العراق:حيتان الفساد تحكم العباد وتدمر البلاد


كاظم الموسوي
2019 / 11 / 26 - 04:01     

امر لا يصدق أو لا يمكن هضمه كما يقال في ما يحصل في العراق بعد الغزو والاحتلال الامريكي في قضية الفساد، المالي والإداري والأخلاقي والسياسي وصولا إلى القيم والمثل السائدة في المجتمع العراقي. حيث لا يمكن قبول ما حصل ويحصل. اشخاص وأحزاب تدعي أنها حاملة التدين والقيم الدينية التي تحارب كل ما تحمله كلمة الفساد، واذا هي تتفنن فيه مضمونا ومعيارا وممارسة واسلوبا.
حمل الغزو والاحتلال الامريكي البريطاني للعراق معه عدته في الفساد وأوجد بيئته ودرس نفوس مريديه وازلامه واستطاع توظيفه واستخدامه في التنفيذ والتطبيق العملي وتوفير كل ما يخدمه ويكرسه ويسوقه ويزوقه والأخطر تزكيته وتبريره وتضليله، فاتسع إطاره وانفتح مجاله، حتى بات مسيطرا ومهيمنا، اسما ومحتوى.
في الأرقام والإحصاءات اصبحت ثروات البلاد بيد ثلة لا تتجاوز نسبتها اصابع اليد الواحدة ومن الطبيعي ترسم لها هرمها الوظيفي لتحطم امال الحاضر والمستقبل والأجيال والإعمار. ويتحول الشعب الذي يجلس على أرض عامرة بالكنوز والموارد فقيرا ومحروما وجائعا بكل وضوح. تعبر عن المشهد مناظر قاسية، متناقضات ومفارقات،قصور شاهقة واسعة واكواخ طين وصفيح، بعثات دراسية في الخارج لأبناء الطبقة السياسية المتنفذة ومدارس الداخل من طين وخشب مكدسة بالطلاب، العلاج في مستشفيات في عواصم أخرى ومدن البلاد بلا مستوصفات. لوحات رسوم كاريكاتيرية كوميدية أو افلام خارج المهرجان والتحكيم. وفي السجلات الدولية يأتي تسلسل العراق في آخر البلدان النزيهة والشفافة واول القوائم في الفساد والخراب. اي مهزلة هذه وتراجيكوميدية متقنة الصنع والحبكة والاخراج؟!. أرقام فلكية في الميزانيات السنوية ولا حصاد منها يقنع طفلا صغيرا به.
مضحك أو مبك ما يقرأ عن كارثة الفساد في العراق، ومحزن أن تسمع كلاما كثيرا، أشبه بجعجة بلا طحين، ولا ثمر يجنى ولا انتهاءا موعودا. كل الحكومات التي حكمت العراق بعد الغزو اشتركت في صناعة الفساد باسمه، وعملت بضمنه وسخرت عقولها لأدائه، وجعلته مقدسها، أو صنمها الذي يعوضها في صحوتها.
ليس آخرا ما يجري اليوم في الساحات العراقية، حراك شعبي يتسع مداه، سببه الاول واسه المعلن: الفساد. كل من وصل إلى الحكم، مسؤولا عنه، حاكما أو موظفا في دائرة الحكم، والأغرب به أن من ادعى مسؤولية أعلن ورقته عن الفساد، وإجراءاته في محاكمته ومحاسبته، ومرت الأعوام والأيام ولم يمسك أحد من المتهمين أو الذين فضحوا واصبحوا كالاعلام تحت الاضواء. حتى بات التباهي بالفساد متلفزا، بالصوت والصورة، إقرارا واعترافا، ولا سؤال عنه أو خشية منه أو من محاسبة أو نزاهة. لا هذا وحده، بل صارت البرامج الحوارية مضرب أمثال وتقديم أدلة وشهادات اثبات، وكأنها في مسرح أو عرض سينمائي وحسب.
انتفضت الجماهير الفقيرة وصرخت الأجيال المحرومة ونطقت الفئات المهمشة أو المتوسطة أو القواعد الشعبية للسلطات، بسبب الفساد والنهب والثراء على حساب مطالب الشباب وحقوق الناس وخدمات المجتمع، فناهض الحراك المتسع حالة الفساد وتفرعاتها وتداعياتها وامتداداتها المتشعبة، لتصبح عنوانا يضم تحته مسببات الخراب والصراع، المحاصصة والطائفية والمذهبية والانقسام والتشتت والفتنة وارتداداها العنقودية. وامام كل هذا لم ترتفع إجراءات الحكومات الى مستواها، وحدود الأزمات وتفريخاتها، إذ ظلت ألفاظا جوفاء لم تقترب من حيتان الفساد، تاركين لهم التحكم والتدمير والقرارات التي استمرت طيلة الفترة من ايام الغزو والاحتلال والى أيامنا هذه.
كل حاكم يصرح بالمكافحة للفساد وفي الختام ينتشر أكثر من سابقه، وكأنه يشجع عليه تحت غطاء مكافحته. مئات الملفات للفاسدين تعرض في المؤتمرات الإعلامية وندوات مجلس النواب، وتتبادل " الاتهامات" لقاءات الفضائيات، وكلها هواء في شبك.
مصدر في هيئة النزاهة الحكومية لمكافحة الفساد لوكالة فرانس برس (2019/10/16) صرح إن "قضية الفساد لا يمكن أن تحل دون جدية ونية صادقة". واضاف المصدر الذي طلب عدم كشف هويته لحساسية الملف أن "رئيس الوزراء غير قادر على ذلك، لأنه يعرف أن الكل مشترك بالفساد، وحتى قبل أن يعمل معهم" حين استلم منصبه قبل عام.
ورأى المصدر، في العراق الذي يحتل المرتبة 12 في لائحة البلدان الأكثر فساداً في العالم بحسب منظمة الشفافية الدولية، أن الفساد يكمن في ثلاثة ملفات. وأشار إلى أن تلك الملفات هي "المنافذ الحدودية، وتهريب النفط، وعقارات الدولة. إذا قضي عليها ينخفض حجم الفساد كثيراً". وهذا كلام رسمي، في التبرير اكثر منه في التفسير.
أعلن رئيس الوزراء في خطاب وجهه إلى الشعب العراقي أنه سلم إلى القضاء "لائحة بأسماء ألف موظف" متهمين بالفساد، متعهداً بتقديم لائحة أولية بأسماء مسؤولين كبار "خلال ساعات". وأكد مكتبه في بيان حينها، أن بين هؤلاء وزراء سابقين، ومسؤولين لا يزالون في مناصبهم. ولكن، لم يتم الإعلان رسمياً عن أي اسم حتى الآن، وسبق أن أشيع مثل ذلك في عهد رئيس الوزراء السابق، واخر اعلن أن لديه ملفات كثيرة لم يكشف عنها في حكمه، رغم صدور أحكام بالسجن خلال السنوات الأخيرة بحق وزيري تجارة على الأقل، بتهم فساد. ولكن حين صدور الأحكام، كانا قد غادرا البلاد. وحين ا عتقل أحدهما وسلم إلى بغداد أطلق سراحه بعدها، كما حصل مع محافظ معروف.
إضافة إلى ما سبق، كشف مؤخرا رئيس كتللة برلمانية في تصريح خاص لمراسلة "سبوتنيك" في العراق، (18/11/2019) أن أكثر من 13 ألف ملف فساد، على طاولة مجلس النواب الذي يلاحق المسؤولين، والسياسيين، والنواب، المتورطين بها. بينما صرح نائب رئيس المحكمة الجنائية العليا العراقية سابقا القاضي منير الحداد لشبكة رووداو الإعلامية 2019/11/22)) ان العراق يعاني من وجود نحو 30 ألف ملف فساد؛ "وهناك ملفات كبيرة وكثيرة جداً بما يخص ملفات الفساد وهناك متهمين بدرجات متفاوتة طوال السنوات الماضية فيما لم نشهد محاسبة أي شخصية سياسية بارزة... وأن ما يحدث فقط تقديم موظفين "بسطاء" والذين لا يملكون كتلة سياسية أو حزب يدافع عنهم".
كل مرة حين تشتد المطالبات في محاكمة الفساد والفاسدين تبرز تصريحات رسمية بارقام وإعداد وملفات وترفع بعدها إلى الرفوف دون فعل حقيقي، وحكم ملموس. والفساد بأنواعه قاد العراق منذ الغزو الى الان. يجب ألا يمر هذه المرة كسابقاتها. وبعد أن أصبح الحراك الشعبي سلطة شعبية فالتجارب في بلدان اخرى، في محاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين تقدم درسا للانتهاء من كل ما يتعلق بجريمة الفساد ومجرميه. لابد ان يردع الحيتان من الإستمرار في الحكم والتدمير.