موقع الحركة القومية الكردية في الإحداث السورية


جمال احمد
2019 / 11 / 1 - 23:13     

منذ اكثر من ثمانية اعوام تدور رحى حرب شرسة في سوريا ونتجت عنها كوارث لا تعد ولا تحصى . صراعات عالمية وإقليمية ومحلية تتداخل وتتقاطع من البعض وتعرض نفسها كحرب اهلية سورية .
بدأ التذمر الشعبي من النظام السوري على شكل مظاهرات (تزامن مع الاحتجاجات الشعبية في تونس ومصر وليبيا ويمن ) ينادي بإطلاق الحريات وإطلاق سراح المعتقلين ورفع حالة الطوارئ . وبعد اربعة اشهر من التعامل الوحشي للنظام معهم ، تحولت المظاهرات الى اعتصامات في الميادين العامة وتطورت مطالبهم الى إسقاط النظام .
ان عدم وجود قوى سياسية معارضة في الساحة السورية جراء القمع الوحشي لكل صوت معارض طوال تاريخ حكم سلطة البعث الدكتاتوري وعدم تأهل النشطاء المعارضة في قيادة تلك الاحتجاجات والقمع القاسي المفرط من النظام ، كونت ارضية مؤهلة لاستغلال الاوضاع وجرها الى أبعاد أخرى خارج المطالب الشعبية، أسوة بليبيا .
الكتلة الغربية بقيادة أمريكا أرادت دك موطئ القدم الوحيد لروسيا الباقي في شرق الاوسط ( بعد فقدانه لليمن الجنوبية والعراق وليبيا ) ، فقد شجعوا الدول الموالية لهم ( تركيا وسعودية و قطر ، والذين مارسوا ادوارهم في كل من احداث تونس ومصر وليبيا واليمن) على التحرك لإسقاط نظام بشار الاسد .وهم بداؤ بإرسال الاموال والأسلحة لتكوين جماعات اسلامية مسلحة وشراء عناصر من الجيش السوري ، فتحولت المواجهات من مظاهرات شعبية الى المصادمات المسلحة للجماعات الاسلامية والجيش السوري الحر من جهة والنظام من جهة أخرى وتبخرت المطالب الشعبية الى تكوين مناطق لنفوذ القوى الإقليمية. وفي نفس الوقت تحركت روسيا لحماية النظام او موطئ قدمها وأيضا تحركت ايران لحماية حليفها الاستراتيجي والوقوف امام القوى الاقليمية المناوئة لها وزجت بحزب الله اللبناني في التحرك مع حلفاءها.
***************
مع اشتداد المواجهات بين النظام والجماعات المسلحة في دمشق والمدن الكبيرة الاخرى ، تخلى النظام عن منطقة الجزيرة لاهاليها لكي يديروا امورهم ويحموا مناطقهم ، فتحولت الادارة المحلية الحكومية الى ادارة ذاتية وتسلح الاهالي هناك ذاتيا لحماية انفسهم ( مع بقاء المرافق الخدمية الحكومية والاجهزة الامنية دون فرض سيطرته وبقاء تنسيق بين حكومة المركز معهم وتمويلهم ).المناطق العربية نظموا أنفسهم عشائريا ومناطق اخرى محليا ، لكن الظروف الخاصة في المنطقة الكردية كانت مغايرة ( بسبب ماضي الظلم القومي عليهم والنشاطات السياسية الماضية والعلاقات السياسية مع الحركات السياسية الكردية في الاجزاء الاخرى من كردستان)، هناك جيل قديم متعاطف مع حركة البارزاني وجيل جديد بدأ بالنشاط مع تواجد ب ك ك في سوريا رسميا في التسعينيات . أرادت تركيا ان تتحرك من خلال البرزاني لتجييش الاكراد هناك ضد النظام اسوة ببقية منظماتها المسلحة ، لكن الجيل الجديد المتاثر بال ب ك ك لم يروقوا لهم ذلك وبدأت الصراع بينهم . وبدأ حزب الاتحاد الديمقراطي ببناء ادارته الذاتية مستلهما من افكار الجديدة ل عبدالله اوجلان وسن تشريعات -راديكالية- وبناء مدارس خاصة بهم ومنظمات مدنية وإشراك فعال للمرأة وبناء وحدات حماية الشعب مستفادا من خبرة عناصره المدربة مع ب ك ك متميزة عن بقية الادارات الذاتية وان تحكم سيطرتها المحكمة على مناطقهم متجاوزا منطقة الجزيرة لتشمل جميع المناطق الكردية ،وبقي الموالين لحركة البرزاني في الهامش دون تاثير.
ان التحالف الغربي ( وخاصة تركيا ) اراد ان تحرك الاكراد لمحاربة واسقاط النظام السوري ، لكن العلاقة التاريخية بين النظام السوري وب ك ك والتفاهمات بين ايران وحزب الاتحاد الديمقراطي وب ك ك قد حالت دون وقوع تلك النية.
************
ان روسيا استمالت تركيا للتفاهمات المشتركة معها ومع إيران حول قضايا الصراعات في الساحة السورية ، وبذلك ابعده عن امريكا والسعودية . وان النمو السريع لانتشار داعش في مناطق عديدة في سوريا والسيطرة على الجماعات الاسلامية الاخرى ، ادت الى ازاحة دور قطر والسعودية هناك ، وأصبح تركيا الدولة الوحيدة التي تقود المعارضة عن طريق القيادة المباشرة لجماعته المسلحة ولجيش السوري الحر والسيطرة المحكمة على داعش وتبني الجماعات المسلحة التابعة للسعودية والقطر . ولكي تكون تركيا اللاعب الوحيد في الساحة المعارضة السورية عليها اخضاع المناطق الكردية لنفوذها والطريق الوحيد هو تحرك داعش لاحتلال اراضيهم بدءاً بشطر منطقتهم وذلك باحتلال كوباني . ان معركة كوباني كانت هي النقطة التاريخية للانعطاف في مجرى الأمور حيث فشلت تركيا وداعش في تحقيق مآلهم ، وأحست قيادة المنطقة الكردية ضعف إمكاناتها للتصدي بوحدها لمقارعة القوى الموالية لتركيا (بما فيه داعش ايضا ) ولذا قبل بالتعاون المباشر مع امريكا وتجميع التنظيمات المسلحة العشائرية والمحلية في الجزيرة تحت سلطتها في تنظيم القوات السورية الديمقراطية في التحرك المشترك في المنطقة للإبقاء على وجودها وضمان مستقبل افضل في ظل الحماية الامريكية . اما بالنسبة لأمريكا فان القوات الكردية هو الورقة الوحيدة الباقية لإبقاء دوره في سوريا بعد تراجع دور سعودية وقطر وعدم ضمان تركيا في حماية المصالح الأمريكية.
وهكذا أصبحت القوات السورية الديمقراطية - قسد - الحليف الوحيد الأمريكي في الصراع السوري ، وبدأو بتنفيذ مهام امريكا بمحاربة و دحر داعش في اطار منطقة نفوذ امريكا ( حيث قسمت مهام عمليات الروس بغرب الفرات والأمريكان بشرق الفرات ) وتركت القوات الموجودة في عفرين وحيدة في مواجهة الغزو التركي وانشغالها بالتوغل والهجوم على الرقة .
مع تصفية اخر معاقل داعش في الباغور انتهى مبرر بقاء قوات التحالف الدولية لمحاربة الارهاب في سوريا ، أصبحت روسيا وإيران مع النظام السوري وتركيا هم القوى الرئيسية في تحديد مستقبل سوريا وتوزيع الغنائم لوحدهم دون امريكا وأوروبا ودول الخليج. ان إعطاء أمريكا الضوء الأخضر لتركيا بالدخول لمناطق عملياته كانت لخلط الاوراق وإيجاد تضارب بين تركيا وروسيا وتعقيد حل المشكلة السورية وكذلك الدخول مرة ثانية الى سوريا وإعلانه الفج عن السيطرة على ابار النفط في شرق سوريا وإعلان نفسه كعائق امام اية حلول بدونه وتامين حصته في توزيع الغنائم مستقبلا في سوريا.
ان القوات الكردية في سوريا هي الان قوات حليفة لأمريكا وهم ينفذون جميع مخططات وعمليات السياسة الامريكية في المنطقة من حماية القوات الامريكية الى حماية ابار النفط المستولي عليها امريكا وتنفيذ العمليات والمهمات الخاصة الأمريكية لأجهزة المخابرات.
والان اصبح روسيا وإيران وقواتهم المسلحة مع النظام السوري ، وتركيا وقواتها المسلحة الموجودة في اراضي سوريا مع الجيش الحر ، وأمريكا وقواته المسلحة مع جيش السوري الديمقراطي ، هم اللاعبين الرئيسيين الثلاث لتحديد كيفية تقسيم الغنيمة ألسورية وان اوروبا متمثلة بألمانيا تريد المشاركة في التقسيم عن طريق طرح مشروع منطقة امنة تحت اشراف دولي .
ان الصراعات الدائرة حاليا في سوريا ، هي صراع بين قوى رجعية فتكوا بالمجتمع السوري اجتماعيا واقتصاديا وحضاريا ودمروا البلاد في أعماقها، لاجل الحصول على اكبر حصة ممكنة من الغنيمة وكلهم مجرمون بحق هذا الشعب والبشرية اجمع ، وان مايتشدقون به سواء كان باسم الحرية والنضال ضد الدكتاتورية او إرساء سلطة الدين الاسلامي اوالسلام والأمن ومحاربة الإرهاب أو حماية حقوق الأقليات والمدنية او حقوق الشعب الكردي ...... اكاذيب فارغة . وليس اجهل من احد ان يدعي بالدفاع عن مكتسب او ينتظر مطلبا انسانيا او تقدميا او حلا لمشاكل العصر من الكتل العظمى ( امريكا و روسيا) او القوى الاقليمية ( ايران وتركيا) او القوى المحلية ( النظام السوري ، الجيش الحر والمنظمات الاسلامية ، او القوات السورية الديمقراطية ) . وان كل الخطوات والمكاسب والتضحيات النبيلة للحركة القومية الكردية هناك لا تكون سوى اشياء مؤقتة تتبخر في وسط تلك الافق والاستراتيجيات البربرية الرجعية العالمية والاقليمية.