أشكال حكم دولة الإستعمار الجديد و أوهام إمكانيّة إصلاحها لخدمة الشعب – 3 - من تجلّيات تحريفية حزب العمّال التونسي و إصلاحيّته في كتاب الناطق الرسمي بإسمه ، - منظومة الفشل -


ناظم الماوي
2019 / 10 / 23 - 13:43     

أشكال حكم دولة الإستعمار الجديد و أوهام إمكانيّة إصلاحها لخدمة الشعب – 3 - من تجلّيات تحريفية حزب العمّال التونسي و إصلاحيّته في كتاب الناطق الرسمي بإسمه ، " منظومة الفشل "
ناظم الماوي
--------------------------------------------------
" هذه الإشتراكيّة إعلان للثورة المستمرّة ، الدكتاتوريّة الطبقيّة للبروليتاريا كنقطة ضرورية للقضاء على كلّ الإختلافات الطبقية ، و للقضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها و للقضاء على كلّ العلاقات الإجتماعية التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و للقضاء على كلّ الأفكار الناجمة عن علاقات الإنتاج هذه ".
( كارل ماركس ، " صراع الطبقات فى فرنسا من 1848 إلى 1850" ، ذكر فى الأعمال المختارة لماركس و إنجلز ، المجلّد 2 ، الصفحة 282 ).

-----------------------------------------

" و سيكون واجب القادة على وجه الخصوص أن يثقّفوا أنفسهم أكثر فأكثر فى جميع المسائل النظريّة و أن يتخلّصوا أكثر فأكثر من تأثير العبارات التقليديّة المستعارة من المفهوم القديم عن العالم و أن يأخذوا أبدا بعين الاعتبار أنّ الاشتراكيّة ، مذ غدت علما ، تتطلّب أن تعامل كما يعامل العلم ، أي تتطلّب أن تدرس . و الوعي الذى يكتسب بهذا الشكل و يزداد وضوحا ، ينبغى أن ينشر بين جماهير العمّال بهمّة مضاعفة أبدا..."
( انجلز ، ذكره لينين فى " ما العمل؟ " )
------------------------------------
" قد كان الناس و سيظلّون أبدا ، فى حقل السياسة ، أناسا سذّجا يخدعهم الآخرون و يخدعون أنفسهم، ما لم يتعلّموا إستشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير و البيانات و الوعود الأخلاقية و الدينية و السياسية و الإجتماعية . فإنّ أنصار الإصلاحات و التحسينات سيكونون أبدا عرضة لخداع المدافعين عن الأوضاع القديمة طالما لم يدركوا أن قوى هذه الطبقات السائدة أو تلك تدعم كلّ مؤسسة قديمة مهما ظهر فيها من بربرية و إهتراء . "
( لينين ، " مصادر الماركسية الثلاثة و أقسامها المكوّنة الثلاثة " )
---------------------------
"... حين أزاحت الماركسية النظريّات المعادية لها ، و المتجانسة بعض التجانس ، سعت الميول التي كانت تعبر عنها هذه النظريّات وراء سبل جديدة . فقد تغيّرت أشكال النضال و دوافعه ، و لكن النضال إستمرّ . و هكذا بدأ النصف الثاني من القرن الأوّل من وجود الماركسيّة ( بعد 1890 ) بنضال التيّار المعادى للماركسيّة في قلب الماركسيّة .
...لقد منيت الإشتراكيّة ما قبل الماركسيّة بالهزيمة ، وهي تواصل النضال ، لا في ميدانها الخاص ، بل في ميدان الماركسيّة العام ، بوصفها نزعة تحريفيّة .

... إنّ نضال الماركسيّة الثوريّة الفكري ضد النزعة التحريفيّة ، في أواخر القرن التاسع عشر ، ليس سوى مقدّمة للمعارك الثوريّة الكبيرة التي ستخوضها البروليتاريا السائرة إلى الأمام ، نحو إنتصار قضيّتها التام ، رغم كلّ تردّد العناصر البرجوازية الصغيرة و تخاذلها . "
( لينين ، " الماركسيّة و النزعة التحريفيّة " )
--------------------------------------------
" إنّ ديالكتيك التاريخ يرتدى شكلا يجبر معه إنتصار الماركسيّة في حقل النظريّة أعداء الماركسيّة على التقنّع بقناع الماركسيّة ."
( لينين ، " مصائر مذهب كارل ماركس التاريخيّة " المخطوط في مارس 1913 ، ( الصفحة 83 من " ضد التحريفيّة ، دفاعا عن الماركسية " ، دار التقدّم موسكو )
---------------------------------------------------------
" إنّ ميل المناضلين العمليين إلى عدم الإهتمام بالنظرية يخالف بصورة مطلقة روح اللينينيّة و يحمل أخطارا عظيمة على النظريّة تصبح دون غاية ، إذا لم تكن مرتبطة بالنشاط العملي الثوري ؛ كذلك تماما شأن النشاط العملي الذى يصبح أعمى إذا لم تنر النظريّة الثوريّة طريقه . إلاّ أنّ النظريّة يمكن أن تصبح قوّة عظيمة لحركة العمّال إذا هي تكوّنت فى صلة لا تنفصم بالنشاط العملي الثوري ، فهي ، وهي وحدها، تستطيع أن تعطي الحركة الثقة وقوّة التوجّه و إدراك الصلة الداخليّة للحوادث الجارية ؛ وهي ، وهي وحدها ، تستطيع أن تساعد النشاط العملي على أن يفهم ليس فقط فى أي إتّجاه و كيف تتحرّك الطبقات فى اللحظة الحاضرة ، بل كذلك فى أيّ إتّجاه وكيف ينبغى أن تتحرّك فى المستقبل القريب . إنّ لينين نفسه قال و كرّر مرّات عديدة هذه الفكرة المعروفة القائلة :
" بدون نظرية ثورية ، لا حركة ثوريّة " ( " ما العمل ؟ " ، المجلّد الرابع ، صفحة 380 ، الطبعة الروسية ) "
( ستالين ، " أسس اللينينية - حول مسائل اللينينية " ، صفحة 31 ، طبعة الشركة اللبنانية للكتاب ، بيروت )
-------------------------------------
" إن الجمود العقائدى و التحريفية كلاهما يتناقضان مع الماركسية . و الماركسية لا بد أن تتقدم ، و لا بدّ أن تتطور مع تطور التطبيق العملى و لا يمكنها أن تكف عن التقدم . فإذا توقفت عن التقدم و ظلت كما هي فى مكانها جامدة لا تتطور فقدت حياتها ، إلا أن المبادئ الأساسية للماركسية لا يجوز أن تنقض أبدا ، و إن نقضت فسترتكب أخطاء . إن النظر إلى الماركسية من وجهة النظر الميتافيزيقة و إعتبارها شيئا جامدا ، هو جمود عقائدي ، بينما إنكار المبادئ الأساسية للماركسية و إنكار حقيقتها العامة هو تحريفية . و التحريفية هي شكل من أشكال الإيديولوجية البرجوازية . إن المحرفين ينكرون الفرق بين الإشتراكية و الرأسمالية و الفرق بين دكتاتورية البروليتاريا و دكتاتورية البرجوازية . و الذى يدعون اليه ليس بالخط الإشتراكي فى الواقع بل هو الخط الرأسمالي . "
( ماو تسي تونغ ، " خطاب فى المؤتمر الوطنى للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية "
12 مارس/ أذار 1957 " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، ص21-22 )
-------------------------------------
كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعية .
( " بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره " ، فصل من كتاب " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة " ، 2005)
==========================================
مقدّمة :
من تابع و يتابع كتاباتنا سيتفطّن دون عناء إلى كون هذا المقال يتنزّل ضمن مشروع نقدي للخطّ الإيديولوجي و السياسي لحزب العمّال التونسي و بالتالى ليس مقالا منفردا مناسباتيّا من ناحية و لا هو من ناحية أخرى، كافيا شافيا لوحده للبتّ نهائيّا في المسألة و إنّما هو لبنة من لبنات سلسلة من المقالات السابقة و محطّة من محطّات سلسلة مقالات لاحقة تمّت البرمجة لها على أنّنا لا نتعهّد للقرّاء بإنجازها و إصدارها في تاريخ معيّن ذلك أنّنا نشتغل وفق أولويّات خاصة .
في السنوات الأخيرة ، صدرت لنا على صفحات الحوار المتمدّن عدّة مقالات ناقدة و لسياسات حزب العمّال التونسي ومواقفه و أفكاره و اليوم نغتنم فرصة إعادة قراءة كتاب السيّد جيلاني الهمّامي المنشور سنة 2017 عن الثقافيّة للطباعة و النشر و التوزيع، تونس و الذى قدّم له السيّد حمّه الهمّامي ، لنقطع خطوة ضروريّة أخرى في مشروعنا النقدي فالكتاب يحمل في طيّاته مواقفا تعدّ وليمة بالنسبة للنقد الماركسي لن نفوّتها لا لشيء إلاّ لأنّها تكشف جوانبا هامة بل غاية في الأهمّية من الخطّ الإيديولوجي و السياسي التحريفي و الإصلاحي لهذا الحزب سيما و أنّ هذه المواقف خطّها قلم قيادي من أعلى قيادات هذا الحزب .
و لا يندرج هذا بتاتا ضمن الترف الفكري أو المناكفات و المهاترات الفكريّة أو التهجّم الشخصيّ و ما شاكل ذلك كما يحلو لبعض مشوّهي الصراع على الجبهة النظريّة و السياسيّة الزعم و إنّما يندرج ضمن المساهمة في القيام بالواجب الشيوعي المتأكّد والملحّ في دحض و تعرية التحريفيّة و الدغمائيّة بشتّى ألوانهما المهيمنتين على الحركة الشيوعية العربيّة و العالميّة و المعرقلتين إلى درجة كبيرة نشوء الحركات الثوريّة و نموّها و تطوّرها ، و في إعلاء راية الشيوعية الثوريّة لتكون سلاحنا العلمي البّتار في كفاحنا البروليتاري الجبّار في سبيل الثورة الشيوعية و تحرير الإنسانيّة من كافة أشكال الإستغلال و الإضطهاد الطبقيّة و الجندريّة و القوميّة ، و الغاية الأسمى هي المجتمع الشيوعي على الصعيد العالمي.
حيال تشويه الماركسيّة و تحريفها تشويها و تحريفا منقطعا النظير ، يتلخّص واجبنا و تتلخّص أوكد المهام الملقاة على عاتقنا في المساهمة قدر الإمكان في رفع تحدّى إزاحة الغبار عن التعاليم الشيوعية الحقيقية ، الشيوعية الثوريّة ( فمثلما أعرب عن ذلك إنجلز في خطابه على قبر ماركس، كان ماركس قبل كلّ شيء ثوريّا ) و عن تطوّرها ككلّ العلوم . و لن نملّ من ترديد ، سنمعن و نتمادى في ترديد ، أنّنا ننطلق في أعمالنا النقديّة من الشيوعيّة الجديدة أو الخلاصة الجديدة للشيوعية التي طوّرها طوال عقود من النضال النظري و العملي محلّيا و عالميّا بوب أفاكيان كونها شيوعيّة اليوم ، قمّة ما بلغته أسس الشيوعية من رسوخ علمي و تطوير تأسيسا على تقييم نقدي لتاريخ الحركة الشيوعية العالمية و دفاعا عن الجانب الصائب الرئيسي في نظريّاتها و ممارساتها و القطع مع الأخطاء وهي ثانوية و إن كانت جدّية و الجانب غير العلمي الذى علق بها منذ بداياتها الأولى و معالجة للمشاكل الجديدة الطارئة ؛ وإستفادة من مراكمات النضالات الشيوعية و الصراعات الطبقية عبر العالم قاطبة و من عدّة مجالات من النشاطات الإنسانية الأخرى.
و" تعنى الخلاصة الجديدة إعادة تشكيل و إعادة تركيب الجوانب الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن ، بينما يتمّ التعلّم من الجوانب السلبية لهذه التجربة بابعادها الفلسفية والإيديولوجية و كذلك السياسية ، لأجل التوصّل إلى توجه و منهج و مقاربة علميين متجذّرين بصورة أعمق و أصلب فى علاقة ليس فقط بالقيام بالثورة و إفتكاك السلطة لكن ثمّ ، نعم ، تلبية الحاجيات المادية للمجتمع و حاجيات جماهير الشعب ، بطريقة متزايدة الإتساع ، فى المجتمع الإشتراكي – متجاوزة ندب الماضى ومواصلة بعمق التغيير الثوري للمجتمع ، بينما فى نفس الوقت ندعم بنشاط النضال الثوري عبر العالم و نعمل على أساس الإقرار بأن المجال العالمي و النضال العالمي هما الأكثر جوهرية و أهمّية ، بالمعنى العام – معا مع فتح نوعي لمزيد المجال للتعبير عن الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس ، مفهوما بصورة واسعة ، و مخوّلين سيرورة أكثر تنوّعا و غنى للإكتشاف و التجريب فى مجالات العلم و الفنّ و الثقافة و الحياة الفكرية بصفة عامة ، مع مدى متزايد لنزاع مختلف الأفكار و المدارس الفكرية و المبادرة و الخلق الفرديين و حماية الحقوق الفردية، بما فى ذلك مجال للأفراد ليتفاعلوا فى " مجتمع مدني " مستقلّ عن الدولة – كلّ هذا ضمن إطار شامل من التعاون و الجماعية و فى نفس الوقت الذى تكون فيه سلطة الدولة ممسوكة و متطوّرة أكثر كسلطة دولة ثورية تخدم مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن وعالميا و الدولة عنصر محوري ، فى الإقتصاد و فى التوجّه العام للمجتمع ، بينما الدولة ذاتها يتمّ بإستمرار تغييرها إلى شيء مغاير راديكاليا عن الدول السابقة ، كجزء حيوي من التقدّم نحو القضاء النهائي على الدولة ببلوغ الشيوعية على النطاق العالمي . "
( بوب أفاكيان ،" القيام بالثورة و تحرير الإنسانية "، الجزء الأوّل ، جريدة " الثورة " عدد 112 ، 16 ديسمبر 2007 .)
و من يتطلّع إلى تفسير العالم تفسيرا علميّا و تغييره تغييرا شيوعيّا ثوريّا ، عليه / عليها بدراسة و إستيعاب و تطبيق و تطوير هذه الخلاصة الجديدة للشيوعية ، الشيوعية الجديدة و نقترح عليه / عليها التفحّص النقدي لأدبيّات أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية و أدبيّات مناهضيها التى ترجمها و نشرها بموقع الحوار المتمدّن شادي الشماوي ، و التفحّص النقدي لجدالات ناظم الماوي بهذا المضمار وهي منشورة كذلك على صفحات الحوار المتمدّن و بمكتبة هذا الموقع على الأنترنت. و كإطلالة أولى على الشيوعيّة الجديدة أو الخلاصة الجديدة للشيوعيّة الآن و هنا و دون تأخير ، وثّقنا كملحق لعملنا هذا نصّا يلخّص فيه بوب أفاكيان نفسه التوّجه والمنهج والمقاربة الجوهريّين و العناصر الأساسيّة للخلاصة الجديدة للشيوعيّة .

و لا نزيد عن هذا كيما لا نطيل عليكم ، ولنطلق فورا سهم النقد الماركسي و ندعه يتجّه إلى هدفه و يصيبه فيكشف جوانبا من المستور من التحريفيّة و الإصلاحيّة لدى حزب العمّال التونسي ، و ذلك وفق المحاور الآتى ذكرها :
1- لخبطة فكريّة بداية من العنوان ،
2- الدولة بين المفهوم الماركسي و المفهوم التحريفي،
3- أشكال حكم دولة الإستعمار الجديد و أوهام إمكانيّة إصلاحها لخدمة الشعب،
4- من أوهام الحزب التحريفي و الإصلاحي الديمقراطية البرجوازية ،
5- تجلّيات منهج مثالي ميتافيزيقي مناهض للمادية الجدليّة ،
6- السياسات التي يقترحها جيلاني الهمّامي إصلاحيّة و ليست ثوريّة ،
7- ثمّة فشل و ثمّة فشل !
خاتمة :
--------------------------------------------

3- كيف يفهم حزب العمّال الإستعمار الجديد ؟

فى ما مرّ بنا ، رأينا أنّ السيّد جيلاني الهمّامي يستخدم ، و إن في مواقع قليلة تعدّ على أصابع اليد الواحدة ، مصطلح دولة الإستعمار الجديد إلاّ أنّه يُركّز حديثه في أغلب الأحيان على التنديد بالإستعمار على أنّه علاقة خارجيّة أساسا تترجمها عبارات من قبيل الخضوع " لإبتزازات صندوق النقد الدولي " ( ص 143) . و هذه المسألة باعثة على البلبلة الفكريّة وتستحقّ أن نسلّط عليها بعض الضوء لفرز الموقف الشيوعي الحقيقي من المواقف التحريفيّة أي الشيوعيّة الزائفة و لتعرية خطابه الإصلاحي مهما كانت الأستر التي يتستّر بها .
صبّ الهمّامي جام غضبه على إملاءات صندوق النقد الدولي و كأنّها جوهر مسألة الإستعمار الجديد ( مثلا مقال " قانون الماليّة لسنة 2017 تنفيذ لإملاءات و تكرار للقديم " ) و يعدّ المديونيّة " القاعدة الماديّة للأزمة الإقتصاديّة و الإجتماعيّة الحادة التي تمرّ بها بلادنا منذ نهاية الخمسينات من القرن الماضي و التي تقع معالجتها كلّ مرّة بطرق تلفيقيّة و إعتباطيّة و بوصفات مستوردة من الخارج و مملاة خاصة من صندوق النقد الدولي و البنك العالمي . " ( ص 126 )
ماركسيّا و إنطلاقا من التحليل الملموس للواقع الملموس ، الإشكال كلّ الإشكال ليس في صندوق النقد الدولي أو البنك العالمي و لا يشكّلان جوهر القضيّة و إن كانا أداة بيد نظام إمبريالي عالمي ، جوهر القضيّة هو نمط إنتاج كامل هو نمط إنتاج الإستعمار الجديد أي تحالف بين الرأسماليّة الكمبرادوريّة و بقايا الإقطاعيّة و الإمبرياليّة العالمية و أسلوب الإنتاج هذا متداخل بحيث لا يخدم صندوق النقد الدولي الإمبريالية فحسب بل يخدم أيضا الطبقات الرجعيّة المحلّية و يتحالف معها في ذلك على حساب أوسع الجماهير الشعبيّة المستغلّة و المضطهدة . و التشابك و التداخل و التخارج بين الإمبريالية و الطبقات الرجعيّة المحلّية لا يسمحون لمن يفقه لبّ نمط الإنتاج هذا بالحديث عن خضوع لإبتزازات وكأنّ الحكومة تقاوم هذه البرامج، على العكس تماما من ذلك هي جزء لا يتجزّأ من خدم دولة الإستعمار الجديد و من يقف وراءها من طبقات رجعيّة و إمبريالية و لئن أبدت إعتراضات فيكون ذلك ضمن نقاشات أو حتّى إختلافات في صفوف الرجعيّة والإمبريالية و كيف يمكن خدمتهما على أحسن وجه ممكن . و واهم و باث للوهم من يصدّق مسرحيّات المقاومة و الإبتزازات إلخ و كأنّ الدولة وطنيّة و الحكومة وطنيّة و مغلوبة على أمرها و الحال غير ذلك .
هكذا مسرحيّات توظّف لإصباغ و لو مسحة من الوطنيّة على السلطة الحاكمة ، من جهة ، و للإيهام بإمكانيّة القطع مع هذه العلاقات المتداخلة مع الإمبريالية لو توفّر شيء من الإرادة لدى الحكومة . هذا ما يروّج له الإصلاحيّون عموما . القضيّة في جوهرها قضيّة نمط إنتاج نكرّرها ، و الاقتصاد التونسي أدمج ضمن النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي و لا مخرج حقيقي إلا بالإطاحة بالطبقات الرجعية و الإمبريالية و دولة الإستعمار الجديد و إنشاء دولة ثورية و نمط إنتاج جديد و علاقات إقتصادية و إجتماعيّة جديدة على أنقاض دولة الإستعمار الجديد و من يقف وراءها . هذا ما ترتئيه الشيوعية الثوريّة و ليس مجرّد تقليم أظافر صندوق النقد الدولي أو البنك العالمي و قد جرّبت بلدان عديدة عبر العالم من أفريقيا – البركينافاسو زمن توماس سنكارا – و البرازيل و فنزويلا ...القيام بذلك في إطار دولة الإستعمار الجديد فمنيت في نهاية المطاف بالفشل : لم تخرج من إطار النظام الراسمالي الإمبريالي الذى أعاد تأكيد نفسه و بقوّة .
و نعود إلى واقع القطر و ما جاد به قلم الهمّامي بهذا المضمار فنلاحظ في ما يخطّه أنّه ينحو بصورة متكرّرة إلى إعتبار العلاقة بين دولة الإستعمار الجديد و صندوق النقد الدولي ( و البنك العالمي ) علاقة تصادم و خضوع الأولى لمؤسسات تمثّل الإمبريالية العالمية و سياساتها النهّابة تجاه الشعوب و ما يغفله عمدا الكثيرون هو أنّها مفيدة للسماسرة المحلّيين من البرجوازية الكمبرادوريّة و حلفائها . و على سبيل المثال لا الحصر، ضمن مقال " إلى أين تسير البلاد ؟ " ، بالصفحة 143 على وجه الضبط ، يخطّ جملة معبّرة بهذا الشأن ألا وهي " لقد رضخت الحكومة مجدّدا لإبتزازات صندوق النقد الدولي ..." و ضمن مقال " حول بداية تحرير الدينار و آثاره الاقتصادية و الاجتماعية " ، نعثر على أوّل عنوان فرعي يقول " صندوق النقد يبتزّ تونس " ( 149 ) .
و من هكذا جمل و أفكار ، يتصوّر المرء أنّ " تونس " تقاوم الإستعمار الجديد ، وهو يبتزّها و يتصوّر أنّ " الحكومة " تقاوم الإستعمار و تضطرّ " للرضوخ " و هذا التصوّر أبعد ما يكون عن الحقيقة . " تونس " بمعنى النظام الحاكم و " الحكومة " شريكان للإمبريالية العالمية فهما يمثّلان دولة الإستعمار الجديد و يعملان لصالحها و ليس ضدّها . يريد الهمّامي أن يجعلنا نعتقد و لو للحظة أنّ ممثّلي دولة الإستعمار الجديد ( في السلطة التنفيذيّة و التشريعيّة ...) ضد الإستعمار الجديد . هذه محاولة تضليل أخرى تقدّم أجلّ الخدمات للنظام الحاكم و الطبقات الرجعيّة التي يمثّلها و المتحالفة عضويّا مع الإمبرياليّة العالمية .
ألا يحجب مثل هذا الخطاب عن " الإبتزاز " و الضغط و الخضوع حقيقة الشراكة و التحالف بين الطبقات الرجعيّة المحلّية و الإمبريالية العالمة خدمة لمصلحهما المشتركة ؟ ألا يبيّض هذا وجه السلطة التنفيذيّة لدولة الإستعمار الجديد على أنّها تعرّضت – وهي بالتالى " ضحيّة " كالدولة الضحيّة التي أنف التعليق عليها - للضغط و لم تجد بدّا من الخضوع ؟ و أكثر من ذلك ، ألا يبثّ هذا وهم أنّه من الممكن أن لا تخدم دولة الإستعمار الجديد مصالح الرجعيّة المحلّية والإمبرياليّة العالميّة؟ و أن تمضي ضد تلك المصالح ؟ هذا مربط الفرس .
ينشر الإصلاحيّون بشتّى ألوانهم ، و حزب العمّال على رأسهم ، وهم أنّ هذه الإمكانيّة واردة جدّا شرط تغيير " منظومة الفشل " أي منظومة الحكم ( رئاسة و حكومة و برلمانا ) و تعويضها بمنظومة النجاح . يكفى أن تصعد إلى سدّة السلطتين التنفيذيّة و التشريعيّة مجموعة أشخاص لنفترض جدلا من الجبهة الشعبيّة ، تتحلّى ب " الحدّ الأدنى من الشجاعة " التي لم يمتلكها الرئيس السبسي حسب الهمّامي ، لتتحوّل الإمكانيّة إلى واقع ، و يصفّق الهمّامي وأمثاله لهم طويلا و يهتفوا بحياتهم، على غرار ما إقترح ( ص 159) !
هذا التفكير الإصلاحي فضلا عن كونه مثاليّة ذاتيّة فجّة تتناقض مع المادية الجدليّة ، ضار جدّا سياسيّا للجماهير الشعبيّة و للمناضلين و المناضلات . ببساطة تتناسى هذه المثاليّة الذاتيّة وجود الطبقات الرجعيّة و الإمبريالية العالمية و مناوراتهما السياسيّة و العسكريّة و تتجاهل العمود الفقري لدولة الإستعمار الجديد ألا وهو الجيش . فهل يذهب الظنّ بالإنسان العاقل و ليس الماركسي و حسب أنّ هؤلاء جميعا ( الرجعيّة بقوّتها الاجتماعية و الاقتصادية و العسكريّة ... و الإمبريالية بقوّتها الاقتصادية و العسكريّة و علاقاتها مع القوى الاجتماعية ... ) سيقفون موقف المتفرّج مكتوفى الأيدى لو أنّ حكومة و رئيسا و برلمانا حتّى منتخبين شعبيّا يسلك أو يسلكون نهجا يلحق الضرر بمصالح هؤلاء الرجعيين و الإمبرياليين ؟ يقينا و من المسلّم به أنّهم لن يقفوا مكتوفى الأيدى لا قبل تلك الانتخابات و لا أثناءها و لا بعدها . و لنأخذ على سبيل المثال ما يمكن أن تفعله " بعدها " لأنّ قبلها و أثناءها صارا معلومين إلى حدود لدى عدد كبير من الجماهير المتابعة لمجريات الأحداث السياسيّة في هذه السنوات الأخيرة .
لعلّ احدهم سيوقفنا صارخا : هل صرتم أنبياء للتنبؤ بما سيجدّ مستقبلا و نحن لا تملك تجربة بهذا المضمار ، في القطر ؟ حسنا ، على رسلك أيها المحتجّ ، على رسلك أيّتها المحتجّة ؟ نسترسل في الشرح خطوة خطوة و سندرك بيت القصيد و نشرع بتذكير أنّ دولة الإستعمار الجديد منذ حكم نظام بورقيبة راكمت ممارسات ننتقى لكم منها ما إعترف به قائد السبسي الذى خدم نظام بورقيبة و من موقع متقدّم ، منذ سنوات حيث أقرّ أنّ وزارة الداخليّة في انتخابات بداية الثمانينات زوّرت نتائج الانتخابات التي كان سيفوز بها أنصار أحمد المستيري من الديمقراطيين الإشتراكيين آنذاك . و شهد شاهد من أهلها . و على الفور نضيف أنّنا في عالم رحب و بما أنّ تونس جزء هذا العالم الرحب و جزء بإعتراف السيّد جيلاني الهمّامي في نص مقال " إستقلال بطعم التبعيّة و المهانة "، من " التقسيم العالمي للعمل و النفوذ الذى وضعته كبريات الدول الرأسماليّة" ( ص 125 ) أي جزء من النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي ، نتعلّم من الصراع الطبقي على النطاق العالمي و من تجارب الشعوب و البروليتارية العالمية . و كأمميّين بروليتاريين و بما أنّ الشيوعيّة علم لا يعترف بالحدود القوميّة ، نؤكّد أنّ علم الثورة البروليتارية العالمية فتح أعيننا على عدّة أمثلة ممّا يجرى إن سلكت سلطة تنفيذيّة ما أو سلطة تشريعيّة ما نهجا يلحق أضرارا و يكبّد خسائرا ليست طفيفة بل فادحة و بالغة بمصالح الرجعيّة المحلّية و الإمبرياليّة العالمية . عربيّا ، تاريخ العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 خير مثال على ما قد تفعله الإمبرياليّة تجاه من تعدّهم أعداءها في لحظة ما . و تاريخ الإنقلاب في الشيلي سنة 1973 من أبرز الأمثلة على تصرّفات الإمبرياليّة و الطبقات الرجعيّة المحلّية و جيش دولة الإستعمار الجديد إزاء من يتجرّأ على النيل من مصالح الرجعيّة المحلّية و الإمبريالية العالميّة وهو يستخدم أجهزة دولة الإستعمار الجديد : إن لم تفلح المساعي السياسيّة ، ينتظره الإنقلاب العسكري و المجازر ( و الشيء نفسه في أندونيسيا سنة 1965 إلخ ).
و هذا ليس سوى وجه من وجهي عملة إمبريالية رجعيّة واحدة و نعنى بذلك في مضمارنا هذا أنّ الإمبرياليّة و الرجعيّة المحلّية قادرتان علاوة على تنظيم الإنقلابات العسكريّة ، على الضغط بطرق متباينة تتراوح بين الرشوة و الإغراءات و التهديدات و العقوبات ... فتنتهج سياسة العصا و الجزرة حيال من ينوون او يقرّون العزم على النيل من مصالحهما كي يغيّروا من سياساتهم و إن ركعوا لا مانع لديهما من أن يظلّوا رؤساء لدول الإستعمار الجديد أو أصحاب حقائب وزاريّة و نواب برلمانيين ، لا مانع خاصة إن كانت لديهم شعبيّة ما ، بل قد يمسى ذلك مستحسنا لأنّه يساهم في مزيد مغالطة الجماهير العريضة و تمرير المخطّطات الرجعيّة و الإمبريالية على يد من يدّعون تمثيل مصالح الشعب . و لعلّ مثال سيريسا باليونان أفضل مثال حديث نذكره بهذا الصدد ( مع أخذ أوجه الإختلاف بعين الإعتبار ، طبعا ) فسيريسا كانت كصنف من الجبهات الإنتخابيّة التي تنعت باليساريّة ضد إجراءات التقشّف الرأسماليّة الضارة بمصالح الجماهير الشعبيّة اليونانيّة و لمّا آلت السلطة التنفيذيّة و التشريعيّة إليها ، لم تطبّق البرنامج الذى إنتخبت من أجله بل خانت وعودها التي نثرت على طول البلاد و عرضها و راحت تتفنّن في تمرير السياسات الرجعيّة و قمع الإحتجاجات الشعبيّة .
و مرّة أخرى ، يصطدم الإصلاحيّون من كلّ رهط بواقع عنيد و عنيد جدّا هو أنّ الدولة جهاز طبقي ، آلة قمع طبقي فدولة الإستعمار الجديد دولة في خدمة الإستعمار الجديد القائم على تحالف الطبقات الرجعيّة المحلّية مع الإمبرياليّة العالميّة ، و آلة من ثمّة لقمع أعداء هؤلاء ، لقمع الطبقات الشعبيّة و إن حاول حزب أو جبهة اللعب بذيله أو اللعب بذيلها و الخروج عن الإطار المرسوم له و لها تكون له آلة القمع بالمرصاد و إن لم تكفى آلة قمع دولة الإستعمار الجديد ، تتحرّك ، سرّا أو علنا ، آلة قمع الدول الإمبرياليّة بالتزويد و الدعم و المساندة و حتّى التدخّل المباشر بالغزو و الاحتلال ، و لا نظنّ أنّنا في حاجة إلى أمثلة على ذلك في أيّامنا هذه .
يبقى أن نعود إلى عنوان هذه النقطة بعد أن أجلينا جوانبا من المغالطات التحريفية الإصلاحية . من يقرأ للسيّد الهمّامي ، من يقرأ مقالات كتابه موضوع نقدنا هذا ، يخال أنّ السيّد وهو من قدماء حزب العمّال و ناطقه الرسمي ، لم يطّلع و لم يدرس كتاب لينين العظيم ، " الإمبرياليّة أعلى مراحل الرأسماليّة " حيث يقع شرح أنّ الرأسمال الإحتكاري كمرحلة جديدة من تطوّر الرأسماليّة يتميّز بتصدير أساسا رأس المال المالي ( مزيج بين الرأسمال البنكي و الرأسمال الصناعي ) عوضا عن تصدير السلع أساسا ، و أنّ عصر الإمبرياليّة يعنى تقسيم وإعادة تقسيم العالم من قبل حفنة من البلدان المتقدّمة للبلدان المتخلّفة فنجد من جهة عدد قليل من الدول الإمبرياليّة تستعمر مباشرة أو بصفة غير مباشرة ( إستعمار جديد ) بقيّة بلدان العالم و تدمجها قسرا في النظام الرأسمالي – الإمبريالي العالمي . و من هنا ، لم تعد علاقات الإستعمار الجديد علاقات بين دولة آمرة و دولة مأمورة بل تداخلت أنماط الإنتاج و علاقات الإنتاج و صارت العلاقات الإمبرياليّة داخليّة و ليست خارجيّة بالنسبة للمستعمرات و المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات .
و نسرع إلى مزيد الشرح . علاقات الإستعمار في عصر الإمبرياليّة تتميّز بإلحاق نمط أو أنماط الإنتاج في المجتمعات المستعمرة و شبه المستعمرة و في المستعمرات الجديدة بالنظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي . لقد تمّت عمليّة دمج ( و لن نناقش هنا مسألة تطوير أم عرقلة تطوّر قوى الإنتاج في البلدان المتخلّفة التي تدمجها الإمبرياليّة في نظامها العالمي ، فهذا محور يستحق مقالا بذاته و ليس هذا مجاله ) فصارت قوى الإنتاج ( الأرض و المصانع و الآلات و قوّة العمل ...) المحلّية تشمل أحيانا مصانعا كاملة و ليس فقط بضعة آلات منقولة من المتروبولات إلى المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات و المستعمرات وهي على ملك الشركات الإمبرياليّة و الدول الإمبرياليّة و ليست على ملك الطبقات الرجعيّة المحلّية . و صارت بنوك محلّية بأسرها على ملك الإمبرياليين أو يتشارك فيها الرأسمال الكمبرادوري مع الرأسمال الإمبريالي . و لئن كان عنصر الملكيّة من أهمّ مكوّنات العناصر الثلاثة المكوّنة لعلاقات الإنتاج ( ملكيّة وسائل الإنتاج و الموقع من عمليّة الإنتاج و الموقع من عمليّة توزيع الإنتاج ) ، فإنّنا نلاحظ بوضوح أنّ علاقات الإنتاج الإستعماريّة الجديدة أضحت داخليّة ( ملكيّة الإمبرياليّة للبنوك و المصانع و المناجم و الأراضي ...) و تشغيلها اليد العاملة في مصانعها و على الأراضي وفى المناجم التي تملكها ما يجعل منها العرف المباشر حالئذ ...
و علاوة على ذلك ، يعنى تصدير رأس المال المالى الإمبريالي أنّ الدول و الشركات ... التي تقترض و تستخدم أموال البنوك الإمبريالية تدخل المال المقترض إلى دورة الإنتاج و ينال الوسطاء و العملاء و تحديدا البرجوازيّة الكمبرادوريّة بالخصوص نصيبا من الأرباح و يعطون البقيّة لأسيادهم و غالبا ما تكون المؤسّسات المملوكة للكمبرادور أو حتّى لدولة الإستعمار الجديد بشكل عام في جزء كبير منها مملوكة لرأس المال المالي الإمبريالي . و هكذا نلمس أنّ علاقات الإستعمار الجديد ليست علاقات خارجة عن التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية و عن المجتمع و دولة الإستعمار الجديد و إنّما هي داخليّة متداخلة و متشابكة ضمن النظام الرأسمالي – الإمبريالي العالمي . فالقضيّة إذن قضيّة نمط أو أسلوب إنتاج برمّته بكلّ ما يعنيه ماركسيّا و ليست مجرّد إبتزاز و إخضاع لشخص أو حكومة كما يروّج إلى ذلك الإصلاحيّون و منهم حزب العمّال .
هذا توضيح بسيط للمسألة التي تقتضى لفت الإنتباه إليها و لو على عجل نظرا لأنّ التحريفيين و الإصلاحيين يستغلّون عدم فهمها لبثّ أوهام إمكانيّة إصلاح دول الإستعمار الجديد من داخل سلطها لتصبح في خدمة الشعب ، بدلا من دكّها و على أنقاضها إنشاء دول ثوريّة إقامة نمط إنتاج آخر يخدم مصالح الشعب و البروليتاريا المحلّية و العالميّة و يكون هدف هذه الدولة الجديدة الثورية و نمط الإنتاج الجديد الثوري هذا الأسمى الشيوعيّة على الصعيد العالمي .
و بعجالة نلخّص نقاشا طويلا خضناه مع سلامة كيلة فى الكتاب الذى أفردناه لنقد ماركسيّته ( " نقد ماركسيّة سلامة كيلة، إنطلاقا من الخلاصة الجديدة للشيوعيّة " ) : عصرنا هو عصر الإمبريالية و الثورة الإشتركية بما يفيد ماديّا جدليّا أنّ الإمبريالية و الثورة الإشتراكية ضدّان في وحدة أضداد ، في تناقض . و نقيض الإمبريالية الواضح و الوحيد هو الثورة الإشتراكية بتيّاريها الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنيّة الديمقراطية في المستعمرات و أشباه المستعمرات و المستعمرات الجديدة و الثورة البروليتارية أو الإشتراكية في البلدان الإمبرياليّة ، بقيادة الإيديولوجيا و الأحزاب الشيوعية الثوريّة . و عليه ، لن يفلح العمل في إطار دول الإستعمار الجديد او الدول الإمبريالية في إحداث التغيير الثوري المرجوّ ، طريق الثورة البروليتاريّة العالمية و غايتها الأسمى المجتمع الشيوعي العالمي على أنقاض الإمبريالية هو الطريق الثوري و السليم الوحيد و غير ذلك هراء إصلاحي لا أكثر .
بعدُ سنة 1916 ، في معرض نقاشه لحق الشعوب و الأمم في تقرير مصيرها ، خلص لينين إلى التالى الذى يعبّر أفضل تعبير عن عمق الموقف الماركسي الثوري و مدى تهافت الإصلاحيين بشتّى ألوانهم :
" إنّ العصر الإمبريالي لا يقضى لا على مطامح الإستقلال السياسي للأمم و لا على " قابليّة تحقيق " هذه المطامح في إطار العلاقات الإمبريالية العالميّة . أمّا خارج هذا الإطار، فبدون جملة من الثورات و بدون الإشتراكية " يستحيل تحقيق" و توطد الجمهوريّة في روسيا و أي تحوّل ديمقراطي كبير جدّا في أي مكان من العالم . "
( لينين ، هامش " بصدد الكاريكاتور عن الماركسيّة و بصدد " الإقتصاديّة الإمبرياليّة " – أكتوبر 1916 ، الصفحة 188 من" المختارات في 10 مجلّدات – المجلّد 6 ( 1915- 1917) ، دار التقدّم ،موسكو 1977- التسطير للينين )
---------------------------------------------------------------------------------------------------------