لمن تُشحذ السيوف ؟


فريد العليبي
2019 / 10 / 26 - 14:41     

تبدو حركة النهضة فرحة بانتصارها الانتخابي فالشرعية القانونية تمنحها فرصة تشكيل حكومة ، غير أنه انتصار في الهزيمة ، فهي لا تمثل أكثر من6% من التونسيين الذي يحق لهم الانتخاب ، وليس مهما أن يرأس حكومتها المرتقبة الغنوشي أو غيره ،اذ ستكون حكومة فاقدة للشرعية الشعبية ، بما يهدد بدخولها سريعا في تناقض مع أغلبية لم تصوت لها ،وهي تلك التي تبحث عن الشغل و الصحة والطعام ،أما الأقلية التي منحتها أصواتها فقد قدمت لها سواء أدركت ذلك أم لم لا هدية مسمومة ، وما عليها الا ابتلاعها ، فالجميع بما في ذلك أعداؤها يطالبها بأن تحكم ، ولكن حكم الأقلية للأغلبية في عصر الأزمة الشاملة شبيه بالانتحار .
لذلك يفزعها ما يجري في العراق ولبنان ، وحتى في الشيلي والاكوادور ، حيث تقاتل الشعوب على طريقتها البرلمانات والحكومات ،مما يفرض عليها أقصى درجات الحيطة والحذر ، لذلك تبحث عن المدد ، وهو ما جعل راشد الغنوشي يسارع بالسفر الى تركيا للقاء أروغان ، في الوقت الذي كانت فيه طائراته ودباباته تدك مدن وقرى شمال وشرق سوريا بقنابلها ، في سعي لاقتطاع جزء منه ليكون مصيره مصير لواء الإسكندرون المسلوخ منذ سنة 1939، ولا شك أن المركز الاخواني الدولي لن يبخل عليها بنصحه، كما هيئة علماء المسلمين .
وفي مواجهتها يقف مباشرة الاتحاد العام التونسي للشغل ،ويُذكر قول الغنوشي سنة 2017 أنه أثناء لقائه سفير هولندا في تونس ، تم تبليغه أن هناك حزبين أساسيين في تونس، النهضة من جهة والاتحاد العام التونسي للشغل من جهة ثانية ، وهما في مواجهة بعضهما البعض فأحدهما يحكم بينما يوجد الآخر في المعارضة .
وفي الوقائع المتسارعة بعد بوح صناديق الاقتراع بنتائجها ، سجلت في سليانة حادثة لافتة فقد هاجم أحدهم نقابيا ممتشقا سيفا ، محاولا قطع رأسه ،مطاردا إياه في الأزقة ، حتى احتمائه بمنزله .وقد دعا بيان الاتحاد الجهوي في تلك الولاية الى الحذر والتصدي للأعداء، و في صفاقس تم تهديد الكاتب العام للاتحاد بالتصفية الجسدية ، أما في قربة فقد حصل اعتداء على مدرسة فرحات حشاد ، بتشويه صورة الزعيم النقابي ، المرسومة على جدارها ،وقد اعتبر الاتحاد الجهوي للشغل بنابل أن «تشويه صورة الزعيم الوطني الرمز فرحات حشاد من طرف عصابات تؤسس لفكر فاشيستي هي نتيجة للحملة الممنهجة للمس من الاتحاد العام التونسي للشغل من طرف بعض الأطراف المدعومة حزبيا...وهو إذ يدين هذا العمل الإجرامي فإنه يحمل السلطة مسؤوليتها كاملة ويطالب بفتح تحقيق جدي لمحاسبة الجناة على اعتدائهم على رموزنا الوطنية وتاريخ شعبنا ويحتفظ بحقه في استعمال كل الأشكال النضالية الممكنة» .
وتبع ذلك دعوات الى التعبئة والاستعداد لكل الاحتمالات ، وتم تكوين خلايا أزمة ، كما استنكرت رابطة حقوق الانسان الحملة على الاتحاد وقالت إنها تذكر بما جرى خلال حكم الترويكا وكاد أن يصل بالبلاد الى الحرب الأهلية .
تعرف حركة النهضة أن الاتحاد هو العقبة الرئيسية الواقفة في طريقها ، بجماهيريته وانغراسه التنظيمي في جل المدن والقرى ، بمعاملها ومناجمها وحقولها ومستشفياتها ومدارسها ومصالحها الإدارية ، وأنه يكفي اضراب الشغالين لأيام قليلة حتى تتهاوى أركان أعتى الحكومات .
واذا ما سلكت هذه المرة سبيل المغامرة فإنها ستتحمل وزر تعنتها أضعافا مضاعفة ،مقارنة بما كان عليه الأمر إبان حكم الترويكا وما بعده ، فقد قدم لها الباجي قائد السبسي طوق النجاة في الأخير، أما الآن فمن الصعب أن تجد من يقوم بتلك المهمة ، خاصة أن النداء قد جرب انقاذها فغرق بدلا عنها ولم يجن غير الخسران ، وترى أحزاب برلمانية اليوم أنه من الأسلم تركها تغرق وحدها في رمال السياسة التونسية المتحركة .
أما الاتحاد فإنه يدرك أنه مستهدف منذ وقت طويل ، ولا تزال صور مهاجمة مقره المركزي وحرق بعض مقراته الجهوية ورمي النفايات أمام أبوابها ماثلة للعيان، وهو العارف أن أعداءه يشحذون السيوف ، وأن حملاتهم انطلقت ولن تتوقف قبل اصطدامها بصخرته مجددا ، فقد جربت النهضة سابقا الوقوف ضد الاضراب العام ،وجيشت حشودها تحت عناوين التصدي لما وصفته باتحاد " الخراب "، وهي ستكرر ما قامت به سابقا مرة أخرى حتى تضمن نجاح سياساتها ، خاصة أن برنامجها الاقتصادي لا يختلف جوهريا عن برامج مختلف الأحزاب الليبرالية التي حكمت حتى الآن ، بما يعني عجزها عن تقديم حلول اجتماعية لمشاكل الشعب المتفاقمة ، أما صندوق الزكاة الذي جرى تسويقه كحل سحري للفقر والبؤس الاجتماعي فإنه لن يفلح في ذلك ، كما أن الحديث عن العدالة الاجتماعية دون تغيير الاختيارات الاقتصادية لا يصلح للقضاء على البطالة وتنمية الجهات المحرومة