تمخضّ الجبل ...


قاسم حسن محاجنة
2019 / 11 / 28 - 16:38     

موجةٌ تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي ، تنحسرُ قليلا وترتد ، تقتبسُ أقوالاً لقادة ولّوا وتولوا الزمام لعقود طويلة ... أمثال صدام المجرم والقذافي اللص الكبير .
يتباهى مرسلوها بأن صدام قد ضربَ إسرائيل بالصواريخ وعددها تسعة وثلاثون صاروخا .... ولو لم تُطح بنظامه ورأسه ، أمريكا اللعينة ، لحرّر فلسطين وأقام جنة الله على الأرض ..
أما القذافي ، فله في "الطيب" نصيب ،إذ ينشرون له خطبا ألقاها ، وبها توعد حكام العرب بالويل والثبور وعظائم الأمور ، وأن أمريكا ستقطع رؤوسهم ..
في الحقيقة ، كنتُ أسخر من هؤلاء ، بل وكتبتُ مقالا ،ذات سنة، بعنوان " أيتام صدام" ، سخرتُ فيه ، من صدام وأيتامه ..
لكن السخرية غير كافية وتحتاج الى مراجعة على ضوء ما يمر به العالم العربي من أحداث ، وما وصلت إليه الثورات ، وهل هي ثوراتٌ حقاَ..؟
أميل الى الإعتقاد ، بأن حالة من تأنيب الضمير وجلد الذات ، يمرُّ بها بعض العرب الغاضبين على مفرزات الثورات العربية المُعاصرة ، وخاصة بأن العرب مشهورون بالبكاء على الأطلال والحنين القاتل الى المستبد الغاصب القامع ..
ولكي لا أُسَفّهَ أحدا (أي أتهمه بالسفه) ، فللمتباكين على الأطلال براهين من أرض الواقع ، تدعمهم وتدعم رأيهم بما آلت إليه الأوضاع بعد الثورات ..
فالأوضاع في بلاد الثورات ، تزداد سوءا يوما بعد يوم ، والثورة على مبارك أفرزت حاكما كالسيسي ، وبالقياس إليه كان عهد مبارك، عهد رخاء وديموقراطية ..
في اليمن ، تم تدمير البشر ، الحجر والشجر ، وأُزهقت أرواحٌ لا تُعد ولا تحصى ، وما زال القتل مستمرا...
في سوريا ، ملايين المهجرين والمشردين ،أما عدد القتلى ففي علم الغيب ... تتصارع على أرضها القوى العظمى والإقليمية ، دُمرت البنية التحتية ، وأصبح الحصول على كفاف اليوم ، مهمة من المستحيلات ..
العراق "العظيم " وما أدراك ما العراق ، غزته الطائفية وتسلط على الرقاب شلة من اللصوص ، فاقت لصوص صدام وأبنائه وبعثه ، والفقراء لهم الجنة ..
" الناجية" الوحيدة من التدمير الممنهج للإنسان والأوطان ، ما زالت بحاجة الى فترات نقاهة ..
ولعلّ لبنان تُشكل انموذجا للثورة التي تريد إحداث تغيير للبنى السياسية ، الاقتصادية والإجتماعية التي ولّى زمانها .... وإن غدا لناظره قريب .
لا ، لا أضم صوتي للمتباكين ، رغم أني نوستالجيا بإمتياز ... ولا أرى لطرفة عين بأن الأنظمة البائدة، كانت صالحة أو أن "ليس بالإمكان أفضل ممّا كان " ...
لكني أعتقد بأن مرحلة ألاناركيا السائدة في بلدان الثورات العربية ، هي مرحلة حتمية ستقود في النهاية الى بناء مجتمع معاصر ، تسوده قيم الديموقراطية والمساواة ..(لكن من يدفع الثمن في هذه المرحلة هم وكالعادة الفقراء ).