حتى نقطع الطريق على النظام الطائفيّ في العراق، لابد من الإقدام على إتخاذ الخطوة الحاسمةّ


شاكر الناصري
2019 / 11 / 21 - 17:46     

من المؤكد أن الانتفاضة المتواصلة في العراق قد تمكنت من فرض تراجعات كبيرة على نظام الحكم وسلطته وقواه السياسية ومليشياته في العراق، حتى أصبح، وبحكم المؤكد، أن هذا النظام لم يعد قادراً أو صالحاً لحكم العراق والعراقيين إلا بقوة القمع والقتل والسلاح، حيث تختفي السلطة من المدن ولايوجد سوى حضورها القمعي واجهزتها المخابراتية والسرية، بينما يدير المحافظون أعمالهم من أماكن سرية حيث يحاولون استغلال الفراغ ونهب ما يمكن نهبه وإقالة من يخالفهم من مدراء الدوائر وتوزيع قطع الاراضي السكنية على المقربين منهم واتباع الاحزاب والمتاجرة بالدرجات الوظيفية.

إن العزلة التي يعيشها النظام تتطلب من الجماهير المحتجة الإقدام على اتخاذ خطوات عملية وثورية وتقديم صورة عن البديل السياسي والاجتماعي الذي يطالبون بتحقيقه، البديل المختلف، شكلاً وممارسة، عن نظام المحاصصة والفساد. النظام الطائفي بكل قواه ومليشياته واجهزته القمعية يعمل على إبقاء الاحتجاجات والاعتصامات على وضعها الحالي واطلاق رزم وحزم اصلاحية لن يتحقق منها أي شيء لان الهدف منها كسب الوقت واللعب على صبر القوى المحتجة وقدرتها على المطاولة في الاحتجاج والاعتصام. وكذلك لأن استمرار الاحتجاجات دون إتخاذ خطوات أكثر جرأة لمواجهة النظام والضغط عليه بشكل صريح ومباشر، سيمكن النظام من استعادة قواه وهيكلة مؤسساته وعقد المساومات بين القوى والاحزاب التي يتشكل منها، وهذا ما تحقق في الوثيقة التي وقعتها قوى السلطة في بيت عمار الحكيم وأسموها وثيقة الشرف، او السعي للإتيان بقوى رجعية ممثلة بشيوخ العشائر ودفعها لأن تكون أداة السلطة وجيش المرجعية، على حد قول عادل عبد المهدي، لمواجهة الاحتجاجات وحرف مسارها، وكذلك الإجراءات البائسة في إقرار قانون التقاعد ولجنة تعديل الدستور وقانون الانتخابات، هذه القوانين التي كتبت وشرعت بعيداً عن مطالب الانتفاضة وتهدف أساساً إلى حماية النظام من السقوط او اصلاحه من الداخل!.

لذلك يتوجب على قوى الاحتجاج أخذ زمام المبادرة الثورية والقيام بخطوات لفرض المزيد من العزلة على النظام وتجريده من سلطته ونفوذه من خلال:

- العمل بشكل فوري على تأسيس لجان او مجالس، لجان مقاومة، او لجان الاحياء، او المجالس المحلية..، في الاحياء السكنية والقرى، تأخذ على عاتقها تسيير شؤون المناطق بالاتفاق مع أهالي وسكنة هذه المناطق وأن يتم اختيار أعضاء اللجان او المجالس بطريقة الاقتراع السري. ويتم عزل أعضاء هذه اللجان في حالة عدم التزامهم او اخلالهم بلوائح عمل اللجان. ويمكن لهذه المجالس او اللجان أن تعمل على صعيد المدينة او المحافظة.

- تشكيل مجالس لإدارة المؤسسات العامة والمعامل والشركات من قبل العمال والموظفين لتسيير شؤون هذه المؤسسات وتقديم صورة مغايرة لبيروقراطية الدولة وممارسات الإدارات التي تبتز المواطن وتهينه بشكل متعمد ومراقبة معايير النزاهة والشفافية.

- تشكيل مجالس في ساحات الاعتصام من خلال ممثلين عن الخيم والمجاميع الموجودة، تأخذ على عاتقها إدارة ساحة الاعتصام وتنظيم الاحتجاجات وتوسعتها وعقد الندوات الفنية والثقافية والسياسية عن الاحتجاجات وطبيعة النظام السياسي والدستور الذي يناسب آمال العراقيين. من المؤكد أن المدن العراقية لاتخلوا من طاقات خلاقة وخبرات ممتازة في مجالات القانون والدستور والاقتصاد الذين يمكنهم كتابة مشاريع قوانين تتقاطع كلياً مع قوانين نظام المحاصة الطائفية وتشريعاته.

الخوف من وجود قيادات للانتفاضة وتمثيل مطالبها، هو خوف مشروع بعد التجارب المريرة التي عشناها سابقاً بفعل القيادات الانتهازية وقدرتها على المساومة من اجل المصالح الفردية والحزبية وبالتالي ضياع الاحتجاجات وتحولها إلى رصيد انتخابي لهذا الحزب او ذاك. لكننا الان إزاء مرحلة جديدة ومختلفة تماماً عن كل الموجات الاحتجاجية السابقة، فالنظام وقواه في حالة تراجع كبير وكل الاصلاحات والوعود التي تطرح من جانب النظام وسلطته يتم رفضها بشكل فوري من قبل المحتجين والمعتصمين، وكذلك محاولاته للعب على عامل الوقت وعدم وجود قيادة واضحة يمكن التحدث والتفاوض معها. القائمون على النظام يدركون جيداً أن الاحتجاجات والانتفاضة الجماهيرية المتواصلة لاتهدف إلى تحقيق اصلاحات دستورية وتشريعات وفرص عمل فقط، بل تستهدف النظام برمته، بعد أن ثبت عجزه وفشله التام وفساده وانحيازه الصريح للقوى والاحزاب والمليشيات على حساب العراقيين وكرامتهم، أي إنّهم يريدون نظاماً سياسياً واجتماعياً يصون حرياتهم ويحمي حقوقهم ويدافع عن وجودهم وكرامتهم.

لذلك فإن غياب قيادات ميدانية وسياسية للانتفاضة، سيدفع لبروز قوى انتهازية يكون همها سرقة الانتفاضة وتحويلها إلى ورقة مساومة مع النظام لتحقيقق مكاسب حزبية او التعويل على تدخلات أطراف خارجية وبوساطات أممية مثل التعويل على الدور الامريكي الذي أتى بهذا النظام وهو الذي سيتمكن من تغييره او تبديل وجوهه!!.

كل الانظار تتجه إلى ساحة التحرير ببغداد وللقوى المحتجة والتجمعات الموجودة فيها، هذه القوى يمكنها التنسيق فيما بينها لإنتخاب مجلس او لجنة لقيادة الساحة ولإبراز قيادات ميدانية وسياسية تأخذ على عاتقها تنظيم العمل فيما بينها وإقامة ورش وندوات سياسية وفنية وثقافية والشروع بكتابة مسودات دستور جديد وقوانين تصون الحقوق والحريات تنقذ العراق من براثن الطائفية والفساد وامتهان الكرامة وهيمنة الاحزاب، وكذلك وضع حد لتدخلات القوى الدولية والاقليمية التي حولت العراق إلى ساحة لتصفية حساباتها وصراعاتها الامنية والمخابراتية. ليس من الضروري أن يكون التفاوض مع السلطة هو الهم الاساسي لهذه القيادات، بل ممارسة الضغط السلمي ومواصلة الاحتجاج وتصعيده بأساليب جديدة، الإضرابات العامة، والعصيان المدني، تعطيل العمل في المؤسسات الحيوية، إرسال وفود إلى المدن العراقية الاخرى التي تعاني من إشكالات سياسية ومخاوف في مسألة دعم الانتفاضة، او دعوة وفود منها إلى ساحة التحرير وتقديم تصورات جدية ومكاشفات صريحة عن النظام الطائفي الفاسد، والنظام الذي يحقق لكل العراقيين مطالبهم...الخ، كلها إجراءات عملية وواقعية يمكن العمل بها حتى ارغام النظام وقواه على الاستسلام.