اسباب رفض الحوار


منير الكلداني
2019 / 12 / 1 - 00:52     

عقم التلقي

يعتبر الحوار من الوسائل العقلية الفكرية التي تعطي للإنسان قيمته وتميزه عن غيره في التعايش على ارض البسيطة متخذا من مبدا السلامة والسلام ارضا صلبة يعتمد عليها ما عاش على هذه على الأرض ...
وتكمن تلك القيمة في قوتها على زيادة اليات التطور الفردي والاجتماعي في مختلف المستويات فاذا ما تطور الفكر تطورت الالة وسهلت حياة الانسان اكثر فاكثر
فلا يخفى ما للحوار من بلورة ذلك التطور وهذا ما تؤيده المصاديق المرئية والمسموعة فما من مجتمع يغلب فيه الحوار الا وتقدم بعكس المجتمع الاخر الذي لا يرى للحوار أي قيمة بل قد يعتبره البعض ضعفا ، فتسود هناك لغة الغابة – بحسب اطلاقهم – ويكون القوي هو المسيطر والمتحكم الفكري لان بيديه المال والسلاح ومن يمتلك هاتين فهو بلا شك لا ينازع في راي او قرار وعلى هذا سادت على تلكم المجتمعات لغة العنف واقصاء الاخر فصار الراي جرما يجب ان يموت صاحبه ، ولعل أوضح تلك المصاديق التاريخية ما حدث لكل المصلحين الاجتماعيين الذين كان جرمهم مخالفة المتحكمين لان المصلحين كانوا يرون ان الحوار هو الهدف الاسمى في تطور المجتمعات بعيدا عن أي جدلية لا تحقق ذلك الهدف ، ولعلنا نفهم من خلال ما تقدم ان أي مجتمع يرفض تلك القيمة انما يعرض نفسه لافات من الامراض الاجتماعية الخطرة فتجد ان المنطق الحاكم لمن بيده مصادرالقوة والكلام جدلا والعزة في نبذ المخالفين ...
وما هذا الا لان البناء الفردي تقوقع في دائرة الرفض للتلقي من أي طرف مخالف فتاسس من الفرد مجموعة وهكذا ..
فبين الراي الأول والثاني جدل لا نهاية له وبين الجدليين لا مكان للحكم الذي يقضي بين المتخاصمين لانهم سيعتبرون ذلك الحكم راي اخر ثالث على الاثنين مهاجمته واقصائه ومن هنا كان الاختلاف الفكري مصدر الخطر الاجتماعي لانه مؤسس على امزجة معينة وعقائد متباينة لا يربطها سوى (( مفهوم الفكرة )) بل أحيانا هناك ما يفقد (( الفكرة )) أصلا ..
قد لا نتفق ولكن لنغلب القيمة الحوارية على ما نتلقاه حتى تتسنى لافكارنا اخذ الصحيح ونبذ الخطا


قد لا يمكن بحال ما ان يرفض الفرد (( أي فرد )) أي معلومة الا وهو متيقن (( او يعتقد )) ان سبب رفضه هو منطقي جدا وبعيد عن التعصب الفكري بل يرى ان من يطرح المعلومة هو الذي جانب الصواب وهذا يعود بالأساس الى التقاطع بين المعلومة ومتلقيها وهذا التقاطع له عدة أسباب ممكنة
السبب الأول : مخالفة المعلومة الى بديهية علمية ثبت عقلا انها صحيحة كأن تقول المعلومة ان واحد زائد واحد تساوي أربعة
السبب الثاني : مخالفة المعلومة لنظرية علمية ثبت عند ذوي الاختصاص انها صحيحة مثل ان سرعة الضوء تساوي 300 الف كم بالثانية
السبب الثالث : مخالفة المعلومة لقاعدة من قواعد العلوم الإنسانية ثبت عند ذوي الاختصاص صحتها مثل ان يكون خبر كان واخواتها مرفوعا والمعلوم انه منصوب
السبب الرابع : مخالفة المعلومة لقاعدة اخذت صحتها من الحكماء سواء كانوا حكماء شرعيين ام وضعيين مثل ان التاريخ يسير وفق ضوابط صارمة في تطور المجتمعات كما يقول به ماركس في نظريته التاريخية الشهيرة او كما ثبت عند الفكر الديني القديم بان الأرض ثابتة والشمس تدور حولها
السبب الخامس : مخالفة المعلومة لبديهية عملية عقلية ثبت إنسانيا انها صحيحة فاذا ما قال احدهم ان الظلم لا باس به ردته تلك البديهية بقولها ان الظلم لا يجوز
ولعل ما ذكر هي الأشهر - وليست هي كلية بطريق أولى - من أسباب عدم التلقي ومن اشهر تلك الأسباب والأكثر شيوعا هو السبب الرابع حيث هو مدار الجدل وكل الأسباب الأخرى قد لا تؤدي في كثير الى الجدلية (( الدور المنطقي )) لان اغلب ما يقال فيها الرجوع الى المصادر العلمية المتخصصة لفض أي اختلاف ..
ولعل نظرية (( المقدس )) سواءا كان نبيا ام وليا ام عالما فلسفيا لا تنحصر بمن يعتقد بوجود الاله من عدمه بل هي تشمل حتى من لا يؤمنون بوجود اله وأوضح الأمثلة ما يعتقده شعب كوريا الشمالية من قدسية حاكمهم وهم أصلا لا يؤمنون بوجود الاله وفق نظريتهم الفلسفية ومن هنا يتضح ان تلكم الجدلية تقوم وتتقوم على السبب الرابع من الاخذ بصحة القواعد المطلقة اعتمادا على قائلها من غير تدقيقها وعرضها على بديهيات الفكر والمنطق العقلي وكلما اقترب الحوار في هذا السبب كلما استطاع الانسان ان يقفز في وعيه الى مراتب متقدمه ونبذ اصنام أفكاره