|
غلق | | مركز دراسات وابحاث الماركسية واليسار | |
|
خيارات وادوات |
|
في الحرب لا تبحثوا عني: أنطولوجيا إيطالية للشعر العربي: الرهان على السياسي أم الشعري؟
عادةً ما يُنظر إلى أنطولوجيا شعرية من هذا النوع، وقد أُريد لها الاقتصار، وكما يشير عنواناها الرئيسي والفرعي، على موضوعة تختص بالحرب أو الثورة، بوصفها مصدراً للمعرفة والتوثيق، لا الشعر. فعنوان كهذا، قد يجذب فضول القارئ لفحص كيفية معالجة الشعراء، ثيماتٍ، مثل هذه في قصيدة، مع ما تحتمله من أفكار تنفتح على الاجتماعي والسياسي، بالضرورة، على الأقل بالنسبة للأخير. وقد يكون هذا الهاجس هو الأساس الذي يحكم رغبة ملاحقة "شعر" أو أدب يُصنّف وفقاً لذلك. مما يعني ان الشعر ـ الإبداع يأتي تالياً في التعاطي مع الأنطولوجيات الأدبية التي تتصدى لمهمة كهذه. أو في الأقل هكذا يكون الظن السائد بها. لهذا ومن باب استبعاد شبهة التوثيقي لمن يبحث عن الشعري، وقد زخرت به، بحق، تم تدارك ذلك في العنوان الفرعي للأنطولوجيا والذي قصد إلى زحزحة مفردتي الحرب والثورة وتوسعة الأفق للشعر، حيث: "شعر عربي للثورات أو أبعد". هذه "الأبعد" قد فرضها، فيما يبدو، خروج عدد غير قليل من نصوص الأنطولوجيا على مفردات قاموس الحرب والثورة، كما أنها تشير إلى انفتاح على ذائقة قارئ قد لا يأسره شعر مكرس لقضية ما، إن لم يكن منفّراً له. وهنا يتوجّب التذكير، والتشديد على أنّ ليس كلّ خروج على عنوان وموضوع الأنطولوجيا هو علامة على الشعر، وبالمقابل، لا يمكن اعتبار استجابة القصائد والنصوص للموضوع المقترح، انصياعاً لتوثيقية باردة، ومجاراة للعنوان المعلَن، لا أكثر، فالمسألة قبل كل شيء تتعلق بمقدرة الشاعر وتمرّسه، أولاً ومن ثمّ، بكيفية مقاربة موضوعته، وصولاً إلى نص ذي مسحة إنسانية، في إطار فني. بهذا الصدد، ليس ثمة أكثر إجحافاً من أن يتم تقييم الأثر الأدبي في سياق أقرب إلى الأرشيفي والتاريخي، حين يتصل عن قصد أو دونه بقضية أو حدث ما، بعيداً عن المعطى الإبداعي والحاجة إليه. وفي هذا السياق يجدر استعادة رأي الكاتب والمؤرخ السوري فاروق مردم بك بمسألة ترجمة الأدب العربي إلى الفرنسيّة، وهو قد يلخّص النظرة الأوروبية، بمجملها إلى الأدب العربي وطبيعة التعاطي معه. يقول: "أنّ وسائل الإعلام قلّما نوّهت بقيمة ما يُترجم من وجهة النظر الأدبيّة المحضة، واعتبرته مُجرّد وثيقة عن الأوضاع الاجتماعيّة والسياسيّة في العالم العربي، ويُلاحظ في كثيرٍ من الأحيان أنّ الصحف تعهد التعريف به إلى أحد المُختصّين بهذه الأوضاع وليس إلى ناقدٍ أدبي"ـ من حوار أجرته معه فاتنة الغرة ونُشر بداية هذا العام في "ضفة ثالثة". حديث مردم بك هنا عن "مطلق" الأدب العربي المترجم إلى الفرنسية، فكيف به إذا اختصّ بعنوان واحد كالذي نعرض إليه هنا؟ لكأنّ النظرة الاستشراقية ـ الاستيهامية التي تتملك الغربي وتحشّده، فضولاً، لمعرفة وسبر الشرق بأسراره "الساخنة"، لا تزال هي السارية حتى اليوم بصرف النظر عن التمظهرات التي يتخذها هذا الفضول والآليات التي يتم استعمالها للنفاذ إلى "مغارات" هذا الشرق. الحديث هنا يتعلق بالظاهرة، عموماً، وإلّا فليس بالضرورة أن يكون الدافع لأي جهد أدبي أو ثقافي أوروبي، يروم مدّ الجسور مع الثقافة العربية، هو من جنس استشراقي، ففي نظرة كهذه انتقاص من مكانة الثقافة العربية ذاتها، وإزراء بمنجزٍ شاخص لها، سابقاً وراهناً، على الأقل في تجلياته الأدبية، الفكرية. على أن مهمة هذا المقال، بدءاً، لم تكن لتريد الإمعان مليّاً في مساءلة حيثيات و"كوامن" صنع الأنطولوجيا الإيطالية، مدار الكلام، سوى أنها "شِقشقة" اقتضاها السياق، وإلّا فقد كان الهم الأساس الوقوف على طبيعة النصوص المشاركة، وموقعها من أو في راهنية الشعر العربي، والإشارة إلى ذلك قدر ما تسمح به هذه المساحة. وقد أحسن صانعو ومعدو الأنطولوجيا، أن جعلوا منها مزدوجة اللغة، وهم أنفسهم اضطلعوا بترجمة النسبة الغالبة من القصائد: أوريانا كابيتزو، إيلينا شيتي، فرانشيسكا م. كوراو، وسيموني سيبيليو، إلى جانب مترجمين ومتعاونين آخرين، تمت الاشارة إليهم في الكلمة الافتتاحية التي اهتمت بفنية الأنطولوجيا وقد ذُيّلت بتوقيع المعدّين الأربعة. كما صدّر العمل كل واحد منهم بمقال، فضلاً عن مقدمة للشاعر الإيطالي فاليريو ماغريلي. وقد بلغ مجموع النصوص المشاركة 46 نصاً. وتجدر الإشارة، هنا، إلى أنّ عنوان الأنطولوجيا مأخوذ من الجملة الأولى من قصيدة للشاعر السوري مروان علي: "في الحرب لا تبحثوا عني/ أنا هنا/ في كرصور/ متمدد على العشب/ تحت شجرة التوت/ أنتظر العائدين..". هذه القصيدة المكونة من مقطعين وكلمات قليلة، تنتمي إلى المعهود من شعر مروان علي، ببساطته وانتمائه إلى القاموس اليومي. يمكن القول أنّ بساطة هذه القصيدة، بساطة مُشرقة، إزاء بساطة أُخرى على النقيض، متجهمة، تشيع اليأس، بسبب من موضوعها أو فقرها الفني، أو لكليهما، حيث العطب يكون كاملاً. من النصوص ـ والحديث هنا وفق تسلسلها في الأنطولوجيا ـ التي تدلّ على اشتغال، نص منذر مصري، "الشعب يريد الصعود إلى السماء" وهو يوافي تماماً، شأن نصوص عديدة أُخرى، مناسبة الأنطولوجيا، وقد جاء مزيجاً من واقعية تقريرية، وسريالية تجلّت في بعض المقاطع، سمة النص العامة هي"اليوميات"، لكن دون ابتذال. وتعيدنا قصيدة إبراهيم نصر الله، إلى الشعر "المفتقَد" بموسيقاه، وحتى بقافيته، وهي تروي حكاية السوري "المقتلَع"، ومَن يتأتّى له أن يروي حكاية الاقتلاع بمهارة أكثر من الفلسطيني. قصيدة نصر الله، "إلى أن ينام" ترنيمة نوم طفل، تلتفت الأمّ فيها، إلى البيت والنافذة وبيت الجد، وشاي المساء، وحاضنة كلّ ذلك، الأرض. إنها حكاية الهنا والهناك، ثانيةً، تتجدد هذه المرة، والهناك أضحى سوريا، أو أي مكان عربي آخر يلبّي شروط التيه، دون تسمية، بالنسبة للأولى، فقط عبر إشارة إلى مفردة خاصة ارتبطت بالثورة السورية ،"الشبّيحة".
|
|