بوب مارلي، -النبي- المتمرد وإيقونة الريغي (4)


عبد المجيد السخيري
2019 / 11 / 21 - 15:27     

الجزء الرابع

المسيرة نحو العالمية

بدأت رحلة بوب مارلي الفنية الفردية مع أول أغنية أنتجها له ليزلي غونغ عام 1962 Not judge ولقيت نجاحا متواضعا، تلتها أغنتيان لم تلقيا نجاحا يذكر، ليخوض بعدها أولى مغامراته مع فرقة الويلرز بداية من العالم الموالي وتحقق أغنيته Simmer Down نجاحا كاسحا في بلاده فور صدورها، لتبدأ مسيرة جديدة نحو التألق والشهرة المحلية، وتتوالي النجاحات ويلمع نجم مارلي في سماء الموسيقى والغناء، رغم الصعوبات المادية التي ظلت تواجه المجموعة على مستوى الانتاج والحياة أيضا. كان أول ألبوم عالمي أصدرته الفرقة في عام 1970 بعنوان Soul Rebels وحقق نجاحا كبيرا، وفي العالم التالي أصدرت ألبومين شعبيين: Soul Revolution و The best of the Wailers، وفي هذه الفترة بالتحديد ستنفتح أمامه آفاقا أوسع للمضي على درب المجد، بداية مع تعاقده مع المنتج لي بيري الذي أثمر إحدى أنجح أغانيه مع الويلرز مثل Soul Rebel "روح متمردة" وSmall Axe أو "فأس صغير". وكل ما ظل ينقصه بعد ذيوع صيت أغانيه في جمايكا هو الوصول إلى العالمية، وهو ما سيتحقق بداية من عقد السبعينيات بعدما تمكن من توقيع عقد لإحياء حفلة في لندن بعد مرور خاطف بالسويد رفقة صديقه الفنان الأمريكي جوني ناش. وشاءت الأقدار أن يصادف هناك المنتج الجديد كريس بلاكويل الذي سيحمله إلى آفاق العالمية، وهو صاحب شركة التسجيلات المعروفة Island Records الذي ذهب هذا الأخير لمقابلته دون أن يدري أنه على معرفة جيدة بمكانته الفنية، بل ولحسن الصدف أنه جمايكي الأصل. ورغم أن المنتج الجديد تردد في تبني مارلي وفرقته، إلا أنه قدم له عرضا ماديا مغريا لم يكن ليخطر له على البال، فانطلقت المسيرة الجديدة بتسجيل أول ألبوم بأحدث التجهيزات التقنية والفنية، وكان بعنوان Catch a Fire(1972)، تميز بخلطة إيقاعات الريغي والسول والبلوز، وتم تسويقه في حلة بديعة لم تألفها المجموعة، وبحملة إعلانية عززت حظوظ نجاحه أكثر في سوق مبيعات الأسطوانات. وإذا كان التسويق الاحترافي للألبوم لم يؤد إلى النجاح المتوقع على الصعيد العالمي، إلا أنه جعل الناس يتعرفون على موسيقى الريغي بشكل أوسع وأقرب، وسرعان ما ستبدأ في السنة الموالية المسيرة العالمية لمارلي وفرقته من خلال تنظيم حفلات بالمدن الأوروبية والأمريكية تحت إشراف بلاكويل حققت استقطابا كبيرا للجمهور، لتختم الفرقة السنة بإصدار ألبوم آخر بعنوان Burnin ضم واحدة من أشهر أغانيها ذات المضمون السياسي I Shot the Sheriff، التي سيعيد أدائها المغني الشهير إريك كلابتون ليحمل النوع الموسيقي الجديد إلى الساحة العالمية. وفي سنة 1974 سيصدر الألبوم الجديد Natty Dread التي ضم الأغنية التي حملت مارلي مرة واحدة إلى قمة المجد والشهرة وهي No woman no cry. تطورت المجموعة الموسيقية بعد مغادرة اثنان من أعضائها المؤسسين(بيتر توش وبوني ويلر) وانضمام ريتا زوجة مارلي إلى كورال الفرقة الثلاثي وعازف القيتار آل أندرسون، واستمر مارلي في الغناء منفردا وإصدار أعماله باسم الفرقة لتتواصل النجاحات وتترسخ أكثر نجوميته وفرقته عالميا، دون أن يفقد الوفاء لجذوره وبيئته من خلال تقديم أغاني تحفل بالحكايات الشعبية الرمزية من التراث الإفريقي، ورفض الانسياق وراء تقليعات الموسيقى التجارية الغربية، وهو ما سيظهر بوضوح مع المبيعات القياسية التي حققها ألبوم "رعشة الرستفاري"Rasta man vibration سنة 1976 وانتزاع الويلرز للقب "فرقة السنة" الممنوح من طرف المجلة الموسيقية الشهيرة رولينغ ستونز، فيما مُنح مارلي لقب "نجم نجوم" العالم الثالث، (اللقب الخاص بفناني بلدان الجنوب كما تعرف اليوم، وهي الدول الواقعة وسطا بين المعسكر الرأسمالي أو العالم الأول الذي تقوده أمريكا، والمعسكر الاشتراكي أو العالم الثاني آنذاك بقيادة الاتحاد السوفياتي). وفي العام الموالي صدر ألبوم Exodus ببريطانيا وتصدّر مبيعات الأسطوانات وظل على قائمة الألبومات الأكثر مبيعا في بريطانيا لأزيد من سنة متواصلة. ويعتبر هذا الألبوم، في نظر العديد من النقاد والمؤرخين لموسيقى مارلي، النقطة الفاصلة في نجومية الويلرز العالمية، خاصة وأنه صار الأكثر تأثيرا بين الشباب الأمريكي من السود، كما فتح المجال لمارلي لتكريس نفسه نجما بلا منافس في السنة الموالية وحصوله على ميدالية السلام من هيئة الأمم المتحدة تقديرا لدوره في نشر السلام عن طريق الفن، بالتزامن مع إصدار فرقته لألبومين جديدين، الأول بعنوان "كايا"، والثاني بعنوان Babylon by Bus. إلا أن سنة 1979 ستكون الأكثر أهمية في مسيرة مارلي من الناحية الفنية والسياسية معا. فقد أصدرت الويلرز ألبومها الجديد بعنوان Survival المكرس لمخاطبة " العالم الثالث"، وفي القلب منه إفريقيا، والدعوة إلى الوحدة الأفريقية العزيزة على قلب مارلي والمتوافقة مع قناعاته الدينية-السياسية، وهو الأكثر نضالية وتحريضية، وفيه من شجب فساد السياسيين بقدر التحفيز على النهوض وعدم الاستسلام في مواجهة الفقر والمجاعات ومقاومة النظام الرأسمالي الغربي الذي يرمز إليه ببابل في المخيال الرستافاري، وهو الذي قال عنه مارلي في إحدى حواراته المتلفزة أنها " نظام يقتل، بينما الراستا هو من يقول عليك أن تعيش وتذهب إلى سيون Sion، ويقصد به المكان الذي نجد فيه "الهدوء والطيبوبة والاتصال مع الله". وفي نفس الوقت واصلت الفرقة جولاتها الدولية وإحياء الحفلات في كل مكان لتكتمل بأول حفلة خاصة تحييها ببلد إفريقي (الغابون) سنة 1980، ثم الحفلة الأهم التي دعي إليها مارلي رسميا من قبل قادة تحرير زيمبابوي لإحياء مراسيم حفل الاستقلال، حيث أدى أغنيته الشهيرة "زيمبابوي" أمام الآلاف من المعجبين والقادة والمناضلين من القارة الإفريقية والعالم. كانت هذه المحطة أكثر رمزية في مسيرة مارلي وحياته الروحية والسياسية، رغم أنها كانت الأخيرة أيضا في حياته الدنيوية لأنه لن يعود أبدا إلى القارة التي كان يحلم مع أتباع الراستا بالعودة إليها يوما ما، بينما مسيرة النجاح استمرت في السنة المتبقية من عمره مع إصدار ألبومات جديدة مثل Uprising متضمنا لأغنية Redemption song الطافحة بالنزعة التمردية والثورية، والتي تحولت إلى نشيد عالمي للأحرار في العالم، مثلما حصل مع أغنيته الشهيرة Get up ..Stand up، وبإحياء حفلات حققت نجاحا غير مسبوق من حيث أعداد الجمهور، وكذلك تحقيق قفزة كبيرة في المبيعات والمداخيل التي جعلت الويلرز تتصدر الفرق الأكثر دخلا، وهذا يسري أيضا على نجاح ألبومات صدرت بعد وفاته مثل Confrontation (1983)، وألبوم Legend (1984) الذي ذكرت تقارير أنه بيع منه ما يقارب 20 مليون نسخة في الولايات المتحدة فقط، وظل إلى اليوم يحتل المراكز الأولى لقائمة أفضل الألبومات في العالم، كما أن ما بيع من أسطوانات وأشرطة هذا الفنان إلى غاية سنة 2000 بلغ حسب تقديرات منتجه بلاكويل 300 مليون نسخة، فيما ظل مارلي من الفنانين الذين تحقق أعمالهم مكاسب مهمة بعد رحيلهم عن عالمنا وتزداد شعبيتهم مع مرور الوقت.
ورغم ذلك، وبخلاف عدد من أساطير الفن في القرن الماضي، لم ينل مارلي سوى النزر اليسير من الاعتراف من قبل المؤسسات الرسمية لأسباب سياسية لا تخفى على لبيب، وكان على معجبيه أن ينتظروا سنوات بعد وفاته ليروا نجمهم يكرس كأيقونة خالدة في متحف مشاهير هوليود وينقش اسمه إلى جانب نجوم الروك آند رول، ويمنح أيضا جائزة "غرامي" الرفيعة عن أعماله الموسيقية مدى الحياة، كما نصبت له تماثيل في بلاده وفي بلاد أخرى، بينما تقام مهرجانات في عدد من البلدان لإحياء ذكراه. وكان قيد حياته قد نال "ميدالية السلام في العالم الثالث" من الأمم المتحدة، ووسام الاستحقاق من حكومة بلاده جمايكا، بينما لم يحسم الجدل بعد حول إدراج اسمه على قائمة الأبطال القوميين في جمايكا.

انتهى

حررت مادة هذا النص نهاية شهر أكتوبر 2018