أسئلة حول تنظيم الحزب الثوري (3)

نهويل مورينو
2019 / 11 / 6 - 22:17     


بفحصه العميق للصراع الطبقي في زمنه، وعموما كمونة باريس، حدد ماركس المهمات الثورية التي كانت سياساتها متوافقة مع “دكتاتورية البروليتاريا”، ما يعني تدمير الدولة البرجوازية وتأسيس حكومة عمال.

المحاولة التالية للثورة الفرنسية لن تكون، كما قبل، نقل الآلة البيروقراطية- العسكرية من يد إلى أخرى، “بل تحطيمها، وهذا هو الشرط المسبق لأية ثورة شعبية حقيقية في القارة.. وهذا ما يحاوله رفاق حزبنا الباسل في باريس”. (الوقت الجديد، المجلد 21، 1901- 02، ص 709). (ولاحقا من ماركس إلى كوجيلمان، نيسان 12، 1871). (استشهد به لينين في: الدولة والثورة، الفصل 3.1).

تعدد الترجمات لما كانت تتعرض له الكومونة، وتعدد الإحتجاجات التي عبرت عن نفسها من خلالها، تبين أنها كانت شكلا سياسيا مرنا للغاية، بينما كل الأشكال السابقة للحكومة قد تم قمعها جوهريا.

كان سرا حقيقيا: كانت جوهريا حكومة طبقة عاملة، نتيجة لنضال المنتجين ضد طبقة الإستيلاء. الشكل السياسي في النهاية يتم اكتشافه في ضوء أي تحرير اقتصادي للعمال يمكن تحقيقه”. (كارل ماركس، الحرب الأهلية في فرنسا، 1871، استشهد به لينين في الثورة والدولة، الفصل 3.5).

من أجل تحقيق حكومة الطبقة العاملة كان وجود حزب سياسي للبروليتاريا ضرورة في تلك الأيام. لم يكن لدى الطبقة العاملة الأوروبية حق التصويت، أو إذا كان لديها هذا الحق فستصوت لأحزاب البرجوازية الليبرالية (ظاهرة مماثلة للطبقة العاملة الأرجنتينية في علاقتها مع البيرونية). من أجل تحقيق المهمة الأساسية لجعل البروليتاريا مستقلة عن البرجوازية وفقا لماركس، إلى جانب انجلز، من أجل حزب واحد للطبقة العاملة (أمر مماثل أيضا للشعار الذي نرفعه عادة في بلادنا: “من أجل العمال أو حزب العمال”. موقفهما كان صائبا، حيث لم تكن أجهزة الأرستقراطية العمالية ولا البيروقراطية القوية قد برزت بعد.

ولكن مع مرور القرن التاسع عشر وولوج البشرية القرن العشرين بات هذا الموقف أمرا خطيرا، خاطئا، وانتهى به الأمر إلى جلب تداعيات سلبية. لقد تعلمنا درسين أساسيين بعد ذلك: الأول، وهو درس عام، أن الواقع فوق أي مفهوم نظري. واقع الصراع الطبقي تجاوز تصور ماركس (إلى جانب أمور أخرى كالتجارة الحرة، أو بداية الثورة الإشتراكية الأممية الحتمية في ما يسمى بالدول المتقدمة). والدرس الثاني أن التصور الثابت الجامد لمسألة تنظيمية هو غير علمي إطلاقا، ويمكن أن يكون رجعيا كتصور ثابت جامد لأي إنسان

أو أية ظاهرة إجتماعية، من العلوم إلى تكتيكات الحزب الثوري.







الإشتراكية الديمقراطية


باتباع تصور ماركس، تأسست الأحزاب الإشتراكية الأوروبية الرئيسية. وقد لعبت دورا تقدميا للغاية لكل المرحلة حيث حققت استقلالا سياسيا للبروليتاريا، منهية التبعية لسياسات البرجوازية الليبرالية. حتى اليوم مازالت تداعيات هذه الخطوة التقدمية ممثلة بالأحزاب الإشتراكية العظيمة التي نراها. الهجمة الإقتصادية للإمبريالية العالمية تسببت بتراجعات ملموسة فيما يتعلق بأجور العمال في العالم شبه المحتل تماما كما في الولايات المتحدة واليابان. في أوروبا، بالمقابل، كانت التراجعات أقل بكثير بسبب المقاومة الصلبة للطبقة العاملة التي كان أفضل نماذجها الإضراب الكبير لعمال المناجم البريطانيين ولعمال السيارات والصلب الألمانيين. يمكن تفسير هذا فقط من خلال حقيقة أن البروليتاريا الأوروبية حافظت على درجة من الوعي الطبقي والتنظيمي بما يتفوق نوعيا على غيرهم من البروليتاريا، حتى الأكثر قوة منها كالأميركية واليابانية.

ولكن هذه الأحزاب الإشتراكية الكبرى تأثرت بتلك الصيرورات الإجتماعية الجديدة، كما يحدث دائما. ظهور الإمبريالية أوجد الأرستقراطية العمالية في البلدان الأوروبية. هذه الأرستقراطية العمالية كانت قطاعا متنفّعا للطبقة العاملة، أفضل من غيرهم من العمال سواء في بلدانهم أو عبر العالم. وقد استفادت هذه الأرستقراطية العمالية من الفتات الذي ألقي إليها من قبل البرجوازية الإمبريالية عبر استغلال العمال الآخرين، خاصة أولئك في المستعمرات. بالإضافة إلى هذه الأرستقراطية العمالية، كان هنالك الشرائح العليا للأحزاب الإشتراكية، والتي طالبت بشرعية وتدخل مستمر وهيكلي في الإنتخابات البرلمانية. هذه الأحزاب تم استيعابها من قبل أجهزة الدولة البرجوازية. النظام الرأسمالي العالمي كان لايزال يطور قوى الإنتاج وكان، حتى في المرحلة الأولى لاضمحلاله كنظام إمبريالي، لا يزال قادرا على تقديم إصلاحات سياسية واقتصادية رئيسية للطبقة العاملة. البروليتاريا في البلدان الإمبريالية، وعبر العالم _إلى حد ما_ كانت تعيش مرحلة إصلاحية وليست ثورية.

لذا نظمت الإشتراكية الديمقراطية أساسا لتحقيق إصلاحات وخوض المرشحين للانتخابات، وليس للقيام بثورة ضد البرجوازية. العمال اجتمعوا في فروعهم للاستماع للمتحدثين، ولكن لم يكن لدى أحدهم التزام بيع الجرائد أو تولي أية مهمة أخرى. الحزب كان يريد فقط دعما انتخابيا. لم يكن هناك انضباط. الإشتراكيون الديمقراطيون لم يكونوا مهتمين بالتدخل اليومي في البنى الإجتماعية، وفي عمق الطبقة العاملة، والأرضية المناسبة لتنظيم العمال والحزب نفسه في النضالات اليومية. كان من المعتاد بالنسبة للاشتراكيين الديمقراطيين أن ينقسموا أمام إضراب ما، قطاع مؤيد وآخر معارض، بغض النظر عن بقائهما كلاهما في الحزب.

لذلك كانت الأحزاب الإشتراكية الأساسية أجهزة إنتخابية ضخمة، غافلة عن النضالات الملموسة واليومية للطبقة العاملة وتنظيمها رغم وجود استثنائين: العمال البريطانيون وإلى حد ما الإشتراكيون الديمقراطيون البلجيكيون والألمان. كان لكتلة العمال الإشتراكيين دورا سلبيا. الجزء الوحيد الفعال كان أولئك المدمجون دوما بأجهزة الحزب، والتي كان يسيطر عليها المحامون، وأعضاء البرلمان أو المرشحون، والمتفرغون، والصحافيون، وكل أولئك الذين لم يكونوا تحت أية سيطرة للحزب ككل.



ترجمة: تامر خورما
تحرير: فيكتوريوس بيان شمس