لبنان- ثورة حقيقية


عديد نصار
2019 / 11 / 5 - 01:41     

عندما تكون الثورة شعبية شاملة لكل الفئات والطبقات والمناطق التي كانت حتى الأمس شبه معازل طائفية ومذهبية ومناطقية، ويشارك في صياغة حركتها وخطابها واهدافها كل الناس، فإنها بالتأكيد ستشهد صعودا وهبوطا، مدا وجزرا، تراخيا هنا وتصعيدا هناك، احباطا هنا واندفاعا هناك... مطالب بديهية من هنا وأهداف عظيمة من هناك... من هنا تتكون الصيرورة التاريخية التي تصقل وتشذب وتهذب وصولا الى تعيين الأهداف وتصنيفها وتحديد الأدوات والوسائل الأجدى لتحقيقها.
وفي الآن نفسه، وفي مواجهة كل ذلك، تتعامل قوى السلطة بأساليب متنوعة للرد والالتفاف والتطويق واستعادة زمام الساحة، التشهير والتقدير، الترغيب والترهيب، المراوغة والمكابرة والمماطلة واستعراض القوة والتهديد بلقمة العيش، واستخدام وسائل مبتكرة في القمع والترويع...
تصاعد الضغط الشعبي، والكشف عن جرائم قوى السلطة، وأكاذيب دوائرها واحزابها، ورفع منسوب الغضب وحسن الاستثمار فيه تفرض ادارة واعية لحركة قواعد الثورة الشعبية، ادارة وليس بالضرورة قيادة، تنسق وتضيء على المهام وتبلور الاهداف وتمرحلها، وتحدد شكل الحراك الثوري وتوقيته وأمكنته بحسب الظروف الذاتية وردود فعل السلطة وقواها بين منطقة واخرى
حتى الآن، وبالموازاة مع كل ما ذكرت، تنجح الانتفاضة الثورية في التقدم وفي تجاوز العقبات وفي تحقيق الاستمرارية والاهداف. ولازالت الصيرورة تتشكل والرد على تفاعل السلطة وقواها يعزز الساحات ويحبط محاولات قوى السلطة للالتفاف على الثورة واستيعابها وبالتالي اجهاضها.
المعركة الان معركة تشكيل الحكومة. قوى السلطة تعمل على عدة جبهات، محاولة تشكيل الحكومة في الخفاء وفرض امر واقع جديد على الساحة، وبالتالي القول للناس انهم استجابوا لمطلبهم تشكيل حكومة تشتمل على اخصائيين ولا بد من اعطائها الفرصة لتحقيق اهداف الثورة. فالمشاورات البعيدة عن الاضواء بين بعبدا وعين التينة وحارة حريك متواصلة وبينها وبين بيت الوسط شد وجذب. ولأول مرة تستقيل الحكومة ويمتنع الرئيس عن اعلان البدء بالاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس جديد للحكومة لقرابة الأسبوع، بينما المشاورات والمفاوضات حول الحصص في الحكومة العتيدة وشكلها وتكوينها جارية ليل نهار بين القوى المنوه عنها اعلاه، اي بعبارة أخرى، هناك التفاف فاضح على الدستور الذي يقول باستشارات نيابية ملزمة لرئيس الجمهورية يكلف بموجبها رئيس حكومة جديد الذي بدوره يجري استشارات نيابية غير ملزمة لتعيين الوزراء.
وبالتوازي مع حركة قوى السلطة لتشكيل الحكومة، نرى محاولات لاستيعاب الشارع من خلال لغة ناعمة استخدمها حسن نصرالله في خطابه الأخير الذي بخلاف خطابيه الأولين منذ السابع عشر من تشرين اول، لم يشتمل على تهديد صريح للشارع، بل انه سحب بعض كلامه السابق المتضمن تشهيرا بالثورة.
وهناك التلويح بشارع مقابل شارع وقد شهدنا بالأمس في عين التينة وخصوصا في بعبدا فشله الذريع.
من جهته، رد الشعب المنتفض بقوة في الشارع وفي التصويب على الهدف المرحلي بدقة، فالحكومة الوحيدة التي يريد هي:
اولا، حكومة مصغرة من أكفاء مستقلين يتمتعون بالجرأة، وليس حكومة اختصاصيين تابعين او تكنوسياسية وكل هذا الهراء،
ثانيا، حكومة انتقالية بمهام محددة بتحقيق اهداف الثورة، وبالتالي، حكومة بصلاحيات تشريعية استثنائية تستطيع، بمعزل عن البرلمان الساقط، وضع القوانين اللازمة لوضع البلاد على سكة التغيير الحقيقي وعلى رأسها استقلالية القضاء وتطهيره وقانون انتخابي جديد يشتمل على تقصير ولاية المجلس الحالي واجراء انتخابات مبكرة، وقانون استعادة الاموال المنهوبة الذي يجب ان ينطلق من تجميد حسابات السياسيين والاداريين والمتعهدين الداخلية والخارجية وتوظيفها في خدمة مالية الدولة وتشجيع الاقتصاد ريثما يبت القضاء المستقل بمصيرها النهائي...
معركة تشكيل الحكومة في أوجها اليوم. لذا فلا بد للشارع ان يرفع من منسوب ثورته والتلويح بعصيان مدني شامل ابتداء من الاتجاه الى الاضراب العام وشل البلاد عبر قطع الطرقات.

الثورة ليست اختصاصا جاهزا وليست هبة شعبية تنتصر في ايام او تنهزم، بل هي مسيرة ممتدة وصيرورة تغيير يشمل كل مناحي الفكر والحياة
4/11/2019