|
غلق | | مركز دراسات وابحاث الماركسية واليسار | |
|
خيارات وادوات |
|
أيوب..الرهان الجائر وجدلية الايمان والتجديف(6).
من اللافت والغريب،ان أيوب وعبرسفره الطويل،لم يستخدم او يستشهد او يقتبس اي نص توراتي،ولاحتى كلمة في خطابه،ومرافعته الاتهامية فلا اشارة،ولاقولا اوتلميحا او احالة،وهذا امر بالغ الغرابة،ويدعو للاستفهام؟!.فهناك الكثير من الاسفار،فيها مايدعم او يؤيد محاجته،منطقا وبينات،ووقائع،واحداث،ومرويات،ومشابهات،الخ،مناسبة جدا،تخدم غرضه،وتشهد له،فلم لم يلجأ لتلك النصوص،وهو يستعرض احوال العالم ومتناقضاته،وكان بأمكانه وبسهولة ان يقتبس منها تأييداعضدا وسندا،يعزز من احكام حججه،وهو يرافع ببلاغة وشاعرية عن خلو العالم من العدل،وانهيار القيم والمعايير؟!.مرد ذلك وجزئيا -كمانعتقد-،ان السفر الايوبي كتب باستقلالية ومعزل عن بقية الاسفار في الزمان والمكان،لذلك لم نجد اصداء او انعكاسات لباقي الاسفار تركت اثرا او ملمحا في متن السفر يثبت ذلك!..ان كل من يقرأ السفر الايوبي-كما نعتقد-وخصوصا القاريء اليهودي،سيتسائل حتما،وهو يستحضر ايوب خيالا،وفي ايامه العصيبة،ومحنته الالهية،تلك الشخصية الفذة في ورعها وصلاحها وبرائتها،وسؤاله الضمني الخفي هو:هل كان اشعيا محقا في ترانيمه النسكية المسبحة بالعدالة الالهية؟!..في نشيده الشعري الخاتم،والجدي في لومه،وسفور اتهامه لله يقول ايوب:"الاشرار يمضون في افعالهم،الاشرار ينقلون التخوم،ويسلبون القطعان،ويخفونها،يستاقون حمار اليتيم،ويرتهنون ثور الارملة،يزيحون الفقراء عن الطريق..يخطفون اليتامى عن الثدي،ويرتهنون الاطفال المساكين فيذهبون عراة لالباس لهم،ويحملون الحزم وهم جائعون،من المدن يخرج النحيب،وتستغيث نفوس الجرحى".ومع كل هذا-يفكر ايوب بصوت عال-لايعاقب الله هؤلاء الاوغاد،ولايمسهم بسوء،فيمعنون في غيهم واجرامهم.اليس ذلك غريبا وفاضحا؟!.:"فيقوم القاتل عند الصباح ويفتك بالبائس المسكين".و"عين الزاني تترقب الغيمة ليضعها قناعا على وجهه".و"يسرق البيوت في الظلام،ويغلق على نفسه في النهار،لقاء هذا الشر المتعمد،نصيبهم ملعون في الارض".وتترى اسئلة(المعذب)باحثة عن الفهم و الوضوح:"لماذا يفلح القاسي؟".و"تنساه الرحم،وتستطيبه الدود،واسمه لايذكر بعد،الشرير ينكسر كالشجرة،يسيء الى العاقر التي لاتلد،ولايحسن الى الارملة".وكما نرى بعين ايوب الدامعة،وقلبه الكسير،فلاعدل هنا،و العدل الالهي ماهو الاطرفة سخيفة،وبلا معنى!.فعدل الرب الايوبي هو ظلم بواح في حقيقته،واباطيل مخادعة تنطلي على الحمقى.فالرب يعطي لمن:"لايحسن الى الارملة"الخير والفلاح،ولكنه يعصف بثروة ايوب،ويبطش بأبناءه وعبيده،ويتركه صفرا اجرب في القيمة والجسد،كل ما يتمناه هو الموت!.كفر ايوب بعدالة ربه،ولكنه لم يخرج بأستنتاج اواستدلال منتبه يعي،او يتسائل عن وجود عدالة لدى البشر ام لا؟!.وغاب عنه انه هو نفسه كان تجسيدا مرئيا،وايقونة بشرية للعدل والاستقامة والرحمة،ورفض العسف بكل اشكاله،فهو يرعى ويساعد الارامل والايتام،والله يسلبهم معيشتهم الشحيحة،ويدلل ويكرم سالبيهم واعدائهم!.لحظة ايوب التجديفية،كانت جريئة،صريحة،وواعية في تشخيص المسؤولية الكاملة،لكل مظاهر الظلم والقسوة والفوضى التي تغرق العالم،،والتي تقع على عاتق الله وحده.وما فاضت به لائحة الاتهام الايوبية من بنود وادلة وتفاصيل تدين وتجرم الله بلا ادنى شك،وتضعه في دائرة الادانة،مع وفرة المعطيات المعززة بدقائق المجريات.:"ان قلت:فراشي يعزيني،ومضجعي يخفف شكواي،روعتني بفظائع الاحلام،وباغتني برهيب الرؤى،فأرى الحنق افضل شيء لي،والموت خير من عذابي،من الاسى لااحيا طويلا".نجد هنا ان كاتب السفر الايوبي-وهو حكواتي من الطراز الاول-يفسح المجال واسعا لايوب في الاسترسال الدفاعي عن قضيته-انه الانعكاس المرآوي لمكنونات الكاتب!.م.أ-وبث حججه،وكوامن براعم الشك التي ازدهرت في عقله-والتي مع الاسف ذبلت بسرعة وتبددت!.م.أ_عندما يقول:"لماذا التمهل طالما لامفر من الموت؟".ينساق ايوب وراء تهوره في النقد،وادانة القسوة والجور الالهي،عندما يعرض البشر،ل:تجارب الآلام والعذاب والحزن،والحداد على الاحبة،والاشفاق على الذات المنكوبة،والقلب المكلوم المحطم.لم عليه ان يأمل بان وضعه سيتغير،وينظر اليه الله بشفقة،ويبدل حاله،وهو قاب قوسين من الموت؟!.لماذ ينبغي على اي انسان،وهو ينشد الراحة في النوم ان يتعرض للكوابيس؟!.يمضي ايوب في كيل اتهاماته للرب،وقلبه يرتجف،محاولا ان يواسي نفسه بقرب فناءه،والذي سيختم عذابه،فيتجلد متشجعا،وهو يستمد قوة من توقع موته الرحيم القادم.ورغم غضبه من الله الا انه يعزي نفسه بفكرة،ملاذه الآمن،نعمة الموت التي سيمنحه الله له كنوع من خلاص مؤكد،فينطق:"تذكر،حياتي نسمة ريح،مثلما يضمحل السحاب ويزول،كذلك من يهبط من عالم الموت لايصعد،الى بيته ابدا لايعود،ومكانه لايتعرف عليه،لذلك لاامنع نفسي من الكلام شاكيا بمرارة النفس ضيقي".ونحن نقرأ سفر ايوب،ننتبه الى انه مرارا كان يلح في سؤاله:"لماذا الله غائب،والحكمة مختفية؟".متمنيا،ان كان ممكنا ان يدخل يوما بيت العدل الالهي المزعوم،ويقابل الله وجها لوجه،وخلافا للمألوف،يطرح عليه مظلوميته،ويطالب بأجابات على حيرته،وهو البريء المعذب،بلا ذنب!.ولكن الله لايبرر ولايفسر نفسه طبعا،فقراراته واوامره وسلوكه طلاسم واحجيات عصية على مخلوقاته،وايضا لايعقد او يقبل محاكمات يخضع هو فيها للاتهام،فهو الديان،بلا شبهة.يعرض جبروته وحكمته وفلسفته العصية على فهم البشر، بغرض الطاعة ولاشيء غير الطاعة.وليس من معنى او حكمة في قرارات الرب،فهي سرية وذاتية يحتفظ بها لنفسه،فهو الفعال المريد وكفى!.
|
|