يَحسَبوننا مُغَفّلين !


ييلماز جاويد
2019 / 12 / 15 - 12:28     

قيل : حدّث العاقل بما لا يُعقل فإن صدّق لا عقل له .
حدثت يوم الثاني عشر من كانون الأول 2019 حادثة قتل شخص في منطقة ساحة الوثبة ببغداد وتمّ تعليق جثته على عامود . قوبل الحادث بالإدانة والإستنكار والتنديد من جميع الجهات والذوات التي لديها شعورٌ بالإنسانية وقدسية حق الإنسان في الحياة ، كما إنبرت جهات عديدة ، من ضمنها المتحدّثون عبر مكبّرات الصوت في ساحة التحرير ، في بيانات إستنكارهم ، للإعلان عن براءتهم من الحادث ومطالبة السلطات الحكومية بالكشف عن المجرمين وتقديمهم إلى القضاء .
بعد حصول الحادث مباشرة طلع علينا المتحدّث بإسم القائد العام للقوات المسلّحة " المستقيل " اللواء الركن عبد الكريم خلف يتحدّث إلى موقع راديو المربد مُقدّماً " تفاصيل " ملابسات الحادث وكما يلي :
1. ان الشخص الذي قتل يبلغ من العمر 16 عاما واسمه هيثم علي اسماعيل وانه كان قد دخل في مشادات مع مجاميع تدعي انهم من المتظاهرين بعد ان كانوا يتجمعون قرب منزله، رافضين مطالبته لهم بمغادرة المكان.
2. واضاف ان تلك المشادات تحولت الى مشاجرة بين الطرفين قام على اثرها الشاب باطلاق عدة عيارات نارية من مسدسه في الهواء .
3. عمدت تلك المجاميع الى الرد على هذا التصرف باحراق منزل الشاب بقنابل المولوتوف.
4. اعداد تلك المجاميع تزايدت حينها وقاموا باقتحام منزله وقتله وسحله وتعليقه على احد الاعمدة.
5. القوات الامنية لم تتدخل حتى الان وهي بانتظار قرار من الجهات المختصة بذلك، خشية الاصطدام والاحتكاك بالعناصر غير المنضبطة بين تلك المجاميع.
لا أودّ الدخول في نقض وتكذيب ما ورد في تصريح السيّد عبد الكريم خلف ، بعد أن كنت من المعجبين بتحليلاته للموقف العسكري أناء قيام العراق بمكافحة الإرهاب الداعشي الذي إحتل ثلث مساحة العراق ، و لا أدخل في موضوع كيف قبل عبد الكريم خلف أن يكون ناطقاً بإسم القائد العام للقوات المسلحة قبل إستقالته ويستمر في ذلك بعد إستقالته . في هذه العجالة رغبتي أن أستفهم بعض القضايا التي وردت في تصريحه لأن فيها من اللامعقول الكثير وقد أتّهم باللاعقلانية إن صدّقتها .
1. يقول الخلف أن الذي قتل يبلغ من العمر 16 عاماً وإسمه هيثم علي إسماعيل ، قبل أن يكتمل التحقيق في الموضوع من الجهات الأمنية المختصة التي هي الشرطة وحاكم التحقيق . إن التصريح بعمر القتيل ب 16 سنة يوهم متلقّي الخبر أن القتيل بريء بإعتباره دون السن القانونية ، وفي ذات الوقت فإن التصريح يغلق الأبواب لتصديق ما ورد في الأخبار المنقولة أن القتيل كان مخموراً !
2. يقول الخلف أن هيثم علي إسماعيل دخل في مشادات مع مجاميع تدّعي أنهم من المتظاهرين بعد أن كانوا متجمّعين قرب منزله ! فإن صدّقنا أن هيثم قد دخل في مشادة مع "المتجمعين قرب منزله " بعد أن طلب منهم بلُطفٍ مغادرة المكان ، فلماذا ، يا ترى ، كان يحمل مسدساً ؟ والخلف لم يترك مجالاً للغير في تعريف الذين كانوا قرب منزل هيثم وأسباب وجودهم بل أوضح في تصريحه تصديقه للقول القائل أنهم مجاميع إدّعوا أنهم من المتظاهرين !
3. يقول الخلف ، وقبل إكتمال التحقيق في الحادث ، أن هيثم قد أطلق النار في الهواء ! فكيف تحقق من هذه الواقعة ، و ما المصلحة في إستباق الأحداث ونفي أي تفسير آخر أو إدعاء من شاهد عيان أن الحادث لم يكن كذلك بل أن هيثم قد إستخدم سلاحه لرمي المتظاهرين ، و من سلاحه الذي لم يكن مسدّساً عاديّاً ، بل بندقية قنص أو كلاشينكوف أو ما شابهها وأنه كان على سطح البناية !ّ
4. كيف تمكّن الخلف من القول بصراحة وبكل تأكيد أن تلك المجاميع التي إدّعت أنهم من المتظاهرين هم الذين أحرقوا منزل الشاب و ب " قنابل المولوتوف " بينما لم يجرٍ أي تحقيق في الموضوع لحين طلعته على على راديو المربد علينا بتصريحه هذا ؟
5. ألا يرى عبد الكريم خلف أية غرابة في تصريحه وهو الناطق بإسم القائد العام للقوات المسلحة أن قامت مجموعة من الناس " باقتحام منزل أحد المواطنين وقتله وسحله وتعليق جثته على احد الاعمدة " ، والقوات الأمنية لم تتدخّل ! تُرى ما هو الغرض الأمني من تواجد القوات الأمنية في الساحات التي يتظاهر فيها المتظاهرون إن لم يكن إيقاف الإعتداء على الأموال العامة والخاصّة وأرواح المواطنين ؟
6. المصيبة الكبرى أن عبد الكريم خلف الذي يمثل رسميّاً القائد العام للقوات المسلحة والناطق بإسمه يثبّت لأوّل مرّة وبدون أن يشعر أنه كشف سرّاً ما كان عليه كشفه عندما قال " القوات الامنية لم تتدخل حتى الان وهي بانتظار قرار من الجهات المختصة بذلك، خشية الاصطدام والاحتكاك بالعناصر غير المنضبطة بين تلك المجاميع " أي أن القوات الأمنية كانت موجودة فعلاً في الساحة ولم تتدخّل "خشية " من الإصطدام والإحتكاك بالعناصر غير المنضبطة بين تلك المجاميع ! أي أن الناطق الرسمي يعترف بوجود عناصر غير منضبطة بين تلك المجاميع وهي تمثل كيانات تخيف القوات الأمنية وتجعلها تخشى الإصطدام و الإحتكاك بها، ومن هنا يتبيّن ما كان قد ورد في تصريحات وزير الدفاع عن وجود طرف ثالث يرتكب تلك الجرائم واليوم نتعلّم أن تلك الجهات هي نفسها التي تخشاها القوات الأمنية ، ولذلك فهي تبقى مكتوفة الأيدي من القيام بواجبها ما لم يأتيها القرار من " الجهات المختصّة " !
بصدق وأمانة كنا نودّ تصديق ما ورد في التصريح الذي أدلى به عبد الكريم خلف ، وكان بودّنا تكذيب جميع الأقوال والسيناريوهات والصور والفيديوهات وكلام شهود العيان التي وردت بخصوص الحادث ، ولكن مع كل الأسف نعتذر للسيّد عبد الكريم خلف لأن لنا عقولاً لا تتقبل الأمور التي لا تُعقل .