حول انتفاضة أكتوبر- تشرين الأول - العراقية


جمال احمد
2019 / 12 / 20 - 01:23     

الطبقات في الانتفاضة العراقية :
ان بدء انتفاضة أكتوبر بمظاهرة طلابية للخريجين له دلالتها خاصة ، حيث ان هذه الفئة من الطبقة العاملة قد صرفت سنين من عمرها وتكلفت بمصاريف باهضة وفي النتيحة لا تحصل على موقع للعمل ولا ترى اية نور لمستقبلها. وهذه الصورة قد اثرت سلباً على الاخرين بأن يتركوا المقاعد الدراسية مبكرا وينخرطوا في سوق العمل من اسوء ابوابها والقبول بشروط عمل سيئة وأجور متدنية وساعات عمل طويلة وبيئة عمل مزرية، او يتحولوا الى باعة ارصفة، وقسم منهم يستسلم للأحزاب السائدة وتؤجر نفسها لخدماتهم . اما بقية الطلاب الموجودين في الدراسة فهم ينتظرون المستقبل بقلق . من هذه الشرائح تكونت الانتفاضة (العاطلين من ذوي التاهيل العالي الى الاميين والكادحين من بائعي المدن ومقدمي الخدمات والطلاب ) ، وان استمرار هذه الفئات في الانتفاضة وابداء الشجاعة الفائقة ترجع الى عدم امتلاكهم لاي شئ ذو اهمية كي يفقدوه وانهم حرموا من أكثرية متع الحياة، دون مستقبل واضح .
وان قسم الموجود في سوق العمل من الطبقة العاملة في القطاع العام او القطاع الخاص، القدماء منهم (عمال ماقبل 2003) انتموا الى احدى الاحزاب الحاكمة للاحتفاظ بعملهم، والعمال بعد 2003 قد تعينوا عن طريق محاصصة الاحزاب السائدة والمحسوبية وكلاهما تحت رحمة المدير او الرئيس والذي يمثل مصالح احدى الاحزاب الدينية والقومية الحاكمة ، ومهددون بالفصل التعسفي في نظام المافيا ( في بلد اللاقانون ).
مع دخول قوات الاحتلال الى العراق عام 2003 انهارت مؤسسات الدولة كليا ، وبدأت التجمعات البديلة بالظهور (تجمعات عشائرية ودينية وقومية وطائفية ، وتحت مظلتهم رجعت الى الحياة الاحزاب القديمة وظهرت تجمعات حزبية جديدة بمسميات اخرى). ان البرجوازيين القدامى قد وجدوا مكانهم في هذه التجمعات الجديدة لحماية أنفسهم ولتامين استمرارية نشاطاتهم الاقتصادي والسياسي. ومع ايعاز قوات الاحتلال باعادة بناء الدولة العراقية وفق مقاساتهم، سارع المهاجرين الطامعين ( المعارضة السياسية العراقية في المهجر) بالالتحاق باصدقاءهم في الداخل لنهش الاقتصاد العراقي والاستيلاء على المشاريع الحكومية وتقسيم المقدرات الاقتصادية فيما بينهم وتقسيم المناصب المجزية واحتكار جميع مجالات الانشطة الاقتصادية. وبذلك تكون جيل جديد من الطبقة البرجوازية من المسؤوليين الحزبيين وابناء شيوخ العشائر وعوائل الرجال الدينية ، والتحقت بهم مجموعة جديدة والتي تكونت من القيادات العسكرية من خلال الحروب الأهلية الداخلية.
من خصائص هذه البرجوازية الجديدة:
1- عدم استثمار ما قد جمعتها من الثروات في داخل العراق لعلمها بان الوضع السياسي غير مستقر تحت سلطتها.
2- استشراء الفساد ومن خلاله تحطيم اقتصاد العراقي عن طريق بيع العقود الحكومية داخليا وخارجيا لمصلحة المسؤولين في السلطة.
3- الغش والتزوير في سرقة ميزانية الدولة.
4- كبح تطور وتحجيم البرجوازيات خارج السلطة.
وهكذا اصبحت الاقتصاد مدمرا والخدمات العامة في أسوء أشكالها و ازداد التذمر الشعبي وانتشر بين أكثرية فئات الشعب عدا الموجودين في السلطة والأقلية المستفادة منهم والمحيطة بهم.
******************
من مظاهرة الى انتفاضة سلمية
بدا الخريجين بالمظاهرة احتجاجا على عدم توظيفهم من قبل الحكومة وعدم حصولهم على عمل خارج نطاق الحكومة، فانزلوا جام غضبهم على الفساد المتجسد في احتكار الاحزاب للوظائف والمحسوبية والامتيازات العائلية والحزبية الني كانت العائق امامهم . فالفساد كان اوسع من ان يكون فقط في مجال التعيين ، ولذا فان الاحتجاج ضد الفساد قد جر فئات وشرائح واسعة للتظاهرات من الكادحين الذين لم يحصلوا على عمل ما وبدأو بتامين حياتهم في الهواء وعلى الارصفة وكملحق للخدمات العامة والعاطلين المئيوسين من كل امل ، الفساد الذي افسد جميع الخدمات العامة من التعليم الى الصحة والنقل والطاقة والى الترفيه وحرمت اكثرية المجتمع من حياة كريمة.
هناك طبقات وفئات عريضة من الشعب العراقي قد اكتوت بنار السلطة الحاكمة الفاسدة ، ولذا بعد ان بين الشباب من اصحاب التعليم والاميين والكادحين ثباتهم امام عنف السلطة والاستمرار في مطالبهم وتطور نضوجهم في ادارة الاحتجاجات الحالية وطرحهم للشعارات والمطالب ، فقد التحق بهم شرائح عريضة من المجتمع . وبذلك اصبحت الحركة شعبية ولم تكن تخص بطبقة او شريحة محددة .
ان استعمال الواسع للتكنولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي من قبل الشباب كان السلاح الفعال في الاتصال والتنظيم والإدارة ، والاستفادة من دروس الاحتجاجات الماضية وذلك بالسيطرة على المطعم التركي لحماية التجمعات الاحتجاجية من هجوم القوات الحكومية ، التقييم الصائب لامكاناتها وامكانات السلطة وادارة المواجهات بأحسن شكل ممكن، واستمراريتها وتطورها ، تقسيم العمل الجيد بين جميع اقسام الحركة من الاعلام الى النقل وقيادة جبهات المواجهة وادارة القواعد الصحية و والسكن والاطعام والتنسيق العالي بينهم ، اظهرت درجة عالية من النضوج والمسؤولية في قيادة الحركة الاحتجاجية بحيث جعلت جماهير واسعة من الشعب تمنحنهم الثقة و يشتركوا في الاحتجاجات والمظاهرات.
************
ان القول بغياب التنظيم عن هذه الحركة ، ادعاء فارغ!.
اما اظهار نقص الحركة بغياب حزب اوتنظيم سياسي في قيادتها ، لهو عكس الادعاء ، لان احدى نقاط قوة الحركة وتوسيع اطارها وتحركاتها السلسة لهو نابع من التحرر من الاحزاب والتنظيمات التقليدية الموجودة حاليا بما فيها اليسارية والعاجزة كليا عن قيادة حركة جماهيرية كبيرة لتصل إلى هذا الحجم ، لان الاحزاب والتنظيمات الموجودة لاتستطيع ان تواكب حجم الاحتجاجات الحالية ولا ان تقود الشباب المعاصر.
ان سلطة الاستبداد و الفساد الحاكمة قد أضرت بطبقات وفئات واسعة من المجتمع ولذا دفعتهم جميعهم للمشاركة في الحركة الاحتجاجية بتواجد مباشر فيها او بدعمها ماديا ومعنويا او بأشكال أخرى والكل تأمل تحقيق مطالبها من خلالها.
فعدا عن الوضع المزري للطبقة العاملة والكادحين ، دمر الإنتاج الزراعي لغياب دور الداعم للدولة فيها من توفير الري والبزل والتقاوي والاصناف المحسنة ونقل المنتوجات والخزن وتصنيع المنتوجات الزراعية، إضافة الى تجنيد أهالي القرى والارياف في ميليشيا الاحزاب والجيش والشرطة. وكذلك تحجيم الصناعة وغلق الكثر من المعامل وايقاف تطورها من خلال اجبار الصناعيين على تقسيم ارباحهم مع المسؤوليين في الدولة. وايضا تدمير التجارة من خلال احتكار مسؤولي الاحزاب عليها وتكديس البضائع الرديئة والفاسدة. الفساد وفوضى الادارة الحكومية قد غيبت البنوك والحركات المالية في مستوى المطلوب . وهذا ما جعل حتى بعض فئات من البرجوازيين الزراعيين والصناعيين والماليين والتجار متذمرين من اداء الحكومة.
ليس خافيا على احد بان الانتفاضة الحالية تشترك فيها طبقات وشرائح غير محدودة ، لكن الان الكل مشترك في مطلب واحد ( اسقاط السلطة الفاسدة ، واريد وطن)، السلطة الفاسدة تضطهد جميعهم ، والوطن كل منهم يفسره في تحقيق اماله ومطامحه.
مع سقوط النظام الحالي فان مكونات الانتفاضة تبدا بالافتراق عن بعضها الآخر ، فالبرجوازيين يريدون تغيير الاضطهاد من شكله الحالي الفاسد الى اضطهاد قانوني و شرعي (مثل الدول الذي يوجد فيه فساد اقل ومحدد ومستتر) . اما الطبقة العاملة بما فيها العاملين منهم والعاطلين ، الاميين منهم والمتعلمين ،اصحاب الشهادات منهم وبدون شهادات رجالا ونساءا ، هي الطبقة التي تريد ان تذهب بالانتفاضة الى ابعد مداها لتحقيق مطالب اكثرية الشعب .اما الكادحين والفئات الوسطى فتترنح بينهم وتتبع المنتصر منهم.
ومن هنا ياتي دور التنظيم لكل ميل من الميول السياسية (وليست الانتفاضة ككل) في اضفاء طابعها على الانتفاضة وقيادتها الى مبتغاها . وعلى الرغم من عدم ظهور تنظيمات سياسية واضحة تأخذ بمفاصل الانتفاضة وتقودها في الوقت الحاضر ،الا ان الطبقات والفئات موجودة في الانتفاضة بعناصرها وشعاراتها وطرح افقها السياسي في الانتفاضة .
ان الطبقة العاملة والكادحين موجودين في الانتفاضة بأنفسهم في جميع مفاصلها لكن شعاراتها ومطالبها غير سائدة الى ألان .ان شعارات -اريد وطن- وتشجيع المنتجات الوطنية ومقاطعة البضائع الاجنبية والتحرر من الوصايا الاجنبية كلها شعارت برجوازية تحدد وتحجم الانتفاضة في افقها هي ووفق مصالحها ، أما المهم بالنسبة لاكثرية الشعب هو تقديم مطالبها ، في كيفية استخدام موارد الدولة ، كيفية تامين تعليم عام مناسب، وتامين خدمات الصحية العامة الجيدة ، تامين مستوى معيشة لائقة لاكثرية المواطنين ، ترسيخ المساواة بين الرجل والمراة ، ضمان البطالة، حماية الاطفال والمسنين . بكلمة استخدام موارد الدولة لرفاهية المواطنين ... الخ . وكذلك في كيفية ادارة مؤسسات الدولة ( الية انتخابهم وعزلهم والرقابة عليهم)
****************
الصف الطبقي المستقل للطبقة العاملة
مع ان انطلاق الانتفاضة بدأ بالمطلب العمالي في توفير العمل للعاطلين والاكثرية المشتركة في الانتفاضة من الطبقة العاملة الا ان المطالب العمالية بهتت وضعفت تحت عاصفة المطالب العامة للشعب .
ان احدى الشعارات المضرة بالطبقة العاملة في هذه الانتفاضة كانت معاداة التحزب بشكل عام. على الرغم من ضعف وغياب التنظيمات السياسية العمالية في العراق (والذين مدعون لحماية استقلالية صفوف الطبقة العاملة وتوضيح مطاليبهم والتاكيد عليها وتحقيقها ) ، الا ان الاحزاب البرجوازية موجودة بقوة في الانتفاضة من خلال وسائل اعلامهم وحضور كوادرهم باسماء المستقلين او جمعيات او مسميات اخرى . ان التقاليد السياسية البرجوازية حاضرة ومترسخة في المجتمع نتيجةً لنشاطهم الطويل في الفترة الماضية. ان الاسئلة المطروحة للنقاش والمطالب المسموعة كلها تعلن عن مطالب برجوازية وطنية وديماغوجية ( اريد وطن ، مقاطعة البضائع الاجنبية ، معاداة ايران ، تغير الدستور، تغير قوانين الانتخابات تغير قوانين الاحزاب، مناقشة مواصفات رئيس الوزراء ........) ان الملايين من الطبقة العاملة العراقية تشكو من البطالة اولا ومن الاجور المنخفضة ومن القلق من فقدان العمل ،مشكلة السكن ، التعليم ، الصحة ، النقل ،حرية ومساواة المراة، تهيئة وضع انساني لتربية الاطفال ، تهيئة الإمكانات لحياة تساعد ذوي الاحتياجات الخاصة، تامين المتقاعدين والشيخوخة ، وغيرها مما تشكو هذه الطبقة التي تشكل اكثرية المجتمع .
ان الطبقة العاملة وحلفاءها لهم مشاكلهم ومطالبهم الخاصة وكذلك لهم اساليبهم ووسائلهم النضالية المتميزة بهم وعليهم طرح ذلك ومناقشتها وتوضيحها والاستعداد لها .لا ان تنسى مهامها وتذوب في الحركة العامة وتصبح عامل مساعد في تحقيق مطالب الطبقات الأخرى . ان الطبقة العاملة لابد ان تركز الآن على حل مشاكلها وطرح مطالبها الواضحة ومدعوة تاريخيا لحل مشاكل المجتمع كافة من منظورها الإنساني العادل.