بعد مائة عام على جريمة قتلها .... المانيا تستذكر روزا لوكسمبورغ


قحطان المعموري
2019 / 12 / 20 - 00:39     

ترجمة : قحطان المعموري

أمسك نيجار محسني زهرة قرنفل حمراء منتظراً و بصبر تحت سماء باردة ورطبة بينما كان طابور الانتظارالطويل يسير ببطء نحو قبر روزا لوكسمبورغ . قال الإيراني البالغ من العمر 54 عامًا: " ببساطة أريد أن أقدم احترامي لهذه المناضلة الكبيرة ، إنها تعطيني القوة والدافع لمواصلة الإيمان بالكفاح من أجل العدالة الاجتماعية.
إزدانت السجادة المؤدية الى قبرالزعيمة الثورية روزا لوكسمبورغ ورفيقها المحرض اليساري كارل ليبكنخت في مقبرة فريدريشسفيلد شرق برلين بالزهور الحمراء. كلاهما قُتلا في سن 47 عامًا في 15 كانون الثاني قبل مائة عام . لقد ترك أحد الزائرين وبيد مرتعشة ورقة كتب عليها "السلام والخبز والورود والحرية". بينما يمسح الآخرون دموعهم وهم يضعون الزهور فوق قبر الفقيدة .
في الذكرى السنوية لعملية إغتيال مؤسسي الحزب الشيوعي الألماني (KPD) حضر ما يقدر بنحو 20000 شخص إلى شوارع برلين في عطلة نهاية الأسبوع للمشاركة في المسيرة التي تمثل الفعالية الأكبر ضمن فعاليات الإحتفال بهذه الذكرى الأليمة والتي تتضمن عروضاً مسرحية وقراءات شعرية وندوات نقاشية .
على الرغم من المكانة والقيمة العالية التي يتمتع بها ليبكنخت ، إلا أن لوكسمبورغ هي التي سرقت الأضواء، بسبب ، وفقًا لمارك جونز - الأستاذ المساعد في جامعة كوليدج في دبلن والخبيرالبارز في الثورة الألمانية 1918-1919 – كونها "كانت من أكثر العلامات الفارقة التي برزت في عالم السياسة الديمقراطية الأشتراكية الذي هيمن عليه الذكور."
كانت لوكسمبورغ خطيبة عظيمة وكاتبة غزيرة الإنتاج ، وهي تحظى اليوم بالاعتزاز من قبل كل اليساريين بسبب معارضتها للحرب العالمية الأولى وكفاحها من أجل حقوق الطبقة العاملة ، فضلاً عن أن موتها المبكر يعني أن سمعتها كانت غير ملطّخة بخيبة الأمل اللاحقة للحلم الشيوعي ، كما إحتفظ اسمها بشعبيته كخيار من قبل كل أنصارها من الأناث.
تم تعليق شعارات لوكسمبورغ ، إلى جانب صورها وصورليبكنشت ، على اللافتات الحمراء التي يحملها الناس وهم يشقّون طريقهم على طول شارع ستالين (سابقاً) في برلين الشرقية في يوم المسيرة ، وعلى أنغام الأغاني والأناشيد الثورية والأممية المنطلقة من مكبرات الصوت المحمولة .
قال جونز وهو أحد المشاركين في المسيرة : "بالطبع ، فإن النهاية الوحشية والمفاجئة لقصة هذه المناضلة ، تثير سؤالاً عمّا كان يمكن أن يحدث فيما لو نجت". "إن قوة نضال روزا لوكسمبورغ الأسطوري ومواصفاتها القيادية وتأثيرها في الوسط الشعبي، ربما كان من شأنه أن يعرقل من وصول النازية الى سدة الحكم فيما لو بقيت على قيد الحياة".
كان هذا الرأي هو السائد لدى الكثيرين ممن شاركوا في المسيرة . تقول كيت آستروب ، وهي أخصائية اجتماعية متقاعدة كانت قد استقلت حافلة من آرهوس في الدنمارك للانضمام الى المسيرة : "أعتقد بأنه ربما لم يكن بإستطاعة النازيين الوصول للسلطة وأن التأريخ كان سيأخذ مساراً آخر فيما لو إستمرت لوكسمبورغ في نضالها البطولي . وفي أحد جوانب الشارع رفعت مجموعة أطلقت على نفسها إسم ( السترات الصفراء ) في إشارة الى حركة جينيس الفرنسية لافتة كتب عليها ( إستذكار كارل و روزا 1919 يعني إظهار التضامن مع السترات الصفراء. وعلى هامش هذه الذكرى الأليمة ،كتبت صحيفة ( مورننغ ستار) الشيوعية البريطانية مقالة تحت العنوان الرئيسي ( روزا الحمراء ـ النسر الشيوعي) في إشارة الى اللقب الذي اعطاه لينين الى روزا لوكسمبورغ ، حيث يخلص المقال الى أنه ( حتى بعد مائة عام من فقدانها ، فأن ذكراها ما زالت باقية و هي تسمو كالنسر لتُلهِم كل الثوريين الإشتراكيين في العالم اجمع ).
يقوم هيكش عضو حزب اليسار الألماني المعارض وهو الحزب الذي يعتبر نفسه الوريث الشرعي لإرث لوكسمبورغ بدورالمرشد للسائحين القادمين لهذا الغرض ، حيث يأخذهم في جولة تفقدية في معالم برلين المرتبطة بجرائم القتل ومنها مثلاً موقع ( إيدن) وهو الفندق الذي جلب الجنود المرتزقة المعروفون بـ ( الفيلق الحر ) لوكسمبورغ وليبكنيخت إليه حيث تعرّضا للتعذيب ومن ثم القتل ، إضافة الى الموقع الذي ألقيت منه لوكسمبورغ في القناة ، وعلى بعد ثلاثمائة متر ، تقع بحيرة (نوين سي) حيث تم عندها إطلاق النار على ليبكنخت و قتله. يقول هيكش :عنما جاء أفراد الفيلق الحر لاعتقالها ، كانت لوكسمبورغ تقرأ كتاب ( فاوست ) لغوته. "لقد ظنت بأنها ستُنقل إلى السجن ، ولم تكن لديها أي فكرة بأنها ستُقتل ، لذا أحضرت معها حقيبة كتب".
وبعيدًا عن توحيد اليسار الألماني ، فقد أوجدت جرائم القتل التاريخية إنقساماً عميقًا ، وبالأمكان الشعور بالخلافات الموجودة الى اليوم بين الحزب الأجتماعي الديمقراطي(SPD) والأقلية المتحالفة مع حزب أنجيلا ميركل من يمين الوسط وبين حزب اليسار (Die Linke) أي خليفة الحزب الشيوعي الذي كان يحكم ألمانيا الديمقراطية السابقة .
في الآونة الأخيرة ، أصبحت أندريا ناهلس أول زعيمة للحزب الأجتماعي الديمقراطي تقترب من الاعتراف بدور حزبها في مقتل الثوار ، وسط أدلة على أن غوستاف نوسكي ، وزير الدفاع في حكومة فايمار الناشئة بقيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي ، قد وقّع فعليًا على جرائم القتل في محاولة لسحق أقصى اليسار. لقد أخبرت ناهلس مناصري حزبها في تشرين الثاني من السنة الماضية وفي فعالية لمناقشة ثورة 1919 ، بأنه "من المحتمل أن يكون لغوستاف نوسكي يد في عملية إغتيال روزا لوكسمبورغ و كارل ليبكنخت". لقد تورط نوسكي لاحقًا في المحاكمات الهزلية التي أعقبت جرائم القتل والتي أدت إلى تبرئة جميع المشتبه بهم باستثناء اثنين منهم ممن تلقّوا عقوبات تافهة.
يقول جونز.. "إن علاقة الحزب الأجتماعي الديمقراطي بثورة1918 صعبة للغاية ، فبينما يعترف مختلف مؤرخو الأحزاب بالدور الذي لعبه هذا الحزب بالأحداث ، نجد البعض الآخر يدافعون عنه ". ويضيف " حتى الآن يرى مناصروحزب اليسار بأنه مثلما خان الحزب الإجتماعي الديمقراطي الطبقة العاملة في ذلك الوقت ، فان هذا الحزب مستمر من خلال ما يسمى بإصلاحات العمل وكأنها بمثابة عقوبة للطبقة العاملة" .
لقد كان الكاتب اللندني ديفيد فيرنباخ من بين أولئك الذين أتوا إلى برلين للإشادة بلوكسمبورغ وليبكنخت. كان جده فولفغانغ عضوًا في رابطة سبارتاكوس ، وهي الحركة الثورية الماركسية التي أسستها لوكسمبورغ وليبكنخت رداً على دعم الحزب الديمقراطي الاشتراكي للحرب العالمية الأولى. لقد قُتل وولفغانغ على أيدي القوات الحكومية في 11 يناير 1919 ، عندما كان في الثلاثين من عمره . قال فيرنباخ: "قدمت لوكسمبورغ مساهمة كبيرة في الجوانب الإيجابية للاشتراكية الألمانية في وقت كانت الحركة خالية من الدوغماتية التي كانت ستتبعها ، ولهذا السبب أعتقد بأنها لا تزال رمزًا اشتراكيًا ناصعاً في عالم اليوم. "