من أكتوبر ١٩١٧ الى أكتوبر ٢٠١٩


عادل احمد
2019 / 11 / 6 - 18:14     

تمر هذه الأيام الذكرى السنوية لأكبر ثورة عرفها تاريخ البشرية حتى الان والتي طبعت وجه العالم برمته بطابعها في القرن العشرين وهي الثورة الاشتراكية في روسيا "ثورة أكتوبر" عام 1917. ان عظمة ثورة أكتوبر تكمن بكونها ثورة الجياع والفقراء والمعدومين وانتصارها على طبقة الطفيليين والرأسماليين وملاكي الأراضي وأصحاب الأملاك والأموال ولأول مرة في تاريخ البشرية.. اثبتت الثورة الاشتراكية أن بأبمكان الطبقة العاملة والكادحة ان تستلم السلطة السياسية وثبتت ان بإمكانها أدراة الحكم بدون الأسياد وبدون أصحاب الأموال عن طريق وحدة الإرادة والعمل الجماعي والسيطرة على وسائل الإنتاج الاجتماعي.. ان تاريخ القرن العشرين كان عبارة عن تاريخ تفوق وسيطرة الافاق الاشتراكية والماركسية على جميع حركات المجتمع، ولهذا السبب تبنت غالبية الأحزاب وحركات الطبقات الأخرى الأشتراكية والماركسية رغم أنها بدرجة عالية من الرجعية مثل حزب البعث وغيره..
وفي نفس هذه الأيام نحن نعيش أنتفاضات واحتجاجات وتظاهرات في لبنان والعراق واحتلت الجماهير ساحات المدن والطرق الرئيسية واحتلوا البنايات وتحصنوا فيها ليلا ونهارا، وصمدوا امام استخدام القنابل والرصاص الحي من قبل القوات الطائفية والمليشيات الإسلامية ويتعرضون للاغتيال والاختطاف و... ان الفرق بين الحدثين أكثر من مئة سنة ولكن هناك فرق كبير بين الحدثين التاريخيين! فثورة أكتوبر قامت بها الطبقة العاملة الروسية المنظمة في الحزب البلشفي وبقيادة لينين واستطاع توحيد الإرادة المليونية للطبقة المضطهدة واستعدادها من اجل السلطة السياسية وانهاء حكم الطبقات البرجوازية والطفيلية والقضاء على مقاومتها وإنشاء اكبر وأكثر الأجهزة الإدارية الديمقراطية وهو نظام المجالس (السوفيتات). ان نظام المجالس كانت تعبيرا دقيقا للارادة المباشرة للطبقة العاملة والجماهير الكادحة والفقراء والفلاحين، فعن طريق هذه المجالس الشعبية استطاعت الطبقة العاملة ان تسود افاقاقها الاشتراكية من المساواة والعدالة الاجتماعية والحرية في المجتمع. وان هذه الإرادة في مجالس العمال والفلاحين أدت الى تشريع اهم القوانين بحقوق المواطنة وحقوق المرأة والحقوق المتساوية لجميع أفراد المجتمع فعليا وعمليا واستطاعت القضاء على الفقر خلال سنوات قليلة من بعد الثورة وتوسيع الإنتاج الاجتماعي والقضاء على البطالة.. ولو ان عمر الثورة الاشتراكية كان قصيرا بدأ في أواخر عام ١٩١٧ وحتى أواخر عام ١٩٢٧، ولكن كان بمثابة قرن من النضال المستمر والمؤثر على المجتمع البشري.
ولكن الحدثين الآخرين الاحتجاجات والتظاهرات في كل من لبنان والعراق على الرغم من التضحيات وحضور الطبقة العمالية والكادحة وخاصة الشباب والعاطلين عن العمل في الميادين بالآلاف، وابتكروا طرق عديدة للمقاومة وأبدوا استعدادات كبيرة للمواجهة ولكنها فاقدة للآفاق الاشتراكية والعمالية ولهذا السبب هي غير منظمة بالمعنى السياسي والعمالي.. ان التظاهرات في العراق على الرغم من احتلال اهم الساحات العامة وعلى الرغم من التواجد المستمر والزيادة المستمرة في أعداد المتظاهرين، وعلى الرغم من التعاون النسبي بين المتظاهرين ولكن غير معروف نهاية الخط ونهاية المطالب والبديل الواقعي الذي بأمكانه ان يغير الأوضاع.. ان العمال والكادحين والفقراء قاموا بالثورة واستطاعوا إنهاء الحكم الاستبدادي القيصري واستطاعوا خلال ثمانية اشهر ان يفرضوا آفاقهم ومطالباهم وسلطتهم على جميع الحركات الاجتماعية الأخرى، واستطاعوا ان يفرضوا سلطة المجالس على جميع السلطات الأخرى ومنها البرلمانات البرجوازية، وفي النهاية استطاعوا تعبئة القوة المليونية وتنظيمها في المجالس العمالية والفلاحية من اجل استلام السلطة السياسية. اما فيما يخص التظاهرات فأن اول ضعف للمتظاهرين هو تنظيمهم الجماهيري كي يتسنى لهم ان يوحدو ارادتهم وقوتهم في شكل تنظيمي فعال كالمجالس في جميع الأماكن وحتى في ساحات المتظاهرين وان ينتخبوا ممثليهم الفعليين المعبرين عن ارادتهم ومقاصدهم.. ومن ثم الحركة التظاهراتية الحالية متشتتة الآفاق ومتشتتة الإرادة ومتشتتة القوة على الرغم من مواجهة جميع القوة السياسية البرجوازية العراقية، لكنها فاقدة للقيادة الموحدة وفاقدة للآفاق الموحدة ولاتزال متوهمة بالطبقة البرجوازية والرأسمالية العراقية والتي فشلت كل أحزابها بجميع أجنحتها الإسلامية والقومية والليبرالية، المطالب الحالية للمتظاهرين تستنجد لإيجاد قوة وطنية مختلفة عن الأحزاب الحالية وهذه هي النقطة المميتة والضعيفة في التظاهرات الحالية.. ان جميع القوة والأحزاب البرجوازية وبضمنها الوطنية هي ليست مرادفا لبديل العمال والكادحين البديل الاشتراكي، وقد رأينا أكثرهم وطنية كحزب البعث ولكن رأينا مأسايه وجرائمه كما وعايشنا الحكم القاسمي والعارفي وكان الحال ليس احسن من بقيته.. إذا فصل صفوفنا عن الطبقات البرجوازية وفصل آفاقنا عن الآفاق البرجوازية يكمن بأنشاء أداة اكثر فعالية وهي المجالس الشعبية في كل مكان وانتخاب الممثلين لإدارة وحماية مناطقنا وتشكيل السلطة يكون تعبيرا عن إرادتنا المباشرة وفرض اكثر ما يمكن من مطالبانا حتى الاقتراب من السلطة الحقيقية... ان هذا الفرق بين الحدثين ولو بعد مئة سنة تفصلهما مع بعض ليس الأعوام وانما الآفاق، وان افاق العمال والكادحين هي بناء الاشتراكية والقضاء على الطبقات. هذا هو العامل الحاسم في الانتفاضة الحالية من اجل الوصول الى اهدافنا الإنسانية والتي نضحي بدمائنا وشبابنا ونتحمل نتائجها لكي نصل اليها.. الاشتراكية هي الحل.. والمجالس هي تنظيمنا الاجتماعي.. والثورة هي الوسيلة الاجتماعية.. والسلطة السياسية هي الحاسم.. لتكن انتفاضة أكتوبر الحالية نقطة تحول نحو توحيد الإرادة المليونية الى الثورة الاجتماعية لدك كل العالم القديم وبناء العالم الجديد أي عالم أفضل.