إذا لــم ...على النظــام أن يرحل ويختار شعباً آخــر !!


يحيى علوان
2019 / 11 / 16 - 14:47     

في صباحٍ برلينيٍ مُكفهرٍّ، فَضّت الشمسُ حيزاً لها في جدار الغيمِ .. أطَلَّتْ بهيةً . كنتُ أرقدُ في المستشفى ، بعد أجراء عمليةٍ لأستبدالِ ركبتي المعطوبة بأخرى صناعية،
أتابعُ مجريات الأنتفاضة التشرينية ... إستوقفني مشهد ليلي لساحة التحرير ، تُصاحبه خلفية موسيقية بتوزيعٍ أوركسترالي بطيء لأغنية " فوگ النَخَل"التراثية.
شعرتُ بدمعتينِ ساحتا على خدّي .. لَمَحَهُما زميلي نزيل الغرفة ، فسألني " أوجاع ..؟" هززتُ برأسي موافقاً ، وكل منّا يقصد معنىً آخر لـ"الألم"!!
في تلك اللحظة أحسستُ بحاجة لكتابة شيء عن إنتفاضة ، لأنها أصيلة ، يصمتُ العالم عنها ... لم أجد خيراً مما قفزَ إلى ذهني من قصيدة " الحل " لبرتولد بريشت
عن الأنتفاضة العمالية ببرلين في 17 حزيران/ يونيو 1953 . وكان قد كتبها بأسلوبٍ ساخر ، مُتهكِّم ، بعدما نشرت "نويس دويتشلاند" صحيفة الحزب الحاكم في ألمانيا
الديمقراطية آنذاك في 20/6/ 1953 تقريعاً لعمال البناء المنتفضين في "جادة ستالين"* كتبه سكرتير إتحاد الكتاب ، يومذاك كورت بارتل ، جاء فيه :

" أتشعرونَ بالخجلِ مثلي ؟!
سينبغي عليكم أنْ تبنوا كثيراً ، وأن تتحلّوا بذكاء وفِطنةٍ إستثنائيين ،
قبلَ انْ تُنسى مخازيكم .
فإصلاحُ بيوتٍ مُهدَّمة ، أمرٌ يسير ، لا يُداني إصلاحَ ثقةٍ فُقِدَتْ ."

أستفزّتْ تلك الكلمات المهينة للعمال المنتفضين بريشت ، فكتب بمرارة قصيدة "الحـل":

" إثرَ إنتفاضة 17 حزيران/ يونيو، أمر سكرتير إتحاد الكتاب
بتوزيع بياناتٍ في جادة ستالين ، كتب فيها
أنَّ الشعبَ خَسِرَ ثقة الحكومة ،
ثقةٌ لا يمكنُ إسترجاعها إلاّ بجهودٍ مضاعفةٍ ومشقّةٍ مضنية.
أما كان من الأجدى والأسهلَ للحكومة أنْ تحلَّ الشعبَ وتنتخبَ آخراً غيره ؟ "


برلين : 8/11/2019

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* بعد تحرير ألمانيا من النازية في الحرب العالمية الثانية ، كان الشطر الشرقي من برلين تحت النفوذ السوفيتي . فقام الجيش الأحمر بالمساهمة في إعادة بناء المدينة
من ركام الحرب. كان من أكبر مشاريع البناء التي أهداها الجيش الأحمر لسكان المدينة ، ما سُمّي حينها " جادة/ آفنيو ستالين "، التي تغير أسمها إلى "جادة كارل ماركس"
بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في الإتحاد السوفيتي ... ثم جرى تغيير الأسم بعد الوحدة الألمانية ليستقر على إسم " جادة فرانكفورت"، وهو شارع واسع مليء
بالشقق السكنية والمحلات المميزة ، على طراز المعمار الروسي ، لا يزال قائماً حتى اليوم .
كان الشارع من أكبر ورش البناء في المدينة ، إشتغل فيه عشرات الألاف من عمال البناء . في 17/6/1953 قام العمال بأنتفاضة مطالبين فيها بتحسين أوضاعهم المعيشية ...
إلاّ أنها قُمعت بعنف السلطة. فكتب بريشت قصيدة "الحل" رغم أنه كان مناصراً للأشتراكية ، مادياً ، وضد النازية والنظام الرأسمالي ... ي.ع.