فساد حزب الله


ناجح شاهين
2019 / 10 / 22 - 20:47     

فساد حزب الله
ناجح شاهين
(إلى الصديق: خالد الطريفي)
فوجئت فعلاً من اتهام صديقي "خالد" لحزب الله بالتورط في الفساد. وقد قلت له جاداً إنني لا أحوز أية معلومات في هذا الخصوص.
ليست كلمة الفساد بالكلمة الغامضة، أظن أن معظم من يستخدمها يعرف معناها الأساس الذي يشير إلى استغلال الموقع العمومي للفرد لتحقيق المنفعة الخاصة، أو استخدام احتياجات الناس الخاصة لتحقيق المنفعة السياسية ..الخ.
في هذا السياق يبدو أن هناك أسماء في لبنان ترتبط بالفساد ارتباطاً لا يحتمل المجادلة من قبيل رئيس وزراء لبنان الحريري الاتجاه والهوى فؤاد السنيورة. بالطبع لم نسمع أبداً بأية جهة تتهم قائد حزب الله السيد نصر الله بممارسة الفساد أو رعايته. ولكن ذلك لا يمنع أن بعض الجهات العربية/النفطية وكذلك الأمريكية والإسرائيلية قد روجت لما يمكن عده سقطات فساد وقع فيها أشخاص على صلة ما بحزب الله.
ومن أبرز من تكلم حول فساد الحزب سكاي نيوز من أبوظبي التي قالت إن "محاربة الفساد في لبنان عنوان جذاب، طالما رفعته ميليشيا حزب الله في مواجهة القوى السياسية، كعصا لتهديد "الخصوم"، لكن الوقائع أثبتت أن من يحمل العنوان متورط إلى ركبتيه في مستنقع الفساد. والفساد يشبه الدخان، إن تصاعد، لا يمكن حجبه عن الرؤيا، لذا فإن تورط حزب الله في ملفات الفساد باتت موثقة لدى المجتمعين المحلي والدولي، من الاتجار بالسلاح والمخدرات إلى أعمال تبييض للأموال، وما بينهما من أشكال عدة تكشفها طبقة اجتماعية برزت في أوساط بيئة حزب الله فيما عرف بنادي "الأثرياء الجدد"داخل الحزب."
بعد هذه التهم الكبيرة لحزب الله بارتكاب هذه "الكبائر" نكتشف أن سكاي نيوز لديها توثيقها الحاسم الذي يأتي هكذا: "وتتحدث مصادر عن توقيف أحد المحاربين بتهمة الاتجار بالمخدرات، فيما تزخر صفوفه بالتجار في الممنوعات، من صغار الباعة والمروجين إلى كبار الديلرز."
كذلك "أثبتت تحقيقات دولية تورط كبار المسؤولين في حزب الله في ملفات فساد، وأدرج آخر قرار بالعقوبات مسؤول الأمن والارتباط وفيق صفا المتهم في قضايا تهريب مشبوه عبر الحدود". الجهات الدولية التي يشير إليها الخبر هي وزارة الخزانة الأمريكية التي لا يجوز فيما نتوهم أن تعد مصدراً للمعلومات بخصوص حزب الله الذي تضعه حكومة الولايات المتحدة على رأس قائمة أعدائها. عموماً الحكومات ليست مصدرا للأخبار الموثوقة إلا لمن يظنون أن حكومة أمريكا هي الاستثناء بوصفها شرطي العالم وقاضيه ومسؤوله الشرعي لمتابعة العدل والنزاهة والشفافية وحقوق الإنسان.
إذن القاضي الأمريكي الحريص على الخير والعدل والنزاهة والشفافية على مستوى البشرية كلها هو الذي يكتشف أن حزب الله "يستغل الحدود والمعابر لإدخال بضائع مهربة وممنوعة". ومثلما تعلمون يصعب على حزب الله أن يتنفس في بيئة لبنان المليئة بمن يحفرون له الحفر بدون أن تزكم رائحة أية هفوة من هفواته الأنوف والعيون على السواء.
وُيتهم حزب الله أيضاً بأنه يخترق المؤسسات اللبنانية. ومرة أخرى نجد أن الولايات المتحدة هي من يحذر الدولة اللبنانية من مخاطر انخراط حزب الله في مؤسساتها الرسمية، ربما لإدراكها أن الواقع بات متجاوزاً واقعة الانخراط إلى السيطرة الجزئية، من خلال توظيف المئات من المناصرين والمسؤولين في القطاعات الرسمية، لتخفيف الأعباء المالية عن كاهل الحزب أولاً ولتثبيت قدم في كل مؤسسة رسمية".
أما الكاتب الأمريكي ماثيو ليفيت فإنه يسهب في وصف صعوبات الحزب الناجمة عن تورطه في الحرب السورية وغليان القاعدة الشعبية الفقيرة ضده..الخ دون أن يقدم دليلا واحدا على فساد الحزب المزعوم.
لكن الكاتب لا يعدم أن يروي لنا القصة المعروفة عن التعاون الأمريكي الفرنسي سنة 2016 لاعتقال خلية تعمل في المخدرات لحساب حزب الله من أجل تمويل الحرب في سوريا. بالطبع لم يستطع أحد إثبات أن حزب الله فعلاً على صلة بتلك المخدرات، وبقي الأمر في نطاق الضجة الإعلامية التي تستنتد إلى الصراخ عوضا عن الأدلة.
تأتي الأدلة دائماً من الأمريكيين بخصوص جرائم حزب الله الشنيعة التي تشمل الاتجار بالبشر والمخدرات والجنس والرشوات والعمولات والتهريب ..الخ ولكننا في هذا السياق إنما نواجه تهماً إجرامية، صحت أم لم تصح، ضد حزب الله، ولا نواجه تهماً بالفساد الذي يعني مثلما ذكرنا أعلاه كون الشخص يتمتع بصفة الموظف العمومي الذي يستغل موقعه من أجل مكاسب شخصية لا علاقة لها بالعمل.
بالمناسبة حتى لو توافرت الأدلة على حصول حزب الله بطرق "ملتوية" على المال من أجل الحرب ضد إسرائيل أو ضد العصابات الإرهابية في سوريا فإن هذا لا يكون فسادا لأن الأخير هو اكتساب المال من أجل المنفعة الشخصية.
لكن حزب الله "بوقاحة" أو بجرأة لا تنسجم مع تورطه المزعوم في أعمال الفساد يتصدى علناً لمكافحة الفساد في لبنان ويعلن على الملأ أن جهاده الأصعب ليس ضد اسرائيل ولكن ضد الفساد.

هناك مؤشرات عديدة تؤكد أن حزب الله يؤسس لمرحلة التحوّلات الكبرى على الصعيد السياسيّ، بدءاً من كلام الأمين العام الذي تحدّث عن الواجب الشرعي في مكافحة الفساد، مروراً بكلام نائبه الشيخ نعيم قاسم الذي تحدّث عن مكافحة أشكال الفساد المختلفة وصولا إلى الملفات الحسّاسة التي فتحت نيابياً ووزارياً منذ أشهر عديدة.
حزب الله أوضح من البداية أن قضية الفساد لا تنتهي بعد أشهر أو سنوات قليلة، بل إن النظام الخالي من الفساد هو نقطة فرضية غير موجود في الواقع ولا يمكن الوصول إليها، ولكن كلّما اقتربنا منها أكثر كلّما كان النظام أقلّ فساداً.
وبحسب الشفافية الدولية فإن لبنان منذ 2003 كان غارقا في الفساد الذي يصل إلى مستوى 143 من بين 175 دولة. فهو إذن من بين أكثر البلدان فسادا وقد كان متوسط درجة لبنان عبر هذه السنين هو 115. وقد أوضحت تقريرها أن لبنان يعيش الفساد في مستوياته المختلفة:
https://tradingeconomics.com/lebanon/corruption-rank.

Corruption in Lebanon is widespread and permeates all levels of society, as reflected by the country’s global and regional average performances scores in most governance areas. Political parties, public administration, the Parliament and the police are perceived as the most corrupt institutions of the country.
هذه إذن الصورة بتخطيط تقريبي كما استطعنا رسمها في هذه العجالة:
بدأ حزب الله الحملة العلنية ضد الفساد منذ عام تقريباً. ونتوهم أن من يحمل هذا السلم بالعرض يجب أن يكون مطمئناً إلى داخل بيته. وقد كانت بدايته قوية منذ اشهر بالتصريح بأن فؤاد السينورة قد قد التهم ما يربو على 11 مليار دولار من أموال الدولة. في مقابل ذلك ترد صحيفة النهار الصديقة للسنيورة باتهام رجل "قريب" من حزب الله بالتورط في نشاط له صلة بالدعارة في شقة شرقي لبنان.
تخيلوا حجم المعاناة التي يتطلبها اتهام حزب الله بالفساد؟ سوف يضطر الراغبون في إلصاق التهمة بحزب الله أن يبحثوا عن شقة فيها دعارة، قد يكون رجل له علاقة بحزب الله على صلة بها. كيف؟ يتعاطى الدعارة أم يمارس "بزنس" يعود بالأموال الطائلة بالملايين والمليارات من تلك الشقة لمصلحة إرهاب حزب الله! هراء تماماً.
تأتي المعلومات ضد حزب الله دائماً غائمة من سكاي نيوز وإيلاف لندن الذي يتبنى روايتها دون تردد ومن "علماء" مثل إيمانويل أوتليغي الباحث الكبير في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات".
بينما تدين الشفافية الدولية بحسب الموقع أدناه رئيس الوزراء السابق السنيورة مباشرة بتهمة أن مكاتب كثيرة تابعة له هي زبائنية ترعى الفساد الذي يخدم مصالحه المالية والسياسية على السواء .
https://www.globalsecurity.org/military/world/lebanon/corruption.htm
حزب الله يعاني من صعوبات كبيرة في حربه المعقدة ضد المصالح الأمريكية/الصهيونية/السعودية في المنطقة، وفي هذا السياق تمم أعمال منسقة من أجل إدانته بأية تهم كانت، كما تجري محاولات لتجفيف موارده المالية واختراق أجهزته الأمنية والعسكرية. ولا بد أن أداء الحزب مدهش في تماسكه في مواجهة ذلك كله. ولا بد هنا من التنويه بالموقف المتوازن الدقيق الذي يمارسه الحزب في سياق حراك الشارع البريء وغير البريء في بيروت وطرابلس وغيرهما من المدن اللبنانية.