|
غلق | | مركز دراسات وابحاث الماركسية واليسار | |
|
خيارات وادوات |
|
أيوب..الرهان الجائر وجدلية الايمان والتجديف(10).
يخبرنا رب ايوب:انه لايجوز افتراض ان من يعاني هو مذنب بالضرورة ،ومن لايعاني هو بريء حكما.وهذه الفكرة الالهية لاتترك لايوب مجالا او خيارا لتحديد ماهية العدل كما يراها هو نفسه.ومن اجل ان يكفر الله عن ذنبه الذي ارتكبه بحق ايوب-طبعا هو لايعترف بذلك مصرحا فهذا يقلب الموازنة-المعادلة والعلاقة بين الخالق والمخلوق،ولايمكن طرحها بصراحة وعلانية-وماسببه له من تحطيم ودمار لحياته وحياة عائلته وهو البريء المستقيم،والذي لم يستحق ماجرى له،ولو بأدنى مقاييس العدالة البشرية الناقصة اوالالهية المطلقة.ليقدم الله على تعويض ايوب بأعطيات وفيرة،وكبديل بشري مشابه او منسوخ او هو نفسه ببعثه للحياة من جديد لمافقده من ابناء-وكأن ايوب سيكون او سيبقى هو نفسه قبل نكبته واثناءها وبعدها عندما حل الانفراج!-حيث يتصالح الله مع ايوب،ويعقدوا سلاما تلفيقيا قائم على المساومة والعوض والرشوة الالهية:زينة الحياة الدنيا،مالها وبنونها!.لتمضي حياة ايوب وادعة مستقرة رتيبة بلا منغصات او بلايا،متمتعا بحفنة السنين التي من بها ربه عليه،وهنا ينتهي السفر.-تنويه لابد منه:ان وقوفنا الطويل عند مشهد المواجهة واللقاء بين الله وايوب والسفر يتصاعد نحو ذروته الختامية،والذي تبدو وكأنها وقفة مراوحة ودوران في نفس المكان تبعث على الملل،من تكرار قراءة النص اكثر من مرة،مجرد اجترار معاد او حشوا لالزوم له،ولكن الامر ليس كذلك،فلأهمية برهة المواجهة السلبية-الايجابية،ومن طرف واحد هو الله -فقد كان ايوب سلبيا طيلة الوقت ومصغيا حتى نهاية الخطاب الالهي-و التي هي لقطة نادرة وشحيحة في بقية الاسفار، هذا اللقاء الالهي العياني وجها لوجه والتحدث مع ايوب باللغة العبرية التي يفهمها.فتحليلنا للنص يتطلب اعادة القراءة عدة مرات ومن زوايا متعددة،وتتناول اكثر من جانب لحضور الله ومضمون ماقاله والاستراتيجية الهجومية التي استخدمها الرب في تفتيت و تذويب التمرد والشك الايوبي وتحويله الى خنوع وتسليم وعودة الى حضيرة الرب،وهذا ليس مألوفا او عاديا،لقاء الخالق بالمخلوق بصوت وصورة ومقاربة بصرية ولسانية.وهذا يحتاج للولوج بين طيات وثنيات خطاب الله،وتكرار واعادة القراءة لمرات.لذا كان ضروريا ان ننبش ونحفر ونقلب ونستقريء وننطق الخطاب الالهي المبهم،وكشف آلياته ومنهجه وغايته في صنع وهندسة المؤمن المثالي الانموذج.ونحن نتحدث عن خطاب الله الطويل الذي جندل ايوب معنويا،تسترعي الانتباه والملاحظة زاوية اخرى في سفر ايوب-وما اكثرها!-وهي تلك المتعلقة بالعالم الآخر البعدي،حياة مابعد الموت.فلا الله في حديثه عن كل شيء بتفصيل دقيق،ولاايوب،ولااصدقاءه ولاالشيطان نفسه،تناولوا او اشاروا او لمحوا لذلك لامن قريب ولامن بعيد!.في الخطابات التحاورية المتقاطعة بين ايوب واصدقاءه ،،وبين ايوب والله ،او االله والشيطان،الخ،كان مجمل الكلام يلف ويدور حول:العدالة والحكمة والعناية الالهية،ومحنة ايوب،وسبل الرب السرية والمجهولة لتنظيم وتحديد نصاب القيم والمفاهيم.ولكن لم نجد من يوظف او يستشهد او يستخدم شيئا من عناصر الدراما الايوبية ،ولا احدا استحضر عالم الآخرة الفردوسي -الجحيمي ابدا!.لماذا هذا الغياب للعالم الاسكاتولوجي او الابوكاليبس- عالم الاخرويات اوالحياة بعد الموت-كما وردت في سفر دانيال او التلمود؟!فهل هذا مستغرب يدعو للتسائل والاستفهام، ام هو عادي و طبيعي ولم يكن هناك من حاجة للتطرق اليه او ذكره؟!.نعتقد-وهذا اجتهاد قابل للمناقشة-ان كاتب السفر،والفترة التاريخية التي عاشها وكتب فيها،لم تكن بعد قد اسست او وضعت عمارتها او بنيتها الاسكاتولوجية لمابعد الموت ونهاية العالم،ولم يجري بعد تخيل او تحرير نسختها العبرية المكتوبة او المتناقلة شفاها و المختلفة او المشابهة لصياغات شتى من دراما او ملحمة الفردوس والجحيم والمطهر،وبقية عناصر عالم الآخرة البهيج والسعيد للمؤمنين الاخيار الذين التزموا بتعاليم ووصايا الرب،وعالم الرهبة والفزع والتعذيب على الكافرين الذين عصوا الوصايا واوامر الرب وتمردوا وضلوا في دروب الشك والغواية.فما من آخرة في سفر ايوب ولاحياة ثانية بعد الموت بالنسبة للرب التوراتي،ليجازي بها الابرياء ويعاقب المذنبين. هي قطعا الابقى والاهم من الحياة الدنيا وعليها يقوم دغائم و بنيان اغلب الاديان كوسيلة ردع وتخويف بالجحيم ،وايضا للاغراء كحافز جزائي بالنعيم.فدين بلا جزاء وعقاب للاخيار والاشرار هو دين كسيح وغير فعال في نفوذه وحضوره وسيطرته الايديولوجية.
|
|