أسئلة حول تنظيم الحزب الثوري (9)

نهويل مورينو
2019 / 12 / 20 - 00:41     


مقدمة

في 16 تموز 1984 تحدث الرفيق نهويل مورينو -بدعوة من قبل الشبيبة الإشتراكية_ حول تنظيم (بناء) الحزب الثوري. هذا المقال هو النسخة المكتوبة لمحاضرته منقحة من قبل المحاضر نفسه. وقد تم نشرها أولا في بوينس آيرس ضمن مذكرات التضامن. (قارئ التثقيف السياسي رقم 1- 1984).


نحن أمام مفترق طرق


وضع الصراع الطبقي، بل ووضع الحزب نفسه، وضعانا أمام مفترق طرق. هناك قانون حتميّ للثوريّين الإشتراكيّين: إذا لم نكن عصبة، فإن كل الفرص الكبرى التي نضيعها تعني التراجع والتأزّم. كل تنمية مطوّرة وتدريجيّة ستكون زائفة. إذا ما بقينا ضمن ذات الإيقاع والشكل التنظيمي الذي نحن فيه الآن فإنّنا لن “نتقدّم ببطء ولكن بثبات”، بل سنتراجع سريعا إلى الوراء. والأسوأ من هذا أنّنا لن نقدّم الإجابة على مسألة هي بمثابة حياة أو موت في الأرجنتين: هل سيصبح حزبنا حزبا جماهيريّا، أم أنّه سيدع هذه الفرصة التاريخيّة الثوريّة العظيمة تذهب سدى، وهي أكبر الفرص التي شهدتها البلاد. إذا لم نلبّ ضرورة بناء حزب ثوري عظيم هنا والآن، ليكون متجذّرا بعمق، وملاصقا لحراك الجماهير، وطليعة الطبقة العاملة، سيكون البديل هو انقلاب جديد، وإبادة جديدة أسوأ حتى من الديكتاتوريّة التي هزمناها للتوّ.





إنّنا بحاجة إلى ثورة حزبيّة طارئة. ليس في سياستنا، التي ثبتت صحّتها، وإنّما في نشاطنا وتنظيمنا. منذ بدء المرحلة الثورية، مررنا بعدّة مراحل فيما يتعلّق بنشاط وتنظيم الحزب: الشرعية، ومع الانتخابات، والمرحلة “الإنتقالية”. والآن يجب أن نأخذ على عاتقنا المرحلة الثالثة، الحالة الثوريّة، بكامل عزمنا.





واجهنا المرحلة الإنتخابيّة بحزب كان بشكل سرّي، لسبب أو لآخر -مبرّر أو غير مبرّر- منظّما جوهريّا في مراكز المدن الكبرى. وداخل مدن كبيرة كبيونوس آيريس، وكوردوبا، وروساريو، تعرّضنا لاضطهاد عنيف. لقد كنّا تقربا حزب بيونوس آيريس، وتمركزنا في الاتّحادات كاتّحاد عمّال البنوك، حيث أنّها كانت فترة المال السهل، ولأنه كان من الأيسر إيجاد وظائف هناك، بسبب كونها الفرع الإقتصادي الأكثر تطوّرا.





عندما أدركنا أن الديكتاتوريّة قد ولّى عهدها، جاءت مرحلة الحريّات الديمقراطيّة الواسعة، والإنتخابات، بشكل حتمي. تبنّينا قرارا تنظيميّا فائق الجرأة لتكييف الحزب مع الوضع الجديد. دون هذا القرار فإن التحليلات ستكون عديمة القيمة. كان القرار يتمثّل بالخروج من المقرّات الصغيرة الثلاثة، فائقة السريّة، التي كانت لدى الحزب، وافتتاح ما بين 200- 300 مقرّ في أكثر الأحياء المحيطة تركيزا بالطبقة العاملة. هذه المقرّات أصبحت هي الشكل التنظيمي المركزي للحزب، ومنحتنا نتائج استثنائية.





عندما وصلنا إلى الحملة الإنتخابية، وضعنا لأنفسنا مهمّة افتتاح 200 أو 300 مقرّ جديد مهما كان الثمن. لقد قمنا بقفزة كبرى. وبتزايد نموّنا بات الحزب أكثر قوّة، ما مكّننا من افتتاح مقرّات دون دفع بدل إيجار، حيث أمكن للعمال تسديد ذلك عبر الأموال التي يتمّ جمعها من الأحياء. أعلى درجات هذه القفزة كانت تظاهرة حديقة لونا[i]. تمكّنّا آنذاك من بيع 60000 جريدة حزبيّة. ولا نعلم تحديدا ما إذا كنّا قد وصلنا إلى 10، أو 15، أو 20 أو 22 ألف مناضل.



لتحديد هذا الشكل التنظيمي انطلقنا من واقع البلاد وحركة الطبقة العاملة، ومن وضع الحزب أيضا. تمكّنّا من افتتاح المقرّات لأنّه كان هناك بوادر قطع مع البيرونيّة وفّرت لنا المادّة لذلك. وكذلك بسبب الحزب والكوادر الضروريّة. يجب أن نتذكّر أنّه في نهاية الحملة لافتتاح المقرّات كان كلّ منها عمليّا تحت قيادة أحد الرفاق، ككادر، أو لنكون أقرب إلى المصطلحات اللينينيّة، “رئيس” المقرّ.





لذا، دخلنا المرحلة الثانية، “الإنتقاليّة”، التي عجّلت بها الإنتخابات. لقد بدا الأمر كذلك قبل شهر أو شهرين من بدء تراجعنا. وبتعزّز البيرونيّة وألفونسن كانت هناك إشارات بأنّه لن يقترب نحونا أي جزء من الجماهير في ذات الوقت الذي ينفصل فيه من سبق واتّجه نحونا. كان هناك شكوك كبيرة بالحزب. تقريبا كلّ الكوادر كانت ترى أنّنا لا نخسر. بعض المناضلين لاحظوا أن الإجتماعات في المقرّات كانت أقل فأقل حضورا من الرفاق. ولكن هذه الفرضيّة -وهو ما كان عليه الأمر- لم تكن كافية لإقرار تغيير تنظيمي جديد. كان من الضرورة التفكير بأنه كان في غاية الخطورة تغيير الأشكال التنظيميّة من يوم لآخر، دون دقّة كافية في التوصيفات، وبطريقة غير مسؤولة، عندما كنّا في منتصف الحملة الإنتخابيّة. تخيّلوا ماذا كان من الممكن أن يحدث لهذا الحزب، إذا ما كنّا قد أغلقنا المقرّات قبل الإنتخابات.





الهزيمة الإنتخابيّة أثبتت بوضوح ظاهريتن لم نكن ملمّين بهما قبل أسبوعين: لم نبق حولنا أيّ قطاع من الجماهير، ونتيجة لذلك فقدنا المئات والآلاف من المناضلين. يمكننا أن نناقش ما إذا كنّا قد خسرنا بضعة آلاف أو عشرة آلاف. ولكن الحقيقة أن المقرّات أصبحت فارغة بسرعة الصوت.





كنتيجة لهذه الظاهرة الثنائيّة، الموضوعيّة والذاتيّة على حدّ سواء، قمنا بتغيير الشكل التنظيمي منذ 30 تشرين الأوّل. في الحراك الجماهيري ككلّ ساد الحماس الديمقراطي إلى جانب توقّع النظام والحكومة الجديدين. لقد تحوّلنا إلى كميّة من آلالف المليشيات المنظّمة والتي بلغت في أحسن أحوالها بضعة آلاف من المناضلين. حلّلنا بأنّنا سقطنا (أو تراجعنا) إلى فئة “الحزب الطليعي”. لقد منحنا أنفسنا الشكل التنظيمي للارتكاس. مضينا إلى مقرّات كبرى. جمعنا الرفاق من أجل نهضة أفضل. وضعنا لأنفسنا كمهمّة رئيسيّة تقوية الحزب عبر التسييس.



إنّنا الآن في المرحلة الثالثة. نعتقد أن العاصفة قد انقضت. هناك استياء من الحكومة التي ثبت أنّها هشّة تشوبها أعراض أزمات خطيرة، وقيادة جديدة للطبقة العاملة تبرز على عدّة مستويات. يبدو أن القطاعات التي أثّرنا عليها خلال الحملة الإنتخابيّة بدأت الآن بالعودة لنا. من الممكن أن هناك قطاعات جديدة للطبقة العاملة وحراك الجماهير بدأت بالبزوغ، حتّى وإن كانت كأقليّة، قاطعة مع البيرونيّة، ما عمّق أزمتها، أو تلك القطاعات التي فضّلت العودة من ربيعها القصير مع الألفونسنيّة. ما هو جديد أنّنا بدأنا نكسب للحزب الأفضل في الطبقة العاملة، خرجنا من ارتكاستنا بنحو 1500 من الكوادر.





لا نستطيع المضي في إغلاق المقرّات. علينا الخروج مجدّدا لكيّ نكرّر على مستوى أعلى التجربة الكبرى المتمثّلة بفتح المقرّات، وبإقامة تظاهرة حديثة لونا وبيع 60000 من صحف الحزب. علينا أن نعيد ونصحّح ونوسّع، هذه المرحلة التي ندّعي أنّها الأكثر أوَجاً وتألّقاً في تاريخ حزبنا، بتأثير جماهيري.



إنّها فرصة لا مثيل لها. نحن في مرحلة يمكن بل ويجب فيها أن نضاعف بيع صحفنا الحزبيّة في شركات، وأحياء، ومدارس، وكليّات جديدة. وكملازمة الظلّ للجسد، يجب أن تقف خلف صحف الحزب العضويّة الحزبيّة في كلّ تلك الأماكن التي نضع فيها أنفسنا. قبل هذا كان لدينا صحف الحزب ومقرّات الأحياء. والآن لدينا كمهمّة بيع الصحف وبناء المجموعات الحزبيّة ومجموعات الشبيبة في آلاف المصانع، والمعامل، والمدارس، والجامعات، ومناطق الطبقة العاملة والأحياء الشعبيّة.





[i] التظاهرة الكبرى الأولى لحركة من أجل الإشتراكيّة، والتي كان فيها نهويل مورينو هو القائد الرئيسي، وعندما شارك أكثر من 150000 متظاهر.

ترجمة: تامر خورما
تحرير: فيكتوريوس بيان شمس