكيتين وفقًا لميثاق الأمم المتحدة ، وأنها تصرفت في إطار الدفاع عن النفس ومن أجل منع العدوان العسكري عليها. وأضاف ظريف أن إيران هاجمت تحديدا، القاعدة الامريكية التي انطلق منها "العدوان الشرس على مواطنينا وقائدنا". ومن أصل 35 صاروخًا أطلقتها إيران، أصابت 22 منها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في العراق- عين الأسد.
مباشرة بعد الهجوم الايراني كتب الرئيس الامريكي دونالد ترامب على صفحته في التويتر مغردا "كل شيء على ما يرام"، مضيفا، أن قاعدتين امريكيتين في العراق تعرضتا لهجوم من جانب ايران، وانه لم يتسبب الهجوم بسقوط ضحايا من القوات الامريكية ولم تتكبد سوى اضرار مادية محدودة يجري جردها.
وخلال خطابه الذي القاه صبيحة ذلك اليوم، بعد الهجوم الايراني ، كان الى جانب الرئيس الأمريكي ممثلي القيادة العسكرية الأمريكية ، ورئيس البنتاغون نفسه ، وكذلك وزير الخارجية الأمريكي. بدأ خطاب ترامب بالكلمات التالية: "طالما أنني رئيس الولايات المتحدة ، فإن إيران لن تكون قادرة على امتلاك أسلحة نووية". وأكد في خطابه من جديد أن القوات الامريكية في العراق لم تتكبد أي خسائر نتيجة للهجوم الايراني ، وكان الضرر ، في حالة حصوله، ضئيلًا للغاية.
في تعليقه على خطاب الرئيس الامريكي دونالد ترامب قال الملياردير الامريكي توم شتاير ، "أنا سعيد لأن أيا من المواطنين الأمريكيين أو العراقيين لم يقتل خلال الهجوم الإيراني ، لكن اسمحوا لي أن أضيف أن هذه الأزمة برمتها بدأها رجل واحد فقط - ترامب. وأظهر كل خطابه اليوم مرة أخرى مدى عدم استقرار وضعنا الآن بسبب استراتيجيته أحادية القطب. "
اذا، حسب ترامب وما تناقلته وكالات الانباء العالمية عن الادارة الامريكية، لم تكن هنالك خسائر في الارواح. على الرغم من ان ايران كانت قد اعلنت مباشرة بعد هجومها على القاعدتين ان ما لا يقل عن 80 جنديا امريكيا قد قتلوا وجرح اكثر من 200 جنديا. وفي وقت لاحق اعلن علي حاجي زادة، قائد القوات الجوية الايرانية أن «الهجوم على قاعدة عين الأسد أوقع عشرات القتلى والجرحى على الرغم من أننا لم نسع بأن أحدا قد قتل!»، وتابع: « إن «9 طائرات أميركية قامت بنقل القتلى والجرحى إلى إسرائيل والأردن ومستشفى في بغداد»، معتبرا أن «ما قاله ترامب بشأن عدم وجود خسائر هو كذب».
كما ان مراسل صحيفة هاآرتيس الاسرائيلية كتب في نفس اليوم ، على حسابه في التويتر، أن 224 جنديا أمريكيا أصيبوا بجروح وتم نقلهم إلى تل أبيب. بالطبع ، بعد مرور ساعة واحدة على نشر مراسل الصحيفة الاسرائيلية لتغريدته ، تم حظر الوصول إلى حسابه على تويتر. كما ان قناة العربية، من جهتها، كانت قد ذكرت في ذلك اليوم، سقوط العديد من افراد القوات الامريكية في قاعدة عين الاسد قتلى نتيجة للهجوم الايراني.
ولو افترضنا جدلا صحة الرواية الامريكية، بعدم تكبد القوات الامريكية أية خسائر بشرية، خاصة وأن الهجوم الصاروخي الايراني وقع في الساعات الأولى من الصباح، والتي يكون الجنود الامريكان فيها قد خلدوا الى النوم في مخابئهم الامنة، في ظرف استثنائي يستدعي اجراءات اضافية لتأمين حياة من في القاعدة حذرا من أن يطالهم الانتقام الايراني. الا انه لا يمكن تصديق الرواية الامريكية بان الاضرار المادية كانت ضئيلة والعالم قد شاهد من على قناة CNN حجم الدمار الشامل الذي تعرضت له قاعدة عين الاسد.
واي كانت الخسائر التي تكبدتها القوات الامريكية نتيجة للهجوم الايراني، فانه لابأس بأن نتذكر تصريحات الرئيس الامريكي التي سبقت الهجوم الصاروخي على القاعدتين الامريكيتين، والتي توعد فيها بالرد على ايران "بصورة غير متكافئة" حتى وان كان الرد الايراني على اغتيال قاسم سليماني محدودا وضعيفا، ووعد حينها بأنه مستعد لإصدار أمر بمهاجمة 52 " هدفًا مهما من الناحية الاستراتيجية" على الفور في إيران. وقد حملت القيادة الايرانية تهديد ترامب محمل الجد، وأعلن قائد القوات الجوية الايرانية علي حاجي زادة فيما بعد «كنا نتوقع ردا أميركيا وكنا مستعدين لمواجهة شاملة، بحيث ستكون ضرباتنا أقوى وضمن منطقة جغرافية أوسع، لكن ضبط النفس الأميركي حال دون الحرب».
الهجوم الايراني اوجد وقائع على الارض يصعب تجاوزها مهما حاولت الماكنة الاعلامية الامريكية التغطية عليها. فمن جهة، تزعزعت الثقة بقدرة الدفاعات المضادة الامريكية على التصدي للصواريخ الايرانية، مما يعزز ثقة الايرانيين بقدرتهم على المواجهة ويسمح لهم باعادة ترتيب خططهم العسكرية سواء في الخليج أو على خط المواجهة مع اسرائيل. ومن الجهة الثانية، فهذه هي المرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أي منذ ان أصبحت فيها الولايات المتحدة قوة عظمى، تتعرض فيها قاعدة عسكرية أمريكية لقصف دولة أخرى.
وكما قال قائد حرس الثورة في إيران اللواء حسين سلامي في جلسة مغلقة للبرلمان الايراني، صباح يوم الاحد 12 يناير/كانون الثاني، إن هدف إيران من قصف القاعدة الأميركية في "عين الأسد"، لم يكن قتل الجنود بل تنفيذ العملية وكسر اعتبار واشنطن والقضاء عليه، موضحاً أنه "كان يجب أن نردّ بطريقة نتفوق فيها على الجانب الأميركي من الناحية التكنولوجية والاستراتيجية والتكتيكية".
واخيرا فان هذه الوقائع الجديدة التي فرضها الهجوم الصاروخي الايراني على القاعدة العسكرية الامريكية- عين الاسد، يجعل بقاء القوات الامريكية في العراق وسوريا، على اقل تقدير، غير امن. خاصة بعد ما اعلنته حركات المقاومة الحليفة لايران، في لبنان والعراق، من ان الوضع في المنطقة لم يعد يحتمل بقاء القوات الامريكية هناك، تحت اية ذريعة كانت.