العراق وماذا ثانيا


محمود فنون
2019 / 12 / 7 - 19:23     

6/12/2019م
التناقص البائن والكامن في العراق هو تناقض طبقي ، ويعبر عن نفسه كصراع تحرري ضد الوجود الأجنبي وتوابعه المنفذين لسياساته والذين يخدمون مصالحه ويدفعون استحقاقات تنصيبهم وبقائهم .
إن تحليل لوحة التناقضات الداخلية والخارجية في الساحة العراقية وارتباطاتها الإقليمية والدولية هو مسألة مفتاحية لا غنى عنها لتحديد المواقف وتحديد الأهداف وتحديد اتجاهات الضربة الثورية ومراحلها " إن مرت بمراحل ".
فلوحة الصراع في العراق هي وهي بالذات التي تفرز حالة التغيير الموجبة بالمعنى التاريخي " الإستراتيجي " . والقوى المتفاعلة وتحالفاتها الداخلية والخارجية هي التي تحدد الشعارات والخطوات وتضفي على مراحل النضال " الصراع " طبيعته .
إن التناقض الأول والرئيسي هو الصراع بين الأجنبي المحتل والمهيمن وبين قوى التحرر الوطني الراغبة في كنس الأجنبي مهما كان عمق برامجها وجذريتها.
وإذا كنا لا نريد تبسيط الأمور بل إيضاحها فإن للعدو الأجنبي امتدادات تعبر عنه في الداخل وهي تتناقض كليا مع قوى التحرر والإنعتاق .
وهذه القوى متمثلة في الطبقات البرجوازية والتي تعتلي على راسها طبقة الكومبرادور وجنودها من الطائفية السياسية ومن معهم من اللصوص والمنتفعين وشرائح يرتهن وجودها بوجود الأجنبي ، وتتفق مصالحها مع مصالحه ودرجة استعدادها للاستمرار في خدمته ، ومعها ما يسمى بالمنظمات المدنية المتمولة من العدو الأجنبي والتي مهمتها تكريس وجوده وتسويغ سياساته.
وهذه الطبقات تعبر عنها الأحزاب والمنظمات التي تشكلت في ظل الإحتلال الأجنبي وأغلبها متساوق مع وجوده وهيمنته .
بل أن هذه الأحزاب قد تشكلت بصفتها بديلا عن حزب البعث العربي الإشتراكي الذي كان يحكم العراق منذ ستينات القرن الماضي وحتى احتلال العراق عام 2003 م حيث جرى اجتثاث البعث وكل المنظمات الشعبية التي كانت امتدادا له أو متوافقة مع النظام القائم من نقابات واتحادات جماهيرية متنوعة وشخصيات اعتبارية وتجمعات كانت كلها تشكل القاعدة الجماهيرية الواسعة للحكم . وكلها جرى شيطنتها وتفكيكها .
لتعاد صياغة البنى المجتمعية من أحزاب ومنظمات وجهويات وطوائف وإثنيات وما يسمى بالمرجعيات التي أصبحت هي التي تشكل قاعدة نظام بريمر ومن تلاه حتى يومنا هذا .
بالإضافة إلى حل الجيش وقوى الأمن ومعظم مؤسسات الدولة العراقية .
أدى هذا كله إلى فقدان الدولة بمعناها الكلاسيكي لتنشأ بدلا منها دولة هي روابط محاصصة طبقية وطائفية وجهوية وإثنية ، وجيش وأجهزة أمنية وأجهزة دولة على المقاس وكما نظم اساسياتها " دستور بريمر " ومجموعة الأنظمة والقوانين التي استحدثت بما في ذلك القفز على و أو إلغاء مجموعة القوانين والأنظمة التي كانت تنظم المجتمع العراقي وقاعدته الإقتصادية .
وكذلك تفكيك القطاع العام وقطاع النفط ومعظم القطاعات الأخرى وتفكيك ما كان يسمى بالمنظومات الإشتراكية الأخرى بما فيها مؤسسات الخدمات الشعبية الإقتصادية التي كانت تدعمها أو تمولها الدولة .
كل ما ذكر يبين لوحة التناقضات ويسهل تمييزها وتحديد ما هو الرئيسي والأساسي وما هو الثانوي وبالتالي يحدد برامج الكفاح الوطني – برنامج القوى اليسارية الإشتراكية الجذرية والقوى الأقب جذرية والراغبة في مكافحة الأجنبي ومنهاتحديد برامج الحد الدنى التي من الممكن أن تتفق عليها قوى متعددة تضع نصب عينها مثلا الإتفاق على برنامج طرد الجنبي وتطهير امتداداته المحلية .
التناقضات مع معسكر الأعداء :
1 – التناقض مع الإحتلال الأجنبي مباشرة . وهذا التناقض هو مع كل أشكال وجوده من قواعد عسكرية ووجود مدني ومع كل المعاهدات والإتفاقات التي نُظمت لتكريس هذا الوجود .
2 – التناقض مع الطبقات الراسمالية التي ترى مصالحها مع مصالح الإحتلال وترتبط به اقتصاديا ووجوديا الكومبرادور وكل الطبقات المتوافقة مع الحال القائم .
3 – التناقض مع كل الأدوات السياسية والطبقية البرجوازية المحلية المرتبطة بهذا العدو والتي تخدم مصالحه على حساب الشعب العراقي من أحزاب ومنظمات ومرجعيات ومنظمات مجتمع مدني متمولة من الأجنبي والقوى المرتبطة به بما فيها قوى الطائفية السياسية وقوى الإثنيات والجهويات التي يكرس وجودها تقسيم العراق الواقعي و أو تقسيمه جغرافيا .
الفساد هو مظهر من مظاهر وجود هذه القوى ومرتبط بها عضويا وهو قد نشأ منذ البداية كفساد ممؤسس وممنهج وهو بالتالي صفة متلازمة مع القوى العميلة المرتبطة بالأجنبي مما جعل الفساد كذلك أداة لتكريس المحاصصة وأداة للتخريب في آن معا ، ولا يمكن القضاء عليه وتقليص مفاعيله دون القضاء على حوامله وتجريدها من كل مظاهر قوتها المادية .
مع ملاحظة أن الفساد أخذ في الظهور العلني في العراق خلال فترة الحرب والحصار التي امتدت ما يقرب من اثني عشر عاما .
4 - التناقض مع الفكر والثقافة الرجعيين . وكل مظاهر تخريب الوعي الثوري والوعي العروبي وكل فكر أو أيديولوجيا تكرس واقع التناقضات أعلاه . إن الفكر الرجعي قد عمل على تدمير الثقافة التقدمية والملنى الروحي التحرري الذي كان سائدا تقريبا في العراق.
وإلى المقال اللاحق