دلالات الضربة الايرانية على القواعد الأمريكية فى العراق


صلاح السروى
2020 / 1 / 8 - 22:25     

دلالات الضربة الايرانية على القواعد العسكرية الأمريكية فى العراق.

لم يتأخر الرد الايرانى على اغتيال الجنرال قاسم سليمانى. بل جاء فى توقيت رمزى دال, حيث انطلقت الصواريخ فى اللحظة ذاتها التى تم فيها اغتيال الفريق قاسم سليمانى وتم ضرب المكان ذاته الذى انطلقت منه المسيرة الأمريكية (قاعدة عين الأسد) ولم يتم دفن قاسم سليمانى الا بعد توارد أنباء الضربة. مما يؤكد الدلالات الرمزية للضربة, فهى تحمل معنى الثأر والردع والقصاص لما اعتبرته ايران مساسا بكرامتها الوطنية, نظرا للخصوصية الاستثنائية لشخص قاسم سليمانى الذى كان يعد الذراع الايرانى الطويل والمؤثر بقوة فى خارج ايران, سواء العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن. ومن هنا نفهم أسباب هذا التوديع الأسطورى لجثمان قاسم سليمانى وما أسميته بالطبيعة الرمزية للضربة. فهى مسألة اثبات أحقية بالنفوذ ومسألة كرامة وطنية وجدارة بالسيطرة. وهو الأمر الذى ينسف من الأساس مايتلهى به البعض من القول بأنها تمثيلية بين أمريكا وايران وأن الضربة كانت فشنك أو أن الأمريكان تم ابلاغهم بها وبالتالى قاموا باخلاء القاعدة ولم تحدث خسائر !!!
وهذه الأقوال أقل ما يقال عنها أنها بائسة ومسكينة وتستبدل الميول الشخصية بالحقائق. فمجرد اغتيال قاسم سليمانى ومن ثم الرد الايرانى ينفى ما يود البعض تأكيده من تحالف مضمر بين أمريكا وايران. ومن قبل ذلك اغتيال قادة حزب الله وضرب قواعد الحرس الثورى فى سوريا على أيدى القوات الاسرائيلية, واسقاط ايران للطائرة الأمريكية المسيرة فوق الخليج.
ان هذا الضرب المتبادل انما يعنى أن الصراع بين القوتين انما هو صراع عدائى ومحتدم للغاية. وهو بالتأكيد صراع نفوذ ومصالح جيوبوليتيكية, بمعنى أن أمريكا تعتبر نفسها القوة الآمرة الناهية فى العراق والمنطقة, بحكم أنها صاحبة عملية غزو العراق وصاحبة الهيمنة التى لاتنازع على الأنظمة الحاكمة فى معظم دول المنطقة. المشكلة بالنسبة لأمريكا أن المستفيد الأول من غزوها للعراق, وتحطيم قوته والقضاء على جيشه ومؤسساته الوطنية, كانت ايران, التى استفادت من الجوار الجغرافى والقرابة المذهبية مع غالبية سكانه. ومستفيدة كذلك (وهذا هو الأكثر أهمية) من أن كثيرا من الحكام الجدد الذين جاؤا على فوهات المدافع الأمريكية يدين معظمهم بالولاء لايران, وبعضهم يحمل جنسيتها. ومن هنا صار هناك نوع من صراع النفوذ على العراق بين المحتل الأمريكى المباشر و(المحتل الايرانى) بالوكالة.
أضف الى ذلك أن الطموحات الايرانية انما تتم تحت غطاء العداء الوجودى مع اسرائيل, وتقديم المساعدة الكاملة وربما الوحيدة لقوى المقاومة فى المنطقة, بدءا من حزب الله وحماس والجهاد والحوثيين حتى الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية. وهو ما يمنح الطموح الايرانى مشروعية خاصة, من حيث تماسه الايجابى مع أقدس القضايا عند العرب والمسلمين, وهى القضية الفلسطينية, فى زمن الخذلان والتراجع العربى, بل خيانة بعض العرب بالتطبيع مع العدو الصهيونى, وربما وصل الأمر الى حد التحالف معه, سرا أو علانية.
ان الرد الايرانى القوى والتراجع الأمريكى المستخذى, الذى تبدى فى ابتلاع الضربة وتمريرها دون رد (حتى الآن), سوى التهوين من شأن الخسائر التى ألحقتها, حقيقة لامراء فيها. وهى تدل على خشية أمريكا من التورط فى صراع تدفع فيه ثمنا باهظا هى وحلفاؤها, وعلى رأسهم اسرائيل وممالك الخليج. فقد بد القواعد الأمريكية المترامية فى أرجاء المنطقة بمثابة رهائن وبنك أهداف لدى الصواريخ الايرانية بأكثر من كونها قوة ردع وتدمير.
وهذا كله انما يدل على تراجع القوة والنفوذ الأمريكيين, على الصعيد العالمى لصالح قوى جديدة بازغة: اقليميا, ومنها ايران وتركيا, وأتمنى أن تلحق بهما مصر.
ودوليا, وأقصد بها روسيا والصين.
فعلى من يعلق آمالا على التحالف مع أمريكا أو ربيبتها اسرائيل, أو طلب الحماية منهما أن يعيد حساباته