هل بدأ العد العكسي لنهاية الإسلام السياسي ؟


رضي السماك
2019 / 11 / 22 - 18:42     

بقراءة سياسية ممعنة في دلالات الانتفاضات الشعبية في ثلاثة أقطار في المنطقة هي على التوالي : العراق ولبنان وإيران ، فإنها ستفضي حتماً إلى طرح على بساط البحث عما إذا العد النازلي لنهاية الإسلام السياسي الشيعي قد بدأ فعلاً ، والمصير ذاته أضحى يواجهه الإسلام السياسي السني بشقيه الرسمي والراديكالي . فعلى مستوى الشق الرسمي الخليجي عادت تجربة تصدير الجهاد إلى أفغانستان بدعوى نصرة شعبها المسلم ضد النظام اليساري الكافر والسوفييت المناصرين له في افغانستان بالوبال على النظام الذي حشدهم وجندهم ، فعاد الأفغان العرب بتشكيل " القاعدة " بقيادة بن لادن لتنشر الارهاب في المنطقة والعالم ولتعطي أسوأ صورة عن الإسلام ، ثم خرجت من معطفها " النصرة " و " داعش " ، وهذه الأخيرة بدورها عاثت -كما نعلم - في الأرض فساداً بكل ما في التعبير من معنى ، بل وتفوقت في ضروب وحشيتها بإسم الإسلام على كل أشكال الجماعات البربرية التي عرفها تاريخ العالم ، وإن كان جوهر عقيدتها ظل مستمداً من الاسس الرسمية الوهابية التي تربيت عليها قياداتها في رفض وإبادة الآخر الديني والثقافي المخالف لايديولوجيتها واجتثاثه .
وبموازاة ذلك سقط نظام البشير الدكتاتوري المؤيد من تنظيمات الإخوان المسلمين في العالم العربي والذي انقلب على حكومة الصادق المهدي الشرعية المنتخبة بفضل الثورة الشعبية التي هبت منذ أواخر العام الماضي وتكللت بالنجاح نسبياً في الصيف الماضي بتوقيع مباديء حكم الفترة الانتقالية بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير . وقبل ذلك اندلعت ثورة شعبية في مصر نهاية النصف الأول من عام 2013 أسقطت تجربة سنة كاملة من حكم الإخوان المسلمين برئاسة الرئيس الراحل محمد مرسي الذي فشل خلالها سياسيا واقتصادياً في تحقيق مطالب ثورة يناير 2011 ، بغض النظر عن المآلات التي انتهت إليها هذه الثورةالثانية بعدئذ من حيث ما وُصف باختطاف العسكر لها وبأن ماجرى ليس سوى انقلاب عسكري وإنكار دور الثورة الشعبية في إسقاطه وإن كان قد اُجهضت مطالبها فعلاً هي الاخرى .
وعودة لثورات وانتفاضات الأقطار الثلاثة ، ففي العراق بات تواطؤ أحزاب الإسلام السياسي الشيعي في السلطة مع رموز الفساد المزمن على مدى 15 عاماً ونيفاً يشهد به القاصي والداني ، والأهم من ذلك لم يعُد تغطيه ورقة التوت أمام مرأى ومسمع أوسع قاعدة من الجماهير المسحوقة المعدمة التي طفح بها الكيل فهبت ثائرةً إلى الساحات مطالبةً بإقتلاع المنظومة السياسية القائمة برمتها ، ولم يٌعد تنطلي محاولات دغدغة مشاعرها بالشعارات الدينية المذهبية لإقناعها بجدوى المحاصصة الطائفية لنيل حقوقها المعيشية والسياسية في ظل مليارات الدولارات التي شفطتها حيتان الفساد بضلوع رموز قيادية لتلك الأحزاب في السلطة أو بتواطؤ وصمت من قِبلها ، وبعلم أيضاً الجارة الجمهورية الإسلامية مادام هذا الوضع القائم يخدم مصالحها ويأبّد نفوذها ووصايتها على مقادير الحياة السياسية والإجتماعية والدينية في العراق ، بما في ذلك دورها بين الكواليس في مشاورات تشكيل الحكومات واعتبارها الحَكم والوسيط في أي أزمات حكومية طارئة فيُحج إلى عاصمتها طلباً للتسوية أو ترسل مندوباً إلى العراق لها لهذا الغرض مالم يُكلف أحد من ممثليها الدبلوماسيين أو أحد جنرالاتها العسكريين بذلك .
ومن هنا يمكننا فهم المقاومة الضارية التي ما فتئت تبديها السلطة القائمة ضد الثوار السلميين ومحاولتها ، ومن خلفها الجمهورية الجارة الداعمة لها من خلال إعلامها ، تشويه أهداف الانتفاضة الشعبية الباسلة المشروعة للمطالبة بحياة كريمة تشمل حق الرغيف وحق العمل والسكن والعلاج والكهرباء والماء ، ذلك بأن هذه السلطة القائمة إنما تعي جيداً بأنها باعتبارها واجهة لمنظومة أخطبوط فساد معقدة ومتغلغلة في مفاصل الدولة ومؤسسات اجتماعية وثقافية ودينية متعددة إنما تخوض معركة مصيرية ، فنجاح الثورة من شأنه أن يطيح ليس بها فحسب بل وبالتحالف غير المقدس بين أساطين الفساد المتشابكة مصالحهم مع الأحزاب الإسلامية داخل الدولة ، فسقوط النظام السياسي أو السلطة القائمة سيتتبعه حتماً إستعادة ليس المال العام المنهوب فحسب ، بل وتقديم أصحابه إلى المحاكمة العادلة ، دع عنك جرائمهم ورموز السلطة في قتل الشباب الأعزل المنتفض ، حيث تم قتل مئات الشهداء العزل المسالمين خارج القانون بدم بارد إما بأعذار واهية وإما بالتبرؤ من المسؤولية برمتها وألقاء تبعيتها على " طرف ثالث " مجهول !
أما في لبنان فقد أحرجت الإنتفاضة الشعبية ؛ نظراً لمطالبها العادلة ولكون جماهيرها من مختلف الانتماءات الدينية والمذهبية ، الحكومة القائمة وكذلك حزب الإسلام السياسي الشيعي الأقوى في الساحة السياسية ( حزب الله ) الذي يحتكر وحده السلاح ويستمد نفوذه وشرعيته من حمله لواء المقاومة ضد إسرائيل والتي يصر على تسميتها " المقاومة الإسلامية " رغم أن لبنان متعدد الطوائف والديانات ، فالمقاومة ضد الاحتلال أو دفاعاً عن الاوطان هي مقاومة وطنية لا لوناً دينياً لها ، فظهر قائده في باديء الأمر بمظهر المبارك لشرعيتها مبرراً عدم المشاركة فيها لكي لاتتُهم بأن ورائها مرجعيته المقدسة وداعمته الأولى " الجمهورية الإسلامية " ، إلا أنه سرعان ماأعلن في خطابه الثاني تشكيكه في الانتفاضة وأتهم سفارات بدعمها والوقوف خلفها ، ورغم أنه سبق أن أعلن بأن حزبه لن يشارك فيها فاجأ الناس في خطابه الثاني بوجود أنصار ومحازيب لحزبه بين المنتفضين مطالباً إيْاهم بالإنسحاب من الساحات ، وهذا جرى بعد سلسلة اعتداءات واستفزازات موثقة قام بها هؤلاء بحق المنتفضين . وبطبيعة الحال لم يتوانَ القائد المبجُل من رفضه تغيير الحكومة و منظومة المحاصصة الطائفية القائمة التي بفضلها ظل ومازال يعشش فيها الفساد المزمن ، ولا شك بأن هذا الموقف يفسره مخافته من تغيير الوضع القائم ، فالمنظومة السياسية والتشكيلة الحكومية في ظل رئيس حكومة ضعيف ورئيس جمهورية ورئيس برلمان برلمان بمثابة حليف استراتيجي ومن نفس الطائفة رغم تربعه على منصبه منذ ما يقرب من ثلاثة عقود كل ذلك وضع مريح للحزب لفرض سياساته على البلد بإسم " المقاومة " وكل من يبدي رأياً مخالفاً لها فهو إنما ينفذ الأجندات الامريكية والاسرائيلية ويقف في وجه المقاومة المتصدية لهما . صحيح أن خطابه الثاني الذي عمِد أنصاره ببثه في ساحات المنتفضين قد أحدث بلبلة في صفوفهم وتراجعاً نسبياً في أعدادهم ، لكن ذلك لم يمنع من انهاء وتيرة الاحتجاجات التي ظلت متواصلة حتى الساعة ، والأهم لم يحجب ثمة ثلمة لحقت بصورة الحزب في أعين شريحة غير قليلة من الناس الذين صعِب تضليلهم بتبرير خذلان انتفاضتهم لتمتعهم بوعي عال .
وأخيراً فقد جاءت انتفاضة البنزين التي تفجرت أخيراً في إيران حيث نموذج الإسلام الشيعي الحاكم الملهم لكل قوى الإسلام السياسي الشيعي العربي لتبرهن بقوة عن عمق الهوة والأمة اللتين تفصلان الطبقة الدينية الحاكمة عن الشعب ، وبما أن هذه الإنتفاضة ليست الأولى من نوعها والتي أخمدت سريعاً بوحشية راح ضحيتها أكثر من مئة متظاهر ، وبخاصة خلال فترة قطع الإنترنيت ، فإن كل ذلك يبرهن عن فشل نموذج نظام الإسلام السياسي الشيعي الشمولي القائم على " ولاية الفقيه " ، وأن كل تلك الإنتفاضات المتوالية ما هي إلا بروفات تنبيء بقرب انفجار ثورة شعبية قادمة لا محالة عاجلاً أم آجلاً لاستنفاد قدرة النظام الاستبدادي الذي نخره الفساد على حل الأزمات المعيشية والإقتصادية التي تعصف بالشعب والوطن في ظل إصراره على التمسك بنفس شعاراته الخشبية الدينية منذ أكثر من أربعة عقود .