الانتفاضة الشعبية والطائفية السياسية


لطفي حاتم
2019 / 12 / 3 - 13:55     

يعيش العراق حراكا جماهيريا متواصلا تتصدره شعارات وطنية رافضة للطائفية السياسية والمحاصصة الحزبية ومعيشية أهمها الخبز والعمل وبهذه الشعارات – الوطنية المطلبية تكون الانتفاضة الجماهيرية قد فاجئت المحللين السياسيين وكثرة من الكتاب المهتمين بالشأن العراقي.
- لقد طرحت الانتفاضة الجماهيرية من جديد موضوعتي الطائفية السياسية والبناء الديمقراطي للدولة العراقية وبهذا المسار يمكن رصد ثلاث مفاصل أساسية نحاول تحديدها وتحليلها انطلاقا من العناوين الرئيسية التالية--
أولا -- أسلوب الكفاح الثوري وسماته السلمية.
ثانيا - مضامين الانتفاضة الجماهيرية وشعاراتها المطلبية.
ثالثا- آفاق تطور نزاع الحركة الشعبية مع السلطة الطائفية.
على أساس المحاور المشار اليها نحاول متابعة توجهات الكفاح الثوري للجماهير العراقية.
الكفاح الثوري وسماته السلمية.
قدمت الانتفاضة الشعبية المشتعلة في العراق الكثير من الدروس الكفاحية لقوى التغيير والديمقراطية الدافعة لمسار تطورها اللاحق وانطلاقاً من ذلك نحاول رصد سماتها الكفاحية عبر المواصفات التالية--
2– وطنية الانتفاضة الشعبية وسعة قاعدتها الجماهيرية.
شاركت فئات عمرية وجنسية عديدة من شرائح الشعب العراقي من نساء - شباب - تلاميذ المدارس - شيوخ وقيادات العشائر العراقية الامر الذي اضفى عليها طابعا وطنيا مناهضة للتجزئة والتشتت.
3- سلمية الانتفاضة الشعبية.
اتسم الحراك الشعبي المتواصل لطبقات التشكيلة الاجتماعية العراقية العاملة على إقامة الدولة الديمقراطية الكثير من الدروس الكفاحية أبرزها الطابع السلمي للحراك الشعبي والذي تجسد في الحفاظ على سلمية الانتفاضة الشعبية وتعذر جرها الى العنف والفوضى رغم حدوث بعض الخروقات الناتجة عن اندفاعة الشباب المنتفض من جهة ودموية المليشيات المسلحة الساندة للنظام السياسي الطائفي من جهة أخرى.

4- غياب القيادة الحزبية للانتفاضة الشعبية.
بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية واستمرارها ساهمت الأحزاب الوطنية - الديمقراطية بالحراك الجماهيري دون المشاركة في قيادتها السياسية حيث ابدعت الانتفاضة الشعبية في تشكيل تنسيقاتها الميدانية الهادفة الى تنظيم ممارستها اليومية ولم تدع القوى الوطنية والديمقراطية بقيادتها وتنظيم شعاراتها السياسية.
5–مناهضة المحاصصة الطائفية.
احتشد تحت راية الانتفاضة الشعبية مواطني الدولة العراقية بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية والقومية تحت شعار اسقاط الحكومة الطائفية واستبدالها بحكومة وطنية عراقية.
6– مواصلة القمع السلطوي
مارست أجهزة السلطة الأمنية وميلشياتها الحزبية القمع المباشر والمنظم عبر الاندساس والاغتيال والتخريب للانتفاضة الشعبية بهدف إعطاء مبررات أمنية لاستخدام العف ضد مسارها السلمي.
ان السمات الجديدة السلمية والسعة الجماهيرية المناهضة للطائفية السياسية التي طغت على أنشطتها الثورية بشرت بولادة اشكال كفاحية جديدة هادفة الى بناء دولة ديمقراطية تلبي الحقوق الاقتصادية والسياسية للمواطن العراقي.
ثانيا - مضامين الانتفاضة الجماهيرية وشعاراتها المطلبية.
رغم امتداد الانتفاضة الشعبية لنهج الكفاح الثوري الذي خاضته الجماهير الشعبية في التشكيلة الاجتماعية العراقية الا ان الانتفاضة العراقية اتسمت بشموليتها وحملت مضامين جذرية يمكن ايجازها بالتالي -
1 – مناهضة أحزاب الطائفية السياسية
حملت الانتفاضة الشعبية شعارات وطنية مناهضة لأحزاب الطائفية السياسية وركزت على عراقية الانتفاضة الشعبية الامر الذي شرع الأبواب امام بناء الدولة الوطنية الديمقراطية وتوازن مصالح طبقاتها الاجتماعية.
2 – اسقاط نظام المحاصصة الطائفية
حملت الانتفاضة الشعبية مضامين سياسية- ديمقراطية من خلال تركيزها على اسقاط الحكومة الطائفية والتخلي عن المساومة التوافقية والاتيان بحكومة وطنية ديمقراطية تستند الى الارادة الشعبية.


3 – مكافحة التدخلات الأجنبية
انطلقت الانتفاضة الجماهيرية تحت شعار مناهضة التدخلات الأجنبية سواء كانت الامريكية منها او الإيرانية وبهذا المعنى تميزت الهبة الشعبية بتأكيد استقلال البلاد وتعزيز شرعيتها الوطنية عبر رفض ولاية الفقيه والتأكيد على عراقية الانتفاضة الشعبية المساندة من القوى الوطنية والمرجعية الدينية في النجف الاشرف.
4 – إعادة بناء الدولة العراقية على ركائز أهمها –
أ – سيادة روح المواطنة وعدم التمييز الطائفي والعرقي.
ب – وحدة المؤسسات العسكرية والأمنية للدولة العراقية.
ج -التخلي عن التشكيلات المسلحة الطائفية المشاركة في قمع المطالبات الوطنية وفك ارتباطها بالجهات الخارجية.
5 –تلبية الضرورات الأساسية للمواطن العراقي المتمثلة بالعمل وتوفير الخبز وصيانة الكرامة الوطنية.
6 – المشاركة الوطنية الهادفة الى الدفاع عن الدولة الوطنية وصيانتها من التبعية والتهميش.
--ان التعاون بين تنسيقيات الانتفاضة الجماهيرية وقيادات الأحزاب الوطنية والديمقراطية يوفر أغطية وطنية -شرعية لضمان سلمية الانتفاضة الشعبية الهادفة الى تلبية الحقوق الأساسية لتشكيلة العراق الوطنية وفي مقدمتها بناء دولة وطنية ديمقراطية.
ثالثا- افاق تطور الحركة الشعبية
- رغم اتساع الانتفاضة الجماهيرية وشمولها الدولة العراقية ناهيك عن تنوع الطبقات المشاركة فيها الا ان نتائجها السياسية مرهونة بكثرة من العوامل السياسية المتداخلة نحاول الإشارة الى بعضها --
أولا –رغم عراقية الانتفاضة الشعبية الا ان هناك العديد من القوى الحزبية المسلحة المناهضة لمطالبها الديمقراطية والمعيشية ناهيك عن ترابطاتها الخارجية المناهضة للحراك الجماهيري.
ثانيا –أساليب المواجهة بين السلطة الطائفية وبين الانتفاضة السلمية قابلة للتطور والاشتعال تبعا لتطور مسار النزاعات الاجتماعية وموقف أجهزة الدولة القمعية منها وما يشترطه ذلك من صيانة مسارها السلمي.
ثالثا – افتقار الانتفاضة الشعبية المباركة لقيادة موحدة وضعف تنسيقها مع الأحزاب الوطنية الديمقراطية الوطنية فضلا عن ضبابية رؤيتها السياسية لبناء الدولة الوطنية يعرضها الى التراجع والانكفاء.
ثالثا – لا زالت القوى الطائفية المناوئة للاحتجاجات الشعبية تتمسك بزمام السلطة فضلا عن امتلاكها قوى حزبية مسلحة الامر الذي يؤشر الى دموية النزاع الاجتماعي في المرحلة القادمة.
رابعا – الصراع الإقليم الدولي المتمثل بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين يلقى بظلاله على الانتفاضة العراقية ويساهم في تعقيد الرؤية السياسية للانتفاضة المباركة.
خامسا – تعرض الدولة العراقية وتشكيلتها الاجتماعية الى التفكك والانهيار عند تطور النزاعات الاجتماعية العراقية الى نزاعات طائفية -عرقية مسلحة
سادسا – غياب البرنامج الوطني الشامل لدى تنسيقيات الانتفاضة الجماهيرية تفسح المجال امام تسويات موقته للازمة الوطنية تؤدي الى وأد الانتفاضة الشعبية المباركة.
ان المخاطر والهواجس المشار اليها يمكن تلافيها بالاعتماد على التنسيق المباشر والمتواصل بين التنسيقات القيادية التي افرزتها الانتفاضة وبين الأحزاب الوطنية الرافضة للطائفية السياسية بهدف التوصل الى حلول سياسية – وطنية كفيلة بتجنب الانتفاضة الجماهيرية الانزلاق الى صراعات قد تضع العراق على حافة خراب دولته الوطنية وتشكيلتها الاجتماعية.