الغزو التركي لليبيا!


فهد المضحكي
2020 / 1 / 11 - 10:17     

اعتبر توماس بييريه الباحث الفرنسي بالمركز القومي للبحوث العلمية، المتخصص في الشأن السوري أن هناك عدة مآرب حقيقية من تحرك الرئيس التركي رجب طيب اردوغان نحو غزو ليبيا.

حسب موقع (العين الإخبارية) أشار بييريه لإذاعة فرنسية «إر، إف، إي» إلى أن اردوغان يطمع بالسيطرة على ثروات المتوسط، ولديه مشروع للامتداد الجيوسياسي في شمال افريقيا، وأضاف إن «الغزو التركي لليبيا بالنسبة لأنقرة مسألة وجودية، لتحقيق مطامع اردوغان في منطقة شرق البحر المتوسط، وإن اردوغان كرَّس جهود بلاده عسكريًا ودبلوماسيًا، كي لا يكون المجال مفتوحًا أمام الدول المنافسة له في المنطقة».

إن دعم وتمويل الجماعات الارهابية وتحديدًا تنظيم الاخوان، أحد أبرز أسباب التدخل التركي في ليبيا.

ويرى الباحث أن إسقاط الاخوان في مصر والسودان وسوريا، أسهم في تسريع وتيرة تدخل اردوغان في ليبيا عبر حكومة السرّاج.

تطمع تركيا ومن أجل مصالحها إلى فرض الأمر الواقع من خلال التدخل المباشر في ليبيا لصالح حكومة الوفاق الوطني، ومن بين هذه المصالح التي ذكرها أستاذ القانون المغربي رضا الفلاح تتوزع على عدة مستويات:

على المستوى الجيو اقتصادي، يحتدم الصراع بين دول شرق المتوسط بشأن استغلال الاكتشافات الهائلة للغاز الطبيعي، وتتطلع تركيا إلى بسط هيمنتها على منطقة شرق المتوسط عن طريق ترسيم الحدود البحرية مع حكومة السرّاج مع العلم أن هذا الاتفاق يتعارض مع مقتضيات القانون الدولي للبحار، بالاضافة إلى أن تنفيذه الفعلي محفوف بالمخاطر؛ لأن يضع تركيا في مواجهة مباشرة مع كل دول المنطقة، ويحق التساؤل هنا إن كانت تركيا تغامر بانتهاج سياسة القوة وبالمراهنة على حكومة الوفاق الوطني الليبية، لكن من جهة أخرى، فهل كان أمام تركيا خيار آخر خاصة بعد استبعادها من منتدى غاز شرق المتوسط الذي أسسته اليونان وقبرص ومصر وفي سياق الاتفاق على إنشاء أنبوب للغاز الطبيعي والذي يصل اليونان بالاتحاد الأوروبي عبر قبرص وايطاليا.

وعلى الصعيد السياسي، فالاستراتيجية التركية هنا واضحة وتعتمد على كل الوسائل العسكرية من نقل للسلاح وتزويد المليشيات المسلحة التي تواجه قوات حفتر والجماعات التي تقاتل جانبه بالعتاد الحربي وإرسال شتى أنواع المرتزقة إلى ليبيا.

تأمل تركيا من خلال هذا النهج العنيف، وهي تدري حتمًا استحالة الحسم العسكري إلى التموقع كلاعبٍ أساسيٍ في المسار السياسي الاأمي لحل النزاع من أجل الحفاظ على مصالحها في مرحلة ما بعد تدمير ليبيا.

إن المصالح التركية تندرج بشكلٍ فجٍ في خانة الأطماع الخارجية التي لا يمكنها الاختباء وراء مبادئ إنسانية او تسويغها وفقًا لرؤية الشرعية الدولية، وهي بالتالي تنضبط بشكلٍ صريحٍ ببراغماتية استعراض القوة، وتشكل الثروات النفطية الليبية محط أطماع تركيا نظرًا للعجز التجاري الهيكلي الذي تعانيه تركيا جراء التبعية الطاقية، ونظرًا لحاجيات الاقتصاد التركي إلى البترول الليبي بحكم جودته العالية وضعف كلفة استغلاله.

إن خيار التدخل العسكري التركي في ليبيا هو استمرار سياسة تدخلية سابقة، ويؤشر على دخول حرب بالوكالة بليبيا إلى مرحلة اقتتال أهلي تغذيه ميلشيات المرتزقة ومقاولات الحرب الخاصة من كل جانب.

من هذا المنطلق، يمكن اعتبار التحرك التركي بمثابة خطوة محسوبة من أجل فرض شروطها وتحقيق مكاسبها من خلال التسوية السياسية التي ستتلو مرحلة الاقتتال الداخلي.

ومن المؤكد أنها تدري مسبقًا أن الطرف الذي تراهن عليه ضعيف ولن يقوى على تحقيق انتصارات ميدانية، لكنها لا تريد أن تجد نفسها خارج دائرة المساومات والصفقات وتوزيع الغنائم بعد أن اتضحت قدرة الجيش الليبي ومناصريه على حسم المعركة ودخول طرابلس ومصراته.

يبدو أن الأهم – كما يعلق الكاتب – بالنسبة لتركيا ليس هو تحقيق نصر عسكري يبقى شبه مستحيل في كل الأحوال وإنما هو المتوقع على مائدة تقسيم الكعكة الليبية من امتيازات الاستفادة من النفط الليبي، ومن عقود إعادة الإعمار خاصة في سياق تداعيات الأزمة الاقتصادية وانخفاض سعر العملة وتراجع أرباح الشركات التركية.

إن تصويت البرلمان التركي على إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا هو تحصيل حاصل، وقد جاء فقط للعب دور غطاء الشرعنة الداخلية لقرار تنفيذي نابع من المؤسسة العسكرية ومن رئاسة تركيا، وفي نفس الوقت لحشد إجماع وطني لصالح التوجهات القومية لحزب العدالة والتنمية.

وبالإضافة إلى هذا التصور يعتقد أن مما عجَّل باتخاذ هذا القرار عدم معارضته من قبل أمريكا التي تنتهج سياسة الانسحاب من البؤر الساخنة في المنطقة وتفضل بدل ذلك دفع القوى الإقليمية إلى استنزاف طاقاتها في حروب داخلية طالما تمسك بالأوراق الضاغطة وتستطيع استعمالها متى وكيف شاءت.

ومما لا شك فيه إن تركيا توصلت إلى تفاهم تكتيكي مع روسيا من أجل تجنب الصدام المباشر على الأرض او السماء الليبية، علمًا إن ردة فعل روسيا كانت محتشمة وكأنها كانت تتوقع التحرك التركي، وهذا ما يرجح فرضية التفاهم الروسي التركي بالرغم من دعمها لأطراف متصارعة، وما يشجع تركيا على تنفيذ مخططها هو ايضًا الضعف والانقسام العربي والمغاربي، وهذا ما جعل الرئيس التركي يتوجه الى تونس ويدعوها هي والجزائر الى اجتماع برلين الأممي المخصص للشأن الليبي وكأنه متيقن من دعم البلدين لمغامرته الليبية، هذه الزيارة والإعلان المرافق لها وبعض التفاصيل الأخرى تكشف عن العقلية العثمانية الجديدة التي قد تصطدم بتعقيدات المجال الليبي، وبخطط الدول الأكثر تضررًا من التحرك التركي وعلى رأسها روسيا ومصر واليونان والامارات.

إثر هذه التطورات يبدو الوضع في ليبيا مفتوحًا على أسوأ سيناريوات الحرب الأهلية الشاملة مع ما قد ينجم عنها من ارتفاع كبير في عدد الضحايا المدنيين واللاجئين والتسبب في نزوح جماعي للسكان.

إقليميًا سيقوي هذا الوضع من شبح المخاطر الأمنية الذي يخيِّم على منطقة المغرب الكبير والصحراء والساحل.