ما الذي يعنيه الانقلاب ضد ايفو موراليس للشعوب الاصلانية مثلي

حسن مصاروة
2019 / 11 / 22 - 16:00     

نك استيس

ترجمة خاصة:حسن مصاروة

ايفو موراليس أكثر من مجرد أول رئيس اصلاني في بوليفيا- هو رئيسنا ايضًا. صعود هذا المزارع المتواضع من قبيلة الأيمارا الأصلانية إلى أعلى منصب في الأمة في عام 2006 مثل صعود الأصلانيين كقوة طلائعية تاريخية. وضمن الحركات الاجتماعية التي اوصلته الى السُلطة بزغت الرؤية الاصلانية للاشتراكية وقيم الباتشاماما (الأرض الأم في معتقدات الاصلانيين). موراليس يعبر عن خمسة قرون من حرمان الاصلانيين ونضالهم في جميع أنحاء القارة. لذلك فان الانقلاب ضد موراليس هو انقلاب ضد الشعوب الأصلانية.

نقاد موراليس من اليمين واليسار المناهض للدولة يسارعون للإشارة الى اخفاقاته، لكن في هذه الحالة، انتصارته وانجازاته بالتحديد هي التي حرضت هذا الانقلاب العنيف الأخير.

موراليس وحزبه (الحركة الاصلانية من أجل الاشتراكية) أمموا الصناعات الأساسية واعتمدوا سياسات انفاق اجتماعية جريئة من أجل تقليص الفقر المدقع الى أكثر من النصف، وليخفضوا نسبة عدم المساواة في الدخل الى نسبة 19% بشكل مذهل. خلال حكم موراليس وحزبه استطاع الكثير من الاصلانيين في بوليفيا أن يعيشوا لأول مرة في حياتهم فوق خط الفقر.

الإنجازات تحت حكم موراليس كانت تتعدى الجانب الاقتصادي. بوليفيا تحت حكمه استطاعت أن تقفز بشكل ملحوظ الى الامام في ما يتعلق بحقوق الأصلانيين. وبعد أن كانوا على هامش المجتمع، أصبحت لغة وثقافة الأصلانيين مشمولة فعلاً داخل النظام البوليفي التعددي. مفهوم الأصلانيين لفلسفتهم المسماة بالـ"بوين فيفر" والتي تروج لعيش البشر في انسجام بين بعضهم البعض وفي انسجام مع الطبيعة، أدخلت في دستور الدولة لتصبح مقياسًا للإصلاح المؤسساتي والتقدم الاجتماعي. واما العلم متعدد الألوان الذي يمثل الاصلانيين فقد صار علمًا رسميًا إلى جانب العلم ثلاثي الألوان الذي يمثل الدولة. 36 لغة يتكلم بها الأصلانيون أصبحت لغات رسمية الى جانب الاسبانية.



اشتراكية موراليس الاصلانية تحولت الى حاملة لراية المجتمع الأصلاني كله. موانا جاكسون، الحقوقية المرموقة وهي اصلانية نيوزلندية، وصفت دستور بوليفيا المحدث في 2009 على أنه "الدستور الوحيد في العالم الذي ينطلق من قاعدة الأصلانيين".

المشروع ألأصلاني- الاشتراكي في بوليفيا حقق ما فشلت النيولبيرالية دائمًا في تحقيقه: إعادة توزيع الثروة الصالح القطاعات الأفقر في المجتمع وإنقاذ هؤلاء الأكثر تهميشًا في المجتمع. بوليفيا تحت حكم موراليس حررت نفسها من كونها مجرد مستعمرة للموارد. قبل الانقلاب، كان موراليس يتجه لتأميم اقتصاد صناعة الليثيوم الضخمة، وهو عنصر ضروري لصناعة السيارات الكهربائية. منذ الانقلاب، ارتفعت بشكل ملحوظ اسهم شركة "تيسلا" (شركة أمريكية لصناعة السيارات الكهربائية). بوليفيا قضّت لسنوات مضاجع الدول الامبريالية مثل الولايات المتحدة وكندا باتباعها تحت حكم موراليس درب التأميم لاعادة توزيع الربح غلى المجتمع كله. هذه هي جريمة موراليس.



"جريمتي كانت هي كوني أصلاني، يساري، ومناهض للامبريالية"، هذا ما قاله موراليس قبل أسبوع حينما تم الانقلاب عليه وتنحيته.

انيز شافيز، المعارضة اليمينية التي حلت مكان موراليس بعد الانقلاب، صرحت أنها تحلم بـ"بوليفيا محررة من الطقوس الأصلانية الشيطانية"، وهي التي صرحت في 2013 من مقاعد المعارضة أن "المدينة ليست مكانًا للـ"هنود الحمر"(الاصلانيين) ويجب عليهم العودة الى الجبال". بعد رحيل موراليس، أعلنت شافيز عن نفسها رئيسة للبلاد بينما هي تحمل انجيلاً كبيرًا، مع انها فشلت في الحصول على تأييد مجلس الشيوخ.

والى جانبها يقف لويس فرناندو كماكو، وهو قيادي في اليمين المسيحي المتطرف. كماكو قتحمبعد استقالة موراليس القصر الرئاسي يحمل راية في يد وانجيلاً في اليد الأخرى. يقف بجانبه قس يقول "الانجيل عاد اخيرًا للقصر الرئاسي" ويضيف "الباشماما لن تعود إلى هنا ابداَ، اليوم يعود المسيح الى القصر الرئاسي، بوليفيا تعود للمسيح".

في الأماكن التي تعتبر المعارضة اليمينة فيها قوية تم انزال الاعلام التي تمثل الاصلانيين وحرقها في الشوارع. رجال الشرطة ازالوا الاعلام الاصلانية عن زيهم الرسمي، وهذه الاعمال الرمزية تصاعدت بسرعة للتحول الى أعمال عنف تعم الشوارع.



أعضاء الحزب الاشتراكي الحاكم تم إحراق بيوتهم، بيت موراليس تم تخريبه. رجال ملثمون مسلحون يجوبون الشوارع بحثاً عن داعمي الحزب الحاكم وعن الاصلانيين لملاحقتهم وضربهم وخطفهم في صناديق السيارات. عدة محتجين تم قتلهم بعد أن خرجت ذات الحركة الاجتماعية التي جلبت موراليس وحزبه الى السلطة محتجة الى الشوارع لتدافع عن منجزات ثورتها الاشتراكية الاصلانية.

وسط هذه الفوضى، عمت العنصرية والكراهية ضد الشعب الاصلاني البلاد بشكل ملحوظ منذ إعادة انتخاب موراليس واتهامه بالتزوير. ومع ذلك فحتى بعض المنتقدين اليساريين لموراليس استمروا بالاحتجاج ضد موراليس، حيث يوجهون له اللوم بالانقلاب الذي حصل ضده، مع أن لا دليل ظهر حتى الآن على التزوير الانتخابي المزعوم. منظمة الدول الامريكية ذكرت أنه كانت هناك "انتهاكات" في الانتخابات، لكن دون تقديم أي دليل أو توثيق على ذلك. مركز أبحاث الاقتصاد والسياسيات أظهر في تقرير له أنه لم يكن هناك أي تجاوزات أو تزوير.

ومع هذه الاحتجاجات ضد التزوير المزعوم، قام موراليس تجنبًا للاحتقان بالموافقة على اجراء إعادة للانتخابات. لكنه مع ذلك أجبر على الاستقالة تحت ضغط الجيش وتصاعد العنف في الشوارع من قبل المعارضة اليمينية. وخوفًا من الاغتيال غادر الى المكسيك حيث مُنح اللجوء السياسي واستقبل بهتافات من الجماهير هناك.

مستقبل بوليفيا الآن يزحف في الشوارع، ملايين الناس الذين صوتوا لموراليس في الانتخابات الأخيرة، الـ47% الذين سرقت أصواتهم بالعنف الرجعي على يد الاوليجارشيا الاستعمارية.

منتقدون آخرون يدعون أن فترة موراليس الرئاسية التي استمر 13 سنة هي أطول من المفروض، مشيرين الى أن موراليس فشل في تمرير استفتاء لإصلاح الدستور، لكنهم يتناسون أن المحكمة العليا المنتخبة هي الأخرى، أعطته الإقرار القانوني بإعادة الترشح لفترة رئاسية أخرى. من أجل رئيسنا الأصلاني، بعد قرون طويلة من الاستعمار، فان 13 سنة ليست طويلة بما فيه الكفاية.

سوف نعود حتمًا، هذا ما أكده موراليس لداعميه، مقتبسًا قائد المقاومة الاصلاني من القرن ال18، توباك كاتري، حين قال" وسوف نكون بالملايين".

*نك استيس هو اصلاني أمريكي (الولايات المتحدة) يُدرس في جامعة نيو-مكسيكو، في قسم الدراسات الامريكية. في عام 2014 أسس منظمة "الأمة الحمراء" وهي منظمة للمقاومة الاصلانية في الولايات المتحدة. وصدر له كتاب "تقاليد المقاومة الاصلانية".