حراك جماهيري لكنه مطلقاً غير ثوري


سائس ابراهيم
2019 / 11 / 27 - 22:16     

هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والتحرر ؟. ه

خلخلت الحركات الإجتماعية والإنتفاضات الحالية موازين القوى في المنطقة بأكملها وأعطت تنظيمات اليسار إمكانيات لم تتوفر لهم من قبل لتجديد نفسها، إن واجبها الآنى المستعجل هو استغلال هذا الظرف التاريخي للعمل الجذري داخل الطبقات الأكثر ثورية، نعني العمال أساساً والفلاحين المعدمين وكل تلاوين البرجوازية الصغيرة المسحوقة هي الأخرى من طرف كبار البرجوازيين والاحتكاريين والرأسمال المالي الأمبريالي. ه
إن تشكيل الجبهات بين الأحزاب والتنظيمات غير ممكن إلاّ إذا برز قطب جاذب "طليعة ثورية قوية"، تشكل النواة الصلبة لتجميع الطبقات التي من مصلحتها الثورة غداً، إن الإتجاهات اليسارية المعتدلة والحركات الديموقراطية والعلمانية تعابير طبقية للبرجوازية الصغيرة الإصلاحية أساساً، وسيتبعون الطليعة العمالية/الفلاحية الثورية متى أثبتت كفاءتها وحنكتها وقدرتها على قيادتهم إلى النصر والتغيير. ه
المرحلة الآنية في نظري، لا تستدعي ولا تتطلب تشكيل الجبهات المتعددة المشارب والمنابر ما دام البناء الذاتي الفعلي لليسار الثوري لم يبدأ وما دامت النواة الصلبة لم تخلق بعد، ومن غير السديد أن يندفع شتات الماركسيين بوضعيتهم الحالية للدخول في متاهات تحالفات في غير صالحهم وليست بالقطع لصالح برامجهم الثورية. ه
يجب أن يعي الجميع أننا لسنا فرساناً للجمل الثورية وأن التصلب اللفظي والشعارات الجاهزة لا يصنع ثوريين حقيقيين. وأن التحليل النظري ولو كان سديداً وصائباً. سيبقى مجرد ثرثرة مثقفية كُتُبِية إذا كان بعيداً عن الطبقة العاملة والطبقات الثورية الأخرى. ه
إن من مهمات الماركسيين الأساسية والحيوية حالياً ومستقبلاً هو مواجهة الإيديولوجيات الفاشية للسلطة والطبقات المهيمنة وحلفائها المتواجدين حتى داخل صفوف الشعب، وإن الإيدولوجية الأقوي منذ أمد بعيد وإلى الآن هي الإيديولوجية الفاشية الإسلامية. إن الإسلام ليس ديناً بين الفرد وربه، إنه الأفيون الجبار الذي يسيطر بجبروته على عقول الأغلبية الساحقة من مواطني بلداننا. إن نقد الدين في بلداننا ليس نقداً للسماء، إنه على العكس نقد أساسي للأرض، إن الإسلاميين الجزائريين كل تلاوين الإسلاميين من بعدهم في المغرب وتونس ومصر حينما يرفعون شعاراتهم في كل الإنتخابات : "صوتوا على الله... من صوّت لنا فمصيره الجنة". يعوضون غياب البرامج بجمل الإيديولوجية الإسلامية، والأدهي في الأمر أن عمليتهم تنجح دائماً. ولهذا يجب أن تتوجه معاول الهدم لهذا الدين ولقداسته الوهمية المختلقة. ه

3 ـ هل تعتقد ان الجيش والشرطة هم حماة السلطة الحاكمة في العالم العربي، و ما هو برأيكم الموقف الأمثل من الجيش ؟ ودوره في عملية التغيير أو الثورة المضادة ؟. ه
الجيش جزء من أدوات الهيمنة الطبقية للدولة المسيطرة، فقد أكد لينين على الدور الطبقي للدولة الذي وضع ماركس وإنجلز أسسه باعتبار الدولة "أداة قهر الطبقات المسيطرة للطبقات المضطهدة"، أي قهر الطبقة العاملة والطبقة الوسطى من طرف البورجوازية في المجتمعات الرأسمالية، لهذا فالدولة في ظل الديمقراطية البورجوازية لا يمكن أن تسمح إلا باضطهاد الطبقات المناقضة لها من طرف الطبقة البورجوازية المسيطرة على وسائل الإنتاج المادية والثقافية. ه
وأكد لينين على أن شراسة البورجوازية عندما تفتقد سيطرتها على وسائل الإنتاج تكون أشد قتالية ولذلك فالعنف الثوري عامل مركزي في بناء المجتمعات الإشتراكية عبر القضاء على عنف الطبقة البورجوازية، فديكتاتورية البورجوازية لا يمكن إسقاطها إلا بديكتاتورية البروليتاريا. ه

هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية مؤثرة في هذهِ الانتفاضات ؟ وإلى أي مدى ؟. ه
مصطلح القوى اليسارية عائم وهلامي تندرج تحته تلاوين عديدة من القوى التي تطلق على نفسها إسم "اليسارية"، بينما هي بالأساس برجوازية، فالحزب الإشتراكي الفرنسي والحزب الإشتراكي الإسباني وحزب العمال البريطاني يٌصنَّفون أنفسهم كأحزاب يسارية رغم طبيعتهم الطبقية البرجوازية وتوجهاتهم وبرامجهم التي تقارب في كثير من الأحيان برامج ومواقف اليمين الأكثر تشدداً. ه
على مستوى المغرب أفرغ هذا المصطلح من مضمونه، فأحزاب : الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتقدم والاشتراكية، والاشتراكي الموحد، وحزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي...الخ، يدعون اليسارية في برامج مسطرة للإستهلاك الإنتخابي فقط. والنموذج الأمثل لِما نقول هو أن الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية أو حزب "المهدي بن بركة كما يطلق على نفسه" الْمُشَارِك في الحكومات الملكية منذ أكثر من عشرين عاماً لم يسْعَ إلى تطبيق ولو بند واحد يتيم من برنامجه المطلبي الْمُسَطَّر في كل مقررات مؤتمراته. ه
لهذا يجب التدقيق في هذا المصطلح وعدم إطلاقه جزافاً على كل من هب ودب. ه
نموذج صارخ لما أكتب يأتي من تاج السر عثمان "عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني" في موضوعه المعنون بِـ "كما طائر الفينيق تتجدد الثورات في المنطقة العربية"، على الرابط التالي : ه
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=656633#

حيث كتب : "كما طائر الفينيق تنبعث الثورات في المنطقة العربية، فقد تزامن مع الثورة السودانية نهوض الحركة الجماهيرية التى تصاعدت منذ انفجارالثورات في المنطقة العربية : تونس ، مصر، اليمن ، سوريا، ليبيا، والتي امتدت حاليا لتشمل : الجزائر، العراق ، لبنان ، وايران ، وامتداداتها في العالم كما في : حركة " السترات الصفراء" في فرنسا ، والاكوادور وشيلي ..الخ". هذه التطخيم وهذه الجعجعة والطنين الأجوف والقفز فوق حقائق الواقع دفعته إلى الحديث عن ثورات لا وجود لها إلا في مخيلته بل دفعة للقول أن تأثير ما يحدث في المنطقة كان له إشعاع عالمي وصل إلى فرنسا والإكودور والشيلي وهذا نهاية الجهل والثرثرة الفارغة، فكيف يكون لأمثال تاج السر عثمان تأثير على مسيرة الحراكات الشعبية وقيادتها وهو يجهل حتى طبيعتها وتركيبتها وسياقاتها وآفاقها الآنية ؟. ه
يتبقى لنا القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية والمجموعات الماركسية اللينينة والتروتسكية...الخ، المشاركة في الحراكات الجماهيرية من الجزائر إلى العراق مروراً بلبنان وسابقاً السودان (هذه الحراكات لم تمتلك بعد مقومات الثورة ولم ترق إلي درجة الإنتفاضة)، إن أدوارها ما تزال ضعيفة وهشة نتيجة تشتتها وضعفها وعدم تجذرها داخل الطبقة العاملة. ه
إن الحركات الإحتجاجية الشعبية في الجزائر ولبنان والعراق ضد هيمنة الرأسمال إيجابية، لكنها للأسف مؤطرة فقط بالفايس بوك والتويتر ـ رغم الأهمية الفائقة والمتزايدة لوسائل التواصل الحديثة هذه ـ بدل الطلائع اليسارية الجذرية، وهي بطبيعتها الحالية غير مؤهلة على الإطلاق لإسقاط الأنظمة العفنة القائمة، إنها تمثل خطوة إيجابية إلى الأمام لإضعافها ولكنها بإيدولوجيتها وأساليبها وسقفها المطلبي ستكون عاجزة مطلقاً عن القضاء عليها. ه
تبقى الآفاق المستقبلية في نظري إيجابية جداً إذا ما شمرنا على سواعدنا، يقول لينين : "ليس عيباً أن يحلم الإنسان، ولكن العيب ألا يعمل من أجل تحقيق حلمه". ه
إن القُرَاد لا يمكنه العيش بدون امتصاص الدماء، والنظام الطبقي وأسياده الأمبرياليين لن يفرطوا في مصالحهم وأرباحهم، وحتى إن تنازلوا عن الفتات، فهم غير مستعدين أبداً للتخلي عن استغلالهم ونهبهم. ه
لهذا قلت في أسطر سابقة بأنني متفائل من سير التاريخ، إن شعوبنا لن تحقق بهذا التناوب في الأشخاص والأحزاب شيئاً. ه
إن من واجب الشيوعيين الحقيقيين النضال بدون هوادة ضد الطبقات المسيطرة أياً كانت طبيعتها ومواجهة ايديولوجيتها مواجهة حازمة مهما كانت تلاوينها، وهذا مهما كانت قواتنا ضعيفة، لنتذكر جميعاً أن لينين والبلاشفة ظلوا لمدة طويلة أقلية، لكنهم لم يصفقوا للعدو ولم يتوقفوا عن النضال الثوري إلى أن انتصروا وغيروا التاريخ. ه
إن نجاح اليسار المقبل ليس من حتميات الطبيعة. إذا لم نستجمع قوانا ونعمل ليل نهار على ايصال أفكارنا إلى الجماهير، وإذا لم نتجاوز خلافاتنا وذواتنا الصغيرة فإن الثورة والتغيير لن تسقط علينا من السماء. ه
وهل توجد السماء في الأصل حتى تٌسقط ثورات. ه