الصحراء الغربية... القضية المغيّبة في المغرب


فوزي بن يونس بن حديد
2019 / 12 / 21 - 17:19     

مازالت هناك بقع في العالم لم تنل الاستقلال التام ونحن في القرن الحادي والعشرين فإما أن تكون مستعمرة كفلسطين وبعض الأقاليم، أو تحت سيطرة الحكومة المركزية كالصحراء الغربية في المملكة المغربية وغيرها، وسأتحدث عن الثانية باعتبار أن الأولى واضحة المعالم، ففلسطين دولة ترزح تحت الاحتلال الصهيوني منذ أكثر من سبعين عاما ولم تشأ إسرائيل إلى اليوم أن تخرج من البقاع المقدسة ومن فلسطين برمّتها التي احتلتها بموجب وعد بلفور المشؤوم، لكن الصحراء الغربية في المملكة المغربية مازالت هي الأخرى ترزح تحت سيطرة الدولة المركزية رغم الدعوات الكثيرة بمنحها النفوذ الذاتي كإقليم كردستان في العراق وكتالونيا في إسبانيا وغيرهما من الأقاليم التي تطالب بالاستقلال التام عن الدولة المركزية، لكن رؤية المملكة المغربية إلى اليوم لا تتطابق مع رؤية البوليساريو لأن الأخيرة مصرة على الفكاك عن المملكة المغربية وتحاول أن تنشئ نظاما جمهوريا ديمقراطيا بعيدا عن الملكية وتوريث الحكم.
وقد ناضل الصحراويون من أجل تحرير الصحراء الغربية من قبضة الدولة لكنها لم تفلح إلى الآن، لأن المملكة المغربية غير جادة في منح الإقليم الاستقلال التام، أو حتى منح النفوذ الذاتي بسبب التخوّف من التغوّل داخل الدولة وكسب التأييد العالمي وقد تصبح القضية عالمية يدافع عنها كثير من الدول الكبرى، فالأمم المتحدة وإن كانت تدافع عن حقوق الصحراء الغربية إلا أنها غير جادة كما يبدو في ذلك، أو أنها تخضع لإملاءات أمريكية كانت ولا تزال تساعد الدولة المركزية ضمنا من أجل السيطرة على تلك البقعة، رغم أن البوليساريو هي الأخرى استطاعت السيطرة كليا على ثلث المكان، وبقي الثلثان تحت السيطرة المغربية، كما نشأت أو بالأحرى نشبت بينهما نزاعات عدة حاولت الأمم المتحدة إطفاءها بلا جدوى، وبقيت المشكلة إلى الآن قائمة، وكلما فُتح الملف قامت الدنيا في المملكة المغربية لتتحدى أي إجراء يمكن أن يحل المشكلة.
فالمشكلة قائمة، والكل يعترف بذلك، ولم تمارس الدول الكبرى ضغوطات كبيرة على المغرب لإثنائه عن موقفه الرافض لمنح الجبهة استقلالها التام أو النفوذ الجزئي، فروسيا التي ضمّت إقليم القرم واعتبرته جزءا روسيّا لا توافق على استقلال الصحراء الغربية وتؤيد المغرب إلى جانب فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، بينما هناك دول أخرى تعترف بالصحراء الغربية كليّا كالدول الإفريقية غير العربية وربما أيضا الجزائر لها موقف أزعج المغرب فقطع العلاقة معها وأغلق الحدود بسبب ما كانت تدافع عنه الجزائر، ووقف الاتحاد الافريقي جزئيا إلى جانب الجبهة ومنحها العضوية الكاملة وباتت الصحراء الغربية تناضل من أجل تحرير بقية ما تبقى من المكان حتى تسيطر عليه وتعلن إقامة الاتحاد الصحراوي، بعيدا عن أي مناكفات، وبما أن الموقف الدولي لم يكن متصلبا أو جريئا تجاه هذه القضية، فلن تمارس الدول الكبرى ضغوطاتها ولن يسهم الإعلام في التعريف بهذه القضية الجوهرية في المملكة المغربية، وستبقى قائمة إلى حين، أو حتى يتغير الوجه العالمي، أو تتنازل المملكة المغربية عن موقفها الرافض للاستقلال.
وأيا كانت المواقف الدولية، فمن حقّ الصحراء الغربية أن تتمتع بالاستقلال في استفتاء يقام داخل الجبهة، أو يكون لها نفوذ خاص وتبقى تتبع الدولة المركزية، وهو ما يجري في كثير من أقاليم العالم، ومقتضى الديمقراطية أن يمنح المغرب فرصة لأبناء الصحراء الغربية حتى يعبروا عن رأيهم في القضية، وأن يترك لهم حرية الاختيار بين الانضمام كليّا للمغرب أو الاستقلال التام أو الجزئي في استفتاء شعبي كبير تحت إشراف الأمم المتحدة ومراقبين من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الافريقي، ومن ثم يمكن لهذا النزاع أن يموت ولن يكون هناك احتجاج بعدئذ على الدولة المغربية، لكن الإصرار على الموقف هو الذي يعقّد المسألة وربما يتحول النزاع يوما إلى نزاع عسكري قد يؤذي البلاد أكثر مما يخدمها، ولم نفهم إلى حد الآن هذا التعنت المغربي تجاه أبناء الصحراء الغربية الذين ينشدون الحرية والكرامة ويحاولون إرساء هويتهم السياسية والثقافية والتعريف بقضيتهم الأساسية.