لن تكون حرا ان استعبدت شعبا اخرا


غياث نعيسة
2019 / 11 / 6 - 02:04     

حول نص " لو كنت كرديا...." لحازم نهار



انقسمت المعارضة السورية بشكل مريع أمام كل المنعطفات الحاسمة في تاريخ بلادنا منذ ثورة شعبنا في أذار 2011.وفي كل منعطف اثبتت انها لم تتعلم، او لا تستطيع ان تتعلم، من فشلها وسوء سياساتها. ما يجعل من اقسامها العظمى الليبرالية وتلك التي تتشدق بالديمقراطية ان العلة فيها وفي تكوينها وعقلها وسياساتها. ويصلح ان نطلق عليها صفة انها " أعظم منظم للهزائم".
ما يدعو الى قول ذلك هو الموقف المشين لعدد كبير منها من الغزو التركي لمناطق شمال وشرق سورية، حيث تنهض تجربة الإدارة الذاتية، وهي اخر رقعة في سورية اليوم بعد هزيمة الثورة السورية تصدح بالحرية والمساواة وتحمل مشروعا تحرريا لكل السوريين، والتي تتميز ايضا بانها الرقعة الأساسية لحياة الشعب الكردي في سوريا.
فقد توزعت مواقف هذه النخب البرجوازية الصغيرة المتهالكة بين من وقف منهم مع الغزو التركي صراحة واخرين اخذوا موقفا متخابثا عبر التوقيع على عريضة تغسل ايديهم مما يجري من مذبحة لشعبنا بادعائهم ان هذه الحرب – العدوان التركي- ليست الا " حرب أهلية تركية-تركية" غامزين من قناة ان حزب الاتحاد الديمقراطي هو حزب شقيق لحزب العمال الكردستاني. ومما لا شك فيه ان اغلبهم ينطلق من مواقع شوفينية قومية عربية. وهكذا تشفى البعض منهم مما يجري من قتل وتدمير وتهجير لشعبنا في شمال وشرق سوريا بكرده وعربه وسريانه وغيرهم، وتناسى ان حناجر أهلنا هناك كانت تهتف تضامنا وفي كل مرة تعرض أي رقعة من شعبنا للقتل والتهجير والموت: يا ادلب احنا معاكي، يا درعا احنا معاكي، يا غوطة احنا معاكي...
وفي هذا السياق السقيم لمواقف هذه المعارضة والنخب المتلبرلة، ولا سيما العربية السورية، تميز موقف حازم نهار بنشره نصا له بعنوان " لو كنت كرديا...." لا يتناول فيه الموقف من العدوان التركي بل تجنبه عبر طرح سلسلة من الأسئلة – نص حازم نهار في نهاية المقال للاطلاع- تنتهي كلها الى نتيجة محددة مسبقا.
وقبل ان يطرح اسئلته يوجه حازم موعظة تدعو " كل كردي سوري، بمعزل عن امنياته ورغباته، بطرح عشرة أسئلة والاجابة عليها".
ودون ان يعلن حازم بشكل مباشر وواضح موقفه من العدوان التركي او مطالب الشعب الكردي او تجربة الإدارية، لكن اسئلته التي قد تبدو للوهلة الاولى بانها "عقلانية" و"محايدة" لكنها في الحقيقة خلاف ذلك تماما فهي لا تترك مجالا الا لجواب واحد لكل كردي وهو: لا افق لدولة كردية، ولا حتى لدويلة، ولا افق للتحرر القومي الكردي، ولا يوجد وعي قومي كردي، ولا يوجد وعي ديمقراطي عند العرب.... اذن لا أمل لك، أيها الكردي، بشيء، سوى الرضوخ للأمر الواقع.
هكذا بجرة قلم وسلسلة من أسئلة محددة النتائج سلفا وتقوم على المنطق الصوري على شاكلة " كل انسان فان، سقراط انسان، اذن سقراط فان"، ينسف حازم نهار كل ديناميات النضال التحرري للشعوب وفيما يخص موضوعنا للشعب الكردي.
ما دفعني لكتابة تعليق على نص حازم المذكور هو ان المنطق المتحكم في نصه، والذي يعكس موقفه السياسي بشكل او باخر، ليس اقل سوءا من كل الشوفينية والتشفي لمواقف المعارضة التقليدية السورية الأخرى. بل انه يعكس موقفا عدائيا، ولو مواربا كما هو نصه نفسه، لقضية تحرر الشعب الكردي عموما، وحقه في تقرير مصيره بكل حرية، ولتجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سورية على وجه الأخص.
ما اود التركيز عليه ليس ما كتبه حازم هنا وهناك، حول هذا الموضوع او ذاك، بل التركيز على موقفه من قضية الشعب الكردي في لحظة غزو تركي لبلادنا باعتباره موقف " مخاتل" في قضايا مصيرية لكفاح شعبنا عموما والشعب الكردي بشكل أخص من اجل تحرره.
وللطرافة فان أسئلة حازم الموجهة للكردي تصلح لان نوجها الى أي كان لتؤدي الى نفس النتائج: دعوة لليأس والاستسلام للنظام القائم. ولتوضيح ذلك فإنني أدعوكم، باستخدام نفس منطق حازم، الى " رياضة ذهنية" من خلال إعادة طرح أسئلة حازم العشرة، التي تدعو الكرد الى اليأس والقبول بالأمر الواقع، ولنجرب مثلا ان نستبدل كلمة كردي بكلمة " سوري"، فإننا سنجد ان منطق اسئلته ستوصلنا الى نتيجة واحدة مفادها: انه كان من الغباء والعبثية ثورة السوريين على نظام الطغمة الحاكم.
ولو استبدلنا كلمة الكردي بكلمة (أهالي الجولان) مثلا، لأوصلتنا اسئلته الى نتيجة انه من الغباء مواجهة الاحتلال الإسرائيلي او استعادة الجولان.
ولو تابعنا واستبدلنا كلمة فلسطيني مكان كردي في أسئلة حازم، لأوصلتنا أسئلته الى النتيجة السلبية نفسها: عبث لا تسعى الى تحررك او استعادة حقوقك.
هكذا، يهدف نص حازم الى توجيه رسالة للشعب الكردي مفادها: اقبلوا بما يتفضل الأقوياء والدول التي تتحكم بكم وتضطهدكم، ونقطة على السطر.
فهو وان كتب بان " السياسة هي علم الاحتمالات"، وان كنت لا اتفق مع تعريفه هذا المبتسر للسياسة، لكن منطقه في اسئلته لا تدع مجالا اطلاقا الا لاحتمال واحد فقط، وفقه يصبح عدم الرضوخ للسلطات والوقائع القائمة وعدم الاستسلام امام الأقوى انما هو عبث او كما كتب " جهلا وكذبا وتجارة...".
فليأتي حازم من مشيخة قطر التي يعيش في كنفها وليقل ذلك للجماهير الثائرة في لبنان والعراق والجزائر والعديد من بلدان العالم.... ولمن ما يزال يقاوم من شعبنا في مناطق الادراة الذاتية في شمال وشرق سوريا في مواجهة الغزاة، داعيا للتحرر والمساواة والديمقراطية لعموم السوريين، هذه المقاومة والانتفاضات الشعبية، انما تأتي لتؤكد خطل العقل المخاتل الذي يبرر الاستسلام لجبروت الأنظمة ولموازين قواها، لان الكفاح الجماهيري والتحريري مراكمة وسيرورة طويلة.

--------------------------------------------------------------






نص حازم نهار المذكور، للاطلاع:
لو كنت كرديًا سوريًا (أو سوريًا كرديًا لا فرق)!
لو كنت كرديًا سوريًا سأسأل نفسي الأسئلة الآتية، وأجيب عنها بصراحة بمعزل عن أمنياتي ورغباتي: 1. هل هناك جدية أميركية أو أوروبية حقيقية في دعم نشوء إدارة ذاتية كردية أو دويلة أو دولة كردية؟ 2. هل أتوقع تأييدًا روسيًا حقيقيًا لفكرة الإدارة أو الدويلة أو الدولة... في اللحظة الحاسمة، أي عندما نصل إلى لحظة فاصلة؟ 3. هل هناك احتمال، في اللحظة الراهنة، أن تسمح الدول الأربع المعنية بالمسألة الكردية (تركيا، العراق، إيران، سورية)، فرادى أو مجتمعة، بوجود دولة كردية؟ 4. هل هناك احتمال أن تسمح تركيا بتشكل جنين دويلة كردية أو إدارة كردية على حدودها الجنوبية، في اللحظة الحالية؟ 5. هل هناك احتمال لإنشاء وضع خاص، اليوم أو مستقبلًا، لأكراد سورية من دون تأييد أو رضا نسبي من عرب المنطقة على الأقل؟ 6. هل هناك احتمال أن يقدِّم "النظام السوري" أي مكسب لأكراد سورية، وهو الذي حرمهم أبسط الحقوق طوال نصف قرن؟ 7. هل هناك احتمال أن تقدِّم "المعارضة السورية" بتركيبتها الحالية ووعيها القاصر ما يعزِّز هذا الطموح الكردي؟ 8. هل هناك احتمال لنجاح فرض هذه الدويلة أو الدولة أو الإدارة بقوة السلاح؟ 9. هل هناك وعي قومي كردي حقيقي عابر للدول، أو وعي قومي كردي متبلور على مستوى سورية، كافٍ ليحمي الهوية الكردية المأمولة؟ أم أن ما هو موجود لا يعدو أن يكون شعورًا محقًا بالحرمان والمظلومية الطويلة المدى؟ 10. هل هناك وعي ديمقراطي كافٍ عند عرب المنطقة، على الأقل في سورية والعراق، ما يدفعهم لقبول تجسيد الفكرة الكردية اليوم ولو في حدودها الدنيا؟ السياسة هي علم دراسة الاحتمالات، وليست فحسب إعلان الرغبات والمشاعر والقناعات والأهداف، على أهميتها، والسياسي الذي لا يطرح هذه الأسئلة على نفسه أولًا، وعلى شعبه ثانيًا، يكون جاهلًا أو كاذبًا أو تاجرًا من النوع الرديء