إنتفاضةُ تشرين


ييلماز جاويد
2019 / 12 / 20 - 10:30     

الشعب العراقي الذي كان جزءاً من الشعوب التي خضعت لسلطة العثمانيين لعدة قرون مستكينة ومحكومة بدعوى أن السلطان العثماني إنما هوالخليفة ويحكم بالشريعة الإسلامية . أما بعد سقوط الدولة العثمانية بقيام الحرب العالمية الأولى ، وإحتساب العراق جزءاً ضمن نفوذ بريطانيا العظمى ، فقد تحوّل الشعب العراقي ، من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه إلى حالة ثورية جديدة ، في محاربة الإستعمار الجديد والمملكة والحكومات التي نصّبتها وصارت تدير دفة الحكم بواسطة المستشارين القابعين في الوزارات . لقد خاض الشعب العراقي الكثير من النضالات في هذا الصراع إبتداءً من ثورة العشرين ثم الإنقلابات والإنتفاضات والوثبات العديدة التي حدثت ، ولكن فشلت ، في ثلاثينات وأربعينات وخمسينات القرن الماضي حتى نجحت ثورته الوطنية الكبرى في الرابع عشر من تموز 1958 .
على الرغم من أن إنتفاضة الشعب العراقي الراهنة ، التي إندلعت في الأول من تشرين الأول 2019 هي الكبرى وغير المسبوقة في حجمها وعفويتها ووضوح وشرعية مطالبها ، لكنها قوبلت بالحديد والنار ، من قبل السلطات الحكومية وقواتها الأمنية و من ورائها الميليشيات التابعة للكتل السياسية المتحكمة بالسلطة ، مما حوّل ساحات الإحتجاج التي يتظاهر فيها المشاركون أشبه ما تكون بساحة حرب و أدى إلى سقوط المئات من القتلى وآلاف من الجرحى بين المتظاهرين والقوى الأمنية بالإضافة إلى آلاف المعتقلين .
من دروس تاريخنا النضالي أن الشعب عندما وثب وثبته في كانون 1948 لٌلإحتجاج على إتفاقية بورتسموث التي وقعتها حكومة صالح جبر ، فإن الحكومة إستقالت بعد سقوط أربعة شهداء على الجسر ، وتمّ بعدها تكليف السيد محمد الصدر لتشكيل الوزارة وتهدئة الوضع السياسي ، بينما عجّل نوري السعيد ، الذي كان هو السلطان الفعلي في العراق على الرغم من وجود ملك ووصي ، على تقديم إستقالته عندما إنتفض الشعب في تشرين 1952 دون مقابلة المتظاهرين بالسلاح ، فكان ذلك أحد أركان دهائه وحنكته السياسية ، ولغرض عدم إبقاء البلد في فراغ دستوري ، بما يشبه حال عراقنا اليوم ، إستدعى نوري السعيد رئيس أركان الجيش نورالدين محمود وطلب إليه تأليف الوزارة ، حيث تم إستصدار إرادة ملكية بتكليفه ، فأعلن رئيس الوزراء الجديد برنامجاً حكومياً إنتقالياً يُهدّئ من غليان الشارع وأصدر الكثير من القرارات التي قوبل بعضها بإستحسان وبعضها الآخر بالإستخفاف كتسعير الشلغم مثلاً ، ولكنها تمكنت من تمرير العراق من حالة صعبة كادت تخلّف مآسٍ وخسائر كثيرة .
فهل لنا أن نستفيد من دروس الماضي ؟