من أجل إنصاف الانتفاضة العراقية: رداً على مقال - الانتفاضة الشيعية كإنبعاث للوطنية العراقية ضد النظام الإيراني- لمروان أبي سمرة


شاكر الناصري
2019 / 11 / 15 - 15:11     

أرسل لي الكاتب مروان أبي سمرة، مشكوراً، مقاله الأخير" الانتفاضة الشيعية كإنبعاث للوطنية العراقية ضد النظام الإيراني" المنشور في موقع المدن بتاريخ 6-11-2019 عبر الماسنجر. وما جاء في المقال يختلف كلياً عن كتابات أبي سمرة التي عرفناها من خلال متابعاته السابقة للثورة السودانية، على سبيل المثال، لا الحصر، وتحليلاته لتحولاتها وإيقاع الشارع السوداني وحراكه الطبقي والاجتماعي!.

حصر الحراك الاحتجاجي الثوري الذي تجري وقائعة الان في العراق، في صورة انتفاضة شيعية ضد إيران فيه تصغير وتحجيم كبير للاحتجاجات المتنامية، ووصمها بتعريف طائفي صريح لم يفكر به حتى أصغر متظاهر او سائق تكتك عراقي. لأنها احتجاجات اجتماعية وطبقية صريحة جدا، ضد البطالة والفقر والتهميش والفساد ومصادرة الدولة من قبل الاحزاب والمليشيات الحاكمة وضد الطائفية، رغم غياب القوى السياسية المعبرة عن ذلك. وهي موجهة إلى العراق، كله، وليس لسكان مدن محددة.

إن المدن العراقية، وتحديداً المدن التي تنتفض وتحتج الان، وهذه قضية معروفة اجتماعياً وتاريخياً، تسكنها قوميات وأديان وطوائف مختلفة، حيث لم يكن للطائفية وصراعاتها وحروبها حضوة كبيرة فيها، فمشاغل الناس وتوجهاتهم السياسية والثقافية والاجتماعية لاتهتم كثيراً بهذه التفصيلة الكارثية، إلا في زوايا ضيقة جداً او عندما تعمد السلطة إلى خلق أزمات وصراعات لتقوية وجودها او الادعاء بانها تمثل طائفة محددة، كما حدث خلال العقد والنصف الاخير من حكم البعث وصدام حسين. بغداد التي تخوض أوسع مواجهة ضد السلطة وقواها واجهزة قمعها ليست مدينة شيعية، بل هي مدينة مختلطة ويشارك سكانها من كل الفئات والديانات والطوائف في هذه المواجهة.

مشكلة العراق ومنذ 2003 وحتى هذه اللحظة لايمكن حصرها في إيران وحدها، بل بأمريكا، التي غاب ذكرها تماما في مقال أبي سمرة!!، الاحتلال الامريكي العسكري السافر في نيسان 2003 الذي فُرض على العراق والعراقيين، أنتج الكثير من الوقائع التي تنامت وتحولت إلى كوارث اجتماعية وسياسية، وأتحدث هنا عن الطائفية بأقبح أشكالها، الشيعة والسنة، ذعر أتباع الديانات الاخرى، والعزلة القومية لأكراد العراق، التي فرضها الاحتلال الامريكي ودافع عنها ومكن القوى السياسية التي ستتمسك بها، نظاماً ودستوراً وقانوناً وممارسة سياسية، ثم تشن حروبها ضد بعضها البعض، فيتحول العراق إلى ساحة حرب ومقبرة طائفية مخيفة لايعرف فيها رأس السني او جسد الشيعي، فيما يردد الكردي أناشيد ذعره من العربي القاتل!. صعود المد الطائفي المرعب، بعد نيسان 2003 كان نتيجة مباشرة للاحتلال الأمريكي واستغلال الدين والمظلوميات الطائفية من قبل القوى السياسية التي جاءت معه وبدعم صريح من المؤسسات الدينية التي تحولت إلى مؤسسة ترعى النظام وتحميه وتمتص غضب العراقيين ضده وضد فساد القوى السياسية وممارساتها.

أمريكا، ومنذ اللحظة الأولى لبسط احتلالها، قدمت العراق على طبق من ذهب إلى إيران التي تجيد التحرك في أوضاع سياسية شائكة وملتبسة كالوضع في بلد محتل مثل العراق، وكذلك وجود قوى سياسية نشأت في إيران وتم تدريبها، سياسياً وعقائدياً هناك. لوعدنا إلى التصريحات الضبابية والملغومة لساسة إيران عشية احتلال العراق لعرفنا انهم كانوا بانتظار هدية عظيمة من أمريكا. ولم يقصروا لحظة واحدة في استغلال قضية احتلال العراق وتحويله إلى ساحة مواجهة وتصفية حسابات مع خصومهم حيث تأتي أمريكا في المقدمة. النظام الإيراني يدرك تماما أن وجود أمريكا في العراق سيزيد من الضغوط على إيران، ويتوجب عليهم استغلال الوضع لفرض توازنات قوى، سياسية وعسكرية، بين الطرفين داخل العراق، لذلك عملت سريعا على تأهيل القوى الموالية لها في العراق، وكان كل شيء يجري تحت مراقبة أمريكا وقواتها ومخابراتها، وكانت المليشيات تتناسل وتخوض حروبها!

إن إستعادت توصيفات تنتمي، جملة وتفصيلا، إلى فترة الحرب الطائفية في العراق، من مثل " تهميش السنة"، لن يقدم أي شيء مفيد في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ العراق، لان الزمن تجاوزها والحراك الاحتجاجي وممارساته الاجتماعية الثورية وشعاراته وأهدافه حولها إلى قضية منسية لأن الحراك نفسه جاء ضد الطائفية وتقسيماتها المميتة. مَن قال ان السنة مهمشون في العراق؟؟ بالإمكان مراجعة سجلات المناصب السيادية والوزارات في العراق والميزانيات ونسب الاعمار في المدن وحصص القوى التي تحتكر تمثيل السنة في مناصب وكلاء الوزرات والمدراء والشركات الاستثمارية التي تعود لساسة واحزاب من المكون السني، لمعرفة حجم تهميش السنة في العراق!. إن أي محاولة لاخراج الاحتجاجات الثورية في العراق، من افقها الاجتماعي والطبقي، وزجها في اتون توصيفات وصراعات طائفية، او انها ضد طرف محدد او ضد تدخلاته في العراق، ستكون محاولات غير منصفة ولاتستحق الاهتمام.

كنت أتمنى لو أن الكاتب تأمل ودقق قليلا في الشعارات التي رفعت في ساحات التظاهر والاعتصام في بغداد والمدن العراقية الاخرى، لأنها كانت موجهة ضد أمريكا ووجودها وقواعدها وتدخلاتها وسفارتها وضد إيران كذلك، وضد أي تدخلات سعودية وقطرية وتركية ووو في الشأن العراقي. إن مايجري هو محاولة جادة وعميقة، اجتماعياً وطبقياً لإستعادة تعريف الإنسان في العراق كمواطن له حقوق وحريات يتوجب على الدولة، صاحبة الثروات النفطية الهائلة، حمايتها وضمانها، وليس وفق هويات عرقية وطائفية عشنا الويلات بسببها. لست في وارد المفاضلة بين وجود إيراني او أمريكي في العراق، لأن وجودهما وتدخلاتهما كارثية وبالضد من مصلحة العراق والعراقيين، بل من أجل أن يعرف الجميع إن ما يحدث هو ضد كل القوى التي ساهمت في تدمير العراق وحولت حياة أهله إلى جحيم. الوجود الإيراني في العراق لايختلف عن الوجود والنفود الأمريكي، الأول معني بالسلطة والآخر بالنفط!

السيد مروان: أقدر عالياً دفاعك ودعمك وكتابتك عن الثورات ومساعي التحرر من الرجعية والظلم وانعدام العدالة وخشيتك من تداعيات الوضع العراقي او وصوله إلى الحالة التي وصلت إليها سوريا. المئات من شباب العراق الذي ضحوا بحياتهم وآلاف الجرحى ضحوا من أجل حريتهم وكرامتهم ومن أجل دولة تحترم خياراتهم ووجودهم في بلد يليق بإنسانيتهم، وعندما تحدثهمم الان عن إنتماءاتهم الطائفية والدينية او العرقية فانهم يشعرون بالعار، لأنهم أسقطوها بشكل واقعي وعملي في ساحات الاحتجاج والاعتصامات.